(( قبل ان افكر في الكتابة التالية حول المسالة النسوية فإذا بالفتوى الصدمة حول زواج القاصرات قد الجمتني .كنت افكر ان اكتب في ظواهر تتعلق بالانهيار الاقتصادي الذي ادى الى تغيير في مفاهيم البنات حول الزواج ونظرتهن لأنفسهن بعد ان كانت قد تطورت.واعني بالبنات الناضجات سنا وعلما وليس القاصرات . فصرن يبحثن عن العريس المقتدر .عن الزواج الغير متكافئ وعن النظرة السلعية لذات المرأة .بل وعن طعن المرأة لامرأة اخرى حين تعتدي على بيتها ورحلة كفاحها الطويلة مع شريك عمرها فتقوم بعملية القرصنة التي صارت لها ادبيات في زمن الفن الهابط اضطراريا هذا " مثل اغنية راجل المرة "والتي تتحدى تحديا صارخا بلا حياء كيان اسرة اخرى وتهدده.كنت سأقول انها تداعيات النظام السياسي الذي انحط بالمجتمع اقتصاديا وأخلاقيا فحتي الفن صار مبتذلا ورخيصا .
دائما اقول اننا نسير الى الوراء في كل شيء فعندما قرأت يوما ان عمود الانارة في حي من احياء امدرمان نحت فيه شيد 1928 قلت لصديقتي "تخيلي لو كنا نسير بذات ألتطور فيجب ان يكون في شارعكم هذا محطة مترو الان لكننا نسير الى الوراء . و ضحكنا ضحك الباكين .الشاهد في حديثي ان من انجازات الحركة النسائية بقيادة الاتحاد النسائي السوداني هو ايقاف زواج الفتيات دون الثامنة عشر. وحتى بدون قانون, لقد نمت وتطورت حركة الفكر الوعي والمعرفة والثقافة بين جميع فئات المجتمع السوداني فيما يخص تعليم البنات .وإيقاف الختان والزواج المبكر بفعل الوعي فقط .الوعي الناتج عن حرية الفكر وسير حركة المجتمع في واقع به حد من الحريات لنشر الوعي .كان ذلك ما قبل الانقاذ .لكن عندما ينحدر وينحط الواقع السياسي في البلدان فحتما يتبعه انحطاط في المفاهيم والقيم والمعتقدات .ليس ذلك فحسب بل عندما تفرض تشريعات قهرية يمهد لها بفتاوى مثل هذه , عندما تكمم الافواه .ونصير مهددين بالاعتقال المترتب عليه تهديد بأشياء يعف القلم عن ذكرها فحتما لن يقف احد في وجه هذه التشريعات و إلا اتهم بالكفر والردة .
ان ما يحدث ليس مجرد سير الوراء كما كنت اردد .ولكنها ردة كاملة لكل ما انجز في تاريخنا منذ المهدية والى الان .سوف لن ننتظر طويلا حتى نسمع بحركة سبي للبنات .ماذا اكثر من هذا وسيكون المبرر ايضا فتوى دينية تحلل ما ملكت ايمانهم ولكن اين ايمانهم . في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اذا اوكل الامر الى غير اهله فانتظروا الساعة فهل الذي افتى تنطبق عليه "الى غير اهله ".نعم هم ليسوا اهلا لمثل هذه الفتاوى .والدين ليس ملكا لأحد ان يفتي فيه ما شاء له .وليس في الاسلام رجال دين .ولكن علماء وفقهاء .وللفقيه والعالم شروط .اهمها بل ادناها ان العالم لاينحط بعلمه الى مجالس الملوك .ناهيك عن ان يطبل لهم ويصير جزء من نظامهم السياسي .هذا اذا استثنينا شبهة الفساد مجرد شبهة الفساد.)). إقبال حامد / الراكوبة