فجر المشارق ـ عبداللطيف الهادي
العُمدة مزمل يعقوب .. يُنادي أصحاب القلوب!
* ما أصعب أن تكتب عن زميل لك هو أستاذ بحق وحقيقة وقامة سامقة وقلم شامخ وإنسان بسيط وإبن بلد أصيل وكريم وسخي بكل ما تحمل الكلمات من معانٍ ، ما أقسى أن تُكرّس حروفك لرجل منح الرياضة في الوطن الكبير وفي أقليمه الأوسط وفي الحصاحيصا مسقط رأسه ومدينته التي أحبها بصورة أيقنت معها أن لا أحداً يحبها كما أحبه ويحبها هذا العملاق الذي أتشرف وأفخر بالكتابة عنه اليوم.
* مزمل يعقوب ، أو العُمدة ، عُمدة صحافيي الأقاليم الذين ألتحفوا السماء وأفترشوا الأرض وقاسوا الحرمان لأجل أقاليمهم ومدنهم ورياضتها في أحلك وأسوأ الظروف ، عانوا وكابدوا وشقوا وتعذبوا لأجل رسالتهم الإعلامية التي آمنوا بها ولأجل قضاياهم التي نذروا زهرة عمرهم وأحلى وأغلى سنوات حياتهم الباذخة والمشرّفة ، ما إنكسروا ولا لانوا أو ضعفوا أمام منْ توهموا وأوهموا نفسهم بالقوة والجبروت فكان أن خاضوا في وجوههم أشرس وأعنف وأقوى المعارك حتى إنتصروا للحق والخير والجمال ، وكان بديهياً وطبيعياً أن يفوزوا لأنهم ما إنحازوا إلاّ لصوت الحق الذي كم وياما حاولت أيادي الكبت والقهر إسكاته ولكن هيهات ، والزميل الضخم ـ مكانةً وقيمةً ـ العُمدة مزمل يعقوب أحد فرسان الكلمة الحُرّة الرافضين للفساد والإستبداد ظلّ على الدوام شاهراً سيف قلمه ضد كافة الأساليب القذرة والنتنة ومنحازاً لقيّم الفضيلة والنزاهة والعِفّة مما أهله ذلك لتبؤ مكانته التي عليها يجلس ويتحكّر الآن والتي جلبت عليه حسد وحنق أنصاف المواهب وأشباه الصحافيين ممن يسمون أنفسهم (أقلام الولايات) والذين حاولوا الدخول معه في معارك دونكشوتية لايملكون أسلحتها ويفتقرون لأدواتها لسبب بسيط أنهم كانوا يخوضون الحرب معه بالوكالة عن سادتهم وأولياء نعمتهم مقابل ثمن بخس ورخيص قد لا يتجاوز (صحن فول) أو في أسوأ الظروف قطعة حلوى وباسطة .. يا باسطة!.
* والعُمدة مزمل تعرفه صحافة الزمن الجميل والنبيل عندما كانت داره المتواضعة بمدينة الحصاحيصا نقطة إلتقاء ومركز إستقبال لكل وسائل الإعلام القاصدة المدينة العظيمة والتي تأتي إليها من كل فج عميق لمتابعة وتغطية مباريات أنديتها مع أندية الحصاحيصا الهلال والمريخ عندما كانا في السابق من دعامات وركائز الدرجة الممتازة وهي في بداياتها تتلمس خطى التجربة الوليدة ، ثمّ نادي النيل الممثل الحالي والواجهة والصورة الجميلة التي ما زالت تحفظ للمدينة العريقة بهائها وألقها بين بقية المدن المُشكّلة والمُزيّنة للوحة الدوري الممتاز ، وكما قيل في الزمن السالف (منْ دخل دار أبوسفيان فهو آمن) فإن منْ يدخل منزل العُمدة إبن يعقوب فهو آمن ومُرحباً به إلي أن يغادر الحصاحيصا وهو لا يدري إن كان ما عايشه ووجده من كرم حاتمي حقيقةً أم خيال؟! .. هكذا عرفناه وهكذا قدم لنا هو نفسه للجميع وبلا تكلّف أو فعل مصطنع ، إنسان نقي وواضح ومتسامح ومتصالح مع ذاته قبل تصالحه مع الغير حتى لو كان هذا الآخر مشبّع حتى أخمص قدميه بطبع اللئام ويفتقر لأدب الكرام!.
* واليوم تمر على الأستاذ مزمل يعقوب محنة عظيمة وإبتلاء من رب العباد من جراء مرض (السُكّري) اللعين حيث يرقد منذ فترة طريح الفراش الأبيض بمنزل الأسرة بمدينة الطائف ، يقف وحده في ظل الظروف الإقتصادية الحرجة لإيقاف الداء اللعين الذي أختار قدمه كمقدم لحربه النتنة! .. حاول ويحاول العُمدة جاهداً ومن دخله البسيط والمحدود و(المهدود) أن يطرد هذه الجرثومة الفتّاكة ، وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها كلماتي االبائسات هذه قد نجح في درء الخطر ولكن إلي حين ، ولو لم نًسارع كقبيلة رياضية وكمجمتمع عنوانه العريض التكافل والتعاضد والتكاتف للوقوف إلي جانب الهرم الإعلامي مزمل يعقوب فإن عدم الوفاء والخذلان يكون فعلياً قد سيطر علينا وأصبح وسطاً رياضياً بلا قيمة أو معنى والذي ظل مضرب الأمثال بين باقي الأوساط الأخرى المُكملة لمجتمعنا المدني الكبير والعريض.
* وليعذرني الأخ الصديق والأستاذ مزمل يعقوب على ما سطرته من كلمات اليوم بحقه والتي أعلم أنها ستضايقه كثيراً ولكن ما قيمة قلمي إن لم يُسلط الضوء على (ظُلمة) أختارت أن تلقى بظلالها على حياة إنسان كانت وما زالت حتى اللحظة طابعها النور والضياء لا لصالح نفسه وإنما من أجل الآخرين ، ونحن كثيراً ما نستهلك شعارات (الوفاء لأهل العطاء) للشخصيات العظيمة ولكن بكل أسف بعد مغادرتها دنيانا الفانية لدار الخلود ، واليوم أُناشد الأخوة بالإتحاد الرياضي السوداني لكرة والقدم ولمجالس إدارات الإتحادات الأقليمية المنتشرة في كافة بقاع السودان ، وكذلك لمجالس إدارات أندية الدرجة الممتازة وبالأخص ناديي القمة الهلال والمريخ وللإتحاد العام للصحافيين السودانيين برئاسة الأستاذ محي الدين تيتاوي ، ولجمعية الصحافيين الرياضيين وفيها أخص الأخ الصديق الأستاذ ياسر عائس ، وقبل كل هؤلاء أخص بصرختي هذه وزارة الشباب والرياضة الإتحادية ووزارة الشباب والرياضة بولاية الجزيرة للإسراع بالمساهمة في علاج الرجل القامة مزمل يعقوب ، وأتمنى أن تجد صرختي هذه الإهتمام اللائق بها اليوم وقبل الغد حتى لا نبكى وإلي الأبد (الوفاء لأهل العطاء ) .. ألا هل بلغت اللهم فأشهد.
فجر أخير
* القمر الطيب يفضحني ، تنبحني سجونك وآهاتها ، كجّنا سجونك لولاك ، منعول الزمن الخلاكّ سلّمتّ الوطن للهمباتة ، على كيفك ، كيفك بتحكّمْ .. يا سُوس تكنك ما بتعلم .. بي حال البتألم وساكت .. يا حال الساكت وبتألمْ! .. بتفتّقْ جرحك يوم (تبرأ) ، تتلمّ وقيدك يتحطّمْ!.