جاء فى تفسير قوله تعالى ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ أى وما عرفوا الله حق معرفته، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن دعامة البيت أساسه ودعامة الدين المعرفة بالله تعالى واليقين والعقل القامع، فقلت: بأبى أنت وأمى ما العقل القامع؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الكف عن معاصى الله والحرص على طاعة الله عز وجل).والمعرفة صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته ثم صدق الله تعالى فى معاملاته ثم تنقى عن أخلاقه الرديئة وآفاته ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه وانقطعت عنه هواجس نفسه ولم يصـغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره، فإذا صار من الخلق أجنبيا ومن آفات نفسه بريا ومن المساكنات والملاحظات نقيا ودام فى السر مع الله مناجاته وحق فى كل لحظة إليه رجوعه وصار محدثا من قبل الحق سبحانه بتعريف أسراره فيما يجريه من تصاريف أقداره، يسمى عند ذلك عارفا وتسمى حالته معرفة وفى الجملة فبمقدار أجنبيته عن نفسه تحصل معرفته بربه عز وجل.
وقالوا: من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة من الله تعالى، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته، والمعرفة توجب السكينة فى القلب كما أن العلم يوجب السكون.
وسئل الشبلى عن المعرفة فقال: أولها الله تعالى وآخرها مالا نهاية له.
وقال الشبلى: العارف لا يكون لغيره لاحظا ولا بكلام غيره لافظا ولا يرى لنفسه غير الله تعالى حافظا.
وقال أبو يزيد: للخلق أحوال ولا حال لعارف لأنه محيت رسومه وفنيت هويته بهوية غيره وغيبت آثاره بآثار غيره.
وقال ذو النون المصرى: معاشرة العارف كمعاشرة الله تعالى يحتملك ويحمل عنك، تخلقا بأخلاق الله عز وجل.
وقال أيضا: أعرف الناس بالله تعالى أشدهم تحيراً فيه.
وقيل لذى النون المصرى بم عرفت ربك؟ قال: عرفـت ربى بربى ولولا ربى لما عرفت ربى.
وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفاً حتى يكون كالأرض يطؤه البر والفاجر وكالسحاب يظل كل شئ وكالمطر يسقى ما يحب وما لا يحب.
وقال ابن عطاء: المعرفة على ثلاثة أركان الهيبة والحياء والأنس.
وقال بعضهم: من عرف الله تعالى تبرم بالبقاء وضاقت عليه الدنيا بسعتها.
وقيل: من عرف الله تعالى صفا له العيش وطابت له الحياة وهابه كل شئ وذهب عنه خوف المخلوقين وأنس بالله تعالى.
وقيل: المعرفة توجب الحياء والتعظيم كما أن التوحيد يوجب الرضا والتسليم.
وقيل: المعرفة للعارف مرآة إذا نظر فيها تجلى له مولاه.
وقالوا: المعرفة غايتها شيئان الدهش والحيرة.
وقيل: إن العالم يقتدى به والعارف يهتدى به.
وسئل أحدهم عن صفة العارف فقال: هو الذى لا يكدره شئ ويصفو به كل شئ.
وقال ذو النون: علامة العارف ثلاثة، لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يعتقد باطنا فى العلم ينقض عليه ظاهرا من الحكم، ولا تحمله كثرة نعم الله عز وجل عليه على هتك أستار محارم الله تعالى.
وقالوا: المعرفة تأتى من غير الجود وبذل المجهود.