مشروع الجزيرة .. ثم ماذا بعد؟؟
حسن وراق
§ تعيش منطقة الجزيرة هذه الايام اجواء من ( النغنغة ) والانبساط وسط بعض العاملين في ادارة مشروع الجزيرة والذي تمت تصفيته بعد ان تم صرف مستحقات العاملين الذين ما يزالون بالخدمة وتمليك البعض المنازل والعربات في الوقت الذي لم يقبض المتقاعدون مستحقاتهم المعاشية لعدة اشهر.
§ صرف مستحقات العاملين بالمشروع في كل من المحالج والهندسة الزراعية وسكة حديد الجزيرة كلف الخزينة العامة اكثر من 45 مليار جنيه كانت كفيلة بان ترد بعض الروح للمشروع وتضمن استمراريته رائدا للنهضة الزراعية بالبلاد .
§ الكثيرون يطرحون السؤال.. لماذا اصرار الحكومة علي تصفية المشروع؟؟ الا ان الاجابة علي السئوال تفضحها البنيات التحتية للمشروع والتي تبلغ 42 مليار دولار بالاضافة الي ان استهلاك المشروع من المياه يقدر بحوالي 8 مليار متر مكعب في العام وان قيمة المتر المكعب عالميا تبلغ واحد دولار مما يعني, ان العائد السنوي من بيع حصة المشروع تبلغ 8 مليار دولار غير ارباح من اعادة بيع الحصة.
§ العالم يعاني مستقبلا من ازمة غذاء متوقع لها ان تحدث هزة وثورات شعبية عارمة ولذا اتجهت العديد من الدول الكبري الي تامين مصادر الغذاء بشراء اراضي خارج بلدانهم كما تفعل الصين واليابان وامريكا وغيرهم والذين اتجهوا الي افريقيا في تنزانيا ومدغشغر وموزمبيق الا ان اراضي مشروع الجزيرة لها وضع استثنائي ومميز.
§ مساحة مشروع الجزيرة تقدر باكثر من2,2 مليون فدان خالية من الموانع الطبيعية وهي مسطحة وذات انحدار طبيعي يساعد في الري وان طول قنوات الري بمشروع الجزيرة تقارب ال 23 الف ميل وهي تساوي بالتقريب محيط الكرة الارضية والذي يبلغ 24 الف ميل وتروي مساحة المشروع بدون اي رافعة مائية هذا غير العوامل الاجتماعية والاقتصادية الاخري والموقع الاستراتيجي في (سرة) السودان.
§ العقبة التي تواجه الحكومة الان , فشلها في حل قضية ملاك الاراض (( الملك الحر )) والذي يقدر بحوالي 60% من مساحة المشروع, تراكمت اجارته علي الحكومة منذ قيام المشروع في عام 1925 ورفض ملاك الاراضي البيع بعد ان تاكد ان هنالك ثورة نفطية ضخمة باراضي بالمشروع .ماتم بيعه من هندسة زراعية بلغ 40 مليار وقضبان سكة حديد الجزيرة لوحدها بحوالي 65 مليار غير بعض الاصول الثابتة الاخري والتي سيتم بيعها للملاك الجدد . بيع المشروع الحقيقة الوحيدة التي لا تصدقها القوي السياسية و هي تقف مكتوفة الايدي مغيبة بقضايا اخري بعد ان فاجأهم ضوء النهار وهم شهود علي اكبر كارثة اقتصادية في تاريخ السودان ,تصفية المشروع الذي قامت علي كاهله النهضة القائمة الان بالبلاد وكأن شيء لم يكن.
§ الآثار المترتبة علي تصفية مشروع الجزيرة سوف تكون مباشرة علي الاقتصاد الوطني والذي يعتمد علي الزراعة وخروج مشروع الجزيرة عن دائرة الانتاج الزراعي يعني ان لا صادر للقطن والذي اصبح لا يقوي علي المنافسة العالمية لارتفاع كلفة الانتاج وبالتالي نوقف زراعة القطن تترك اثار سلبية علي صناعة الزيوت والامبازات والفوائد الاخري من مخلفات زراعته . ما ينطبق علي القطن يشمل الفول السوداني والذرة .
§ تأثيرات تصفية المشروع علي حركة التجارة الداخلية والخارجية سوف يتضح من خلال الميزان التجاري وازدياد وارداتنا من السلع الزراعية وخاصة القمح والفجوة الكبري التي سوف تحدث في انتاج واستهلاك الذرة الذي يدخل في تغذية الانسان والحيوان . في الوقت الذي ادركت فيه الحكومة خطورة الاعتماد علي البترول كأحد الصادرات الرئيسية علي حساب الصادرات غير البترولية وخاصة الزراعية تصفية المشروع تجعل من المتعثر الاعتماد الكلي علي قطاع الزراعة التقليدية والذي تتحكم فيه الكثير من الظروف والعوامل الطبعية والهيكلية .
§ حركة التجارة العالمية اصبحت رهن لقوانين منظمة التجارة العالمية والتي تنظم تجارة العالم وتقدم العديد من الامتيازات والتسهيلات للدول الاعضاء وخاصة من الدول الاقل نموا للاستفادة من مبدأ MFN والذي يختص بالدول الاولي بالرعاية وتسهيل التجارة والنفاذ الي الاسواق والتمتع بواردات ذات تعريفة جمركية متدنية او صفرية وازاحة كل القيود المعوقة لصادرات الدول النامية والاقل نمو والسودان واحد منها علي الرغم من تعثر انضمامه للمنظمة . خروج مشروع الجزيرة من دائرة الانتاج الزراعي يضعف من قدراتنا التنافسية والنفاذ للاسواق العالمية وبالتالي نخرج من التجارة العالمية ونصبح دولة متلقية للاعانات والمساعدات.
§ الآثار الاجتماعية تترتب عليها متغيرات ديموغرافية لتركيبة سكان الجزيرة والذين كانوا يعتمدون اعتمادا كليا علي الزراعة بالمشروع وبدأ استقرارهم علي هذا الاساس . تصفية المشروع دون ايجاد البديل العاجل سوف يضاعف من جيوش العاطلين عن العمل وما تفرزه من اضرار اجتماعية اخري بالاضافة الي الهجرة نحو المدن التي ضاقت بامثالهم من العمال الزراعيين والذين سيصبحون رافدا اساسيا للمهن الهامشية وتروق لهم عيشة المدن والعواصم ويصبح امر رجوعهم اشبه بالمحال في حالة اعادة الحياة للمشروع .
§ مشروع الجزيرة والذي علي اكتافة قامت النهضة الاقتصادية والبني التحتية والمتمثلة في خزان سنار وشبكة الري الاضخم في العالم و مكننة كل عملياته الزراعية وربط اقسامه بشبكة من خطوط السكة الحديد ومن ريعه انشئت العديد من المرافق الحكومية من جامعة الخرطوم ومباني الوزارات المختلفة غير الخدمات الاجتماعية بالمشروع التي صاغت انسان الجزيرة واصلته سريعا بالحضارة والرقي دون سائر اهل السودان . كل هذه الانجازات والفوائد التي قدمها المشروع لانسان السودان لم تشفع له وتقيل عثرته حتي اصبح المشروع عبء ثقيل تشكو منه خزينة البلاد .
§ قانون مشروع الجزيرة لعام 2005 لم يتمهل قليلا و يستصحب الرأي الاخر من ذوي الخبرة والاختصاص والذين افنوا زهرة شبابهم بالمشروع ويعرفون كل اسراره ومشاكله وكذلك انسان الجزيرة والذي ارتبط وثيقا بالمشروع واصبحت حياته رهينة به . نعم هنالك اخفاق وهنالك مشاكل ادت لتدهور المشروع والذي هو مشروع السودان وليس الجزيرة ولكن خيار التصفية كان يستحوذ علي عقلية المشرع والذي استشعر خطورة الامر وا صبح امر تفعيل القانون والعمل به ادخل الحكومة في ( جحر الضب ) لا هي متراجعة عن الغاءه ولا هي قادرة علي العمل بموجبه بعد ان سقط القانون في اول مراحل ما يعرف بروابط المياه والذي هدد مصالح ونفوذ اتحاد المزارعيين والذي وقف ضد مصالح المزارعيين في تأييده للقانون واصبح الاتحاد اكثر المتضررين من تصفية المشروع رغم عدم شرعيتهم وانقضاء فترة ولا يتهم والتي ابطل شرعيتها تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل .
§ الي حين قيام الحكومة بالتفكير في خلق البديل وتعويض انسان الجزيرة ما فقده من مصدر للعمل والرزق وتضييق الفجوة التي يحدثها الخروج من دائرة الانتاج الزراعي غير التقليدي خاصة وان موسم الخريف سوف يسهم بدوره حاليا في (تصبير) صغار المزارعين الا انه يصبح لزاما تشغيل المشروع بالمشاهرة او رزق اليوم باليوم لان امر اعادة صياغة مشروع الجزيرة والذي تنتفي منه صيغة المشروع ستحتاج الي وقت طويل اذا اقتنع المستثمر الاجنبي بالمجازفة في استغلال اراضي نزعت من اصحابها عندما فشلت الحكومة في اعادة تاهيل المشروع والذي يحتاج الي اعادة النظر في امر تصفيته
موضوع: مشروع الجزيرة ثم ماذا بعد ( نقلا عن صحيفة الايام) 
السبت 22 أغسطس 2009 - 10:12
