الكتاب: مجلة التنكيت والتبكيت
المؤلف: صحيفة صدر العدد الأول منها في 16 يونيو عام 1881 م على يد عبد الله النديم (المتوفى 1314 هـ)
تقديم: د. عبد العظيم رمضان
دراسة وتحليل: د. عبد المنعم إبراهيم الجميعي
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر
عام النشر: 1994 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(بالمطبوع رقمان: رقم أعلى الصفحة، وتراه في الشاملة أيضا في أعلى الصفحة، ورقم أسفل الصفحة، وتراه في الشاملة في خانة الرقم)
ـ[مجلة التنكيت والتبكيت]ـ
المؤلف: صحيفة صدر العدد الأول منها في 16 يونيو عام 1881 م على يد عبد الله النديم (المتوفى 1314 هـ)
تقديم: د. عبد العظيم رمضان
دراسة وتحليل: د. عبد المنعم إبراهيم الجميعي
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر
عام النشر: 1994 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
__________
(بالمطبوع رقمان: رقم أعلى الصفحة، وتراه في الشاملة أيضا في أعلى الصفحة، ورقم أسفل الصفحة، وتراه في الشاملة في خانة الرقم)
(/)
________________________________________
عبد الله النديم (1261 - 1314 هـ = 1845 - 1896 م)
عبد الله بن مصباح بن إبراهيم الإدريسي الحسني السكندري الشهير بعبد الله النديم .. صاحب مجلة «التنكيت والتبكيت» و «الطائف» و «الأستاذ» .. وكلها صحف فكاهية ساخرة كانت لسانه للإصلاح.
(/)
________________________________________
من «الأعلام» للزركلي:
من أدباء مصر وشعرائها وزجاليها. يتصل نسبه بالحسن السبط.
ولد في الإسكندرية، وشغل بعض الوظائف الصغيرة. وأنشأ فيها الجمعية الخيرية الإسلامية.
وكتب مقالات كثيرة في جريدتي «المحروسة» و «العصر الجديد» ثم أصدر جريدة «التنكيت والتبكيت» مدة، واستعاض عنها بجريدة سماها «الطائف» أعلن بها جهاده الوطني. وحدثت في أيامه الثورة العرابية، فكان من كبار خطبائها. فطلبته حكومة مصر، [فاستتر عشر سنين. ثم قبض عليه سنة] 1309 هـ فحبس أياما، وأطلق على أن يخرج من مصر. فبرحها إلى فلسطين، وأقام في «يافا» نحو سنة، وسمح له بالعودة إلى بلاده، فعاد واستوطن القاهرة. وأنشأ مجلة «الأستاذ» سنة 1310 هـ ونفاه الإنكليز ثانية، فخرج إلى يافا ثم إلى الآستانة، فاستخدم في ديوان المعارف ثم مفتشا للمطبوعات في «الباب العالي» واستمر إلى أن توفي فيها. له كتب، منها «الساق في مكابدة المشاق - ط» و «كان ويكون - ط» و «النحلة في الرحلة - ط» و «المترادفات - ط» وديوانان، وروايتان تمثيليتان هما «العرب» و «الوطن» ونسب إليه كتاب «المسامير - ط» في هجاء أبي الهدى الصيادي. وجمعت طائفة من كتاباته في «سلافة النديم في منتخبات السيد عبد الله نديم - ط»
__________
وفي مقال عنوانه عبد الله نديم «نشرته صحيفة الأخبار (المصرية) 18/ 6 / 1985 ما خلاصته: كان أبوه مصباح» من إحدى قرى الشرقية، وافتتح مخبزا صغيرا في الاسكندرية فلما نشأ عبد الله أرسله إلى أحد المساجد ليتعلم، فلم يستمر، مال إلى حفظ الأشعار والأزجال، فتخلى عنه أبوه، فتعلم فن الإشارات التلغرافية فاستخدمة الحكومة عاملا للتلغراف بمكتب بنها. ثم نقل إلى مكتب «القصر العالي» حيث كانت تسكن والدة الخديوي إسماعيل (في القاهرة) فأكثر من مخالطة الأدباء. وارتكب خطأ، فأخرج. وذهب إلى «عمدة» إحدى قرى الدقهلية، فأقام عنده يعلم أبناءه. وتشاجر مع العمدة، فهجاه: وسافر إلى المنصورة، ففتح دكانا يبيع فيه المناديل، وأفلس، فعاد إلى الإسكندرية، وسمع الناس يتحدثون بديون الخديوي إسماعيل وتدخل الأجانب وسوء الأحوال، فدخل في جمعية كانت تسمى «مصر الفتاة» لها اتصال بجمال الدين الأفغاني. وبدأ يكتب مقالات في الصحف، أصدر مجلة «التنكيت والتبكيت» سنة 1881 ثم كان خطيب الثورة العرابية الخ. ا. هـ ما في الأعلام
(/)
________________________________________
من منتدى الألوكة ((مقال للعضو/ أبو الطيب المتنبي))
من أدباء مصر وشعرائها وزجاليها، ألف أكثر من سبعة آلاف بيت شعر وروايتين، ثم إنه انخرط في الوطنية وانضم إلى أساطينها آنذاك، وحينما هوت العُرابية هوى ونكصت نكص وقبض عليه وزج به في السجن، ثم عفي عنه من قبل الخديوي توفيق ولم يلبث أن نفاه إلى يافا، فجعل النديم إلفه تأليفه، وألّف كتاب «كان ويكون» وكان ذلكم الكتاب مرآة لعرض آرائه في اللغة والسياسة والحياة
اختلف النديم إلى الصحف فكتب في «المحروسة» و «العصر الجديد» ثم أصدر مجلة «التنكيت والتبكيت» ثم استعاض عنها بمجلة الطائف والتي كانت (عرضحال) للأحوال العرابية آنذاك، ثم أخرج «الأستاذ» في ثوب قشيب وبلغة الدهناء ففهمها الجماء الغفير وأقبلوا عليها إقبال الظامي على الماء، والجائع على الطعام، وأخرجت عام 1892 وما لبثت أن قفلت إلى الأفول بفعل اللورد كرومر فأشار النديم إشارة المودع ورفع ثياب الهجرة إلى منفاه الآستانة وأنشد:
أودعكم والله يعلم أنني ... أحب لقاكم والخلود إليكم
وما عن قِلي كان الرحيل وإنما ... دواعٍ تبدت فالسلام عليكم
قال المؤرخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف الرافعي: {1966:م}
وانتهى به المطاف في منفاه إلى الآستانة حيث توفى سنة 1896م
من مصنفاته:
(1) الاحتفاء في الاختفاء
(2) الآلئ والدرر في فواتح السور
(3) البديع في مدح الشفيع
(4) في المترادفات
(5) الساق في مكابدة المشاق
(6) كان ويكون
(7) النحلة في الرحلة
(
سلافة النديم وهي رسائله (16 رسالة) جمعها عبد الفتاح النديم ورسمه بذلك الرسم
ومن مأثوره قوله:
• «وما خلقت الرجال إلا لمصابرة الأهوال ومصادمة النوائب، والعاقل يتلذذ بما يراه في فصول تاريخه من العظمة والجلال، وإن كان مبدأ الصعوبة كدراً في أعين الواقفين عند الظواهر».
• «أعيروني من أيام أنسكم أوقاتاً أدخل فيه أنديتكم الأدبية لأتلو عليكم صحائف الحكمة، وأنا كامن في أسطر صحيفتي وهي لساني فما المرء إلا أصغراه قلبه ولسانه»
من أقوال أهل التأريخ فيه:
• قال الزركلي: من أدباء مصر وشعرائها وزجاليها. اهـ
• قال الرافعي: خطيب الثورة العرابية، وهو أيضاً شاعرها انطبعت في خطبه وقصائده روح الوطنية المتدفقة، وروح الثورة. اهـ
ومن لطيف شعره قوله:
إليكم يُرَدُّ الأمر وهو عظيم ... فإني بكم طول الزمان رحيم
إذا لم تكونوا للخطوب وللردى ... فمن أين يأتي الديار نعيم
وإن الفتى إن لم ينازل زمانه ... تأخر عنه صاحبٌ وحميم
فرُدُّوا عنان الخيل نحو مخيم ... تقلبه بين البيوت نسيم
وشدوا له الأطراف من كل وجهة ... فمشدود أطراف الجهات قويم
إذا لم تكن سيفاً فكن أرض وطأة ... فليس لمغلول اليدين حريم
(/)
________________________________________
من كتاب «الشرقية شوارع ومدن لها تاريخ» للدكتور عمرو عبد العزيز منير:
عبد الله النديم الذي ولد بقرية الطيبة بمحافظة الشرقية سنة 1845م ونشأ وتربي بالأسكندرية بعد انتقال والده الذي كان يعمل نجاراً للعمل بترسانة الأسكندرية. وتم نفيه إلى الأستانة 1893م وتم منعه من الكتابة ولكنه اصطدم بأحد أفراد حاشية السلطان عبد الحميد ويسمى (أبا الهدى الصيادي) مستشار السلطان وكان يسميه (أبا الضلال) وكتب فيه كتاب (المسامير) , أظهر الشيطان شخصية مهزومة أمام أبو الضلال في مقدمه و9 مسامير فكان كتابه أحد نفائس فن الهجاء في التاريخ العربي .... وفي إقامته الإجبارية بتركيا تعطّلت مواهبه وتوقفت، وسكت فجأة عمّا كان يطالب به الأدباتّي الزجّال الغرّيد والمعارض، ووجد في الأفغاني عزاء له وسلوةً وفي الأمسيات كان الأستاذ والتلميذ يلتقيان تحت أشجار الحدائق التي خصصها عبد الحميد لهما، يتذكران أيّام النضال وأحداث الثورة العرابية، ويطوّفان على سيرة الرفاق في سيلان الذين قدم عهد المنفى بهم ويستعرضان دوحة الشباب وما كان فيها من وارف الأغصان، وعن طريق الأستاذ تعرّف على وزراء وأعيان ... لكن النديم لم ينس مصر، وعندما زار الخديوي عبّاس الثاني الأستانة طلب منه العودة إليها فأجيب طلبه سنة 1895، وفعلاً قفز إلى الباخرة يغمر قلبه الحنين إلى وطنه، ولكن جواسيس عبد الحميد أبرقوا على الفور إليه، فأوقفت الباخرة وانتزع النديم منها وسيق إلى المنفى الذهبي من جديد ... بعد أشهر مرض النديم وتراجعت صحته، ونهش السلّ الرئوي صدره وأحسّ بدنو أجله، فأخبر أمه وأخاه في مصر واستقدمهما، ولكن الموت جذبه إليه قبل أن يصلا، فتوفيّ وحيداً غريباً عام 1896 دون أن يترك زوجاً أو ولداً أو حطاماً، وكل ما تركه سيرة عطرة وحياة حافلة.
هذا الرجل العظيم مات خارج الوطن ومقبرته معروفة ومحددة أما آن الأوان أن يعود النديم إلى حضن الوطن الذي أعطاه النديم كل قطرة من دمه وكل لمسة من عبقريته , ألم يحن الوقت لرجل عرف قيمة العلم والتقدم وأهمية الكلمة والحرية والفن وأعطى كل هذا لمصر؟ أن يعود .....
(/)
________________________________________
من موقع «صيد الفوائد»:
عبد الله النديم فارس الكلمة وقائد الثورة
أ. مجدي داود*
بسم الله الرحمن الرحيم
شارك النديم فى ثورة الجيش المصرى ... واختاره زعيم الثورة أحمد عرابى مستشارا مدنيا له، سخر عبد الله النديم صحفه للحديث عن الأوضاع الفاسدة وعن النفوذ الأجنبى وراح ينتقد وبشدة الخديو توفيق ورياض باشا .. وفى هذا يقول: وأعلنت حب العسكر والتعويل عليهم، وناديت بانضمام الجموع إليهم، وأوغلت فى البلاد ونددت بالإستبداد، وتوسعت فى الكلام، وبينت مثالب الحكام الظلام، لا أعرفهم إلا بالجهلة الأسافل، ولا أبالى بهم وهم ملء المحافل.
* * *
إن تاريخنا حافل بتاريخ الرجال الذين عاشوا وماتوا وما ضعفوا وما استكانوا، عاشوا مجاهدين يحملون أكفانهم على أيديهم ويسيرون نحو العدو بقلوب مخلصة ونوايا صادقة، وماتوا شهداء أو بقوا رجالا في ثبات شديد لم ينل منهم الضعف والذل، ولم يكن لهما منهم نصيب، ولم تغيرهم الأيام والسنون بل هم الذين صنعوا تاريخا مجيدا وتراثا مشرفا.
من هؤلاء عبدالله بن مصباح بن إبراهيم الإدريسى الشهير بعبدالله النديم الذى كان مولده يوم عيد الأضحى المبارك عام 1261هـ، 1845 م بمدينة الإسكندرية بشمال مصر (انظر: عبد الله النديم خطيب الثورة العربية ص 33).
وهو من السادة الأشراف من نسل الإمام الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما (انظر عبد الله النديم خطيب الوطنية ص 18)
وقد حفظ الشيخ القرآن الكريم فى الكتاب وهو فى التاسعة من عمره، وقد اشتهر الشيخ فى طفولته بذكائه وعلو همته ونبوغه.
ولست هنا بصدد سرد السيرة الذاتية لعبد الله النديم رحمه الله، بل هى محاولة للإستفادة من حياته وتجاربه عن طريق تسليط الضوء على بعض مواقفه وأفعاله البطولية ومحاولة اسقاطها على الواقع الذى نعيشه، وتطبيق ما يمكننا تطبيقه مع مراعاة اختلاف الظروف والأحوال.
لقد كان النديم يكتب فى صحيفة مصر وكذلك فى صحيفة التجارة التى كان يصدرها أتباع الشيخ جمال الدين الأفغانى وكانت مقالاته تحث الناس على التغيير والثورة على هذه الأوضاع الفاسدة التى يعيشونها ويسلحهم بالوعى والمعرفة لمآلات الأمور إن استمر الحال على ما هو عليه دون تغيير.
وكان يركز على النفوذ الأجنبى واستبداد الخديوات بالحكم وقهرهم الناس، وإغراق البلاد بالديون الكثيرة، وكان رجل عذب الكلام فصيح اللسان يقرأ له كثير من الناس، وبعد أن أوقفت هذه الصحف قام هو بإنشاء صحف وكان يديرها ومن أشهرها صحيفة التنكيت والتبكيت، وكان يستغل هذه الصحف أيضا فى توعية الناس مع علمه أن الخديوى اسماعيل ومن بعده توفيق لا يألون جهدا فى النيل ممن يتحدث عنهم وينتقدهم.
وهنا لنا وقفة، فكثير ممن لديهم موهبة الكتابة اليوم لا تراهم يكتبون، ولا تراهم يتحركون من أجل إيصال ما لديهم من فكر إلى الناس، ولو علم هؤلاء أهمية هذه الكلمات التى يستهينون بها والتى يعتبرونها من الأمور التافهة لما تأخروا فى التقدم لها، وإذا كتبوا تراهم لا يكتبون إلا ما يذهب بالأمة نحو التخلف والإنهيار، ويدعى أن هذه مدنية وتقدمية وأن ما سوى ذلك رجعية وتخلف، تراه لا يذكر هموم الناس ولا يتحدث عنها وإذا ذكرتها عنده راح ينظر للأفكار الضالة من علمانية وليبرالية وغيرها، وإذا ذكرت عنده قضايا الأمة راح يكتب عن الإرهاب والسلام، فكان سكوته حينئذ خير من كلامه، فما تكلم إلا بشر.
وهناك من إذا ذكرت عنده النفوذ الأجنبى تجده يحاول أن يبرر هذا الأمر بحجة أنهم الأقوى وأنهم إن يتدخلوا فى أمورنا خير من أن يقوموا باحتلال أرضنا، وكأننا إما أن نوافق على أن يتحكموا فى كل شؤوننا أو يحتلوا أرضنا، فهؤلاء كتاب وذاك كاتب، ولكن شتان شتان بين كاتب وكاتب.
وهناك من إذا قلت له بلدك محتلة فادع الناس إلى مساعدة المجاهدين تراه يثبط ويحبط، وتراه يتهرب من المسؤولية، بل تجد البعض يحمل سكينا حادا ويضعه على رقاب المجاهدين متهما إياهم أنهم السبب فى سفك الدماء وتدمير البيوت، فهؤلاء أحيانا بل غالبا يكونون ملكيين أكثر من الملك.
ومنه أيضا نستنتج أنه على المجاهد والمقاوم أن يبحث عن كل سبيل وكل طريق لينشر به فكره بين الناس، ولكى يعرف الناس أهدافه واستيراتيجيته، ولكى يدعو الناس للإلتفاف حوله ودعمه ومساندته، فالإعلامى المجاهد يكتب فى الصحف، ويشارك فى البرامج الحوارية والمؤتمرات والندوات، بل ويبث الفضائيات ومواقع الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) فلا يدع طريقا إلا سلكه، ولا سبيلا إلا سار فيه، ولا يستهن بالإعلام وقدرته على التأثير فى الناس.
تولى الخديو توفيق حكم مصر بدلا من أبيه اسماعيل وكان توفيق يتودد للشعب ولحزب الإصلاح الذى كان يرأسه جمال الدين الأفغانى، ولكن بعد أن تولى الحكم تمكن منه القنصلان البريطانى والفرنسى فصار لا يقطع أمرا بدونهما بل صارا هم كأنهما الحاكم الحقيقى لمصر، فقبض توفيق على الأفغانى ونفاه خارج البلاد وأغلق صحفه، فتفرق أنصاره ولكن النديم لم يهرب ورأى أن البلاد قد صارت أسيرة فى يد الأجانب، فراح يصرخ بأعلى صوته، وأقام المحافل الخطابية فى الإسكندرية وانتقد فيها نظام الحكم بأسلوبه الأدبى البسيط الذى يفهمه العوام، وأنشأ مع بعض أنصار الأفغانى صحيفتى (المحروسة والعهد الجديد).
هكذا يجب أن يكون دور المثقف الذى أوتى من حسن الكلام ما أوتى، فبدلا من أن يهرب من مواجهة الأمور كما قد يهرب البعض تاركا الساحة خالية لدعاة الفساد والإفساد، وتاركا الدولة كلها فريسة فى يد الأجانب، يقف هو فى هذا التغلغل الأجنبى ويجتهد فى منعه من السيطرة على البلاد وعلى الحكم فيها، وكذلك على ثرواتها ومقدراتها، حتى وإن لاقى فى سبيل ذلك ما يلاقيه.
شارك النديم فى ثورة الجيش المصرى وهو أول من انضم إلى التشكيلات العسكرية من المدنيين واختاره زعيم الثورة أحمد عرابى مستشارا مدنيا له، سخر عبدالله النديم صحفه التى يديره للحديث عن الأوضاع الفاسدة وعن النفوذ الأجنبى وراح ينتقد وبشدة هذه المرة الخديو توفيق ورياض باشا رئيس الوزارة وفى هذا يقول النديم (وأعلنت حب العسكر والتعويل عليهم، وناديت بانضمام الجموع إليهم، وأوغلت فى البلاد ونددت بالإستبداد، وتوسعت فى الكلام، وبينت مثالب الحكام الظلام، لا أعرفهم إلا بالجهلة الأسافل، ولا أبالى بهم وهم ملء المحافل) (انظر تاريخ مصر ص 56).
وقد هم رياض باشا بنفى النديم خارج البلاد وأصدر مرسوما بذلك وأرسله للخديو لإقراره، ولكنه فشل فى مسعاه إذ تصدى لذلك بعض قادة الجيش المصرى.
ليس هذا فحسب بل إن النديم كان يقوم بتشكيل التجمعات الشعبية المناصرة للثورة وكان هو حلقة الوصل بين قادة الثورة العسكريين وتلك الجماهير المدنية العريضة، وعمل على جمع التوقيعات الشعبية التى تنيب أحمد عرابى لكى يمثل الشعب المصرى أمام الخديو توفيق حاكم مصر وقتئذ، والنديم الذى زار القرى والنجوع والكفور وراح يخطب بأعلى صوته، مستخدما فى ذلك موهبة الخطابة الفذة التى وهبه الله إياها، وقد اشتهر بين الناس من قبل بكلامه الحسن وخطبه الرنانة فكان لا ينزل بلدا إلا التف حوله الناس واستمعوا إلى خطبه وأحاديثه.
وهنا يجب أن نتعلم أن الجهاد ليس فقط فى ميدان المعركة، بل يكون الجهاد بالكلمة والدعوة والمال، فإن خطبة صادقة تخرج من قلب صادق تكون ذات تأثير فعال، وإن حث الناس على التمسك بالجهاد والقتال فى سبيل الله هو من الجهاد، لذا فإن العدو يحاول جاهدا أن يكمم الأفواه وأن يخرس كل صوت يطالب بدعم المقاومة وينظر لها.
لم تكن ثورة الجيش المصرى مجرد تمرد غير مبرر على حاكم البلاد الخديو توفيق، ولكن كان لهذه الثورة العديد من الأسباب من أهمها كثرة الديون ونهب ثروات البلاد، وزيادة النفوذ الأجنيى فى مصر، وخسارة الجيش المصرى فى حرب الحبشة وتفضيل الضباط الجراكسة على أمثالهم ونظرائهم من المصريين، وكثير من الأسباب الأخرى لا مجال هنا لذكرها، ولهذا رأى النديم فى تحرك الجيش المصرى وثورته أملا فى تغيير الواقع المر الذى تعيشه البلاد.
إن التحالف بين رجال الجيش ورجال الفكر إذا كان مستندا إلى مصالح البلاد دون المصالح الشخصية والفئوية الضيقة هو أمر طبيعى، بل هو الواجب أن يكون، لأن رجال الفكر هم الذين ينبهون الشعوب ويعرفونهم بما يريده رجال الجيش وبدون رجال الفكر لن يستطيع الجيش إيصال هدفه للناس والحصول على الدعم الشعبى لمطالبه، أما إذا كان التحالف يستند إلى مصالح شخصية فسوف يقود الدولة أو الأمة إلى مزيد من الفساد والتخلف، وسيطرة المستعمر على البلاد.
بعد أن اطمأن الأميرالاى أحمد عرابى إلى مناصرة الشعب له وبعد أن جمع النديم توقيعات كثيرة جدا من الشعب المصرى تفوض أحمد عرابى بالتحدث باسمه، زحف عرابى إلى قصر عابدين فى 9/ 9/1881 فى مظاهرة عسكرية مهيبة وكان النديم هو المدنى الوحيد الذى حضر هذا اللقاء وكان دوره هنا هو أن يحمى رجال الجيش من أن تضعف عزائمهم أو تثبط هممهم، ويقول أحمد عرابى نفسه عن هذا اليوم (واشتدت شوكة جيش البغى وقويت معارضته، هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، فجال صديقى الأعز الهمام صاحب الغيرة والعزم القوى السيد عبدالله نديم بين الصفوف ينادى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات / 9]، فكان معى ثانى اثنين فى حفظ قلوب الرجال من الزيغ والإرتجاف، وأخذ الكل يردد هذه الآية الكريمة، كأنهم لم يسمعوها إلا من فمه فى تلك الساعة) (أحمد عرابى: كشف الستار عن سر الأسرار ص 266 - 267)
لم يجد الخديو توفيق بد من الإستجابة لمطالب الثوار من الجيش خاصة أن الجيش بدا متماسكا ومن يقود هذه الثورة هو أحد الفلاحين الذى يحظى بثقة الجميع، واستقرت الأمور فى مصر بعض الشئ، لكن ذلك الإستقرار وتلك الحرية التى بدأ المجتمع المصرى يعيش بداياتها لم ترق للأجانب خاصة فرنسا وانجلترا، لأن مصالحهم فى مصر قائمة على الظلم والنهب وهذا لن يكون مسموحا به فى ظل وجود جيش حر قوى وشعب عالم بأمور السياسة، فما أن وافق الخديو على مطالب عرابى حتى خرج عرابى والنديم وطافوا البلاد شرقا غربا يحدثون الناس عن الحرية، ويحذرونهم من التدخل الأجنبى والسكوت عنه، ويحدثونهم عن الميزانية ومراقبة الحكومة وفى هذا تقول صحيفة التايمز البريطانية نقلا عن أحد مراسليها فى القاهرة (قال لى صديق يعرف اللغة العربية جيدا أنه فى صباح يوم واحد عد فى السوق 27 مجموعة من الناس يتحدثون عن الميزانية أو الوزارة أو التدخل الأجنبى) (التايمز 10/ 3/1882)
إن هذه الصحوة التى عاشها المجتمع المصرى لفترة وجيزة من الزمن كانت بفعل نشاط رجال الفكر وعلى رأسهم عبدالله النديم، الذى لم يكن يترك فرصة للحديث إلا ويتحدث عن مشاكل الأمة وأمور البلاد، لم يكن يعرف حدا يجب أن يتوقف عنده، لم يكن يدعى أن أمور السياسة لا يفهمها إلا الساسة وأن على الناس أن يطيعوا ساستهم حتى ولو باعوا الوطن للأعداء، لم يكن ليرى الأجانب يتحكموا فى ميزانيات الدولة ويسكت، بل حدث الناس، وأخبرهم وعلمهم حتى صاروا هم الذين يتحدثون فى هذه الأمور التى يخجل البعض اليوم من التحدث عنها.
عندما وصل الأسطول الإنجليزى وبعده الأسطول الفرنسى إلى مدينة الإسكندرية، أصدر الإنجليز مذكرة إلى الخديو توفيق بنفى الزعيم أحمد عرابى وكان وزيرا للحربية حينئذ خارج البلاد وتحديد أقامة زملاءه وإقالة وزارة محمود سامى البارودى فقبلها الخديو توفيق، فثارت ثائرة الشعب المصرى فما كان من النديم الرجل المفكر فارس القلم والكلمة إلا أن وقف يخطب الناس يحثهم على التمسك بقيادة الجيش والثورة والألتفاف حولهم، ليس هذا فحسب بل لقد ذهب إلى مدينة الإسكندرية حيث يقف الإنجليز على بعد كيلومترات قليلة منه وخطب فى عشرة آلاف رجل يحث الناس على التمسك برفض مذكرة الإنجليز، بل طعن فى وطنية الخديو توفيق وفى أهليته وكفاءته للحكم وكان من نتاج هذه الحملة الشعبية الكبيرة التى قادها النديم عبر خطبه الرنانة ومقالاته ومعه أمثاله من أهل الفكر أن أعيد أحمد عرابى إلى منصبه وزيرا للحربية.
إن موقف النديم من الخديو توفيق هو موقف شجاع من رجل لا يعرف المهادنة، بل هو الموقف الطبيعى فى مثل هذه الظروف، ففى وقت تكون فيه البلاد معرضة للعدوان من الأعداء فيقف الحاكم مع العدو لا يكون للعلماء والمفكرين السكوت ولا الرضوخ، ولا المداهنة بل عليهم حينئذ أن يكونوا هم طليعة الأمة كلها فى رفض هذا التحالف والوقوف ضده وإفشاله مهما كلف الأمر ومهما كانت العواقب لأنها وإن عظمت فلن تكون أعظم من أن تسلم البلاد للعدو يفعل فيها ما يشاء.
فى تلك الأثناء حاول بعض الخبثاء تعكير الأجواء بين الشعبين المسلمين المصرى والسورى، فهاجمت أحدى الصحف المصرية السوريين واتهمتهم بممالأة أعداء الأمة، فما كان من إحدى الصحف السورية إلا أن ردت بالمثل، فقام النديم وهو المفكر الكبير الخبير بما يحاك للأمة بكتابة مقال حمل اسم (المصريون والشاميون) (الطائف 21/ 6/1882) نادى فيه بالوحدة وعدم الوقوع فى فخ الإنقسام ونشر مقاله فى كل الصحف، فكان له الفضل فى انتهاء الأزمة.
وهنا درس لعلماء الأمة ومفكريها الكبار ألا ينجروا وراء دعوى الوطنية الكاذبة، وألا يصطف كل عالم مع حاكمه ضد الدول الإسلامية الأخرى، بل عليهم إن هم وجدوا بوادر أزمة وشقاق أن يكون لهم السبق فى العمل على إنهاء الأزمة والخروج منها وتوحيد الصف، لكننا اليوم نرى أشياء عجاب، نرى العلماء والمفكرين هم الذين يزيدون الشقاق ويكثرون الخلاف بين أقطار الأمة.
فى تلك الأثناء كان الإنجليز يتعلون الأزمات فى مدينة الإسكندرية ويوقعون بين المصريين والأجانب حتى حدثت مجزرة بين الجانبين، هنالك اتخذها الإنجليز حجة فضربوا المدينة، ولأن الجيش لم يكن على استعداد للمعركة فقد سقطت الإسكندرية بسرعة رغم وقوف الشعب كله خلف الجيش لكن كانت إمكانيات العدو أضعاف أضعاف ما لدى الجيش المصرى ورمى الخديو توفيق نفسه فى أحضان الإنجليز، وحينما وصل الخبر إلى النديم هرع إلى الإسكندرية فرآها محترقة ليس فيها أحد من أهلها فقد أخلوها، واجتمع النديم مع أحمد عرابى ومحمود سامى البارودى وقرروا مواصلة القتال من مدينة كفر الدوار.
حينئذ بدأ النديم مهمته الكبرى التى برز فيها كقائد الثورة الحقيقى، فكان يجوب البلاد شرقا وغربا يدعو الناس إلى دعم الجيش، ويحثهم على قتال الإنجليز، ويحدثهم عن الجهاد وفضله وفضل القائمين عليه، ويحذرهم من القعود الجهاد لما له من عواقب وخيمة، فكان مما قال (يا بنى مصر ... هذه أيام النزال، هذه أيام النضال، هذه أيام الذود عن الحياض، هذه أيام الذب عن الأعراض، هذه أيام يمتطى فيها بنى مصر صهوات الحماسة وغوارب الشجاعة ومتون الإقدام لمحاربة عدو مصر، لا بل عدو العرب، لا بل عدو الإسلام ... ) (الطائف 28/ 7/1882)، وقد أعلن النديم بعد سقوط الإسكندرية الحرب على الخديو توفيق فما كان يترك فرصة إلا وينال منه ويحرض الناس عليه.
هذه الكلمات وغيرها أشعلت غيرة المصريين فالتف الشعب حول الجيش وكانت الناس تقدم للجيش كل ما يمكنم تقديمه، ثم بعد ذلك التحق النديم بقوات الجيش ليكون مع قائده أحمد عرابى ليتشاوروا فى كيفية ملاقاة العدو، وكان يراسل صحيفته بأخبار الحرب الدائرة حتى صارت صحيفته هى الصحيفة الرسمية للمعركة.
وقد أشعل الإنجليز حربا أخرى بجوار الحرب العسكرية المشتعلة، ألا وهى حرب الأعصاب فقد أصدروا بينا يؤكدون فيه أنهم ليسوا أعداء الشعب المصرى، وإنما هم نواب الخديو جاؤوا فقط لمساعدته على تمرد أحمد عرابى ومتى أعادوا للخديو حقوقه المسلوبة وقبضوا على عرابى خرجوا من البلاد.
هنالك انتبه النديم إلى خطورة هذا الأمر فلم يترك الإنجليز يصلون إلى مرادهم بالخبث والخديعة، بل أعلن حربا عليهم، وراح يصفهم بأبشع الأوصاف وويصورهم للناس فى أقذر صور، وراح يثير ضدهم الشائعات، فزادت النفوس اشتعالا وحقدا للإنجليز وللخديو الذى يساعدهم.
أى رجل هذا الذى يفعل كل هذه الأشياء؟!، بل أى مفكر يقف هذه المواقف؟!، هل نجد فى زماننا هذا علماء ومفكرين يدركون ما يحاك للأمة من أخطار ومكائد؟!، هل نجد فى زماننا يكشف للناس خطط الأعداء ويحذرهم من الوقوع فى شركهم؟!، إن علماءنا اليوم أبعد ما يكونوا عن واقع الأمة وآلامها.
ولكن مع كل هذا قدر الله أن يهزم الجيش المصرى بسبب الخيانة، وأن يسيطر الإنجليز على البلاد، فقبض على الزعيم أحمد عرابى والبارودى ونفوا خارج البلاد ولكنهم لم يستطيعوا القبض على النديم فاختفى النديم فى الريف المصرى، وكانت الحكومة قد أعلنت عن مكافأة قدرها ألف جنيه مصرى لمن يدلهم على مكان النديم، ولكن مع هذا بقى النديم تسعة أعوام مختفيا لم يخبر أحد عنه إلى إن قبض عليه بسبب خيانة أحد أعضاء البوليس السرى، ثم عفى عنه ونفى خارج البلاد.
إن ما فعله النديم فى حياته من وقوف مع الشعب ومناصرة له ودفاعا عن قضاياه ومصالحه، والوقوف فى وجه الحكام والتعرض للأذى هو الذى دفع الناس إلى الوقوف بجانب النديم حينما صار مطاردا مطلوبا لقوات الإحتلال الإنجليزى، فهكذا هم الرجال حينما يقعون فى أزمة ويكونون فى محنة تجد الناس ينصرونهم ويدافعون عنهم، فليت فينا اليوم من يقف هذه المواقف الشجاعة.
__________
* كاتب مصري إسلامي.
المصدر: موقع «قاوم»
(/)
________________________________________
مقال لأحمد زين *
النديم .. زنزانة الوطن أوسع من براح المنافي!!
الفصل الأول
المشهد الأول
ضجة وأصوات مختلطة .. منزل متواضع ينتمي لبيئة فقيرة في عام 1842م .. حفلة سبوع المولود .. بكل ما تحمل من عادات شعبية .. جلاجل .. ضحكات الأطفال .. تعاليق وزينات .. يد الهون .. وبينما يبارك المدعوون للأب .. يفتل شاربه باعتزاز .. ويقول مفتخرا والسعادة تتقافز من عينيه: «نذرته للأزهر عالما وشيخا وكبيرا».
«الشيخ» عبد الله النديم هكذا أراده والده فألحقه بالكتاب ليتعلم القرآن ويحفظه ويلم بمبادئ القراءة والكتابة والحساب تمهيدا .. لإلحاقه بالأزهر .. وبالفعل نبغ عبد الله وختم القرآن ثم انكب على كتب التراث وعلم السلف ينهل منها .. لكنه لم يلتحق بالأزهر ربما لضيق ذات اليد وربما لرغبته في العمل ومساعدة والده .. وربما كان ثمة طريق آخر يداعب خياله.
المشهد الثاني
.. يجلس النديم على مكتبه ويتابع حركة المراسلات الحكومية والتلغرافات المرسلة والمستقبلة .. ويتواصل بشغف واهتمام مع المراسلات الملكية والأميرية، فقد اختار النديم من بين المهن المعروضة أكثرها اتساقا مع شخصيته المرحة وروحه الفكهة .. وهي أن يعمل موظفا في التلغراف .. وطبيعة التلغراف آنذاك كانت تقتصر على المراسلات الملكية والرسمية بين الحكومة المصرية والعالم الخارجي .. مما أهل النديم أن يحتك بأكثر الطبقات المصرية آنذاك ترفا وفحشا في الثراء .. ويشاهد حياة البذخ والرفاهية التي يحياها فريق من المصريين .. ويقارن حالهم بحال أبناء طبقته.
المشهد الثالث
مقهى شعبي بسيط أو صالون فخم يعج بمظاهر البذخ .. صيادون وعمال فقراء أو نبلاء وأدباء وباشوات لا فرق عند النديم، فهو يغشى كل المنتديات الفنية والأدبية بداية من المقهى الذي يأتي إليه (الأدباتية) الذين يتحدون الجميع في مباراتهم الأدبية والفنية، والتي يمكن أن تكون في وصف (عرس إسكندراني) أو (نوة البحر) و (مسابقات الشعر والمقامات) وفي الوقت الذي ينهزم فيه المحترفون كان (النديم) يصمد، بل يقهر أي عدد منهم ويأتي إليهم بغرائب ولطائف اللغة.
ورغم أن هذه المباريات الأدبية لم تحظَ باحترام كبير من أدباء تلك الفترة -أو هكذا أظهروا ربما لخوفهم من الانكسار أمام هذا الفريق المحترف- فإن النديم لم يخجل منها؛ حيث تعود أن يحترم أي عمل يثري شخصيته، أو يفيد الناس ويرتقي بهم .. ولم يؤثر ذلك على شخصيته، فقد كان في ذات الوقت يغشى الصالونات الثقافية الراقية التي يرتادها كبار الأدباء في ذلك العصر… كان يتحفهم بآرائه الفكرية ولطائفه الفنية .. ومن مآثر النديم أنه كان يقدم وجوها جديدة، ومواهب شابة سواء في نظم الشعر أو في الخطابة التي أولاها اهتماما خاصا.
الفصل الثاني
المشهد الأول
النديم ينتقل إلى مصاف قادة الرأي والفكر في مصر .. فهو يصدر عددا كبيرا من المجلات والصحف أشهرها (التنكيت والتبكيت) وانطلق فيها -كما هو واضح من اسمها- من السخرية المرة إلى معالجة آفات المجتمع ومشاكله المزمنة، وفي تلك الأثناء عمل مدرسا لبعض الوقت، وكان مدرسا من طراز فريد .. أنشأ مع تلامذته فرقة مسرحية، ولم يكتف بدور المؤلف أو المخرج، وإنما شاركهم التمثيل أيضا .. ولم يحفظ التاريخ هذه النصوص المسرحية وإن كان (أحمد سمير) وهو سكرتيره الشخصي في أخريات عمره قال «إن النديم قد تناول فيها المجتمع وأظهر المساوئ الاجتماعية آنذاك مثل الانحلال الخلقي والفقر والجهل».
وكان يهاجمه البعض بأن التمثيل عمل لا قيمة له ولا فائدة من ورائه، ويتهمون الممثلين بأنهم مهرجون، لكنه كان يدافع عنهم بثقة «لا ينبغي النظر إلى الممثلين باعتبارهم مضحكين، ولكن التمثيل وسيلة لدفع الظلم والنقد السياسي»، وكان يرى أن التمثيل: «فن بديع يقوم في التهذيب وتوسيع أفكار الأمم مقام أستاذ يلقن تلامذته بما تألفه نفوسهم» .. وهكذا فإذا كان يعقوب صنوع (1838 - 1912) يعده البعض رائدا للمسرح العربي، فإن النديم بلا شك ممن تناساهم المؤرخون في هذا المجال.
المشهد الثاني
يقف صارخا في المجتمع .. وبقوة خطابته ومواهبه يقدم الزجل السياسي الرصين الذي اتخذ الفلاح موضوعا أساسيا .. منطلقا من مقولة صديقه ومعاصره جمال الدين الأفغاني:
«عجبت أيها الفلاح تشق قلب الأرض بفأسك فلِمَ لا تشق بنفس الفأس صدر ظالميك».
ومن أزجاله:
شرم برم حالي غلبان
أهل البنوك والأطيان
صاروا على الأعيان أعيان
وابن البلد ماشي عريان
ممعاه ولا حق الدخان
شرم برم حالي غلبان
ومن رسائله الأدبية .. رسالة بعنوان «عربي تفرنج» وقد تناول فيها شخصية طريفة جدا بطلا لرسالته تلك .. والرسالة تدور حول فلاح ثري جاهل أرسل ابنه (زعيط) ليتعلم في أوربا، وهو صبي جلف يحب البصل ولا يتعامل إلا مع البهائم؛ ليتباهى به وسط أعيان القرية، ولما عاد واستقبله أبوه بالأحضان دفعه (زعيط) قائلا: سبحان الله عندكم يا «مسلمين» مسألة الحضن دي قبيحة قوى قول: بون آريفي وسلم باليد خلاص .. ثم يحتد على أبيه في موقف آخر: أنتم أبناء العرب زي البهايم تمام ..
وفي مقام ثالث يذكره أبوه بالبصل فيتأفف ويتظاهر بأنه لا يتذكر، ثم أخيرا يقول: أووه .. أونيون … تذكرته.
الفصل الثالث
المشهد الأول
لم يتخذ النديم الكتابة حرفة لأكل العيش فقد كان يكتب بنبضه ودمه .. ولو كان من طائفة المتكسبين لما أقدم على أخطر خطوة في حياته .. بعدما فاض به الكيل في محاولة الإصلاح الاجتماعي .. لم يجد سبيلا سوى تغيير هذه الأنظمة السياسية التي تسير المجتمع .. فانضم للثورة العرابية، وما هي إلا أيام حتى أصبح خطيبها المفوه الذي يؤجج مشاعر الجند، ويحشد البسطاء حول الثورة ولهذا .. سمته «التايمز» خطيب الشرق، وقالت عنه «الديلي نيوز»: «إن النديم متعصب للدين .. ثوري .. مهيج .. يريد إحداث فتنة طائفية…»!
وبعد فشل الثورة العرابية هام على وجهه هاربا، ولم تتخل عنه زوجته الوفية ولا خادمه الأمين .. يحكي عنه الخادم كيف كان يتخفى ويتنكر في أزياء مختلفة بين شيخ وقسيس، أو عجوز وامرأة ومن فرط معرفته بحيل التخفي ألَّف رسالة في التنكر وطرق الهرب سماها «الاحتفاء في الاختفاء» طاف معظم قرى مصر، وكان أهم ما يساعده سعيه وراء الموالد التي تقام للأولياء، فينظر إليه الناس كواحد من المجاذيب أو المريدين، وبالتالي لا يشك أهل القرية أو السلطات في دخوله وخروجه ..
وقصة القبض عليه تعكس عبقريته ونهمه للقراءة وعدم الاستغناء عنها أبدا، فيحكي الخادم الوفي أنهم لما اشتدت الملاحقات وضيق الخناق عليهم اختبأ ثلاثتهم في سرداب مهجور تحت الأرض لمدة 9 أشهر .. ورفض النديم الإقلاع عن القراءة أو ترك الكتابة .. فكان يوقد بالليل مصباح غاز يقرأ على ضوئه .. رغم توسلات الزوجة والخادم وشكواهم من الهواء الفاسد الذي يكاد يخنقهم ..
وفي ليلة القبض عليه فسد المصباح فانتشرت رائحته الكريهة، وذهب الخفر يستطلعون الأمر فوجدوا النديم المطلوب للقبض، وكان ذلك بعد 9 سنوات كاملة من الهروب والاختباء طاف فيها أرجاء مصر، وتغلغل في أعماق أهلها .. ورفض الاستسلام بما يعكس طبيعته الصلدة وشخصيته المتحدية، ومن عجائب القدر أن يحقق معه المفكر «قاسم أمين» وكان وكيلا للنيابة، وهو الذي اشتهر بعد ذلك بدفاعه عن المرأة وهجومه على ظلم العادات لها والاستهانة بقدرها ..
ثم صدر أمر الخديوي توفيق بالعفو عنه .. ولكن مع نفيه إلى (يافا) وبعد تولي الخديوي عباس الحكم سمح له بالعودة مرة أخرى فأنشأ مجلة (الأستاذ)، وكانت أخف لهجة من أختها الكبرى (التنكيت والتبكيت) وصدم النديم بما آل إليه المجتمع المصري من انحلال خلقي وتفشي العري في العواصم وانتشار الخمور .. وذلك لأن السنوات التسع التي قضاها هاربا غيبته بعض الشيء عن هذا المجتمع الذي عمل فيه المستعمر الإنجليزي بكافة أدوات الهدم التي يمتلكها.
ورأى أن الأنسب أن تصدر الجريدة بالعامية المصرية البسيطة التي يفهمها الناس جميعا حتى الفلاحة في بيتها .. تسمعها من زوجها أو ابنها فتفهمها وتستسيغ أفكارها .. لكن المجتمع الثقافي آنذاك لم يتقبل الفكرة؛ وهو ما اضطره للعودة إلى الفصحى رغم أن عاميتها كانت -بشهادة معاصريه- أقرب إلى لغة الصحافة التي عرفناها فيما بعد ..
المشهد الثاني
لم ينخدع النديم بعودته ولم يخش أن يلاحق ثانية فاستمر في خطه قدمًا بنفس القوة في الهجوم على المظالم المتفشية .. مما أغضب (اللورد كرومر- المعتمد البريطاني) فنفاه مرة أخرى واختار النديم الآستانة، والتقي هناك بالأفغاني وعمل مفتشا للمطبوعات العثمانية براتب ضخم يذكر المقربون منه أنه كان يوزع معظمه على أحبابه وأصدقائه.
ولم يجعل منفاه بكائية وعويلا وإنما اتخذه فرصة للتفكير ومراجعة مواقفه من الحياة والكون والسياحة في الأرض، وأسفر منفاه هذا عن تأليفه أهم كتبه (كان ويكون) الذي يعرض فيه آراءه في الدين واللغة والسياسة والحياة، ورغم أنه من المؤلفات العظيمة التي لم تصلنا إلا أن الفيلسوف والمفكر أحمد أمين قال عن هذا الكتاب: «ما نشر منه ووصلنا يدل على نظر عميق واطلاع واسع وسماحة دينية لطيفة .. وعاطفة جياشة بحب الإسلام ومصر والشرق .. ».
ولم تدم حياة النديم في الرغد والرفاهية التي عاشها في الآستانة فقد أساء بعض المغرضين العلاقة بينه وبين الخليفة العثماني .. وهو ما دفع الخليفة لتجريحه والانتقاص من قدره؛ فلم يتوان النديم عن الرد بخطاب قوي بدأه بتفصيل عاقبة الظلم ومصير الظالمين، وبين له أن انتقاصه له إنما هو ظلم بين، ثم ختمها بقوله: «إننا سنقف بين يدي عادل قاهر يقضي بيننا بالحق وهو خير الحاكمين…».
المشهد الثالث
لم يمنعه الفن والملاحقات ولا اهتماماته السياسية من الإدلاء برأيه في مشكلات الشرق التي يراها وبالأخص نقد الغرب معبود المثقفين في عصره .. !
فيقول إن أوربا هي السبب في شرذمة الشرق بحربها على الخلافة العثمانية، ويقول: «لو كانت الدولة العثمانية مسيحية لبقيت بقاء الدهر .. ».
ثم يعيب على دعاة الحرية المزعومة أنهم نادوا بالتخلص من ربقة المنظومة الإسلامية بدعوى الحرية وفي المقابل وقعوا في عبودية الغرب، فهو يحدد مصطلح الحرية فيقول: «الحر هو من ملك أمره ولم تتقيد أفكاره بغرض ما»، ولكن هؤلاء المتغربين يحكمون على الفكر الأوروبي من منطلق هوسهم.
وهو ينسب فضل التقدم الأوربي إلى الحضارة الإسلامية (كل ما في الكون الآن من العلماء إنما هم تلامذة المسلمين، وفي عنق كل منهم نعمة للدين الإسلامي).
والنديم يدهشنا في موقفه الوسطي من أوربا والدهشة هنا مبعثها هذا الموقف الناضج المتبصر في هذا الوقت المبكر الذي كانت أوربا لا تجد في الشرق إلا صيدا سهلا مما كان سيعطيه العذر تماما إن تحامل عليها وهاجمها، لكن النديم يفاجئنا بأنه لا يرفض أوربا بالكلية، لكنه يمدح كثيرًا من أسس التقدم لديهم، وينادي الشرق بالرجوع إليها مثل:
- حرية الكتاب في نشر أفكارهم
- تشجيع المخترعين والمبتكرين.
- مساهمة أصحاب الأموال في دفع النهضة.
- التعليم الإجباري.
- المؤسسات الاجتماعية المتميزة.
- المجالس النيابية ومشاركة الأفراد في إدارة الوطن.
ورفض النديم بشكل قاطع ادعاءات أوربا بأنها علمانية، ويستشهد على ذلك بأن فرنسا أصدرت أمرًا للكنائس يلزم الأمة كلها بالصلوات كلما جابهتهم أزمة سياسية أو اقتصادية.
الخاتمة
مات النديم مخلفا لنا تركة عظيمة سمع ورثته عن معظمها لكنها لم تصلهم
فقد ألف أكثر من 7 آلاف بيت شعر، وروايتين. أشهر كتبه «الاحتفاء في الاختفاء»، «اللآلئ والدرر في فواتح السور»، و «البديع في مدح الشفيع»، و «في المترادفات» وللأسف لم يصلنا منها إلا مقتطفات ويرجع هذا لسببن:
الأول: فترات الهروب والنفي والملاحقات الأمنية التي أصبحت فيها كتابات النديم بمثابة منشورات سرية ثورية يتناقلها البسطاء والأحرار في كل مصر .. وتعرضت لها الدولة بالرصد والمنع والحرق ..
الثاني: أنه في أخريات حياته طلب من أصدقائه ما عندهم من كتبه (لأنه كان يعطيهم كتبه لمن يطلبها من أصدقائه) ليحرقها؛ لأنه وجد فيها هجاءً كثيرًا وتجريحًا في بعض الشخصيات.
ولما عاتبوه على ذلك قال: قد خلعت تلك الثياب الدنسة، ولبثت ثوب: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا ..
وهكذا مضى النديم كما كان في حياته لا يرى نفسه فوق أحد أبدا ..
__________
* موقع (إسلام أون لاين)
(/)
________________________________________
نقلاً عن جريدة الدستور - 4 أكتوبر 2006 م - 11 رمضان 1427 هـ
عبد الله نديم الكاتب الثائر والأديب المبدع
خطيب الثورة العرابية
أستاذ الأدباتية وأدباتى الأساتذة ..
برز نديم كأحد أهم قادة الثورة العرابية منذ تصاعد الأحداث فى صيف 1881 حتى هزيمة العرابين فى سبتمبر 1882
«عند الشدائد تظهر معادن الناس» و «أستاذنا» الذى نتحدث عنه اليوم امتحن بالشدة وراء الشده وظل ثابتاً على المبدأ مخلصا لـ أفكاره وقيمه إنه واحد من أبناء الشعب المصرى تجسدت فيه كل القيم الإيجابية فى هذا البلد.
أستاذنا هو عبد الله نديم الكاتب الثائر والأديب المبدع خطيب الثورة العرابية الذى ألهب حماسة الجماهير بكلماته، برز عبدالله نديم كأحد أهم قادة الثورة العرابية منذ تصاعد الأحداث فى صيف 1881 حتى هزيمة العرابيين فى سبتمبر 1882 ورغم أنه كان عند اشتعال الثورة فى السادسة والثلاثين من عمره إلا أنه احتل مكانة مرموقة بين قادة الثورة لأنه كان قد اكتسب خبرة كبيرة وحقق شهرة ذائعة من خلال مشاركته فى العمل العام.
ولد عبد الله نديم فى الإسكندرية فى 10 ديسمبر 1845 فى أسرة متوسطة الحال وقد لمح أبوه علامات نبوغه فألحقه بـ مسجد ابراهيم بالإسكندرية ليتلقى العلوم الدينية لكن الفتى اهتم بفنون الأدب ونبغ فيها فبرع فى الكتابة والشعر والزجل وتميز نديم فى المناظرات المرتجلة واشتهر بروحه الساخرة.
لم يحترف عبد الله النديم الأدب فى بداية حياته العملية لكنه اتجه إلى تعلم صنعة يتعيش بها فدرس فن التلغراف وكان قد دخل مصر حديثاً واشتغل النديم فى مكتب بنها للتلغراف ثم انتقل إلى مكتب القصر العالى حيث تسكن الوالدة باشا أم الخديوى اسماعيل.
وكان انتقاله إلى القاهرة بداية لاختلاطه بأعلام الأدب والفن والثقافة فى ذلك العصر فأخذت شهرته تذيع بينهم إلا أن إقامته لم تطل بالقاهرة فقد اصطدم بـ خليل أغا الرجل القوى صاحب النفوذ فأمر بفصله.
رحل عبد الله نديم إلى الدقهلية وأقام بـ المنصورة حيث افتتح متجراً هناك وخلال إقامته التى لم تستمر طويلاً كان مجلسه مقصداً لرجال الأدب وطلاب العلم وبعد تجواله فى عدة مدن وقرى بالدلتا عاد إلى الأسكندرية ليستقر بها وكان ذلك سنة 1876 فى فترة صعود الحركة الوطنية وهناك اتصل بعناصر من جماعة مصر الفتاة التى كانت تطرح مشروعاً للإصلاح الوطنى والدستورى وهى غير جماعة مصر الفتاة التى أسسها أحمد حسين فى ثلاثينيات القرن الماضى متأثراً بالتنظيمات الفاشية والنازية التى ظهرت فى أوروبا فى تلك الفترة، وتعد جماعة مصر الفتاة التى ظهرت فى سبعينات القرن التاسع عشر فى عهد الخديوى اسماعيل أقدم تشكيل حزبى عرفته مصر وفى تلك المرحلة المهمة من تاريخ مصر والتى شهدت صعوداً للدعوة لسيطرة المصريين على مقدرات بلادهم بدأ عبد الله نديم الكتابة بانتظام فى عدد من الصحف التى أصدرها أديب إسحاق وسليم نقاش وفى سنة 1879 شارك فى تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية وأصبح مديراً لمدرستها كما تولى تدريس الإنشاء وعلوم الأدب والخطابة بها وأنشأ فريقاً للمسرح بالمدرسة وقام أعضاء هذا الفريق من تلاميذ المدرسة بالاشتراك مع النديم بتمثيل بعض أعماله الأدبية الأولى التى ألفها ومنها الوطن وطالع التوفيق والعرب ونظراً للنجاح الذى حققته مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية فقد وضعت تحت رعاية الأمير عباس حلمى الذى أصبح الخديوى فيما بعد.
لقد ظهر عبد الله النديم على الساحة الأدبية والفكرية فى مصر فى وقت كانت البلاد تموج فيه بتيارات الإصلاح والتجديد وكان الشعور الوطنى فى تصاعد مستمر خاصة فى السنوات الأخيرة من حكم اسماعيل حيث سعى الوطنيون المصريون إلى إنقاذ البلاد من عبء الديون الخارجية التى كانت قد أوشكت أن تهدر استقلال مصر وتشكلت التجمعات السياسية مثل جماعة مصر الفتاة وجماعة حلوان التى عرفت باسم الحزب الوطنى وقد التقى النديم بالمجموعة الأولى وظهرت ميوله الوطنية من خلال كتاباته الصحفية وأعماله الأدبية وخطبه التى كان يلقيها فى المنتديات العامة.
وفى صيف سنة 1881 أصدر الرجل صحيفة أسبوعية أسماها «التنكيت والتبكيت» انتهجت خطا وطنياً واضحاً وأسلوباً أدبياً ساخراً وكان عبدالله النديم مهموماً فى صحفيته بقضية وحدة الوطن واستنهاض همة أبناءه للارتفاع بشأن البلاد وقد تواكب صدور الصحيفة مع أحداث الثورة العرابية فكان من الطبيعى أن ينضم عبد الله النديم إلى صفوف الثورة العرابية ويساند أهدافها الوطنية وقد وجد العرابيون فيه سنداً لهم بكتاباته الوطنية الحماسية وانتقل النديم إلى القاهرة ليكون فى قلب الأحداث والتقى بأحمد عرابى زعيم الثورة حيث طلب منه أن تكون صحيفته لسان حال الثورة بشرط أن يغير اسمها إلى اسم أكثر وقارا يلائم عقلية عرابى العسكرية المحافظة وأصدر عبد الله النديم صحيفة «الطائف» من القاهرة لتحل محل «التنكيت والتبكيت» ولتصبح لسان حال الثورة العرابية وخلال أسابيع قليلة أضحت الطائف أهم الصحف المصرية على الإطلاق.
تحرير: د. عماد أبو غازى ..
(/)
________________________________________
عن بعض مواقع الإنترنت *
عبد الله نديم الكاتب الثائر والأديب المبدع
خطيب الثورة العرابية
أستاذ الأدباتية وأدباتي الأساتذة ..
هو عبد الله بن مصباح بن إبراهيم الإدريسي الشهير بعبد الله النديم الذي كان مولده يوم عيد الأضحى المبارك عام 1261هـ، 1845 م بمدينة الإسكندرية بشمال مصر
وقد حفظ الشيخ القرآن الكريم في الكتاب وهو في التاسعة من عمره، وقد اشتهر الشيخ في طفولته بذكائه وعلو همته ونبوغه
عشق التجول والترحال بين ربوع مصر فخبر الشخصية المصرية جيدا ... نادم جاهليها كما رافق مثقفيها .. كان تلميذا للأفغاني وعمل بجريدة «التجارة» و «الوطن» اللتين كان يصدرهما أديب إسحاق وسليم نقاش وكانا أيضا من تلاميذ الأفغاني.
انضم لعدد من الأحزاب والمنظمات السرية الداعية إلي إقامه حياة نيابية سليمة ونبذ الوجود الأجنبي في مصر .. وبعد أن انحلت تلك الجماعات الواحدة تلو الأخرى أنشأ جماعة علنية سميت «الجمعية الخيرية الإسلامية» وأنشأ مدرسة تابعه لها.
علم فيها الطلبة فنون البلاغة والخطابة ومثل معهم عده مسرحيات.
وفي سن السادسة والثلاثين أنشأ صحيفته الساخرة المسماة «التنكيت والتبكيت» والتي دل اسمها على المنهج الذي اتخذته تلك الصحيفة ..
فعن طريق النكتة المحببة للشعب أخذت تقرعه على العديد من التصرفات اللاعقلانية التي كان لها دور في تأخر الشعب.
ثم أ