الوقت من ذهب والأرض من ذهب، السودان كما هو دائما قصة نيل وقصة الإنسان وقصة أرض ألهبت أحلام الغزاة منذ القِدم بكنوز الذهب وينابيع الماء رغم أن الفقر والحرمان ولا حليفين للغالبية العظمى من سكانها، أما اليوم فالطمع الأجنبي أصبح في ينابيع من نوع آخر، بحيرات وأنهار تبعد آلاف الأمتار تحت الأرض وآلاف الأميال عن هؤلاء الذين وصلوا هنا من أجلها بعد أن صارت بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت، ليس السودان على بحر قزوين لكن مخزونه يقارب مخزون أذربيجان مع أن التنقيب لا يزال في مراح له الأولى وما اكتشف حتى الآن بحسب الكثيرين ليس سوى قمة جبل الجليد، هناك حاليا قرابة مليوني كيلو متر مربع من المساحات المقتطعة للتنقيب وأكثر من ثلاثين شركة عالمية تتزاحم بضراوة من أجل موطأ قدم على الأرض وصراع مرير خلف الكواليس بين أكبر بلدين مستهلكين للنفط هما الولايات المتحدة والصين، من بين كل البلدان التي تستثمر في نفط السودان استفردت الصين بنصيب الأسد لكن دخول الصين إلى السودان كان بمثابة الامتلاك فأول من اكتشف النفط هناك كان شركة شفرون الأميركية عام 1979 ولقرابة عقدين من التنقيب في السودان استحوذت شفرون على امتياز بلغ نصف مليون كيلو متر مربع وامتد من سواحل البحر الأحمر شرقا إلى حدود تشاد غربا إلى الحدود الأوغندية جنوبا، حفرت شفرون خلال تلك الفترة قرابة مائة بئر للتنقيب في مختلف أنحاء البلد، حينذاك كان السودان حليف جديد لأميركا بعد تخلي الرئيس السابق جعفر النميري عن المعسكر الاشتراكي، كان النميري يريد ما أعتقدها أكثر الطرق إلى الازدهار السريع وكانت أميركا تريد النفط، بالنسبة للسودانيين كانت قصة استخراج النفط بمثابة ملحمة وطنية لإخراج البلد من درك البؤس فقد باتت ديون البنك الدولي تخنق البلد ولم يستفيد السودان من القروض التي حصل عليها بسبب تفشي الفساد الإداري ثم بسبب الإنفاق العسكري فيما بعد، أصبح حلم البترول بمثابة طوق النجاة الوحيد والبعيد المنال.