ومن الأحداث المهمة في تاريخ وحياة السودان أنه وفي عام 1964 وفي شهر أكتوبر تمت عملية سقوط نظام الفريق إبراهيم عبود وفي عام 1964 حتى 1969 قام نظام برلماني ديمقراطي برئاسة وزعامة الرئيس إسماعيل الأزهري.
وفي عام 9691 وفي شهر مايو دبر الحزب الشيوعي السوداني إنقلاباً ضد الرئيس إسماعيل الأزهري وتم اسناد قيادة الإنقلاب إلى الرائد جعفر محمد النميري الذي كان رائداً يومئذ.
وكانت أولى خطوات النميري ورفاقه من الضباط أن اتخذوا قرارات بحلّ جميع الأحزاب السياسية وأودعت قياداتها كلها في السجون.
ثم أعلن عن تأسيس الإتحاد الإشتراكي كحزب شمولي حكومي بديلا عن الأحزاب التقليدية التي باتت منحلة.
وفي عام 0791 شنّ مجلس قيادة الثورة بقيادة النميري حرباً عسكرية جوية وبرية على تجمع الأنصار في الجزيرة أبا، التي كانت مقراً لهم وكان الإمام الهادي عبد الرحمن المهدي قائداً للأنصار الذين كانوا يؤمنون بالمهدية إيمانا غير محدوداً، والذي ورث زعامة الأنصار وقياداتها عن والده الزعيم الديني عبد الرحمن المهدي.
ولقد أنشأ الهادي المهدي، حزباً تحت إسم «حزب الأمة جناح الإمام» وقد قتل الهادي المهدي أثناء تلك الحرب التي أشعلها النميري ضد المهدي والأنصار.
إغتيال الإمام الهادي
ولقد تم قتله هو وجماعته وهم يعبرون الحدود الأثيوبية - السودانية هرباً مما يجري بداخل السودان، على يد الشيوعيين وقياداتهم الحمراء.
وأثناء حكم النميري كقائد للإنقلاب الذي قام به وقع خلافاً كبيراً بين النميري وبين عناصر مهمة في الحزب الشيوعي السوداني المسيطرين على مجلس قيادة الثورة، الأمر الذي أدى إلى طرد ستة من هؤلاء العناصر، من الحزب الشيوعي السوداني.
هنا شعر الحزب الشيوعي أن هذا الخلاف الذي قام ونشب بين النميري سيؤدي حتما إلى تقويض مراكز وخلايا الحزب الشيوعي الموجودة في أوساط الجيش وبداخل الحزب الشيوعي السوداني، مما دفع بقيادات الحزب الشيوعي إلى أن تعقد العزم وأن تقرر الخلاص والتخلص من النميري وبشكل فوري ومن العناصر التي تؤازره في السرّ والعلن، ومن كل من هو موال لجعفر النميري.
بقي الحزب وقياداته وقواته الموالية له ولاء كبيرا مصرا على تنفيذ ما كان قرره وعقد العزم على تحقيقه، لذلك رأيناه وفي شهر يوليو تموز من عام 1971، رأينا الحزب الشيوعي السوداني يدبر إنقلاباً عسكرياً بقيادة الرائد هاشم العطا وباتفاق مع العناصر الستة الذين كانوا قد طردوا من قيادة مجلس الثورة، ليتوجهوا بعدها إلى لندن وليقيموا تنسيقاً مع السفارة السوفياتية في لندن من أجل الإطاحة بالنميري ونظامه ولكي تعود السيطرة كاملة من قبل قيادة هذا الإنقلاب والحزب بشكل خاص على مجلس قيادة الثورة من جديد.
الشيوعيون يسيطرون
لقد نجح الإنقلابيون الجدد، وتمت السيطرة التامة للحزب الشيوعي لمدة ثلاثة أيام فقط، ثلاثة أيام فقط استطاع الحزب الشيوعي أن يبسط سيطرته على الدولة وما فيها. وتم إلقاء القبض على عنصار الحزب الشيوعي وعلى الستة الذين طردوا من مجلس قيادة الثورة، الذين كانوا يقيمون في لندن وقد نسقوا تماماً مع أركان السفارة السوفياتية فيها، أما كيف تم إلقاء القبض على العناصر الستة، فقد علمت شخصيا بتفاصيل دقيقة هي الآتية:
بعد نجاح إنقلاب هاشم العطا، قام هؤلاء الستة بمغادرة لندن لينضموا إلى الرفاق الذين قاموا بانقلابهم وبقيادة هاشم العطا، وحينما دخلت الطائرة التي أقلتهم الأجواء الليبية، استأذن قائد الطائرة السلطات الليبية الهبوط في مطار طرابلس الغرب وذلك كي تتزود هذه الطائرة بالوقود، فسمح للطائرة بالهبوط في المطار.
اللجوء إلى لندن
نزل هؤلاء الستة في مطار طرابلس الغرب، وهم ما كانوا يعلمون أنه في اللحظة التي غادرت بهم طائرتهم لندن، كانت هناك إشارات مشفرة قد صدرت من قيادة الثورة في الخرطوم إلى قيادة الثورة الليبية، تطلب توقيف الستة وهم كخارجين عن القانون، لذلك رأينا القائد القذافي يأمر السلطات العسكرية بإلقاء القبض على الستة وتم إحتجازهم وإعتقالهم وسوقهم إلى السجن، وهذا ما تحقق بالفعل.
ليبيا تعتقل ستة عناصر
لقد تمت عملية الإعتقال والإحتجاز لهؤلاء إستنادا إلى التنسيق وإلى التعاون القائم بين الخرطوم وطرابلس الغرب والقاهرة. لأن القيادتين المصرية والليبية كانتا على خط واحد، وعلى إتصال دائم ووثيق بجعفر النميري وهذا يعني أنه كان هناك تنسيقاً تم في الخفاء بين تلك القيادات التي أزعجتها حركات الحزب الشيوعي في السودان والمحاولات الرامية إلى تدمير جميع العلاقات بين مختلف الأطراف في كل من الخرطوم والقاهرة وطرابلس الغرب.
فشل إنقلاب هاشم العطا
كان من المؤكد هنا أن يتم فشل إنقلاب هاشم العطا وذلك كان نتيجة لإنقضاض الجماهير السودانية إنقضاضا كاملا على هاشم العطا وعلى جميع عناصر الحزب الشيوعي وأعوانه الذين ملأوا الدنيا والشوارع والساحات وهم يحملون الرايات الشيوعية الحمراء والذين كانوا قد ملأوا شوارع العاصمة بتلك الرايات التي لم تكن تلك سوى سبباً هاماً من أسباب الإنتفاض الجماهيري ضدها وضد من يحملها في مختلف أنحاء العاصمة وبقية المدن السودانية كلها.
ليبيا تسلم الستة أعضاء
الذين تم طردهم
وبذلك تم القضاء على حركة الشيوعيين كما تم القضاء على زعيمها هاشم العطا، وقد قام العقيد القذافي فيما بعد بتسليم العناصر الستة الذين تم إعتقالهم في ليبيا وهم من أعضاء مجلس قيادة الثورة المقالين من مسؤولياتهم الحزبية، تم تسليمهم جميعاً إلى الرئيس النميري الذي قام بإعدامهم جميعاً وهم.
إعدامات بالجملة
أولاً: الرائد فاروق عثمان، ثم الرائد بابكر النور والأربعة الباقون، لقد تم إعدامهم جميعا على يد نظام النميري، وعلى يد النميري شخصيا.
كما تم، وفي نفس الوقت، إعدام سكرتير عام الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب، ومعه الشفيع الذي كان يشغل منصب سكرتير عام نقابات السودان وكان شيوعياً صميما ويلتزم بالعقيدة الشيوعية التزاماً كبيراً، كما أعدم معه بعض الضباط وصف الضباط.
إعدامات ثم إعتقالات أخرى بالجملة
وقد تم فيما بعد إعتقال حوالي مئة ضابط وصف ضابط من ضباط الجيش السوداني، كما تم إحتجاز كل من كانت تحوم عليه أية شبهات بالولاء لجعفر النميري وغيره.
لقد كان في طليعة المحتجزين من المسؤولين الكبار جعفر النميري الذي تم إحتجازه من قبل ضباط رئيس الإنقلاب هاشم العطا، ووضعه معتقلا في القصر الجمهوري، كما وضع بقية الضباط الذين تم إعتقالهم وإحتجازهم في قصر الضيافة.
مجزرة دموية بشعة
وفي صبيحة اليوم التالي لقيام إنقلاب الرائد هاشم العطا تم إعدام جميع الضباط الذين كانوا محتجزين في قصر الضيافة وكانت مجزرة دموية بشعة جدا قام بارتكابها الحزب الشيوعي، مجزرة لم يشهد لها العالم مثيلا.
لقد كانت لهذه المجزرة الدموية المحزنة إعدام أكثر من مئتين من خيرة شباب وضباط الجيش السوداني على يد هاشم العطا ورفاقه كان لها أبلغ الأثر في نفوس السوادانيين بل في نفوس أبناء الشعب برمته، لذا رأينا بعدها ثورة الجماهير ضد العطا وإنقلابه ورفاقه، ثم رأينا بعض القطاعات العسكرية وقد تحركت ثائرة غاضبة غضبة كبرى في العاصمة والأقاليم المجاورة لها تم على أثرها القضاء قضاء تاماً على هاشم العطا وعلى إنقلابه ورفاقه، وعلى حركته وعلى الحزب الشيوعي وعلى جميع عناصرة المدينة والعسكرية على حد سواء.
القضاء نهائيا
على الحزب الشيوعي فـي السودان
بعد القضاء على الحزب الشيوعي وفلوله في السودان استقرت الأمور، بعد أن قُضي على أخصامه، تسلم النميري منصب قيادة الجيش، ووزارة الدفاع وبقي النميري في منصبه إلى عام 1983 حينما أطاح به الفريق محمد حسن سوار الذهب.
حاول النميري بعدها أن يتقرب إلى بقية زعامات الأحزاب السياسية المنحلة والتي كان النميري قد رماها بشتى أنواع التهم، حينما كان حاكما ومسيطرا ألا أنه فشل فشلاً ذريعاً وكان الهدف من تقرب النميري إلى جهة هؤلاء، أن يكفر عما فعله وعما ارتكبه، وأن يغسل يديه من أثار الجرائم التي ارتكبها بحق الإمام الهادي عبد الرحمن المهدي وبحق الأنصار الذين قتلوا مع الإمام الهادي على يد جعفر النميري ورجال نظامه وزبانيته، وبحق الجزيرة أبا التي كانت الموقع والمقر والمقام للمهدية وللأنصار وللإمام الهدي وأحبابه.
جبهة جديدة
بعد أن هدأت العواصف الهوجاء في السودان قليلا قامت الأحزاب السياسية السودانية بتكوين جبهة عريضة تجمع كل الأحزاب ما عدا الحزب الشيوعي وذلك كان تحت إسم «الجبهة الوطنية السودانية» وقد اتخذت هذه الجبهة من ليبيا مقراً لقيادتها ولمختلف أوجه نشاطاتها السياسية.
جاء دور الجبهة
وفي عام 6791 قامت هذه الجبهة بانقلاب عسكري تدعمه ليبيا، وكان الإنقلاب بقيادة العميد محمد نور سعد وكان هذا ضابطاً يدين بالولاء لحزب الأمة. وكان فيما مضى قد فصل من الجيش بعد أن سيطر مجلس الثورة عام 1969 بقيادة جعفر النميري يومئذ حيث كان محمد نور سعد أول من يفصل من الجيش على يد جعفر النميري بذاته.
غير أن هذا الإنقلاب باء بفشل ذريع وقد تم إعتقال محمد نور سعد ورفاقه، ثم تمت عملية إعدامهم جميعاً بلا إستثناء.
المصالحة الوطنية الهشة
وفي عام 1976 تمت مصالحة وطنية بين نظام النميري والجبهة الوطنية بوساطة سعودية قام بها الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز الذي مهد للقاء بين الصادق المهدي والرئيس النميري وذلك كان في جدة، ثم تم الإعلان بعد ذلك عن هذه المصالحة وإطلاق سراح جميع المعتقلين من السجون، ثم عاد الصادق المهدي بعدها من الخارج وبقي متعاطياً الشأن السياسي العام من الداخل حتى اليوم. وهذا كله قليل من كثير.. أما البقية فهي آتية على درب السودان العزيز .. الله يستر!!
وإلى حلقة قادمة إن شاء الله..