إنضم السودان إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في 18 مارس 1986. ووفقاً للمادة 49 (2) من العهد التي تنص على أن العهد يصبح نافذاً بعد ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع صك الإنضمام، فقد بدأ نفاذه بالنسبة للسودان في 18 يونيو 1986. وكان السودان يحكم آنذاك بدستور انتقالي بدأ سريانه في 10 اكتوبر 1985 وهو تاريخ إصداره من قبل المجلس العسكري الانتقالي. وبقراءة المادة 53 من هذا الدستور يتبين أن الاتفاقيات والمعاهدات ليست ذاتية النفاذ بمعنى أن التصديق أو الانضمام إلى إتفاقية أو معاهدة على المستوى الدولي لا يجعلها جزءً من القانون الوطني، ولكنها تصبح كذلك إذا حولها المشرع إلى قانون وطني. إذ تنص المادة 53 على أنه لا يكون لأي اتفاقية أو معاهدة مع دولة أو هيئة دولية أي أثر في السودان ما لم يصدق عليها بقانون.
(1) التصديق الوطني والدولي
وحتى لا يختلط الأمر على القارئ نرى أنه المفيد أن نبدي أن هناك تفرقة بين مفهوم التصديق على المستوى المحلي أو الوطني ومفهومه على المستوى الدولي. فعلى المستوى الوطني يعني التصديق الإجراء الذي تدمج به المعاهدة أو الاتفاقية في القانون الوطني وفقاً للأحكام الدستورية للدولة المعنية. وقد يقتضي ذلك كما في حالة عهد الحقوق المدنية والسياسية مثلاً تعديل بعض القوانين لضمان إتساقها مع أحكام العهد. فالمادة (2) من العهد تلزم كل دولة طرف «إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلاً إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ طبقاً لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضرورياً لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية».
ويلاحظ أنه وفقاً للدستور الإنتقالي لعام 2005 فإن السلطتين التنفيذية والتشريعية تشتركان في التصديق على المستوى الوطني. فالمادة 72 (ج) تنص على أنه من مهام مجلس الوزراء القومي ابتدار مشروعات القوانين القومية والموازنة القومية والمعاهدات الدولية والإتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف. وتنص المادة 91 في الفقرة 3 (د) على أنه من مهام الهيئة التشريعية القومية المصادقة على المعاهدات والإتفاقيات الدولية. ويبدو أن السلطة التنفيذية تنفرد بالتصديق على المستوى الدولي. فالمادة 58/1 (ك) تنص على أن رئيس الجمهورية يختص بتوجيه السياسة الخارجية للدولة ويشرف عليها ويصادق على المعاهدات والإتفاقيات الدولية بموافقة الهيئة التشريعية القومية.
أما التصديق أو الانضمام على المستوى الدولي فهو الإجراء الذي تثبت به الدولة إرتضاءها الالتزام بالإتفاقية أو المعاهدة. ويكون ذلك في حالة الاتفاقية أو المعاهدة متعددة الأطراف بإيداع صك التصديق أو الانضمام لدى جهة الإيداع التي تنص عليها المعاهدة نفسها والتي قد تكون دولة أو منظمة دولية، أو الرئيس الإداري للمنظمة. ففي حالة عهد الحقوق المدنية والسياسية نصت المادة 48 (4) على أن الإنضمام يقع بإيداع صك انضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة.
إن انضمام أو تصديق دولة ما على عهد الحقوق المدنية والسياسية يلزم الدولة الطرف بأن تتخذ ما يلزم من التدابير التشريعية وغير التشريعية لإعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد.
إن التزام الدولة الطرف بأحكام العهد يشمل كل فروع حكومتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وغيرها من السلطات العامة أو الحكومية. فأي انتهاك للعهد من قبل أي من هذه الفروع أو السلطات يرتب مسؤولية دولية على الدولة الطرف تجاه الدول الأطراف الأخرى في العهد. وكما في حالة السودان، فإنه في البلاد التي تتبنى النظام الإتحادي، فإن أحكام العهد تنطبق بالكامل ودون قيد أو استثناء على الولايات أو الوحدات التي تتكون منها الدولة الطرف. فالمادة 50 من العهد تنص على انطباق أحكامه «دون أي قيد أو استثناء على جميع الوحدات التي تتشكل منها الدول الاتحادية».
ولا يحق لدولة طرف في العهد أن تتذرع بدستورها أو قوانينها الداخلية لتبرير عدم تنفيذها لأحكام العهد. فالمادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 تنص على أنه لا يجوز لطرف في معاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذ هذه المعاهدة. وينبغي التنويه إلى أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات قد دخلت حيز النفاذ في يناير 1980 ودخل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيز النفاذ في مارس 1976 ولكن ذلك لا يحول دون الاستشهاد بأحكامها بإعتبار أنها تعكس القانون الدولي العرفي.
(2) حق حرية الفكر والوجدان والدين: المادة 18
تعترف الفقرة (1) من المادة 18 بحق كل إنسان في حرية الفكر والوجدان والدين. ونصت على أن ذلك يشمل حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. ويشمل أيضاً حريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو لوحده. ونصت الفقره (2) على عدم جواز تعريض أحد لإكراه قد يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. ونصت الفقرة (3) على عدم جواز إخضاع حرية الانسان في إظهار دينه أو معتقده إلا للقيود التي يفرضها القانون وتكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
في التعليق العام رقم 22 (1993) أبرزت اللجنة المعنية بحقوق الانسان العديد من النقاط بشأن حق حرية الفكر والوجدان والدين نقتطف منها هنا ما يلي:
1- إن المادة 18 تحمي العقائد التوحيدية وغير التوحيدية والإلحادية وكذلك الحق في عدم اعتناق أي دين أو عقيدة.
2- تميز المادة 18 حرية الفكر والوجدان والدين أو العقيدة عن حرية المجاهرة بالدين أو بالعقيدة. وهي لا تسمح بأي قيود أيا كانت على حرية الفكر والوجدان أو على اعتناق دين أو عقيدة يختارها الشخص.
3- إن حرية أي إنسان في أن يكون له أو يعتنق أي دين أو معتقد تنطوي بالضرورة على حرية اختيار دين أو معتقد، وتشمل الحق في التحول من دين أو معتقد لآخر أو في اعتناق آراء إلحادية.
4- لا يقتصر اتباع طقوس الدين أو العقيدة وممارستهما على الشعائر فحسب بل إنه قد يشمل أيضاً عادات مثل اتباع قواعد غذائية، والاكتساء بملابس أو أغطية للرأس متميزه، والمشاركة في طقوس ترتبط بمراحل معينة من الحياة.
5- الفقرة (4) من المادة 18 من العهد تلزم الدول الاطراف فيه باحترام حرية الآباء أو الأوصياء في تأمين تربية أولادهم دينياً وخلقياً وفقاً لقناعتهم الخاصة. في تعليقها العام على هذه الفقرة، ذكرت اللجنة أنها تسمح بأن يتم في المدارس العامة تدريس مواضيع مثل التاريخ العام للديانات وعلم الأخلاق إذا كان يتم بطريقة حيادية وموضوعية.
6- إن الاعتراف بديانة ما باعتبارها دين الدولة أو الدين الرسمي أو التقليدي أو على أساس أن أتباعها يشكلون أغلبية السكان، يجب ألا يعيق التمتع بأي حق من الحقوق المنصوص عليها في العهد. كما يجب ألا يترتب عليه تمييز ضد أتباع الديانات الأخرى أو الأشخاص غير المؤمنين بأي دين. وعلى وجه الخصوص فإن التدابير التي تميز ضد غير المؤمنين، مثل تلك التي تقتصر الأهلية للعمل في الحكومة على من يدينون بالديانة المهيمنة، أو التي تمنح امتيازات إقتصادية لهؤلاء، أو التي تفرض قيوداً خاصة على ممارسة ديانات أخرى، تخالف حظر التمييز على أساس الدين أو العقيدة والتمتع بالحماية المنصوص عليها في المادة 26 من العهد. تنص المادة 26 على أن الناس جميعاً سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساوٍ في التمتع بحمايته.
عند النظر في تقرير السودان الأولي في 8 و 10 يوليو 1991، أعرب اعضاء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان عن رغبتهم في معرفة ما إذا كانت جريمة الردة التي تُعّرف بأنها الدعوة إلى تخلي المسلم عن الدين الاسلامي، تعتبر في نظر السودان منسجمة مع أحكام المادة 18 من العهد. فرد ممثل السودان بأن جريمة الردة يعاقب عليها بالاعدام. وأوضح أنه لا ينبغي النظر إلى الإسلام باعتباره ديناً فحسب بل أيضاً باعتباره يمثل مجموعة كاملة من التعاليم بشأن الحياة الخاصة والعامة. ولذلك فإن الأشخاص الذين يرتكبون جريمة الردة يشكلون خطراً على لحمة المجتمع ومن ثم يمكن مقارنتهم بالخونة في البلدان التي تطبق تشريعات مختلفة. وأضاف أن الحركات الاسلامية في عدد من البلدان قد سعت إلى إزالة جميع الأحكام المتعارضة مع الشريعة الاسلامية من تشريعاتها.
وبعد النظر في تقرير السودان الدوري الثالث، عبرت اللجنة في الجلسة التي عقدتها في 26 يوليو 2007 عن قلقها إزاء اعتبار الردة جريمة بموجب القانون الجنائي لعام 1991، وأوصت بأنه ينبغي على الدولة الطرف (السودان) أن تلغي جريمة الردة لأنها تتنافى مع المادة 18 من العهد.
وكان السودان قد ذكر في تقريره الدوري الثالث المؤرخ في 26 يونيو 2006 بعض النقاط بشأن تطبيق المادة 18 من العهد نقتطف منها ما يلي:
1- يكفل الدستور على نحو جلي لكل إنسان الحق في حرية الوجدان والعقيدة الدينية مع كل ما يقتضيه ذلك من حقوق في إظهار دينه أو معتقده ونشره عن طريق التعبد أو التدريس أو الممارسة وحقه في أداء شعائره أو طقوسه. كما يحظر الدستور إكراه أي شخص على اعتناق عقيدة لا يؤمن بها أو أداء شعائر أو عبادات لا يرضاها طوعاً، (المادة 38 من دستور 2005 الانتقالي).
2- لم يشترط الدستور اعتناق ديانة معينة لتولي المناصب في الدولة بما في ذلك رئاسة الجمهورية (المادة 54 (1) من دستور 2005).
3- المواطنة لا الدين أو العنصر العرقي أو اللون هي أساس الحقوق المتساوية والواجبات في السودان وفقاً لنص المادة 7 (1) من دستور 2005 الانتقالي. والتجسيد العملي لذلك هو أن بيانات البطاقة الشخصية للمواطنين لا تتضمن ديانة حامل البطاقة.
في الملاحظات الختامية التي أبدتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في 26 يوليو 2007 بشأن التقرير الدوري الثالث للسودان، لاحظت اللجنة أن العهد ملزم ويجوز الاحتجاج به باعتباره نصاً دستورياً وفقاً للمادة 27 من الدستور الوطني الانتقالي لعام 2005. ولكن وبالإشارة إلى المادة 2 من العهد أبدت اللجنة أسفها لأن الحقوق التي نص العهد على حمايتها غير مدرجة بالكامل في القانون المحلي، كما أن العهد لم يُنشر بصورة كافية تسهل عملية الاحتجاج به أمام المحاكم والسلطات الإدارية. لذلك أوصت اللجنة بأن يقوم السودان بما يلي:
- أن يكفل بموجب تشريعاته الإعمال التام للحقوق المعترف بها في العهد.
- أن يكفل بصورة خاصة أن تكون سبل الإنتصاف متاحة لضمان ممارسة هذه الحقوق.
- تعريف عامة الجمهور بالعهد، لا سيما الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.
في ردها على هذه الملاحظة ذكرت حكومة السودان أنه وفقاً للمادة 27 (3) من الدستور الانتقالي لسنة 2005، تُعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جزءً من الدستور، حيث تقرر المادة: أن كل الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان تعتبر جزءً من قانونه الوطني. ووفقاً للمادة 48 من الدستور تصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الأخرى هذه الحقوق وتحميها والفصل في دستورية القوانين، وتختص أيضاً بمحاسبة رئيس الجمهورية ونوابه، والاحتجاج بأحكام الدستور يعتبر إحتجاجاً بأحكام العهد الدولي.
إذا كان التفسير المتقدم للمادة 27 (3) من الدستور الانتقالي لسنة 2005 صحيحاً: أي أن عهد الحقوق المدنية والسياسية قد أصبح حكماً دستورياً، فإن أي قانون يخالفه سيكون قابلاً للطعن فيه بعدم الدستورية، وأنه يجوز اللجوء إلى القضاء فيما يتعلق بانتهاك حق يكفله العهد ولا تنص عليه «وثيقة الحقوق». سنبحث هذه المسألة تفصيلاً في موقع لاحق. ولكن نرى أنه من المفيد أن نسترعي نظر القارئ منذ الآن إلى التالي:
1- إن عهد الحقوق المدنية والسياسية إتفاقية ملزمة لأطرافها.
2- إن العهد يعترف بحقوق لا تقرها القوانين المستمدة من الشريعة الاسلامية.
3- إن السودان عند انضمامه للعهد لم يبد أي تحفظ على أي مادة من مواده، أو يلحق بالإنضمام إليه أي إعلان تفسيري.
4- إن القانون الدولي لا يسوغ لدولة أن تستشهد بقانونها الوطني لتبرير عدم الوفاء بالتزاماتها بمقتضى اتفاقية صدقت عليها أو إنضمت إليها.
(3) وثيقة الحقوق
أُفرد الفصل الثاني من الدستور الانتقالي لعام 2005 المعنون «وثيقة الحقوق» للنص على بعض الحقوق التي وردت في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبمطالعة المادة 27 والمادة 48 من الدستور يخلص للمرء إلى أن هذه الوثيقة ليست جزءً لا يتجزأ من الدستور فحسب بل هي لب الدستور. فالمادة 27 (1) عرفت الوثيقة بأنها عهد «بين كافة أهل السودان، وبينهم وبين كافة حكوماتهم على كل مستوى، وإلتزاماً من جانبهم بأن يحترموا حقوق الإنسان والحريات الأساسية المضمنة في هذا الدستور وأن يعملوا على ترقيتها، وتعتبر حجر الأساس للعدالة الإجتماعية والمساواة والديمقراطية في السودان». وبموجب الفقرة 2 من المادة 27 إلتزمت الدولة بحماية الوثيقة وتعزيزها وضمانها وتنفيذها. وتقضي الفقرة 4 بأن تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة في الوثيقة ولا تصادرها أوتنتقص منها. ونصت المادة 48 من الدستور على عدم جواز الانتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في الوثيقة وعلى أن تصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الأخرى الوثيقة وتحميها وتطبقها.
وفضلاً عما تقدم، فإن حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية تعتبر إحدى المكونات الرئيسة لمفهوم سيادة القانون الذي نصت المادة 4 (أ) من الدستور على أنه أحد المبادئ التي أُسس عليها الدستور الإنتقالي.
أوردنا في موقع متقدم أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بعد النظر في 26 يوليو 2007 في تقرير السودان الدوري الثالث، قد أبدت أسفها لأن الحقوق التي نص عليها العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لم تدرج بالكامل في القانون المحلي. ولكن حكومة السودان أوضحت بأنه وفقاً للمادة 27 (3) من الدستور الانتقالي لعام 2005، فإن كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها حكومة السودان تعتبر جزءً لا يتجزأ من وثيقة الحقوق. ومضت الإشارة إلى أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان قد فسرت -وبحق- المادة 27 (3) بأنها تعني أن العهد ملزم للسودان ويجوز الاحتجاج به كحكم دستوري. يترتب على ذلك أن أي قانون يخالف عهد الحقوق المدنية والسياسية سيكون قابلاً للطعن في دستوريته، ويجوز اللجوء إلى القضاء في حق يكفله العهد ولا تنص عليه وثيقة الحقوق.
(4) جدلية العلاقة بين العهد والقوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية
تثير ملاحظات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على تقريري السودان الثاني والثالث جدلية العلاقة بين العهد ومواد القانون الجنائي المستمدة من الشريعة الإسلامية. فقد دعت اللجنة السودان إلى إلغاء تجريم الردة لأنه يتعارض مع المادة 18 من العهد (حق حرية الفكر والوجدان والدين)، وكذلك إلى إلغاء العقوبات الإسلامية المفروضة على بعض الجنايات لأنها لا تتمشى مع أحكام المادة 7 من العهد (حظر العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة). ونبهت اللجنة السودان إلى أنه بإنضمامه لعهد الحقوق المدنية والسياسية قد إلتزم بالإمتثال لجميع أحكامه. لا نعتقد أن حكومة السودان ستمتثل إلى ما دعت إليه اللجنة المعنية بحقوق الإنسان لأنها مقيدة بحكم المادة 5 (1) من الدستور الإنتقالي التي تقضي بأن تكون الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريعات. ونرجح أن يكون هذا أيضاً إتجاه القضاء السوداني إذا دفع أحد المتقاضين بعدم دستورية مواد القانون الجنائي لعام 1991 المخالفة لأحكام العهد. هذا على الصعيد الوطني أو المحلي. أما على الصعيد الدولي فإن السودان مسؤول بمقتضى القانون الدولي عن تشريعاته أو أحكام قضائه التي تنتهك إلتزاماته الدولية.
إن المرتبة الدستورية المميزة التي اكتسبها عهد الحقوق المدنية والسياسية تعود إلى المادة 27 (3) من الدستور الانتقالي لعام 2005. وبغير ذلك فإن العهد بعد اكتمال إجراءات إدماجه في القانون الوطني كان سيأخذ مرتبة القانون العادي. بمعنى أنه يمكن من الوجهة النظرية أن يصدر تشريع أو حكم قضائي وطني مخالف له لعدم وجود كابح دستوري. ولكن دولياً فإن المخالفة سترتب مسؤولية دولية على السودان تجاه الدول الأخرى الأطراف في العهد. نذكر هذا لأنه ورد في الفقرة رقم (61) من التقرير الدوري الثاني الذي قدمه السودان للجنة المعنية بحقوق الإنسان في 6 ديسمبر 1996 ما يلي: «ينص القانون الوطني على أن للعهد الأسبقية على جميع القوانين الوطنية». لم يذكر كاتب التقرير - كما تقتضي الأصول - اسم وتاريخ القانون الذي ورد فيه هذا النص، فذلك كان سيكون أدعى لاطمئنان اللجنة لصدقية الفقرة (61) والتقرير ككل. على أية حال لقد بحثنا عن القانون المنوه عنه في الفقرة (61) في كافة مظآن وجوده ولكننا لم نتمكن من الإهتداء إليه. الأمر الذي يرجح فرضية عدم وجوده أصلاً.
الدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه