وداعا صديقي كوانج الفدائي الفيتنامي
كان ذلك في العام 1974 وانا طالب (في كلية اللغة التحضيرية بجامعة دنقو بعاصمة اقليم الدنباس مدينة دانيتسك التي تحاصرها القوات الروسية في حرب ضد الوحدة مع روسيا . الجامعة خليط عجيب من كافة الاجناس والسحنات واللغات بنين وبنات نسكن في بناية من 13 طابق.. جمعتني مع صديقي الفيتنامي كوانج كيمياء التجاذب وهو يكبرني بأعوام وكان من أكبر الطلاب الفيتناميين او الاجانب في الجامعة . ابتسامة كوانج المرسومة في وجهه كانت جواز المرور الذي يحطم كل الحواجز . عام 74 كانت فيتنام خارجة للتو من معركة التحرير التي قادها الثائر هوشي منه وصديقة الجنرال ذياب .بدأوا للتو في مرحلة البناء بعد الحرب الطويلة التي خاضوها ضد المستعمر الامريكي ولقي فيها الشعب الفيتنامي صنوف العذاب والانتهاكات التي شكلت شخصية الفيتنامي بالقسوة والجدية والمسئولية والاتزام كان ذلك ديدن الطلبة الفيتناميين لا يختلطون مع أي أحد يعيشون في مجموعتهم إلا صديقي كوانج الذي جمعتني صداقة غريبة وكأنه سوداني سرعان ما اندمجنا في بعضنا البعض وصار دائم التواجد معي الي درجة ان تسبب وجوده معي في استدعاء المسئول الحزبي من العاصمة موسكو للتحقيق معه بتجاوزه حدود العلاقات مع الاجانب .
كان يحكي لي باستمرار عن تصرفات زملاءه الفيتناميين الذين مازالو متوحشين و متوجسين بسبب الحرب اللعينة والتي استبسل فيها كوانج وله عدة اوسمة وقلادات شرف جعلته معصوم من توقيع العقوبات عليه .. ما زلت اذكر قصته التي يتداولها الجميع في فيتنام وتتناول بطولته الفائقة والتي حكاها لي بنفسه عندما وقع في اسر دورية امريكية بعد قتل جميع زملاءه من قوات (الفييت كونق) وتم تقييده بالحبال واقتادوه جرا الي معسكرهم في احدي تلال غابات فيتنام والقوهو في الارض عند مدخل المعسكر وهو يعلم ماذا سيحدث له بعد أن يتفرغ له الامريكان وبعد أن يفرغوا في بطونهم كمية من الخمور والحشيش التي يحاولون بها عبثا نسيان الحرب أثناء انشغال الامريكان بالاكل والسكر فكر كوانج في الهرب لانه سيتعرض لتعذيب ينتهي بالموت البطئ وبدأ يزحف في اتجاه يجعله يرصد كل حركات الامريكان في المعسكر حتي وصل قمة التل ومنه بدأ يتدحرج بجسمه ويداه مغلولتان الي جسمه.. يا للهول الانحدار فظيع وحاد تغطي جسمع بالدماء نتيجة لتعرضه لمختلف النباتات التي تنموفي تلك الغابة من جذور ومخلفات وغيرها لدرجة ان جزء من الحبال التي احكم بها وثاقة قد اصبحت مهترئة وهي من اللالياف النباتية (السيسل) استطاع كوانج أن يصل الي قيادة قوات الفدائيين هنالك ولم يهدأ له بال حيث انتظر ريثما يحل الظلام ليقود كتيبة من الفدائيين مزودة بالاسلحة والقنابل ويشنوا هجوما علي معسكر الامريكان ليبيدوهم باكملهم ويستولوا علي كل العتاد والاسلحة .
هذا هو صديقي كوانج الذي كشف لي عن جسمه .. يا للهول تغيرت بشرته الي اللون الاسود وغطت الندوب كل ظهره وبطنه وعلي الرغم من ذلك كان كوانج مثال للفيتنامي المجتهد المثابر كان من هواة التصوير الفوتوغرافي يقوم بالتحميض والطباعة بمفرده غرفته مليئة بكافة الاجهزة وكان يلازمني في كل مناسبات احتفالات السودانيين حيث يقوم بالتوثيق وللاسف كل ما قام بتوثيقه صديقي كوانق اختفي من منزلي بظروف التفتيش والاعتقالات . كان كوانج خبير في كل شيئ يجيد صيانة كل الاجهزة من الراديو الي الخلاط وحتي الساعات عندما سافر الي فيتنام تخرج ب 3 شهادات مختلفة من كلية الاقتصاد ومن معهد التبريد ومن اكاديمية الصحافة والاعلام .
انقطعت بيني وبينه الاخبار تخرج قبلي بدفعة وقد تلقيت رسالة من صديق مشترك من مواطني كوبا ان كوانج قد توفي من 3 أعوام فشق علي نعيه لانه عاش فدائي ومات فدائي قدم الكثير لوطنه و ما قدمه لي شخصيا لن أنساه
ارقد بسلام يا صديقي كوانج وحتما سنلتقي هنالك