الجبهة الثورية و الجبهة الوطنية ، ما أشبه الليلةَ بالبارحةِ !!
() لا تسامح مع الخطاب العنصري!!
() الشارع سيظل السلاح الحاسم !!
() لا علاقة لنا بظلامات الماضي !!
في بدايات سبعينات الفترة المايوية ابان حكم الرئيس جعفر نميري تكونت جبهة معارضة عريضة لإسقاط حكمه بدأت بقيادات حزبي الاتحادي الديمقراطي الذي كان يقوده الشهيد الشريف حسين الهندي ، عارض مايو منذ قيامها حتى وفاته وجموع الانصار تحت قيادة إمامهم الصادق المهدي وعدد من كوادر الاخوان المسلمين ، شكلوا ما يعرف بالجبهة الوطنية واتخذوا من ليبيا مقر دائم لمعسكراتهم يتلقون الدعم المادي واللوجستي من نظام القذافي . بسبب الصراع الداخلي فشلت تلك الجبهة الوطنية في الاطاحة بنظام النميري الذي سقط بإنتفاضة شعبية في مارس ابريل مثل ما حدث لنظام ابراهيم عبود الذي سقط في ثورة اكتوبر 1964 والتاريخ يعيد الآن نفسه بعد قرابة اربعة عقود بتجربة الجبهة الثورية المكونة من فصائل انتهجت العمل المسلح لإسقاط نظام الانقاذ بتنسيق مع القوي السياسية التي تنتهج الاسلوب المدني لذات الهدف ، ما بين الجبهة الوطنية والجبهة الثورية خيط رفيع يفصل بينهما رغم فارق التجربتين هنالك اوجه شبه بين الجبهتين سيقود الي ذات المصير الذي إنتهي بالجبهة الوطنية ما لم تقوم الجبهة الثورية بمواجهة الخطر الذي يتهددها بكل شجاعة.
كتب / حسن وراق
في أمسيات صيف عام 1977 كنت اتردد باستمرار علي ميدان (امونيا سكوير) احد المعالم السياحية البارزة في العاصمة اليونانية اثينا حيث يتجمع معظم السّواح لأخذ قسط من الراحة في مقاهي امونيا او الجلوس علي ارصفة الانفاق للاستمتاع ببانوراما المدينة الجميلة . أي زائر للعاصمة اليونانية لابد من ينيخ في امونيا سكوير وقد تلتقي هنالك بعزيز لديك انقطعت اخباره عنك او تضيف الي معارفك صداقة جديدة مثلما حدث لي هنالك . ترددي المستمر علي أمونيا سكوير عرفني علي أحد السودانيين ظل باستمرار يتردد مثلي علي الميدان. تعرفنا سويا علي بعضنا بعضا ، كان من ابناء الحوش ويدعي (موسي )، من أخلص أعوان الشريف حسين الهندي عندما كانا سويا في ليبيا ايام الجبهة الوطنية المناهضة لحكم النميري قبل أن يقوم الأمن بتصفيته.
بطبيعة موقفه المعارض والمطلوب من السلطات الامنية كان موسي لا يستطع الذهاب الي السودان وكنت وقتها مثله ادرس في الاتحاد السوفيتي وفي العطلات اسافر للعمل في اليونان وعندما عرف بمعارضتي لنظام حكم النميري إطمأن و فتح لي قلبه خاصة وأن اثينا كانت تضم اعداد من المتعاونين مع الاجهزة الامنية لنظام النميري و بدأ يتحدث بألم وحرقة عن تجربته في معسكرات الجناح العسكري للجبهة الوطنية في ليبيا التي كان معظمها من الانصار وبعض الاخوان المسلمين وعدد قليل من الاتحاديين وكيف أن بعض الجهات والشخصيات كانت تغذي النعرة العنصرية بشكل محبط وسط البسطاء وزرع الحقد بينهم . قيادة الجبهة الوطنية كانت تعتمد علي كاريزمية المرحوم حسين الشريف الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع العرب والأفارقة والاروبيين وكان محل ثقة استطاع جلب التمويل وإقناع القذافي بضرورة الدعم لإسقاط نظام جعفر نميري بعكس الصادق المهدي الذي كان يعتمد فقط علي غلبة الجناح العسكري المكون من الانصار .
داخل معسكرات الجبهة الوطنية كما حدثني صديقي موسي ، أنك (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي ) كان الخطاب العنصري علي أشده في كافة الاصعدة خطاب يكمن في الدواخل تعبر عنه الممارسة بالفعل والقول وكانت النغمة السائدة بين مكونات الجناح العسكري هي أولاد البحر(عيال جلابة ) وأولاد الغرب (زرقة وعرب ) في التعامل اليومي وخاصة ظروف التدريب والبعد عن الوطن والأهل يفرض حالة من الاحباط تقود الي البوح جهرا بما يعتمل في الدواخل بدون تحفظ . وعلي حسب رأي الشريف حسين الهندي الذي كان يحث اعوانه علي الصبر والمجاهدة حتي لا تنهار الجبهة الوطنية لإسقاط جعفر نميري وتصاب بالتالي المعارضة الداخلية بحالة إحباط تطيل من عمر النظام وفي ذات الصعيد يذكر الشريف الهندي أعوانه ، أن الصادق المهدي هو المستفيد الاول من هذا الصراع وصمته علي الممارسات والسلوك العنصري يزكي من أواره ، ظناً منه أن ذلك سيحمله بسهولة الي حكم البلاد سيما و أن الغالبية من جنود الجبهة الوطنية من أنصاره وأن أي كبح أو انتقاد للخطاب والمعاملة العنصرية في مصلحة غريمه الشريف حسين الذي كانت غالبية اعوانه و مناصريه من تصنيفة (أولاد البحر) .
عندما حانت ساعة الصفر في يونيو 1976 لحركة محمد نور سعد ودخول اعداد من جنود الجبهة الوطنية الي الخرطوم لتنفيذ خطة استلام العاصمة بضرب طائرة جعفر نميري قبل هبوطها واعتقال كبار ضبط الجيش واستلام الاذاعة بتنسيق تام مع كل فصائل الجبهة الوطنية في الداخل ، شعر الصادق المهدي بقرب موعد النصر وأن جنوده (الانصار) لا محالة سيسلمونه حكم البلاد و لذلك صرح لحلفائه أنه وإلي هنا يعلن انتهاء تحالفهم المسمي بالجبهة الوطنية وأنه ذاهب لإقامة دولة المهدية الامر الذي أثار امتعاض اعوانه خاصة (الحبيب) ، المرحوم عمر نورالدائم الذي قال له قولته الشهيرة التي جرت مجري الأمثال ، (دا كلام شنو يا سيد الصادق) قبل أن يصرح الشريف حسين الهندي بأن الله استجاب لدعائه في تلك اللحظات بأن تفشل حركة محمد نور سعد لأنها كانت ستخرج البلاد من دكتاتورية النميري وتدخلها في (زندية ) المهدية التي كان سيعلنها الصادق المهدي .
ما يحدث الان في ظل حكم الانقاذ الذي تعارضه عدة جبهات بدءاً من التجمع الوطني انتهاء بالجبهة الثورية التي تقود جناحا عسكري من عدة فصائل انتهجت عملا عسكريا في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق استطاعت أن تفرض علي الحكومة الجلوس الي طاولة المفاوضات أكثر من مرة في إطار المراوقة السياسية المعهودة من الحكومة التي تلعب علي الزمن عله يكون كفيلاً بتعميق الصراعات داخل فصائل المعارضة المسلحة . الحكومة تستعمل العديد من الوسائل والأساليب المحرمة والمسموح بها لإضعاف المعارضة داخليا وخارجيا ونجحت في ذلك باستعمال بعض المحفزات التي قادت لانشقاق بعض القيادات والانضمام للحكومة وفي ذات الوقت وهي تمتلك وسائل اعلام مؤثرة استطاعت ان تروج وسط المواطنين أن قوات الجبهة الثورية لو دخلت البلاد لن تبقِ علي (أضان حمرا) وسيتم اغتصاب جماعي للفتيات ومصادرة المساكن والقتل في الشوارع سيصبح مألوفا مثل الصومال والدم سيصل حد الرُكب الخ ..
للأسف الشديد أن حملة الحكومة الاعلامية لتدمير صورة الجبهة الثورية المعارضة قد نجحت ايما نجاح وترسخت في أذهان الكثيرين وصدّق الكثيرون ما ذهبت اليه (براباقاندا ) الحكومة إذ ساعد في ذلك صمت الجبهة الثورية بكافة فصائلها علي رسالة الحكومة والصمت علامة الرضاء بأنهم فعلا سينتقمون لظلامات الماضي الذي لا ذنب للأجيال الحالية ولا حتى اللاحقة فيها وهذه كارثة حقيقية تبعث بعدم الثقة حتي ولو تأكد أن سقوط النظام حتمي تحت يد الجبهة الثورية لان قياداتها و مكوناتها تتحدث سرا بخطاب عنصري بغيض بلغ اسماعنا ملبياً طموحات القواعد التي تحلم بالفردوس المفقود والموعود والذي قد يكون احد محفزات الالتحاق بالفصائل المسلحة ما لم يتم إثبات العكس ، هذا الخطاب يقتفي ذات آثار الخطاب الذي كان سائدا داخل معسكرات الجبهة الوطنية وقتذاك . عدد من القيادات من أسموهم (أولاد البحر) داخل الجبهة الثورية جمعهم هدف مشترك يرتكز علي اسقاط النظام مع رفقاء الدرب الآخرين من قادة الفصائل ، ‘نهم لا ينكرون مطلقا الطقس العنصري الذي يعيشونه والحقد الموجه خاصة ضد بعض قبائل الشعب السوداني المتهمة دون سواها بأنها سبب تعاسة و شقاء أهلهم لمجرد أن بعض افرادها من اركان هذا النظام فلا يوجد مبرر علي استعداء قبيلة كاملة هي أكثر من تضررت في ظل هذا الوضع ووقتها ثب بأن قبول (أولاد البحر) بينهم فقط إمتثالاً لقول الشاعر المتنبي (من نكد الدنيا علي الحر أن يري عدوا له ما من صداقته بد) ولذا يتعاملون بحساسية مفرطة ولا يفكرون مطلقا في محاربة هذا الجو العنصري الذي يحيط بهم والحكايات تملأ الأسافير وعلي لسان العائدين من خطوط النار . الآن حان الوقت لطرح هذه القضية بالمواجهة وليس بدفن الرؤوس في الرمال فاذا كانت الحكومة تروج الخطاب العنصري للبقاء طويلا في كرسي الحكم بطريقة My way or the high way فإن علي المعارضة الداخلية والخارجية الاحتراس من الوقوع في كارثة العنصرية .
آن الأوان لكبح جماح ومحاصرة و محاربة الخطاب العنصري الظاهر والمستتر الذي أصبح قنبلة موقوتة و منهج متبع خاصة وسط المتعلمين والمثقفين الذين لا يعتبرون أنفسهم (أولاد البحر) هذا التصنيف العنصري البغيض ، بدأوا في (نكأ ) الكثير من الجراح ووصم الاجيال الحالية وتحميلهم ظلامات الماضي ونسوا أن كثير منهم أيضا وطد اركان هذا النظام وعمل في كل اجهزته الامنية بكل قسوة وعلي ايديهم كثيرون قد قضي نحبهم ومنهم من ينتظر بذاكرة متقدة لتصفية الحساب . نحن الآن لسنا بصدد محاسبة بعضنا بعضا والهدف المشترك بيننا جميعا هو اسقاط هذا النظام (العدو المشترك ) من أجل اقامة سودان حر ديمقراطي يتساوي فيه الجميع في الحقوق والواجبات من أجل تنمية مستدامة تقضي علي الفقر والجهل والمرض في كافة ربوع البلاد ونحن ندرك أن ما يجمع كل فصائل الشعب السوداني أكثر مما يفرقها ولو أن الفصائل المعارضة في الجبهة الثورية لم تحارب الخطاب العنصري داخلها بشكل مبدئي، جاد وحاسم فستصبح شعارات اسقاط النظام دعوة حق اريد بها باطل ولن يقود الخطاب العنصري المتواري خلف اسقاط النظام الي الالتفاف حول معارضة الجبهة الثورية ودعمها ودوننا تاريخ السودان و تجربة الجبهة الوطنية التي هزمها الشارع في مدينة أم درمان قبل عبورها الكبري والدخول الي الخرطوم ويكفي أنهم وصفوا ب (المرتزقة) إمعانا في التخلص منهم علي الرغم من أنهم من خيرة ابناء هذا الشعب السوداني ، تم التنكيل بهم بصورة غير انسانية لان الخطاب العنصري لا يولد التسامح . الجبهات المعارضة خاصة الثورية عليها تنفيذ ما جاء في الورشة التي نظمتها مجموعة Sudan Focal Point حول الحوار الوطني لدولتي السودان وجنوب السودان التي عقدت في يونيو الماضي في مدينة هيرمانسبيرج الالمانية والتي حضرها وفد من الجبهة الثورية وبعض رموز حركات المجتمع المدني السوداني من أجل نبذ العنصرية والكراهية وصولا الي حوار جاد و أصيل وتطرقت الورشة للاتهامات في مواجهة الخطاب العنصري للجبهة الثورية التي يجب أن تعيد النظر في تفكيرها إذا ما راودهم أي ميل عنصري لان الشعب السوداني لن يسمح بهذا التابو المحرم ولن يتسامح معه ورحم الله القائد المعلم الوحدوي دكتور جون قرنق دي مبيور الذي أدرك هذه الحقيقة لا أنه كان يردد دائما في خطاباته أن وحدة الشعب السودان ينبغي أن تقوم علي نبذ ومحاربة العنصرية بكافة اتجاهاتها لأنها تركة (فرق تسد ) الاستعمارية التي أريد لها أن تزدهر الآن وسط السودانيين .