أسبوع قد رحل منذ فارقنا الراحل المقيم ....... واي إسبوع ؟؟؟؟
أصالة عن نفسي ونيابة عن أسرته أسمحوا لي ان أتقدم الي كل زملاء و أصدقاء عزيزنا الراحل من حزبين ونقابين ورياضين ومزارعين ومن منظمات
المجتمع المدني الأخري الذين تكبدوا مشاق السفر الي داره بالصداقة اوالذين كتبوا عبر الشبكة العنكبوتية لتقديم واجب العزاء، نتقدم إليكم بخالص الشكر
والعرفان لمشاركتكم لنا الحزن علي الفقد الكبير ومواساة أسرته الصغيرة ، شكر الله سعيكم ، ولا يساورني شك في أن الفقد فقدنا جميعاً ، وأرجو أن لا
تنسوا الدعاء له بالرحمة والمغفرة .
وأستميحكم عذراً بإستقطاع بعض الوقت منكم ، بذكر بعض من بعض الذي أعرفه عن عزيزنا ونبيلنا جدي حسن.
رحيله المفاجئ قذف بي في بئر الحزن العميق ..... عمق علاقتنا .... حزن ملأ كل أحاسيسي وكياني .... كل ما أحاول الخروج من هذا البئر أجد
ذكرياتي تشدني لأغوص أعمق كأنني أقف علي رمال متحركة ، حتي وجدت نفسي عاجزاً علي الخروج منه ، لأن كل ما حولي يذكرني به ، حتي تشبعت
روحي ... عقلي ... فؤادي ... فكري كل كياني بهذا الحزن النبيل .... الكبير ... الذي لا يضاهه حزن ... حزن قدر الكون ده كل وأكبر بكتير .....
ولعل ذكر بعض ما أعرفه عنه وعايشته معه يساعدني في الخروج من هذه الحالة ..... وأتمني أن تكون هذه الذكريات ضربة البداية لمشروع كان يختمر
في داخلي ولم أتمكن من ذلك ( مشروع نداء الصداقة لبناء الهرم) وكلكم مدعون للمساهمة فيه ...... سوف أفرد له مداخله أخري توضح مضمونه
وهدفه.... ليس له تكلفة مالية .
عرفت الراحل المقيم منذ نعومة أظافري ... تعمقت وتجزرت علاقتي به عبر الزمن
أعلم علم اليقين أنه لم يكن ينتظر ثناءاً من أحد .... وحاشاه ان يتندر أو يفتخر أو يمتن بما قدم علي أي شخص .... يؤمن إيماناً عميقاُ لا يتزعزع بما
يعمله.... يكره بل يبغض أن يتكلم ذلك.
عفواً جدي حسن ... رحيلك المفاجئ المبكر .. أوصلنا ليوم شكرك الذي كنا نتمني أن لا يصل ، فالواجب والعرفان يفرض علينا أن نخرج ما تجيش به
صدورنا .... تدافع الكلمات جعلها تتعثر في الخروج من حناجرنا ... فخلقت لنا العبرة التي ألجمت ألسنتنا وا أفواهنا عن التعبير .....
لقد كان عزيزنا ونبيلنا الراحل المقيم الشعلة التي أضاءة لنا الطريق في بداية مشوار حياتنا وتفتح أذهاننا علي الحياة وبفضلها وعلي هداها سرنا في كل
الدروب الممكنة .... سياسية .... تقافية ..... إجتماعية .... مالية...... رياضية .
ذات مرة سأل نميري الشهيد عبد الخالق ... ماذا قدمت للشعب السوداني .... فأجابه ... الوعي بقدر ما إستطعت .
فجدي حسن قدم لنا الوعي بقدر ما إستطاع ,,,, أخذنا منه كل شئ حتي عمره ... لم يطلب منا شيئاً ... ولم نقدم له شيئاً ... ولم يكن ينتظر ذلك .. فقط
فالنعاهده بمواصلة المشوار......
• عرفته أباً .....مشبعاً بالحكمة والوقار ... كنا نأتي إليه في بيته الصغير الكبير الذي يسعنا جميعاً ، ونحن في قمة فوران الشباب في حادثة أو واقعة
معينة .... فكان بحكمته وإبتسامته العريضة يهدئ من ثورتنا ويحتويها ، ولا يكتفي بذلك بل يقوم بتوجيهها الوجهة الصحيحة .
• عرفته أخاً... لم تلده امي لم يبخل علينا بالنصح والإرشاد و مد يد العون لنا حتي داخل أسرنا.
• عرفته رفيقاً و زميلاً مبدئياً و ملتزماً ..... محباً لوطنه وشعبه لدرجة العشق .... مخططا ويسبقنا في التنفيذ ..... لا يتهاون في أداء مهماته و واجباته
.... لا يهادن خصومه السياسين .... يجنح الي التوفيق بين الخصماء .... يبذل كل ما يملك حتي حياته من أجل تحقيق أهدافه السامية .... كنا نأتي إليه
والإحباط يملأ نفوسنا .... ونخرج من عنده والأمل في بكرة يضئ طريقنا ....
• عرفته مناضلاً نقابياً ... جسوراً ومصادماً ..... من أجل تحقيق مطالب قاعدته ... التي إنتخبته وفوزته لعدة دورات ..... لا يخاف في قولة الحق
لومة لائم ولا بطش ظالم ... ودفع مقابل ذلك أثماناً باهظة .
• عرفته نسيباً ..... ونعمّ النسيب ..... لو كان كل النسابة في مستوي فهمه لقضينا علي كل المشاكل العائلية وهزمنا ظاهرة إنفصال الزوجين في
مجتمعنا الي الأبد.
وكيف لا أحزن وأغرق في حزني علي فراق هذا الرجل ..... وانا أصارع نفسي الآن ... أحاول أقناعها بقبول الواقع وهي رافضة ذلك .... ولا تصدق
حتي هذه اللحظة بأنني لن أقابله مرة أخري ... تقول لي لديكم الكثير الذي لم يكتمل ...... لا بد أنه سوف يكون في إنتظار عودتك كالعادة ........
أستغفر الله ... ولا حول ولا قوة إلاّ بالله... وإنا لله وانا إليه راجعون
كيف لي أن أتصور بأنني لن أقابل هذا الرجل .... القامة .... مرفوع الهامة ... عريض الإبتسامة ...... عفيف اليد والسان.... كثير
الإحسان......شفيف الروح ..... الحكيم العاقل .... المبدئ الملتزم ....المتفاني ......النقابي الجسور المصادم .... ملهم الشباب ..... نصير الغلابة
....المؤمن الصادق بوطنه وشعبه ....الصوفي الزاهد في الدنيا ......
• رجل يملك غرفة واحدة في حوشه الحدادي مدادي ...... واسعة مثل قلبه الفاتح علي الشارع ..... تسع جميع القادمين...... يطول المقام في بعض
الأوقات فينام عياله في صالة المطبخ .... وهو مقتنع بهذا الوضع لم أسمعه قط متذمراً أو شاكياً .... نشكي ونتذمر من أوضاعنا .... فينظر إلينا ويبتسم
.... ولسان حاله يقول لنا أنظروا الي وضعي وأقتنوعوا بما لديكم ... رجل يملك من الدنيا ما يسد رمقه ويكسي عورته ... يملك عجلةً إشتكت لطوب
الأرض من كثرة المشاوير..... ولم يشتكي راكبها ... رجل ما أعرفته يوماً يسعي لتحقيق شئ شخصي لنفسه .... لله درك ياجدي حسن ..... أفتوني
يرحمكم الله ما هي القناعة وما هو الزهد في الحياة إن لم يكن هذا ..........
• أعرف ويعرف الكثيرون غيري بأنه كان ياتيه شوال قمح أو ذرة من حواشة أخيه الذي هو أصلاً وريث فيها ، تنازل عن حقه غير مكره ..... وشوال
آخر من من الذرة من محالج الحصاحيصا ..... وأكرر وأكد شوال واحد مثله مثل بقية العمال علي الرغم من أن هذا االشوال من ثمرات نضاله وإنجازاته
النقابية لتحقيق مطالب قاعدته العمالية ( أين أنت أيها النقر من مثل هذه القامات ... وماذا يقال فيك عندما تموت ... وماذا تركت وراءك من إنجازات)...
لمهمو• والسؤال المهم ماذا كان يفعل جدي حسن .... ( بهذه الثروة الضخمة ) ... التي بالكاد تؤمن جزء من مونته السنوية ........ كان جدي حسن الإنسان
ام دوماً بهموم الغلابة ... يقسم هذه الثروة الضخمة علي المحتاجين ... علي الرغم من أنه واحد منهم .... لايذهب بها الي الساحات أو المساجد .. بل
يحملها في الخفاء ويوصلها لهم في ديارهم .... رأيت هذا بأم عيني وكنت عليه شهيدا .... والله علي ما أقول شهيد ...... أو يأتون إليه في داره ( من
الصداقة ... ود الكامل ... المحالج ) التي ما دخلها شخص وخرج منها زعلان .....ويشكون له حالهم ... وهم يعلمون علم اليقين بأن الرجل ليس أيسر
حالاً منهم ... وكن حاديهم العشم الذي لا ينقطع في هذا الرجل .... وهذا بحكم معرفتهم اللصيقة به .... ووثقتهم الكبير فيه ... فكان الرجل الإنسان لا
يردهم خائبين يكيل لهم من ما وجد عنده .... شهدت هذه الواقعة وشهدها غيري .... أفتوني بربكم ما هو الجود والكرم والزهد في الحياة والتوكل علي الله
إن لم يكن هذا .........
• واقعة أو موقف آخر يجلي المعدن النفيس لهذا الرجل الإنسان ..... ليعرفه من لم يكن يعرف ..... وليزداد به معرفةً من كان يعرف عنه مواقف أخري
..... الرجل الإنسان كان يتجول في السوق كعادته أقصد سوق المدينة كما يحلو له أن يقول ( لم أسمعه طيلة وجدي معه يقول كلمة الحصاحيصا كان
دائمأً يقول المدينة) وكان مواظباً علي الذهاب الي السوق حتي وإن لم يكن له غرض .... يذهب لشراء جريدته المفضلة الميدان .... ( وللمبالغة أقول لو
أحضرت إليه الميدان في البيت لأرجعها وأحضرها بنفسه من السوق )... ومقره الدائم ليس دكان ابو ضلفتين ... بل محل رجل آخر شبيه به ... عمنا
وصديقنا بشري عبد الرحمن .... اطال الله في عمره و متعه بالصحة والعافية ......( يطول الوقت لشرح ممارسة هذه العادة ، لنتركها لوقت لاحق)
.... معذرة أحبتي لقد خرجت عن الموضوع ، لأني عندما أبدأ مراجعة الذكرياتي مع هذا الرجل الإنسان لا أعرف كيف أبدأ .... وإذا بدأت لا أعرف
كيف أنتهي ..... وهذا التشتت ما مكن حالة الحزن من إحكام سيطرتها علي ........... أرجع الي الموقف ..... قابله أحد العاملين معه في المحالج من
سكان حي الكمبو .... وشكي له وضعه المالي وظروفه ... وأن زوجته قد وضعت مولوداً واليوم قد بلغ عمره إسبوع .... وهو لا يملك ثمن دجاجة فمن
أين له بثمن الخروف ( سبحان الله ناس سرقة ولاية وناس لا تملك حق السماية في سودان العجب) ... شكي له هذه الحالة وهو يعلم علم اليقين بأن حال
عزيزنا ونبيلنا وقدوتنا ليس بأحسن من حاله ... لأنه زميله يعرف أنهم يصرفون الراتب ولا يدخل جيوبهم ... لأن هنالك مقاطعة تاريخية بين الفلوس
وجيوبهم منذ ان وصلت العصبة الي الحكم.... جيوبهم التي حكم عليها من يتربعون علي قمة المسئولية أن تظل فارغة الي أن يلقوا ربهم بقماش أبيض
ليس فيه جيوب ....وقد نسوا أو تناسوا بأنهم سوف يقابلون ربهم أيضاً بقماش ليس به جيوب !!!!!!!! فراتبهم لا يمتعون أنفسهم بالنظر إليه لأنه يوزع
في نفس اليوم ( للديانة) و ما أكثرهم ... وجزاء الله خيراً السادة الديانة لأنهم يمهلونهم حتي نهاية الشهر .... هذا هو حال عموم عمال السودان وطبقته
الوسطي التي تلاشت ....عندما شكي صاحبنا هذا الوضع للرجل القامة لم يكن ينتظر منه شيئاً لأنه يعلم بأن الحال من بعضه ... وربما لا يملك عزيزنا
حق الفطور والجريدة .....بل أراد أن ينفس عن كربه ويفش غله ... مع رجل علي الأقل يثق فيه ... وعلي الأقل يستمع إليه ... بمناسبة الإستماع هذه
... جدي حسن من أكثر الناس الذين عرفتهم في حياتي ... والذين يجدون فن وأدب الإستماع ...... يستمع للكبير والصغير .... و لآي شخص مهما كان
وضعه الاجتماعي ... وليس أستماعاً إنصرافياً بل إستماع بتمعن ... يحسسك أنت المتحدث بأن الرجل متضامن معك حتي ولو لم ينطق بكلمة واحدة
..... وهذ ما مكنه من إستيعابنا ... وجدد روحه ... فروحة شبابية دائمة التجدد ... علاقته عابرة الأجيال من عمر والده الي عمر أصغر أولاده .....
أتدرون كيف تصرف جدي حسن حاتم السودان ........أخذ زميله وذهب به الي سوق المواشي ..... وبدون تردد وكأن ثمن الخروف في جيبه ... توجه
الي أحد تجار السوق ... وحكي له الموقف وتعهد له بسداد ثمن الخروف ولكن ليس الآن ( يعني سماية بالدين) ... لكم الله يا عمال السودان .... وكيف
يقابلوا ربهم تجار الدين الذين نهبوا البلد وأوصلوكم الي هذا الوضع !!!!! ....وتاجر المواشي رجل مواقف حمال شيل أعرفه ويعرفه الكثيرون .... أنه
أخونا وعمنا التاج يوسف عمر ... أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية .... فلم يتردد هو أيضاً أعطي الشخص صاحب الحاجة غرضه وقال أمشي
أذبح سمايتك ... ما أروعكم من شعب ... لا تستحقون الحاصل عليكم وبكم .... ذكرت الإسم لمن أراد أن يتأكد ......معذرة الأخ التاج لم أرد ذكر الإسم
فقد ينقص من حسناتك ولكن المقام فرض نفسه ..... أفتوني يرحمكم الله ... ما هو الكرم والجود والشهامة .... إن لم يكن هذا ...... المقول بتقول ...
الجود والكرم بالموجود ... لكن جدي حسن لا يتوقف عند حدود هذه المقولة بل يتعادها ... ويحود بغير الموجود ... ما أروعك جدى ... وما أكبرك من فقد .....
• لأول مرة طيلة علاقتي بك لم تف بوعدك .... يا جدي حسن ... لأنك وعدتني نكمل ما بدأناه ... ورحلت عنا سريعاً متعجلاً الرحيل .. دون مقدمات
أو إستئذان .... لكن هذه سنة الأولين والآخرين ..... فلك العتبي حتي ترضي ولك العتبي بعد الرضا ..... وإنا لله وإنا إليه راحعون ......
• يا حفيف أنفاس البيارق ...في في الشوارع ودفئ الزحام .... مشتهنك مالك مفارق؟ لفتة منك تشفي السقام... الملامح كانت تسامح ... والجلوس بالحق
والقيام ... والحناجر ليست فناجر ... والمنابر ذات إحترام ... وكل مايك ولا سلك شايك بين جموع الناس والكلام ... فايتنا بقدم الصلاح ... سابقنا لي
جنة عدن ... سايبنا نخلة وسط رياح بين الزمن .( تسلم يا عفيف)
• جدي حسن الرجل الإنسان الذي تتجسد فيه الإنسانية بكل معانيها السامية ...... رجل يحمل كل هذه الصفات التي يندر أن تجتمع في شخص واحد .....
كيف لي بنساينه .... وكيف لي بالخروج من بئر أحزانه .... حزني عليه نبيل ....كبير ... قدر الدنيا ... وأكتر بكتير ......
• اللهم ربي أتاك من أفني عمره في خدمة عبيدك.... وانت أعلم منا به .... أتاك فاروق عبدك بن عبدك بن أمتك ... فقيراً من الدنيا ... يطلب رحمتك
.... ورضاك .... اللهم أغفر له وأرحمه ... وأبعثه في زمرة الفقراء و المساكين ...
• اللهم أنا نشهد له بالكرم ... وانت أكرم الأكرمين ..... اللهم أكرمه ووسع مرقده ... وأسكنه الفردوس الأعلي مع الصديقين والشهداء ...
• اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه ... وإن كان مسئياً فتجاوز عن سيئاته
• اللهم غسله بالماء والثلج والبرد ... ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقي الثوب الأبيض من الدرن
• اللهم أبدله داراً خيراً من داره و أهلاً خيراً من أهله
• اللهم أغفر له وأرحمه وأجعل البركة في دريته
• اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده
• اللهم ألزم اهله وأصدقاءه الصبر والسلوان
• وداعاً أيها الأب ... الأخ .... الصديق ....الرفيق .... النسيب ....جدي حسن ... ألف مغفرة ونور عليك ... ماشين في السكة نمد في سيرتك للجايين ......
مخلصك أبداً عوض نمير