في وداع العامرية ليلي وراق !

في وداع العامرية ليلي وراق !
@ أعود للتواصل مع قراء الرحيق بعد ان غيبني عنهم موت شقيقتي الصغرى التي عشنا معها ايام وليالي من  سهر و معاناة وعايشناها تنازل داء السرطان اللعين الذي قبض في اقل من عام شقيقتها ومن قبلها شقيقها الاكبر ولا نزكيهم علي ربهم .نعلم ان الموت حق علي كل نفس ،لا محالة ذائقته ولكن عندما يكون بداء السرطان فذلك  من ركب الشهداء وما يستحق الذكر بالمآثر البطولية الخارقة في مقاومة ذلك الداء اللعين الذي جثم علي انفاسها اخيرا ، بعد ان هزمته في كثير من جولات الاستطباب ليأخذها جسدا عليلا وتنسرب روحها العالية الطاهرة فينا حزنا ابديا مقيما .
@ استميح القراء الاعزاء ان يجدوا لي العذر علي اطلالة الحزن الذي أناخ ازماله فينا وهذه المرة يتملكني بشكل استثنائي لأن الفقد جلل و المصيبة لا تدانيها فاجعة .الفقيدة ونحن لا نغالي بها علي ربها ، لا اكتب عنها لانها شقيقتي ولكنها تمثل بعدا انسانيا نادر يستحق الذكر ، اجمع عليها اهل مدينتها بانها " اطيب امرأة في مروي" كان مأتمها استفتاء انساني تجمع فيه كل الخلق الذين لم تشهدهم مروي من قبل بشهادة اقطابها ،تقاطروا جميعا لوداعها ،لم يبق  رجل او إمرأة ،طفل او شيخ ،سائح او مجذوب  ،نوبة وحلب ،بجة ، عربان واشو واولاد بلد كانوا جميعا في بوتقة حزن واحد .
@ هذا هو الحزن النبيل ،  يفتح كوة في  جدلية الحياة والموت ، ذلكم السئوال المحير الذي لم نجد له اجابة ولكننا نقترب من حقيقته المجردة  كلما اقتربنا من تفكيك شفرة الموت ، التي تشيء لنا بان الحياة  لم يعد لها معني ان نعيشها او ننتظرها وهي كل يوم تنوء بكلكلها و احمالها و اثقالها معاناة و آلام واحزان و مظالم نظام حاكم جاثم ،  يعيق  دروب التفاؤل والامل والمستقبل. لم يعد الموت بعبعا مخيفا نفر منه و نستعصم دونه ببروج مشيدة ولانه لا يأتينا كنهاية وخاتمة سعيدة لمن نحب و نهوي . الحقيقة الأكثر إيلاما وحزنا ان هذه الحياة " الدنيا " لا تكتمل دورتها إلا بالموت ذلكم الكائن الجبان .
@ لم تعد هذه الحياة جديرة بوجودنا الإنساني الذي يتعارض مع جدلية الموت لو لا انها تضم بعض الخلق الذين جملوها  بوجودهم ،اضافوا لها طعما و وزنا ، رونق وحفاوة وانسجام ، أناس بيننا ما فتئوا يبددون الحزن ، يجددون الامل ينشرون الحب ويغرسون الحكمة و قيم التسامح ، يجسدون الانسانية في ابهي صورها ،اولئك هم رسل الحياة الحقيقيون الذين يتربص بهم هذا الموت الكائن الجبان غدرا يعمل فيهم كافة اسلحتة  فتكا و ترويعا سلبا للروح و منعا لحق الحياة . الموت ؟،نعلم انه لملاقينا ولكن بشيمة الغدر ينتاش ارواحا مفعمة بالخير والبراءة و الإنسانية  تشع بالامل و الطمأنينة و الحب الذي يجعل الحياة عالما جدير بالوجود الانساني .
@ ما الذي اقسى من الموت؟ فهذا قد كشفنا سره
واستسغنا مره
صدئت آلاته فينا ولا زلنا نعافر
ما جزعنا ان تشهانا ولم يرض الرحيل
فله فينا اغتباق واصطباح ومقيل
آخر العمر قصيراً ام طويل
كفن من طرف السوق وشبر في المقابر
@ نسأل الله الكريم ورب العرش العظيم ان يتغمد برحمته  اخت و حبيبة و أم الكل العامرية ليلي وراق التي رحلت عنا وهي في قمة شبابها و إيثارها و عطفها وحبها المتدفق علي الجميع وحكمتها التي لا تضل وهي تهدئ من روعنا في لحظة الاحتضار لنشهد ، كيف لها أن تهزم الموت بابتسامتها الوضيئة الساحرة الساخرة علي زيف الحياة ورهبة الموت ،،إنها تقول  وداعا . نسأل الحق عز وجل ان يغفر لها ما تقدم من ذنبها و ما تأخر وان ينزل علي قبرها شآبيب رحمته، وان يحسن وفادتها و يكرم نزلها ويدخلها من باب الريان الي أوسع الجنان في زفة الابرار والاخيار  مع الانبياء والصدقين و الشهداء والاخيار  وان يجعل البركة في زوجها وابنائها و بناتها واحفادها و اهلها واقاربها  وجيرانها  و جميع اهلها في مروي والبركل وكريمة والحصاحيصا والخرطوم ويلزمهم جميعا الصبر الجميل علي هذا المصاب الاليم وانا لله وانا اليه راجعون.

،



تم الإرسال من جهاز سامسونج اللوحي.