حول تقرير لجنة خبراء مشروع الجزيرة :
الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح
استعراض / حسن وراق- تقرير اللجنة هل يصبح مستند اتهام ا
- مجلس إدارة المشروع في دائرة الاتهام!!
- روابط المياه خطر علي اتحاد المزارعين!!
- لا بديل لمشروع الجزيرة إلا المشروع نفسه!!
- بيع المشروع غير شرعي ويخالف توجيهات الرئاسة !! بعد إنفاذ قانون مشروع الجزيرة لعام 2005 وبمرور 4 أعوام علي تطبيقه تأكد أن المشروع يتجه إلي نهايته . في ابريل المنصرم قام السيد البروفيسور الزبير بشير طه وزير الزراعة الاتحادي آنذاك بتكليف لجنة من خبراء إجلاء عملوا فترة طويلة بالمشروع واكتسبوا خبرة جعلتهم جديرون بتقييم تجربة تطبيق القانون . جاء علي رأس اللجنة البروف عبدا لله عبدا لسلام المدير الأسبق للمشروع والبروف مأمون ضو البيت مدير الأبحاث الزراعية والدكتور عمر عبد الوهاب المنصوري مدير الإدارة الزراعية بالمشروع والوكيل الأسبق لوزارة الزراعة الاتحادية بالإضافة إلي الدكتور احمد محمد ادم الوكيل الأسبق لوزارة الري. استغرق عمل اللجنة لمدة ثلاثة أشهر ورفعت تقريرها الذي يعد بمثابة وثيقة تاريخية لم يسبقها مثيل في تقييم مشروع الجزيرة منذ نشأته وحتى الآن . توصلت اللجنة إلي الكثير من الحقائق المذهلة من خلال اللقاءات التي أجرتها والمقابلات مع أصحاب الشأن من جهات الاختصاص المختلفة ووسط الخبرات السابقة التي عملت بالمشروع ومن المزارعين وقياداتهم لتخرج اللجنة بوثيقة مشروع الجزيرة الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح ..
لم يخطر علي بال احد أن يخرج تقرير اللجنة بهذه الشمولية والتدقيق الذي لم يترك شاردة و لا واردة إلا وتضمنها ، ولعل الوزير نفسه كان يعتقد أن التقرير سوف يكون بمثابة إعلان وفاة المشروع لينتهي العزاء بإعلان الشهادة إلا أن التقرير أصبح من اخطر مستندات الاتهام في مواجهة نظام الإنقاذ والأفراد والجماعات التي شاركت في هذه الجريمة الكبرى.بما أن اللجنة المكلفة لتقييم تجربة القانون تم اختيارها من مجموعة التكنوقراط فقد كان تركيز عملها حول الجوانب الفنية والمتخصصة من واقع معرفتهم اللصيقة بالمشروع ولكن هنالك بعض الإشارات الذكية التي تخاطب عقول السياسيين والمهتمين بالشئون الاجتماعية والاقتصادية والبيئية . هذه الإشارات تتطلب من المهتمين بأمر المشروع أن تتواصل جهودهم ويتكلل مسعاهم في توسيع دائرة هذا الدراسة .
اللجنة المكلفة تناولت أمر المشروع بمنتهي الأمانة والحيادية ولم تلق بكل اللائمة والمسئولية علي النظام القائم الآن فقد أوردت بعض الحقائق التي اعتبرتها اللجنة بداية تراكم العقبات بالمشروع والتي عرفت بمرحلة التكثيف الزراعي منذ الستينات بعد إدخال محصولي القمح والفول للدورة الزراعية التي كانت محصورة علي القطن والذرة بالإضافة إلي الاحتفاظ ببعض المساحات ( بور ) لتجديد خصوبة التربة . إدخال محصولي القمح والفول لم تصطحبه تحسينات أو تعديلات في القدرات الموجودة للري وبنياته الأساسية ولا حتى في تطور وسائل الإنتاج لرفع الإنتاجية ولم تطرأ علي المشروع مراحل تأهيلية إلا مرة واحدة في الثمانينات.
الحقيقة التي لم يختلف حولها أعضاء اللجنة ، هي أن الانهيار الحقيقي لمشروع الجزيرة ارتبط بنظام الإنقاذ الذي استولي علي مقاليد الحكم مستعديا علي شعبه وشعوب العالم خالقا عزلة حول نفسه و عن الأسرة الدولية التي أحكمت عليه الحصار الاقتصادي وتصنيفه من ضمن الدول الداعمة والراعية للإرهاب لتبدأ أهم مراحل الاستنزاف الاقتصادي التي شهدتها البلاد من جراء محدودية الموارد المالية والتي أثرت بدورها في تمويل الاحتياجات العاجلة مما اظهر عجزا في التمويل وضع مشروع الجزيرة في الطريق الصحيح نحو التردي و الانهيار لتترك وزارة المالية أمر تمويل المشاريع والمؤسسات إلي الاجتهادات الفردية للإدارات المختلفة فبدأت وقتذاك أول مراحل التصرف ببيع جزئي للبنيات الأساسية للتشغيل و التسيير وتزامن كل ذلك مع انتهاج النظام لسياسة التحرير التي عجلت بتدمير المشروع.
في إطار تشخيص اللجنة للأسباب التي أدت إلي الانهيار السريع و التدهور المريع الذي وصل إليه المشروع ، لم تتطرق إلي ما انتهجته الإنقاذ في تصفيتها للخدمة المدنية عبر ما يعرف بمجزرة الصالح العام والتي أفقدت البلاد كوادر وكفاءات تركت آثار مدمرة في عمل الإدارة خاصة بعض أن آلت الأمور إلي بعد مرحلة ( الفتح ) في بواكير نظام الإنقاذ عندما تولي أمر المشروع عديمي الخبرة والكفاءة بدأت مرحلة التشريد فقد أورد التقرير إحصائية العاملين قبل الإنقاذ وقد كان عددهم حوالي 13500 وعند منتصف التسعينات بلغ العدد حوالي 8600 ليصل العدد إلي 3500 تجري ألان إجراءات تسوية حقوقهم لأجل تنفيذ الدراسة التركية التي تري أن المشروع يحتاج فقط إلي 328 عامل تجري الآن إجراءات تعيينهم من الموالين للهيئات النقابية والتي تدير ما تبقي من المشروع تحت اسم شركة ارض المحنة .
من أهم أهداف مشاريع الري الدائم هو إنتاج محاصيل الصادر النقدية وتوفير المواد الخام للإنتاج الصناعي وتقديم الخدمات من صحة وتعليم و توفير فرص العمل . كل هذه الأهداف نجح فيها المشروع عندما كانت المساحات المزروعة تعادل أكثر من 75% من مساحة الأرض. أما الوضع الآن فتقلصت المساحات المزروعة إلي اقل من ثلث المساحة وذلك في أحسن الحالات وتراجعت محاصيل الصادر الرئيسية كالقطن وأصبح مشروع الجزيرة يشارك القطاع التقليدي المطري في إنتاج محاصيله وبإنتاجية متدنية.
معروف لدي الجميع أن منهج عمل المافيا في العالم يعتمد علي إثارة القلاقل وخلق الفوضي لزعزعة النظام القائم يشتي الطرق بما فيها استخدام القوة حتى يستلم مقاليد الأمور وبعدها يعمل علي حفظ النظام ويشتي الطرق ايضا . الحال في مشروع الجزيرة لا يختلف كثيرا. المافيا التي دمرت مشروع الجزيرة لتستولي عليه، زادت من معوقات الإنتاج عبر خلق العديد من تعقيدات التمويل ومحاولة توريط المزارعين مع البنوك وابتداع أساليب مختلفة لرفع تكلفة الإنتاج وتدمير شبكة الري بعد أن آل أمرها إلي إدارة المشروع والتي أحدثت فيها الكارثة الكبرى بعد أن تم تدمير المقطع الهندسي لتمرير المياه من جراء التخلص من الاطماء بطريقة غير علمية بتطهير الترع الذي زاد العمق ووسع الجنبات الشيء الذي خلق أزمة الري التي يشهدها المشروع الآن.
الإشكالات الإدارية هي واحدة من الأسباب الرئيسية في تدمير مشروع الجزيرة والتي تراكمت من خلال الكوادر الضعيفة التي تولت أمر المشروع وانتهاج أساليب ترهيب وابتزاز العاملين وتضارب الاختصاصات وتداخلها وعدم الالتزام بالدورة الزراعية وإهمال الجوانب الفنية في إعداد الأرض والموسم والمكافحة والري وخلافه وتحجيم دور التنفيذيين وتركيز كل الصلاحيات في أيدي مجالس الإدارات وانتشار الفساد والسرقات والأساليب الفاسدة التي أضعفت ثقة المزارعين في إدارة المشروع التي تشارك هي الاخري في ما يجري من تجاوزات و مخالفات وتدخلات سياسية واضحة .