الاستاذ والكاتب المميز خالد القشطيني ، خصص اليوم مقاله الاسبوعي في صحيفة الشرق الاوسط.. لما اسماه انقلابا جماليا في العالم من خلال زيارة قادته الى السودان..
وهذا نص المقال -
انقلاب في السودان
لقد نشأت على ذلك الهوس العربي، البشرة البيضاء، والشعر الاشقر والعيون الزرقاء. وتعزز في نفسي هذا النزوع بالسنوات الطويلة التي قضيتها في اكاديميات الفنون في بريطانيا، حيث تسود قيم الجمال الآري للموديلات الاوربيات الآريات. لم افهم الشعار الذي اشاعه الانجليز أخيرا في قولهم «الاسود جميل» Black is Beautiful، اعتبرته شعارا طرحوه للمجاملة ودعم حركة المساواة ضد العنصرية التي كثيرا ما اعتمدت في تمييزها على اللون، وبالذات اللون الاسود.
ورغم كل القصائد والاغاني التي تتغنى بالسمراء، فان الهوس العربي بالبيضاء ظل مستحكما في نفوسنا. وهكذا بقيت مقاييس الاستاطيقية كذلك وانا في طريقي الى السودان، واذ بها تنقلب رأسا على عقب بعد سويعات من وصولي الى الخرطوم. وجدت القوم يتحدثون عن الاكتشافات الجديدة من النفط والسدود الجاري بناؤها لتخزين مياه النيل والاراضي المزمع زراعتها وما تبشر به البلاد من ثروات. لم اجد احدا يتكلم بعد عن الثروة الجمالية للنموذج البشري السوداني. وهل من ثروة مستدامة اغلى وابقى من الانسان؟
في افريقيا الشرقية، خاصة في السودان والصومال واثيوبيا واريتريا، اختلط العنصر العربي بالعنصر الافريقي وتولد عن ذلك الاختلاط هذا النموذج الجمالي الفريد، الذي يجدر بي ان اسميه بالنموذج السوداني.
واجهته في كل مكان. في النادلات والمستخدمات في الفندق، في الفلاحات العاملات في المزارع المجاورة وفي طالبات الجامعة والمدارس. في دخولي الى حدائق الجامعة ومواجهة هذه النماذج من الجمال السوداني في طلاب وطالبات الجامعة، شعرت وكأنني في عالم اثيري غير هذا العالم الذي اعرفه، عالم من الدمى الفاتنة المعدة لعرض الازياء في فاترينات المخازن الاوربية، او الدمى الصغيرة المصنوعة لدغدغة مشاعر الاطفال او كوكبة من ملائكة الرحمن. خطر لي ان وجوه الملائكة ستكون بمثل هذه الوجوه السمراء الداكنة.
وجه الفتاة السودانية اشبه بصورة رسمها فنان من نوع ديور او دافنشي. الشفتان محددتان مرسومتان بقدرة الخالق. المرأة الاوربية تحتاج لقلم الشفايف لتحدد وترسم شفتيها. لا حاجة للمرأة السودانية لمثل هذا القلم. وحيث اجدها وقد شدت الحجاب على شعرها، تعود لمخيلتي لوحة فرمير عن الفتاة ذات اللؤلؤة. وبين الحجاب وامامه توجد هذه اللؤلؤة السوداء المتمثلة بالوجه الصغير الناعم البشرة الدقيق العوالم والساحر النظرات.
الفتاة السودانية بطولها الممشوق وجسمها النحيف تعطي المثال الذي يصبو اليه دهاقنة الازياء والموضة في عرض انتاجهم. وبوجهها المرسوم المحتشم تعطي بديلا لهذه النماذج المبتذلة من مذيعات التلفزيون ونجومه. انها تعطي عالما جديدا من القيم الجمالية تخرج عن دنيا الجمال المصطنع بالبودرة والحمرة وقلم المسكارة. وامامها لا يملك المتذوق للجمال غير ان يعيد النظر في مقاييسه الاستاطيقية ويشعر بهذا الانقلاب نحو فهم واستيعاب الشعار الشائع اخيرا على مستوى العالم Black is Beautiful.
يا بنات صور وصيدا، احذرن من ?المنافس الجديد!