أفهم بأن أول خطوات العلاج لأي مشكل أن نحدده تحديداً نافياً للجهالة كما يقول أهل الفقه ، ثم بعد ذلك نفكر في الحلول ونجاعتـها ، ثم كيفية تقديمـها فيما لو تأكدنا من جدواها ، وبالتأكيد فإن إنطلاق مدن السودان إلى الأمام شي يدعو للفرح ، ومما يحزن له تخلف مدينة واحدة من بقية المدن ، ولو كانت من ضمنـها الحصاحيصا فإن الحزن يصبح أعمق وأشد.
ومع إنك عزيزي الفاضل لم تحدد نواحي التخلف عن الركب وعلى أي مستوى ! كما إنك لم تحدد نماذج للسابقين المنطلقين ، إلا أن الإشارة واضحة جداً لأولئك المقربون في جنات النعيم ، وأعتقد ( إن لم أكن مخطئاً ) بأن البوست يتمحور بشكل أساسي في جدلية التقرب والإنطلاق ، وإن كان ذلك مقصدك فأسمح لي أن أختلف معك لأسباب ألخصـها في الآتي:
أولاً : إذا فقد الإنسان المعاملة الإنسانية ، والحياة الكريمة فمن غير المتصور أن يهاتي بمعينات الحياة العصرية ، فالمناطق التي نـهضت ، وإنطلقت ــ لا تألو عن شي ــ مع الإمام ، وليس إلى الأمام قد وفرت شكل من أشكال الحياة العصرية ، إلا أن ذلك لا يمكن ان يحسب تطوراً بالمعنى الذي نتطلع إليه.
ثانياً : الحصاحيصا ليست جزيرة معزولة عن بقية مدن السودان ، تتأثر بالسياسات والموجهات العامة للدولة السودانية ، بمعنى إنك ما راح تنهض بأي مجال من مجالات الحياة في الإقتصاد ، والإجتماع ، والسياسة ، والمجالات الخدمية بشكل عام إلا وفق الموجهات العامة للدولة ، طبعاً مع تقديري التام أخي حسن لإعتقادك المتطرف في أغلب الأحيان لمدينتك ، وحلمك بأن تصبح أنشودة عذبة يسير بـها الركبان ، وأتمنى أن يديم الله الصحة لنرى بأم أعيننا ونعيش هذا المنال.
ثالثاً : المؤتمر الوطني يقبض على تلابيب الدولة ، ومؤسساتـها بشكل تماهت فيه مؤسسات الدولة مع مؤسسات الحزب ، الشي الذي مكن ، ويمكن من حكم ، أو حكومة يغذي الإستبداد لحمـها وسداها ، فغطست مؤسسات الدولة في غياهب وجيوب المتنفذين من أهل الحكومة ، فتدنت بل إنعدمت الخدمات التعليمية ، والصحية ، والحياتية عموماً وبما لا مثيل له ، ولما كان الحال كذلك فكان لابدّ للمتنفذين ــ حتى يطيلوا من فترة حكمـهم ــ أن يتبعوا الحكم اللامنهجي اللنحن شايفنو الآن ، مع إنـهم في البداية رفعوا المصاحف على أسنة الرماح وأخيراً لم يجدوا أي حرج في تقديم الأساقفة والقسسين لهيئات الحكم الرشيد ، بإختصار هذا هو واقع الحال ، مجموعة إستبدادية إستولت على الحكم بليل ، يشرع لـها ويديم في بقائـها الإنتهازيين وأصحاب المصالح دون أي إعتبار لدولة أو دين ، ولكل ذلك فلا أرى سبباً للبكاء على لبن التطور المسكوب طالما كنا في الأصل غاطسين في وحل اللامنهج ولا دولة بـهذا الشكل المريع.
رابعاً : الدعوة لإصلاح الحال بإبدال أهل المؤتمر الماثلين بناس مؤتمر آخرين ، أعتقد بأنه طعن في ضل فيل ، ما أن تطعنه صباحاً ، إلا وتجده تمدد ظهراً لا يحول بينه وبين التمدد والانكماش وفق مصالحه حائل ، ففي غياب الحديث عن منهج حكم ينهض بمؤسسات الدولة وفق قانون إنساني وديمقراطي عادل ، يصبح الحديث عن الإبدال ضرب من ضروب إضاعة الوقت ، وتطفيف بمعايير ومفاهيم التطور السياسي والديمقراطي نفسـها. فالمسألة مش تبديل لإسبير سيارة ، فلو كان عبد الرحيم محمد حسين معتمداً للحصاحيصا أيام تشييد الكبري كان لحق كبري حي العرب بورتسودان ومن زمان ، أو في عداد مباني الرباط الراحت في غمته خشم.
وسأعود لتساؤلك عن سبب عدم إنضمام الناس للمؤتمر