كان الأطباء حتي منتصف السبعينات أو ما بعدها بقليل علي رأس الهيكل الراتبي للدولة ، بل كانوا خارج الهيكل الوظيفي لسائر الموظفين حيث كانوا يسمون بالكادر المميز ، نظراً لطبيعة عملهم المختلفة تماماً عن أية مهنة أخر ي من حيث تعاملها المباشر مع صحة الإنسان ، وعدم إرتباطها بساعات عمل محددة كسائر المهن الأخري ، إذ أن متوسط عمل ساعات الطبيب ( علي سبيل المثال : الأمتياز ونائب الأخصائي ) يبلغ حوالي 78 ساعة في الإسبوع ، في حين لا يتجاوز عمل أي موظف آخر 40 – 48 ساعة . في أواخر السبعينات تم إدخال الأطباء ضمن الهيكل الراتبي لسائر الموظفين ، وكانوا في البداية علي قمة هذا الهيكل ، ثم بدأ التدحرج حتي وصلوا إلي دركه الأسفل الذي يقبعون فيه حالياً ، حيث أضحي مرتب الطبيب يتراوح من 570 جنيه لطبيب الأمتياز إلي 900 جنيه للإخصائي في أكبر فضيحة لم يكتشفها الرأي العام إلا مؤخراً عقب سلسلة إضرابات الأطباء الأخيرة .
ومن دون الخوض في أسباب هذه المرتبات المخجلة – والتي يتحمل الأطباء دوراً كبيراً فيها بسكوتهم وصمتهم وربما خوفهم – فقد رفع الأطباء عام 2003 م مذكرة للسيد رئيس الجمهورية في هذا الخصوص إضافة إلي مطالبهم بخصوص العلاج والسكن والترحيل والتدريب وغيرها مما وفرته إتحادات ونقابات ( عدا التي تدعي تمثيل الأطباء ) لمنسوبيها ( المحامين والصحافيين علي وجه المثال ) ، فاستجاب سيادتهُ مشكوراً و وجه حينها بزيادات فورية تمت بعد مماطلة من وزارة المالية والصحة والتي وضح عدم إهتمامها بأوضاع منسوبيها رغم إهتمامها الجزئي بالمباني والآلات علي حساب الإنسان فتدهورت حالة المباني والمعدات ولم ينصلح حال الإنسان الذي هو أساس التنمية ، أما بخصوص التدريب فقد كان مسار الطبيب وإلى زمان ليس بالبعيد واضحاً ومعروفاً وكانت وظيفة الطبيب دائمة إذ يأتيه خبر إبتعاثه حسب أسبقيته وإن كان في أقاصي البلاد حيث ينال تدريباً وافياً وشهادات رفيعة من الخارج تؤهله لخدمة وطنه ومواطنيه بكفاءة وحرفية عاليتين . أضحي التدريب الخارجي الآن محصوراً علي نفرٍ معين ( قرابات ومعارف وعلاقات ) وليست له أسس واضحة .
أما حال التدريب الداخلي فلا يختلف كثيراً ، حيث تتغير السياسات والضوابط سنوياً بإختلاف الأشخاص المشرفين عليه مما خلق للدولة أزمات ( الدفعة 24 مثلاً ) ، وأضحي مجلس التخصصات جابياً همه جيوب النواب ( رسوم بطاقة دارس ، رسوم مكتبة ، رسوم إستخراج شهادة ، رسوم اطروحة ، رسوم شهادة خبرة ... إلخ ) ، أضف إلى ذلك غياب المدربين الأكفاء حيث يتم توزيعك إلي أخصائي كان معك قبل سنة متدرباً ، إضافة إلي عدم تواجد الأخصائيين المدربين معظم الوقت فأصبح المتدرب يتعلم من المتدرب الذي سبقه ولو بقليل .
أما عن حال المعدات والأجهزة وعموم التجهيزات التي يحتاجها المتدرب فلا دخل لمجلس التخصصات بها ، وإنما بعض إجتهادات الوزارة وبعض إدارات المستشفيات، تصيب حيناً وتخطئ أحاييناً ، وما ملف ما سُمي بتوطين العلاج بالداخل عنا ببعيد !!
نواصل ....