تغييرات عديدة يمر بها البيت السوداني. فقد وجدت المرأة نفسها مختارة أو مُجبرة على ترك تدبير شؤون البيت والأسرة لامرأة أخرى من ثقافة مختلفة تبدأ مهامها بالتنظيف وغسل الملابس والأطباق، لتنتهي غالباً بإعداد الطعام الذي لن يكون بالضرورة ذو نكهة محلية، وصار وجود شغالة منزلية يفرض نفسه من دول كنا نظنها بعيدة جغرافياً وثقافياً عنا مثل الفلبين، أندونيسيا، إضافة إلى الشغالة الإثيوبية المفضلة لدى العديد من الأسر لتقارب الجغرافيا والذوق الاجتماعي، بخلاف كونها «الأقدم» تواجداً في سوق العمل داخل البيوت.. وأياً كانت جنسية الخادمة المنزلية والعمل الذي تؤدية، نحاول إلقاء الضوء على الجانب «المظلم» لوجود سيدة أخرى أو فتاة تعتبر «أجنبية» بمقاييس المجتمع السوداني الملتزم دينياً والمعتاد على النظر بعين الريبة للثقافات التي لا تتوافق مع العادات والتقاليد المحلية. وبسؤال السيدة «ل.م» عن ضرورات وجود أكثر من «شغالة» بالبيت وما يترتب على ذلك مادياً ومعنوياً على أفراد الأسرة تقول: أعمل بإحدى المصالح الحكومية بوظيفة مجزية مادياً وكنت أعتني بالبيت وشؤونه بمفردي ودون مساعدة أحد. ولكن كما ترين المنزل كبير واحتياجات الأولاد صارت أكبر في وقت صارت قدرتي على العمل خارج وداخل البيت أقل، ولأن وضع زوجي المادي يسمح لجأت لأحد مكاتب استخدام العمالة للحصول على شغالة واخترت «فلبينية» في البداية ثم اكتشفت أن التعامل معها صعب للغاية ولديها نظام صارم للزمن لا يتفق مع الحالات الطارئة للأسرة ولأنها ماهرة في أعمال التنظيف لم استغنِ عنها وأحضرت «إثيوبية» للمساعدة في بقية عمل البيت لأنها «طيِّعة» ومرنة في التعامل. مادياً زادت التكاليف فالرواتب للاثنتين تتجاوز 800 في الشهر إضافة إلى المصروفات الخاصة ولكن لا أتخيل البيت دون وجودهن وبالنسبة للعادات أحاول جهدي تطويعهن للتعامل بالتزام وحشمة ما أمكن، حين تساءلنا عن رأيها في وجود امرأة أخرى قد تفوقها جمالاً وإن كانت «خادمة» داخل بيتها ومدى تأثير ذلك على استقرار الأسرة؟ أجابت ضاحكة «نعمل شنو» الشغالات أصبحن ضرورة للعديد من البيوت متعددة الأرجاء والغرف ولا تستطيع ربة المنزل العمل وحدها وإن اجتهدت خاصة إذا كانت تعمل بوظيفة تفرض عليها عدم التواجد بالمنزل معظم اليوم. أما كون الخادمة جميلة أم لا، فهذا أمر لا مفر منه والمحظوظة من تحصل على خادمة منزلية ماهرة و«قبيحة» جداً حتى لا تقلق استقرارها الأسري.
سيدة أخرى «س، ن» تقول إنها لم تلجأ لمكاتب الاستقدام حتى لا تفرض عليها شغالة معينة ولأن «السماسرة» يحضرون الشغالات من السوق المحلي بسعر أرخص ودون إلتزامات «قانونية» والنوع الأخير متوفر في سوق العمل ومرغوب بشدة والحصول عليه سهل وتكمن المخاطر في سهولة الحصول عليهن والتخلُّص «منهن» أو استبدالهن وعادة لا يشترط الباحث عن شغالة التزامها الديني أو خلفيتها الأخلاقية وعلى المدى البعيد يمكن القول أن المتاعب التي يخلّفها وجود الشغالات والإعتماد الكلي عليهن داخل البيوت يقود المجتمع إلى مشاكل شبيهة بالمشاكل التي مازال يواجهها المجتمع الخليجي نتيجة للتأثير السلبي للاعتماد على الشغالة المنزلية كشيء أساسي لكل بيت وضرورة لا يمكن الاستغناء عنها.