بسم الله الرحمن الرحيم
الوعي الزائف في الثقافة السودانية
أزمة دارفور نموذجــاَ
توطئة
الوعي الزائف هو (شحن) العقول وشحذ الوجدان الوطني بمفاهيم مغلوطة، دون الوقوف عندها و التفكير في صحتها أوخطئها ،وبالتالي يصعب الفكاك منهاأو إصحاحها في وعينا الجمعي وثقافتنا الوطنية، الوعي الزائف هو مرادف للفصام النفسي/الأجتماعي . والعلاج من هذه الحالة والإصحاح الوجداني والمعالجة الثقافية يحتاج لجهد من قبل المهتمين يالثقافة الوطنية.
صورة إرشيفية
تتداعي ذكريات الماضي القريب ــ أوائل التسعينات من القرن الماضي ــ وتقفز لسطح الذاكرة تلك الصورة المتحركة للمرآة البوسنية البيضاء البدينة وطفلها الباكي،معلنة بالصورة واللحن والموسيقي عن إعلان تلفزيوني متكرر علي مدار الساعة ،بإسم دعم البوسنة والهرسك!
فانفعلنا وتجاوبنا وإعلنا تضامننا وموازرتنا لأخوتنا في الأسلام ... ويستمر الموال/النشيد المتكرر: (في البوسنة هناك والهرسك) ، وحفظناه كلنا ــ صغار وكبارــ (صم) ، لدرجة أن أحد التلاميذ سأل معلمه:صحي ياأستاذ البوسنة ديل مسيرية ؟؟
لقد تصاعدت الحملة الأعلامية العالمية ضد الصرب والمتضامنة مع شعب البوسنة والهرسك والذي تعرض لويلات الحرب والأبادة والتطهير العرقي ، ولكن إعلامنا الوطني ــ حفظه الله ــ (كًبً) لها كوزين وذلك لسببين: الأول أيدلوجي/نفسي لكون أن المعتدي عليه مسلم/أبيض ، والثاني لكون أن اعلامنا الرسمي (ضُل دليب) و(برمي قدااااام).
عموماَ وبحمد الله والضمير الأنساني اسفرت الحملة الأعلامية عن نتائج باهرة ردت العدوان الصربي... الي ان اوصلت زعيمهم ومعاونوه للمحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب .
صــورة حيــًة :ــ
بعد أقل من خمس سنوات تكررت المأساة البوسنية/الهرسكية بصورة أفظع وأبشع ، في مكان هو هنا وعلي شعب هو نحن! ولم ينقل لنا تلفزيوننا الوطني صورة واحدة من معسكرات النازحين وحرائق القري والأرايت والفرقان ولم يحاول (دغدعة) مشاعرنا الأنسانية ووجداننا(الوطني) بإعلان مصوًر ومموسق يدفعنا للتضامن ولو بأضعف الإيمان مع شعب البوسنة المسلم ــ عفواَ أقصد ــ أخوتنا في الوطن شعب دارفور المسلم أهل صُرة الحرمين وكاسيي الكعبة الشريفة،طوال سنوات القحط الأسلامي/العربي !! علي الرغم من أن المأساة الدارفورية أكبر من مأساة البوسنة ،حسب أرقام وإفادات المنظمات الأنسانية والحقوقية العالمية .
هذا الوعي الزائف يصل لدي إعلامنا الوطني/الرسمي قمته وعنفوانه لدرجة (سحق الذات)ويعيش حالة الفصام النفسي بأن يغض الطرف ويعمل (إضان الحامل طرشاء) عما يدور في وطنه وعلي مايحدث لأخوتهم في دارفور، ويذهب أبعد من ذلك لحد الأدانة والأتهام (بالموالاة للغرب) لكل من يقف في صف القتيل والضحية ــ حتي أولياء الدم ــ أو يؤيد محكمة الجنايات الدولية ، ذات المحكمة التي اهللنا وصفقنا لها عندما أنصفت أخوتنا في الأسلام ــ البوسنة ــ ثم ألقت القبض علي زعيم الصرب مسوفتش...
سؤال بحجم دهشتنا :
لم أيدنا محكمة الجنايات الدولية في قضية البوسنة ؟ ولم عارضناها عندما جاءت لرد المظالم عن أهلنا في دارفور ؟؟
أي إحساس بالعار والخيبة ذلك الذي يتملكنا ونحن نري ونسمع ماتبثه فضائيات العالم ! ومدي تجاوب وإنفعال الضمير العالمي ومنظمات المجتمع الدولي مع قضية/ مأساة أهلنا في دارفور والجهد الخارق الميذول في تقديم الإغاثات لمعسكرات النازحين ، والفضائية السودانية (بترسها المسنن) تمد لسانها للكل.. وتغني في (بيت الفراش): دارفور بلدنا..دارفور!!!
وأي إحساس بالبؤس والإحباط يعصف بنا ونحن نري ونسمع إعلامنا الوطني وهو يسبَ ويلعن دول الأستكبار والمنظمة الدولية وهي تقوم بوقف نزيف الدم وإطفاء حرائق الحرب ... أحد واطئي الجمرة شبه ذلك بحالة المعتوه الذي رجم عربة المطافي بالحجارة وهي تعمل علي إطفاء الحريق في منزله بحجة أن عربة المطافي لونها أحمر !! إحساس علقمي اشبه بإحساس رب البيت الذي تملكه الكبر والمرض والعوز وهو يري (عياله) تحت رحمة الأعداء ...
يتبادر لأذهان البعض أن المسألة سياسية، ولكن وللأسف الشديد أن المسألة أو القضية ليست سياسية ،ولايمكن حلها بقرار سياسي او بضربة لازب. القضية في إعتقادي هي (ترسب) لوعي زايف تغلغل في وجداننا الجمعي نتاج لتراكم بعض الثقافات والممارسات المنتجة والمهيمنة أيضاَ علي ثقافتنا السودانية . وأخشي ألا تكون المسالة (جينيَة) في (كروزوماتنا ) الوطنية وانتقلت في(ملامح الزرية) بدليل أن هذا الوعي الزائف والفصام الوطني كان سائداَ وممارساَ في سلوك ومواقف أجدادنا الوطنيين الكبار أصحاب (الحيشان التلاتة) ، قبل وإبان وبعد الثورة الأستقالية الأولي ــحركة او ثورة اللواء الأبيض 1924 م .