سعد (القرد) جارنا فى الحى يعمل ( مساعد طباخ عوازيم) .. يقوم بتجهيز وتوضيب اللحم والخضروات يقشر البطاطس…( يحش) البصل.. و( يقرقر) المحشي.. و( يورق) الخدرة وكل ما يطلبه منه رئيسه المباشر (نعوم الطباخ) من عمليات توضيب الحلل وتجهيز القيزان الخاصة بالمناسبه . ما أن ينتهي عمل سعد في مكان ( العزومه) حتى يذهب إلى منزله (ليقشر) على سنجة عشرة إستعداداً لقعدة الميز اليومية التى يشاركه فيها (برعي التمرجى ) وعكاشة ( السمسار) وفوزي ( الجزار) وعباس ( الحداد) وآخرين. لا يعرف أحد حتى وكيف ولماذا عرف (سعد) بالقرد فهو شكلاً أقرب إلى الوسامة منها إلى شكل القرد.. علاوة على أنه يهتم بمظهره كثيراً.. فلا تجده الآ وملابسة متناسقة الألوان.. بني وبيج .. أسود وأبيض .. لبني وكحلي.. كما أنه يواظب على ( صبغ) شعره ليكون(أسود) على طول .. ذلك بالإضافة إلى إستخدامه لمختلف الروائح والعطور (الباريسية) كيف لا وهو فنان يجيد مختلف ألوان الغناء الهابط فقد وهبه الله صوتاً لا بأس فيه أهله لأن يكون ( فنان قعدات) فهو يعد مرجعاً في أغاني ( القعدات) و( البنات) ربما ساعده في ذلك كونه يعمل لسنوات طوال مع ( نعوم) الطباخ والذي يقال أنه كان (مغنى) من مغنواتية حفلات (الزار) وقد لجأ إلى مسألة ( الطباخة) هذه بعد أن تقدمت به السن. في ذلك اليوم عاد ( سعد) لمنزلة مبكراً كغير العادة.. حيث بدأ كعادته في تجهيز نفسه للتوجه نحو ( الميز) الذي يجتمع فيه أفراد ( الشلة) بصورة شبه يومية ، كانت وجوه ( القعدة) في ذلك اليوم هي نفس الوجوه (المعتادة) ما عدا وجه واحد جديد يبدو أنه ضيف جاء مع أحدهم وهذا سبب كاف لأن يجعل( سعد القرد) يحاول ( خطف الأضواء) وبذل أقصى ما عنده من جهد ليبدع ، وبعد دقائق قليلة من ( ضربة البداية) بدأ ( سعد) بتنشيف آذان الحاضرين:
سعد: كده كده يا الترله
الشله: إلا
سعد: قاطيرا قوندوراني
الشله: آآآنى
سعد: كده كده يا..
وما لبث أن قام بـ ( كسرها)
سعد: الاثنين.. الاثنين الليلة وين
الشله: الاثنين.. الاثنين الليلة وين
سعد: ما كنا متحابين ذي العنب ( سكته).. والتين الليلة وين
الشله: الاثنين.. الإثنين يا إنت وين
واحد: يا لطفي وين……………….
وأحد تاني : يا عزو وين…………
وأحد ثالث: يا رحمى وين ….
الجميع : يا إنتو وين ؟
بعد أن إنتهى (سعد) من أدأء الفاصل قام بوضع (الباغة) التى كان يضبط عليها (الإيقاع) إلا أن (الضيف) قد أعادها له قائلاً : يا أستاذ عليك الله سمعنا (قنبلة) أخذ (سعد) الباغة مستجيباً لطلب الأستاذ (سينما) وبدأت (الربه) من جديد
- سماحت الزول فى الطول والعلا
- وييييييين غوووونبولا
- الإيدين كلاشنكوووف
- وييييييين غوووونبولا
- الحواجب شايفه شوووف
- وييييييين غوووونبولا
- والحنان المالى الجوووف
- وييييييين غوووونبولا
- فسحة للعذاب والبلا
- وييييييين غوووونبولا
ما أن إنتهت (القنبلة) التي صاحبتها بعض أدوات التعبير من (كشف) وغير ذلك من ألإدوات التي تمرس عليها (سعد) بادره ذلك الضيف : يا سلام يا (أستاذ) يا أخي إنت راجل موهوب.. ( ثم استطرد) إنت ما حاولت تغنى بره (القعدات) دى ؟ وقبل أن يرد ( سعد) على السؤال تدخل (عكاشة السمسار): يا أخوانا أعرفكم بصديقنا وحبيبنا الأستاذ الوجيه ( حسن سينما) ما تشوفوهو كدا.. دا زولن ما هين.. دا مدير شركة ( الهلامي) للإنتاج الفني. قام (حسن سينما) بالإلتفات من جديد نحو (سعد القرد) مردداً له نفس السؤال : قلتا ليا يا أستاذ سعد إنتا ما حاولت تغنى بره (القعدات) دى ؟ (وهو يضع الباغة التى كان يدق عليها جانباً) : والله يا أستاذ (سينما) أهو قاعدين نغنى الغناء الفي القعدات ده .
- صوتك وأداءك دا حلو ليه ( تدفن) نفسك هنا يا أخي؟ – ثم أدخل يده فى جيب جلابيته السكروته وأخرج كرت ومده لسعد قائلا: شوف دا ( موبايلي) في الكرت دا… تعال ليا في الشركة وأنا أؤكد ليك حا تعمل (البومات) ما حصلت.
في الشركة:لم يبذل (سعد) مجهوداً يذكر فى الوصول إلى (العمارة) التى بها مقر شركة (الهلامى للإنتاج الفنى) فكل شئ كان موضحا فى الكارت، فى بشاشة وترحاب إستقبل (حسن سينما) سعد .. وكان أبرز ما في ذلك اللقاء أن ( حسن سينما) اقترح أن يبدأ سعد مشواره الفني بأداء ( المدائح) بدلاً عن الأغاني لأنها(موضة هذه الأيام) على أن يبدأ ( سعد) فوراً في تفريغ الأغاني من كلماتها ووضع كلامات مديح بدلاً عنها.. يعني اللحن ( قعده) والكلام ( مديح).. وقد كان سعد عند حسن الظن حيث بعد أقل من أسبوع.. انتشرت بوسترات ألبوم (كده كده يا المدينة) عليها صورة الفنان ( سعد غزال) وهو الاسم الفني الذى أطلقه عليه الأستاذ (سينما) .
سعد : كده.. كده يا المدينة
كورس : دينه
سعد : يا النورك بلالي
كورس : لالي
سعد : عاوز اجيكي لكن
كورس: آكن
سعد : مانعنى (الزلالى)
وكان سعد يعانى من إرتفاع نسبة (الزلالى) فى الدم لإكثارة أكل بيض (العوازيم) الملح.. وقد كان هذا الشريط فاتحة خير.. ثم ما لبث.. أن أردفه ( بالبوم) آخر سماه ( تأني ما بجي) يقول ( الحاسدون) أنه لأصدقائة السابقين من ( شلة الأنس) متبرئاً منهم وساداً الطريق أمام كل من كان يعتقد منهم بأن ( الضرس) حا يتاورو:
سعد : فوق ( الحته) ديك أنا تأني ما بجي
كورس : تأني ما بجي
سعد
للمعاصي) ديك أنا تأني ما بجي
كورس : تأني ما بجي
سعد : باب ( التوبة) فاتح للعاوز يجي
تبدل الحال ب( سعد القرد).. ترك العمل مع ( نعوم) الطباخ الذي بدوره ترك العمل بالطباخة ليلتحق ككورس بفرقه الشيخ سعد غزال... وبعد أن نزلت للأسواق عدة أشرطة (للشيخ) سعد غزال من نوعية الكلام (مديح) واللحن ( قعده) وملأت (البوسترات) التي تروج لأشرطته كل الأماكن.. الزجاج الخلفي للحافلات.. أبواب المحلات.. شارع القصر.. مدخل كبري النيل الأزرق.. ارتفعت مبيعات أشرطته.. سجلت له القناة الفضائية ثم الولاية وصار نجماً بلا منازع على شاشة تلك القناة المتخصصة ثم ما لبثت أن انهالت ( العدادات) عليه بعدها صار منشداً ومادحاً خاصا لكبار ( تجار السوق السوداء) وبعض ( كبار المسئولين) يأتون به في مجالسهم وأمسيات سمرهم المدائحيه ومناسبات ( زيجاتهم) التي لا تحصى.
سينما يتدخل :
أثرى (حسن سينما) من عائد نسبته فى توزيع أشرطة (سعد القرد) ثراءاً فاحشاً غير أنه كان له رأئاً آخراً فقد طلب من (سعد) الإستعداد لنقلة أخرى وهى الولوج إلى عالم الأغانى (الوطنية والحماسية) ومن أجل ذلك فقد قام (حسن سينما) بتجهيز عدد من النصوص التى قام بتأليفها وصياغتها وتلحينها الشاعر (عبدو الإنتهازى) ،
- تعرف يا أستاذ سعد (أغنية) واااحده من أغانى الحماس و(العرضة) دى توديك السما
- والله أجضما ليك جنس (جضيم) إنت ما عارف إنى أساساً بديت (بالدلوكة)؟
وبعد عدد من (البروفات) التى أجريت فى منزل (حسن سينما) تم تسجيل ألبوم (النار شعللت) والذى كان بمثابة نقطة التحول فى مسيرة (سعد القرد) الفنية فما أن يفتح فمه حتى (يهتز) الجميع حماسا وطرباً ويضرب القوم بأحذيتهم على الأرض حتى يمتلئ الجو بالغبار وترتفع العصى المزركشة وتتطاير (الملافح) و(الشالات) .
أصبح (سعد) ضيفاً يوميا على (القنوات) التلفزيونية والمحطات (الإذاعية) وبعض صفحات الصحف (الفنية) لا يخلو أى (إحتفال) تدشين أو إفتتاح أو (مسيرة) من (وصلته الغنائية الحماسية) ، قام بتغيير (الكورس) الذى بدأ معه رحلته (الفنىمدائحية) وإستبدالهم بكورس من (الشباب) الوجيه (صغير السن) ، تكاثرت عليه (العدادات) والهبات والعطايا والمكرمات ، ما لبث أن أصبح لديه مديراً للأعمال كما قام بتأسيس شركة ( قعاديح) للإنتاج الفني ، رحل من الحي بعد أن أشترى منزلاً ( فاخرا) في أحد الأحياء (الراقية) وتزوج من بنات أحدى الأسر ( الأمدرمانية) المشهورة.
بينما كنت أجلس فى صيوان عزاء جارنا المرحوم (الماحى) وأنا أطالع صحف الصباح وعلى الصفحة الأولى من تلك الصحيفة الإجتماعية الواسعة الإنتشار ذهلت لذلك الخبر الذى مفاده تعرض عربة (الفنان سعد الغزال) – الكامرى- لحادث مرورى إثاء توجهه للمشاركة فى إحدى (الإحتفالات) مما أدى لمصرعه وإصابة سائقه الخاص ، هرعت إلى مكان (الطباخين) حيث كان يجلس (نعوم الطباخ) :
- سمعتا يا عم نعوم بالخبر ده ؟
أجابنى وهو (يسوط) فى أحدى (الحلل) الكبيره :
- سمعتا والله يا ود أمى وحزنت عليهو حزن شديد خلاس .. – ثم أردف وهويحرك يديه فى حركة نصف دائرية
- عليك الله يا ود أمى هسه ما كان أخير ليهو قرقير (المحشى) و (حش البصل ) ؟؟