بسم الله الرحمن الرحيم
ثلاثة أسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ عبيد الجابري حفظه الله
السؤال الأول : ما حق الإمام على رعيته ؟
السؤال الثاني : ما حق الرعية على إمامها وولي أمرها ؟
السؤال الثالث : كيف تصنع الرعية إذا بخسها الإمام حقها أ
و منعها إياه بالكلية ؟ .فللجواب على السؤال الأول نقول :
ما حق الإمام على رعيته ؟اعلم أن حقوق الإمام على رعيته عشرة :
أولها : بذل الطاعة له ظاهرا وباطنا في كل ما يأمر به أو ينهى
عنه إلا أن يكون معصية ، وقدأوجب الله ورسوله طاعة ولي الأمر
ولم يستثن منه سوى المعصية فبقي ما عداه على الإمتثال .
وثانيها : بذل النصيحة له سرا وعلانية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: الدين النصيحة قالوا لمن ؟ قال : لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
قلت : ويوضح نصيحة الحاكم ما رواه ابن أبي عاصم وغيره عن عياض بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يبدها علانية وليأخذ بيده وليخل به فإن قبلها قبلها وإن ردها كان قد أدى ما عليه ) فلا قول لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل قول خالف قوله فهو مردود .
وثالثها : القيام بنصرته باطنا وظاهرا ببذل المجهود في ذلك لما فيه نصر المسلمين وإقامة حرمة الدين وكف أيدي المعتدين .
ورابعها : أن يعرف له عظيم حقه وما يجب من تعظيم قدره فيعامل بما يجب له من الإحترام والإكرام وما جعل الله تعالى له من الإعظام ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم ويلبون دعوتهم مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم فليس من السنة .
قلت : فلا تغتر بما يرويه بعض أهل الأهواء من تصرفات العز بن عبد السلام مع الحكام المنافية لهذا .
وخامسها : إيقاظه عند غفلته وإرشاده عند هفوته ، شفقة عليه ، وحفظا لدينه وعرضه وصيانة لما جعله الله إليه من الخطأ فيه .
وسادسها : تحذيره من عدو يقصده بسوء ، وحاسد يرومه بأذى ، أو خارجي يخاف عليه منه ، ومن كل شيء يخاف عليه منه على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه ، فإن ذلك من آكد حقوقه وأوجبها .
وسابعها : إعلامه بسيرة عماله : الذين هو مطالب بهم ، ومشغول الذمة بسببهم لينظر لنفسه في خلاص ذمته ، وللأمة في مصالح ملكه ورعيته .
قلت : وذلك متواتر من فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ ( قل هو الله أحد ) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سلوه : لأي شيء يصنع ذلك . فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن عز وجل فأنا أحب أن أقرأ بها ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أنه الله تعالى يحبه .
ومنلك قصة عمرو بن العاص حين صلى بأصحابه الصبح وهو جنب ولم يغتسل خشية البرد وهي في السنن .
وثامنها : إعانته على ما تحمله من أعباء الأمة ومساعدته على ذلك بقدر المكنة ، قال الله تعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى )) . وأحق من أعين على ذلك ولاة الأمور .
وتاسعها : رد القلوب النافرة عنه إليه ، وجمع محبة الناس عليه ؛ لما في ذلك من مصالح الأمة وانتظام أمور الملة .
وعاشرها : الذب عنه بالقول والفعل ، وبالمال والنفس والأهل في الظاهر والباطن ، والسر والعلانية .
وإذا وفت الرعية بهذه الحقوق العشرة الواجبة ، وأحسنت القيام بمجامعها والمراعاة لمواقعها ، صفت القلوب ، وأخلصت ، واجتمعت الكلمة وانتصرت . انتهى ملخصا من تحرير الأحكام ، بتصرف .
أما الجواب على السؤال الثاني :
ما حق الرعية على إمامها وولي أمرها ؟فنذكرك بأن حقوق الرعية على إمامها عشرة حقوق وهي :
الأول : حماية بيضة الإسلام والذب عنها ، إما في كل إقليم إن كان خليفة ، أو في القطر المختص به إن كان مفوضا إليه ، فيقوم بجهاد المشركين ودفع المحاربين والباغين ، وتدبير الجيوش ، وتجنيد الجنود ، وتحصين الثغور بالعدة المانعة والعدة الدافعة ، وبالنظر في ترتيب الأجناد في الجهات على حسب الحاجات وتقدير إقطاعهم ، وأرزاقهم ، وصلاح أحوالهم .
الحق الثاني : حفظ الدين على أصوله المقررة ، وقواعده المحررة ، ورد البدع والمبتدعين وإيضاح حجج الدين ، ونشر العلوم الشرعية وتعظيم العلم وأهله ؛ ورفع مناره ومحله ، ومخالطة العلماء الأعلام ، النصحاء لدين الإسلام ومشاورتهم في موارد الأحكام ومصادر النقص والإبرام .
الحق الثالث : إقامة شعائر الإسلام : كفروض الصلوات ، والجمع والجماعات ، والأذان والإقامة ، والخطابة ، والإمامة ، ومنه النظر في أمر الصيام والفطر ، وأهلّته ، وحج البيت الحرام وعمرته .
ومنه : الإعتناء بالأعياد ، وتيسير الحجيج من نواحي البلاد ، وإصلاح طرقها وأمنها في مسيرهم ، وانتخاب من ينظر أمورهم .
الحق الرابع : فصل القضايا والأحكام ، بتقليد الولاة والحكام لقطع المنازعات بين الخصوم ، وكف الظالم عن المظلوم ، ولا يولي إلا من يثق بديانته وأمانته وصيانته من العلماء والصلحاء ، والكفاة النصحاء ، ولا يدع السؤال عن أخبارهم والبحث عن أحوالهم ، ليعلم حال الولاة مع الرعية ، فإنه مسؤول عنهم ، مطالب بالجناية منهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل راع مسؤول عن رعيته ).
الحق الخامس : إقامة فرض الجهاد بنفسه ، وبجيوشه أو سراياه وبعوثه .
الحق السادس : إقامة الحدود الشرعية على الشروط المرعية ، صيانة لمحارم الله عن التجرئ عليها ، ولحقوق العباد عن التخطي إليها .
ويسوي في الحدود بين القوي والضعيف ، والوضيع والشريف .
الحق السابع : جباية الزكوات والجزية من أهلها ، وأموال الفيء والخراج عند محلها ، وصرف ذلك في مصارفه الشرعية ، وجهاته المرضية ، وضبط جهات ذلك ، وتفويضه إلى الثقات من العلماء .
الحق الثامن : النظر في أوقاف البر والقربات ، وصرفها فيما هي له من الجهات ، وعمارة القناطر وتسهيل سبل الخيرات .
الحق التاسع : النظر في قسم الغنائم وتقسيمها ، وصرف أخماسها إلى مستحقيها .
الحق العاشر : العدل في سلطانه ، وسلوك موارده في جميع شأنه . قال تعالى : (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )) وقال تعالى : (( وإذا قلتم فاعدلوا )) . انتهى ملخصا من تحرير الأحكام بتصرف .
وأما جوابنا على السؤال الثالث :
وهو كيف تصنع الرعية إذا بخسها الإمام حقها ... إلخ .فنقول : لا عليك فقد كفيت البيان ممن جعله الله معدن البيان :
فقد أخرج الشيخان عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنها تكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها قالوا يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك ؟ قال : تأدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ) .
قال النووي في شرحه على هذا الحديث في صحيح مسلم ( 12/232): "هذا من معجزات النبوة ، وقد وقع هذا الإخبار متكررا ووجد مخبره متكررا وفيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالما عسوفا فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه " .
وأخرج الإمام مسلم في باب : يصبر على أذاهم وتؤدى حقوقهم من كتاب الإمارة والبيعة ، عن وائل بن حجر سأل سلمة بن يزيد الجعفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوناحقنا فماذا تأمرنا ؟ فأعرض عنه ثم سأله فأعرض ثم سأله في الثانية أو الثالثة فحدثه الأشعث بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم " .
قال القرطبي في المفهم ( 4/55) :" يعني أن الله تعالى كلف الولاة العدل وحسن الرعاية وكلف المولى عليهم الطاعة وحسن النصيحة فأراد أنه إن عصى الأمراء الله فيكم ولم يقوموا بحقوقكم فلا تعصوا الله أنتم فيهم وقوموا بحقوقهم فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل " .
منقول الرابط (http://www.sahab.net/forums/showthread.php? p=812177
ودمت
المغربى