حسن وراق حسن
| موضوع: الحرامية.. لا تقرأ هذا بوست ممنوع لاقل من 30 عاما!! السبت 28 مايو 2011 - 5:36 | |
| شوقي بدري من رباطاب أم درمان شخصية فذة عاش في أم درمان ويحفظ تاريخها وحكاويها وهو من ابرز مثقفيها والده من الذين سودنوا وظيفة مفتش مركز الا أنه كان ( شماسيا ) عاش وصادق المجرمين حرامية مخخنجية و رباطين وغيرهم درس في براغ وعاش في السويد وهو يحمل جنسيتها عندما يحكي أو يكتب أتركوا كل شيئ واستمعوا او أقرأوا كل ما يكتبه انه تخصص في المسكوت عنه في تاريخ امدرمان انقل لكم هذا البوست ويكفي أنه شيق الحرامية -1-
شوقى بدرى
shawgibadri@hotmail.com
في السودان الحرامي كلمة تكاد تكون جديدة. زمان الكلمة كانت السراق. ولهذا لا يزال الناس يقولون على المتسلل في لعبة الكورة بسارق. واذكر احدى الخالات اثر مجادلة وشكلة مع ابنها, ان تدخلت وسألت عن السبب...وقالوا لها ولدك سارق..فقالت اجي!! ..ولدي بسرق. ولدي الدايرو بيلقى..كان ما جابوا ليهو ابو خيلانو واعمامو في. فقالوا لها لا سارق في الكورة..زفقالت كان داير 10 كور يجيبوهم ليهو..وعندما افهموها بأن الموضوع هو لعب ولم يسرق اي حاجة...قالت لإبنها ...تاني اللعب الفيهو سرقة ده ما تسوي..يشيلوا حسك ساكت..
الذي يسرق الابل لا يعتبر سارق. بل يعتبر بطلا و راجل. والهمباتة كذلك يسرقون. ولكنهم يفتخرون بسرقتهم وبنشاطاتهم ويؤلفون الشعر ويتحدثون عن سرقاتهم. ولكن السارق هو من يأتي في الليل ويسرق. و بعد ان شيدت المدن صار هؤلاء زوار الليل الذين يقفزون من فوق الحائط. ولهؤلاء لا ينظر الانسان بعطف وفي اغلب الاحيان يجدون الضرب و التعذيب والاهانة ويتفنن الناس في عقوبتهم. ولكن لا تخلو المواجهات معهم عن بعض المواقف الفكاهية.
الهادي الضلالي متعه الله بالصحة يعرف كل اهل امدرمان من الوزراء والحكام الى الشحادين واللصوص والنشالين. وعندما قفز لص من فوق سور منزلهم قبل الفجر, وهذه افضل فترة لزيارة المساكن بدون اذن. لأن الناس يكونون مستغرقين في آخر نومة. قال الهادي مستغربا (كوكو البجيبك من القماير في الوقت ده شنو لي بيتنا)
خالي شقيق والدتي الاكبر مبارك خليل وهو شاعر...يقول في صدر ديوان شعره الذي لم يطبع..
انا ومن اكون سوى انا اسم يردده المهني في التحية والمنا . إشارة لإسمه مبارك. درس في مصر في الاربعينات وعاش في المانيا في الخمسينات وعمل كمدرس في الجزائر لفترة. وكان يسكن وحيدا في منزل والده في بيت المال فريق السيد المحجوب. اللصوص عادة لا يقصدون اي منزل الا بعد التأكد والطواف حوله. او يستقون المعلومات من خدم المنزل, العواسة وبعض الوداعيات (إنسايد إنفورميشن). ويبدوا ان اللص لاحظ ان المنزل يخلو من الرجل الداخلة و المارقة..وتسور اللص المنزل. وهو في اعلى الحائط وجد خالي مبارك وهو في جلساته التي تمتد الى الفجر يتأمل ويفكر ويدخن. وقال له بحرارة ( اتفضل ...اتفضل ..يا اخي) ويبدو ان اللص الى الآن محتار من حرارة الترحيب. كما اوردت في حكاوي امدرمان, فإن اخونا (....) كان قويا في شبابه. وفجأة وجد لصا في الحوش. فناداه (تعال هني) واشار الى بنطلونه الذي على الكرسي ..قائلا (في جوه البنطلون ده في 2 جنيه شيل جنيه وخلي جنيه. تاني ما اشوفك بي هنا). وبعد فترة بينما الاخ جالسا بين بعض الاصدقاء في الموردة, في الريفيرا اتى وقت دفع الحساب. فقال لهم الجرسون..الحساب مدفوع ..وبالسؤال عن من الذي دفع الحساب..اشار الجرسون الى شخص يجلس بالقرب منهم. ولم يتعرف عليه اي منهم. فسألوه بتعرفنا من وين. فأشار الى الأخ...و بالسؤال بتعرفني من وين؟. قال كيف يا اخي موش قلت لي شيل جنيه وخلي جنيه..وصرخ صديقنا بأعلى صوته مستغربا ..الحرامي!!..فقال الحرامي ..في لزوم للفضائح يا اخي!!.. قد تبدو هذه القصص غير مصدقة. ولكن فلنستشهد بما قال الاستاذ محمد خير البدوي في كتابه قطار العمر. عندما حكم عليه في الاربعينات بالسجن ايام الحكم البريطاني بسبب نشاطه السياسي واتهامه بضرب قاضي إنجليزي بطوبه في المحكمة وقطع اذنه. وجد الاستاذ نفسه في السجن . وكان هنالك احد اهلنا الرباطاب وإسمه عبدالرحمن قرشي. وحرفته السرقة وما يعرف بالكسر المنزلي او زوار اللليل. وطاف بمعظم سجون السودان. ويقول الاستاذ محمد خير ( ومن حكاياته انه تسلل ليلة الى بيت في امدرمان واهله نيام.وداهمته لسؤ حظه نوبة سعال ايقظت من في البيت. فتسلق الجدار هاربا وتبعه رب البيت. وظل جاري وراءه لا يمسكه. كلما لحق به في آخر الشرع فيعود قرشي راجعا ويواصل صاحب البيت خلفه ..كأنهما عداءآن في مضمار سباق. امتد السباق ساعة كاملة. طوى الاثنان الشارع جيئة وذهابا 20 مرة. حتى نال قرشي ما نال من التعب فجلس على الارض. لاهثا لا يستطيع حراكا, امام البيت الذي كان بداية الملحمة المنحوسة!!. ويمضي قرشي في حكايته المآساوية قائلا..إن رب البيت كان نبيلا (ود ناس). إقتاده الى داخل البيت قدم له ماء باردا اطفأ ظمأه وأطعمه, ودعاه لقضاء الليلة في ضيافته حتى الصباح. قبل قرشي الدعوة لأنه مرهق للغاية لا يقوى على المشي خطوات. نام قرشي نوما عميقا على فراش وثير وتحت مروحتين في غرفة عبقة برائحة البخور. ودعه صاحب المنزل في الصباح راجيا الا ينقطع عن زيارته في المستقبل).
الاخ و زميل الدراسة نصر جبارة ولاعب فريق الموردة, كان صاحب جسم رياضي ولم يكن يدخن. وكان مشهورا بالسرعة ومن ابطال الجمباز في مدرسةالاحفاد. عاجله لص بضربة عكاز استوعبها نصر بجسمه القوي وقفز اللص الحائط هاربا. متجها نحو حمدالنيل لكي يختبئ في الخيران. وتابعه الاخ نصر جبارة رحمة الله عليه وهو في حالة جكة خفيفة. وعندما لحق بهم اهل الحي في حمد النيل كان اللص منبطحا ارضا وهو في حالة انهيار ويناضل لكي يتنفس. ونصر كان يقف وكأنه لم يسخن بعد. ولكن منعه الناس من الفتك باللص.
الصديق العزيز إسماعيل دفع الله الفيل كان رقيق العود ومسالما. حكى مرة عن اللص الذي لم يجد ما يسرقه في منزلهم في امدرمان - حي السروجية. وقام اللص بإنتزاع الساعة اسماعيل الذي كان نائما. ويقول إسماعيل جبد الساعة لحدي انا ما لقيت نفسي قاعد بدل ما كنت راقد في السرير. ولمن فتحت عيني كان في راس الحيطة وقبل ما افتح الباب إختفى من الشارع..ما عرفتو مشى جنوب ولا شمال. كان توام الروح بلة رحمة الله عليه يداعب إسماعيل الفيل كثيرا. يا اخ انا عرفت انو الحرامي صحاك وانت ملصت ليهو الساعة ودخلت جبت ليهو شوية قريشات..تقول لي نتل الساعة....ونضحك. إسماعيل كان جنتلمان بمعنى الكلمة. شقيقه الرشيد رحمة الله عليه كان ضابط بوليس..يمكن الحرامي كان عندو غبينة مع البوليس..
ابن العم الصادق بدري كان شخصية مشهورة. ومحافظ مشروع الجزيرة وجد مجموعة من الناس وهو في طريقه الى قبة المهدي لصلاة الفجر وهم يحيطون بلص. وحال بينهم وبين اللص. ومنعهم من ايذائه. وقال ده راجل مسكين محتاج. فقالوا محتاج شنو ده حرامي.فأشار الصادق بدري لأسلحتهم من عكاكيز مواسير .وقال في زول ما محتاج بيعرض نفسو لي حاله زي دي. فأنصرف الناس عنه واعطاه الصادق بدري ما كان في جيبه وتركه لحاله.
وانا في التاسعة من عمري وكنا نسكن في حي الملازمين. كان باب الشارع مفتوحا كعادة امدرمان قديما. وقديما لم تكن ابواب الشوارع تغلق. وحمل الشخص كل الملابس التي كانت على طاولة المكوه. ويبدو انه قد استعجل. والملابس كثيرة فخبط الباب خبطة واضحة لفتت نظر اثنين من الخدم اللذان قضيا كل اليوم في الكي. فلحقا به الا ان اختي نضيفة منعتهم من ضربه وإلحاق الاذي به. كان هذا في فترة العشاء والرجل كان حسن المنظر ويرتدي بنطلون وقميص. ولكن كان يبدو مشوشا واثار السكر بادية عليه. ويبدو انه كان مارا فشاهد طربيزة المكوة والباب المفتوح. وهذا يؤكد النظرية ان الفرصة تخلق اللص. واذكر انه رفع صوته على رجل البوليس الذي اتى لأخذه وان رجل البوليس صفعه. وان والدي طلب منه ان لا يرفع يده على اللص.
عندما كنا نسكن في السردارية في امدرمان كنت اذهب كثيرا الي محكمة القضاة الوسطى, الجنائية و القروية والشرعية التي تتواجد في تلك المنطقة. وفي احد الايام قدم شاب يبدو مؤدبا (ابن ناس) وتهمته كانت سرقة نص شوال فول. وعندما قرئت التهمة عليه بواسطة رجل البوليس, قال حاصل يا سعادتك وانا غلطان. وعذره كان , انه كان مارا امام الدكان وشاهد شوال الفول امام الدكان والدكان مقفول ..قبل المغرب. والشاب قد اتى من (قيلة سكر) فوضع شوال الفول على الدراجة وقاد الدراجة. مفكرا في بيع شوال الفول ومواصلة القعدة. الا ان البعض لحق به واخذوه للبوليس. واذكره يقول للعم عبدالرحيم محمد خير قاضي المحكمة ..والله يا مولانا انا ما سراق لكن الفي راسي.
في نفس اليوم قدم شخص آخر طويل القامة انكر بشدة بأنه سراق. بالرغم من المعروضات التي احضروها. فعندما طارده اهل الدار و اهل الحي. سبق الجميع واظن ان اسمه كان سليمان. وكنت اشاهده بعد ذلك في مقاهي امدرمان وكان ثابت الجنان. يتكلم بدون لعثمة. عندما تواصلت المطاردة وكان البعض يلتحق بالسباق وهو بنفس جديد. احس سليمان بأن فرصته في الهرب تكاد ان تكون معدومة لأن المطاردين يتجددون. فأنتظر في احد الاركان وانضم الى المطاردة وبدأ في توجيهها ( بهني ..شايفو دخل هني ....الزول ده نط في البيت ده) واستمرت المطاردة وسليمان على رأسها. الى ان انضم اثنين من السواري. وتعرف عليه احد السواري كأحد زوار الليل. وانكر سليمان اي صلة له بالمسروقات. وكان يقول لرجل السواري يا امباشا انا بساعد فيك تقول لي انا حرامي. وكان يستجوب الشهود.و تضاربت اقوالهم والبعض يقول انه كان مشترك معهم في المطاردة. ولم يستطيع القاضي إدانته بالرغم من انه معروف.
آدم قطية كان من اشهر رجال العالم السفلي في امدرمان وكان يتميز بلحية ونضارة سوداء في النهار لم يكن ضخم الجسم ولكن اشتهر بالقوة والشراسة ولم يكن من الذين يقفزون الاسوار كان متخصصا في كسر الدكاكين والخزن. وهؤلاء عادة لا يحترمون النشالين او من يقفزون فوق الحائط. و آدم كان ركيب في المقاهي وكان لاعب ورق يضرب به المثل. وصديقنا عثمان رحمة الله عليه لأنه كان حريف كان يطلق عليه اسم قطية وعرف بهذا الاسم طيلة حياته. آدم اصيب في معركة شرسة وتحطمت اضلعه وصار يمشي منحنيا او كما كانوا يقولون ..كاسر جنبه. وبما ان عملية الكسر المنزلي والسرقة ترتبط بفئة عمرية معينة مثل لعب الكرة او اي رياضة اخرى فإن السراق عادة ينزل المعاش قبل سن الثلاثين. في سنة 1963 كان محمد صالح عبداللطيف وقيع الله قاضي جنايات امدرمان يشاطرنا السكن في المنزل لأنه زوج اختي . وبمثابة الوالد والاخ الاكبر. وسألني في بعض المرات اذا كنت اعرف آدم قطية نسبة لصلتي بأهل العالم السفلي. وآدم بعد ان ترك الكسر بدأ في بيع الصنف في منزله شرق قبة الشيخ دفع الله. وفي احد الايام ملأ احد اللصوص حقيبة بما غلا ثمنه وخف حمله فأحس به اصحاب الدار فطوح بالحقيبة خارج الحائط وقفز خلفها ولم يكن في استطاعته ان يحمل حقيبة و يركض. فترك الحقيبة واطلق ساقيه للريح. فالحرامي الذي لا يستطيع ان يركض لا يستطيع ان يعمل. فأخذ آدم قطية الحقيبة و ارجعها لأصحاب المنزل. وشك اصحاب الحقيبة في ان له صلة بالسارق الا ان آدم قال انه كان مارا وشاهد اللص قافزا من الحائط. فأخذ الحقيبة وقدمها لأهلها.
بالنسبة لي كان الامر واضحا, آدم وكثيرون من عتاة المجرمين عندما يتقدم بهم العمر كانوا يوظفون شبابا ويعلمونهم اسرار المهنة. وكيف يتعاملون مع القانون. احد اخوتنا الكبار كان المجرمين يأتون اليه ويأخذون منه إستشارات قانونية مدفوعة الأجر. ويقول لهم, قولوا لصاحبكم ده في الحراسة ..ما يقول كده ..لو قال كده الموضوع ده حا يوقعو . او يقول لهم الشغلانة دي ما فيها فايدة ..زولكم ده التهمة لابساهو ...ما نزعل القاضي ساكت. يقوم يزيد ليهو الحكم. خلي يعترف ..ويوري القاضي انو عندو ظروف امو عيانة او اي حاجة. لأنني كنت اعرف ان آدم كان (مادة) واصحاب المادة 77 أ كانوا مترددي الإجرام. وهذا يعطي الحق لأي قاضي ان يحكم عليهم بالسجن لفترة قد تمتد 5 سنوات لجرائم قد تعتبر بسيطة. كما تسمح المادة للقاضي ان يتساهل في الأدلة. قانون عقوبات السودان الذي كان مبنيا على النظام الانجلو ساكسوني وهنالك إقتباس من القانون الهندي والاعراف السودانية, كان يعتبر ان اي شك هو لصالح المتهم وان المتهم برئ الى ان تثبت إدانته. واذكر انني قلت لمحمد صالح عبداللطيف. أن آدم قطية كان مصابا في جانبه الايسر وانه لم يكن يستطيع ان يجري. عندما سأله اهل المنزل لماذا لم يركض خلف اللص كما متوقع..قال آدم الجماعة ديل بيجرو زي القطر الواحد ما بيقدر يحصلهم. ومحمد صالح كان يقول لي هل من الممكن ان آدم كان شريكا مع اللص وانه تصرف بذكاء ولأنه كان يعرف ان لن يستطيع ان يركض فقد تظاهر بإرجاع الشنطة. فقلت له هل هذا يدينه؟. وطلبت من محمد صالح ان يتلطف به لأن إرساله للسجن كان يعطي الفرصة لأعداءه الكثيرين في السجن ان ينتقموا منه. وانتهى الامر ببراءة آدم. ولقد تقدم العمر بآدم وكان عادة يتواجد في منطقة السوق ويسكن في حي الشيخ دفع الله. وجنوب سينما الوطنية. واخبرني عبدالمنعم بدري بأنه في آخر ايامه كان يجلس في محطة البنزين جنوب سينما امدرمان وعندما يشاهد اهل امدرمان القدامى يشير عليهم من بعد. وينزلون من سياراتهم ويحيونه ..كيفك يا آدم.. ويعطونه ما فيها النصيب. شاهدت آدم قطية وبعض كبار المجرمين يقفون بإحترام عندما يمر العم ضرارا او الصول شنب الروب نسبة لشنبه الابيض. ويبالدونه بالتحية ..اهلا عمي ضرار. ويرد على تحيتهم بأحس منها. واخبرني ابنه وزميل دراستي في الكتاب وفي الثانوي التوم حسن الذي صار طبيبا. بأنه عندما كان يحضر الطعام لوالده في المركز كان يعطي جزأ منه لآدم قطية او احد مترددي الإجرام من امدرمان الذي يكون في الحراسة. وهذه روح امدرمان. هؤلاء الرجال كانوا يكرهون النشالين الذين يتربصون بشخص في زريبة المواشي او في زحمة المولد وينشلون محفظته ويحرمون اسرته من حلاوة العيد. او من يقفزون خلف الحائط ويسرقون الذهب او مدخرات اسرة مسكينة.
يذكر العم ابارو مدير البوليس ان اثنين من الخدم قبض عليهم بعد ان اختفت كمية ضخمة من الحلى الذهبية لأسرة سودانية معروفة. وقديما لم يكن يسمح بتعذيب او ضرب المتهمين. فاستعان العم ابارو بأحد مترددي الإجرام و الذي يكره من يقفزون فوق الأسوار. وطلب منه ان يمكث ليلة في الحراسة مع المتهمين وان يكثر من الشتيمة والصراخ حتى يطمئن اللصان لكي يعرف مكان الغنيمة. وفي الصباح عرف العم ابارو بأن اللصوص قد خبأوا الغنيمة في داخي المنزل. فأطلق العم ابارو سراحهم. وعندما ذهبوا للمنزل لأخذ اغراضهم واخذوا الغنيمة كان البوليس في انتظارهم. وارجعت الغنيمة الى اسيادها. بما ان والدي كان مفتش مركز فلقد كانت له سلطة قضائية ضخمة تمتد حتى الحكم بالإعدام. وحكت لي اختي نضيفة ان المتهمين في المحكمة فهو رجل قصير القامة صفع متهم آخر ضخم في داخل المحكمة . والشخص القصير كان مقيدا ومتهما بالقتل وسرقة جمال. وعندما انتهره والدي قال بكل براءة ...جنابك ده سارق جدادة. عندما سأل الهمباتي القاتل الرجل الضخم عن تهمته وعرف انها سرقة دجاجة لم يتمالك نفسه من صفعه. وامثال هذا الرجل يعامل في السجن بإحتقار.
و انا في الخامسة من عمري كان والدي مفتشا في سنجا عبدالله وكنا نسكن في منزل ضخم بالقرب من النيل الازرق. وكان من العادة ان يعطى كبار الموظفين مسجونا او عدة مساجين للعمل في منازلهم وهذا يعرف بمضمون او دور برا. وكان هنالك امحمد الهمباتي كان قصير القامة وصرنا لا نفترق في المنزل وكان يحكي لي قصص لا تنتهي. ويحكي لي عن رحلات سنقوم بها عندما اكبر وكان يحكي لي عن منطقة شرق سنجا وكان يأخذني للجروف حيث يعلق الناس جثث النسانيس الميتة حتى لا تسطو القرود على مزارع الذرة الشامة. وكان يحضر (القنقر ) الذرة الشامي ونشويه في المنزل. وكان يأخذني الى سوق سنجا. وفي احدى المرات طلب من رجل كعكولا من الصمغ من مجموعة رجال يعبئون الصمغ في جوالات. فنظر اليه الرجل بإستغراب. فقال امحمد.. ده ود المفتش. فقال الرجل مستغربا ود المفتش طالقنو معاك انت. وامحمد كان كالعادة يرتدي ملابس السجن وهي عبارة عن سروال وعراقي دمورية وطاقية. فقال امحمد ليه يطلقو معايانا حرامي وللا سراق...انا همباتي..بقلع حق الرجال عينك عينك. فأعطاني الرجل أكبر كعكول امامه.
محمد كان يكشف لي عن بطنه ولأن لون كان فاتحا فلقد كان هنالك ثلاثة ندبات سوداء اللون وهي عبارة عن ثلاثة طعنات بسكين. وامحمد كان يتحدث بدون ان يرفع صوته لم اره محتدا او رافعا صوته الا مرة واحدة. فلقد كان مع امحمد مسجون آخر اسمه موسى وهو كما يقول عن نفسه تعيشي وكان محكوما عليه بتهمة السرقة. وموسى كان كثير المزاح لا تفارق الإبتسامة شفتيه. شاهدته في احد المرات يفتح علبة جبنة رومية بالقدوم وسط عدة النجارة وهو في اسطبل الخيل ويأكلها. وكان واضح انه سرقها، الجبنة كرافت كانت لا تباع الا في المتاجر الخاصة.وكان يمازح جون كثير وجون جنوبي إعتنق الاسلام وقرروا اخذه للمستشفى لختانه. وموسى كان يمزح ويهز القدوم ويقول لجون انت إلا يطهروك ب جنس ده. وجون كان يتضايق ويتركه ويذهب لحاله. السبب في ارتفاع صوت امحمد وتركه للمنزل ورجوعه للسجن هو ان امحمد استلف تعريفة من الخال عبدالمجيد وكان عبدالمجيد بمثابة الخال لنا وهو طباخ المنزل. وتأخر امحمد في الدفع فطالبه عبدالمجيد في المغرب. فطوح امحمد بالتعريفة للخال عبدالمجيد غاضبا إلا ان التعريفة اختفت. وبدأت الشكلة. واتهم الخال عبدالمجيد امحمد بأنه حرامي. وغضب امحمد بالإساءة ولولا تدخل المرمطون العملاق سعيد بولينق لأنتهى الامر بمعركة. وذهب الخال عبدالمجيد واحضر رجل البوليس الذي كان يقف امام مكتب الغابات المواجه لمنزلنا من الناحية الغربية. وانتهى الامر بإرجاع امحمد الى السجن. وكان ذلك اتعس يوم في حياتي. وبعد فترة عرفت من اخي الشنقيطي بأن التعريفة وقعت امام موسى الذي كان يصلي فركع والتقط التعريفة بفمه. وواصل صلاته. وفقدت انا شخص ستتبعني ذكراه الى القبر..الهمباتة لا يعتبرون انفسهم من اللصوص. ربما تأثرا بأمحمد الهمباتي وقصصه قلت في قصيدة البدينقا والمحجان اختى مجرى السيل كان بنايتك الضانقيل (الطوب) وما تبرى الإضينة لأنو ما بشد الحيل. الهمباتي ما بدبى ويسرق بهم بي ليل وما بيقرب ابل عوين والسيدا مالو قلي
من حوادث امدرمان حكى لي الاخ عمر بدوي مصطفى ابن وزير المعارف بدوي مصطفى وتاجر الجلود المشهور رحمة الله عليه..ان لصوص الموا بمنزلهم الكبير في حي الملازمين في الليل. ولم يكتشفوا السرقة الا في الصباح. فقال ابن اخته الصغير. انه شاهد الحرامي وهو يحمل الأشياء وعندما سألوه ليه ماإتكلمت قال ( لكن ما قال لي اسكت ساي وللا بطهرك). عندما اطلق النميري المساجين بعد إعلان الشريعة اعطوا كل مسجون مائة جنيه. وحذرهم من الرجوع الى السرقة إلا وسيقطع اياديهم. فأمتلأت البلد بالمجرمين واللصوص وبعد ان اخذ بعض اللصوص كل ما يمكن حمله اخرج رئيس العصابة مائة جنيه واعطاها لصاحب المنزل قائلا ..شيل دي وديها للنميري كان يقدر يعيش بيها.
ذكر لي الدكتور محمد محجوب رحمة الله عليه والذي حكم عليه بالحكم المؤبد وشنق زملائه محمد علي حامد وعبدالبديع وآخرين في محاولة إنقلاب, أن احد المساجين قال لهم , انهم بعد ان اخذوا كل ما يريدون قطع بسطونة حارة لصاحب البيت ..قائلا عشان بكرة ما تقول للمسكينة دي وناس الحلة انت كنت نايم وما حاسي بي حاجة..
زميلنا في براغ ي. ز وهو محامي اتى الى براغ لدراسات عليا كان قليل القامة الا انه شجاع ورأسه قوي. اشترك في معركة مع لص واستمرت المعركة لفترة طويلة تغلب عليه فيها اللص الذي كان قويا الا ان اللص لم يخرج ب حاجة وبعد فترة رجع اللص مرة اخرى لأن اللص لاحظ انه يتواجد في المنزل لوحده. فقال له زميلنا المحامي (يا تافه والله لو ما الحمى دي والملاريا ما بتمرق من هنا ساكت) فأقترب الحرامي من السرير ووضع يده على جبهته ولاحظ انه مصاب بالحمى فأرجع الاشياء وجلس معه يمارضه ويتسامر معه. ولاحظ ان بعض الأغراض اغراض نسائية قال له وين المرة ..فقال صديقنا المرة عند اهلها ..والرد كان بتكون جننتها بي راسك القوي ده...ونواصل التحية... ع.س شوقي بدري | |
|