جنوب البلاد في الاغنية السودانية المعاصرة
() الوجدان السوداني معطون في حب الجنوب!!
() ابن الدينكا الشاعر عبدالمنعم عبدالحي تجسيد لوحدة المشاعر السودانية!!
() زنجراب اسماعيل عبدالمعين وحدة ثقافية!!
() الجنوب رمز الثورة والثروة والحب والجمال!!
كتب / حسن وراق
جنوب السودان لم يك في يوم من الايام اتجاها جغرافيا ولا مرتفعا أو أخدودا في تضاريس الارض السودانية وعندما نقول شمالا او شرقا او غربا لا يتحدد الموقع كاملا في الذهن لان كل تلك الاتجاهات تلك تتداخل ، يوجد شرق في الشمال وغرب ايضا في الشرق إلا أن الجنوب فهو غرفة من غرف القلب السوداني الذي يضخ التفاعل والتشكل مع وجدان امتنا السودانية ولهذا انتج الجنوب كم هائل من الابداع تفجر في الوان مختلفة من الوان الفنون وعلي رأسها فن الغناء والذي صاغ الجنوب بشكل صادق ترسخ في الذاكرة وتفاعل في اعذب الاغنيات الخالدة والالحان الآسرة التي أصبحت جزء من الهوية السودانية والتي لن تنفصل عراها بوضع حجارة مساحة لترميز حدود وهمية أقامه نظام الفصل العنصري ولن تصمد طويلا. .
منذ عهد بعيد عندما تشكل فينا الوعي الذي ارتبط بالتعليم رسخت فينا الاناشيد المدرسية اسس التربية الوطنية وحب الاوطان ومن منا لا يحفظ النشيد الخالد الذي صاغه الاستاذ المربي عبداللطيف عبدالرحمن:
أنت سوداني .... وسوداني أنا
ضمَّنا الوادي .... فمن يفصلنا
نحن روحانِ ...... حللنا بدنا
منقو قل لا .... عاش من يفصلنا
قُل معي لا ..... عاش من يفصلنا
ستظل روح هذا النشيد الخالد تؤكد وعلي الازل استحالة فصل الروحين التي حلت في بدن السودان وما لا نصدقه اليوم هو في الحقيقة ترجمة نابعة من الهتاف الذي لن يصمت في دواخلنا..لا عاش من يفصلنا.
من هذه الروح التي حلت في البدن السوداني كانت تتمثل في عبقرية شاعر الوجدان الاستاذ عبدالمنعم عبدالحي ابن قبيلة الدينكا الذي صاغ من الكلمات التي شكلت الوجدان السوداني ما عجزت عنه كل المدارس والتعاليم وغيرها وهو يخلد في ذاكرتنا وذاكرة الاجيال القادمة اغنيات تجسد الخلود وتعطي مكون للهوية السودانية. تغني له عمالقة الطرب السوداني الفنان حسن عطية الذي غني له (النيل الفاض وامتلا- رملتنا البيضا-عيوني عشقو السهر-اقيف يازمن-ننو ياننو-الحجل بالرجل-ظهر نور الشروق-يوم شفت القطار شالو سافر قلبي قبالو-حليل مدني- اقيف يازمان خلي السعادة تطول) اما ابوداؤود عبدالعزيز تغني له بالروائع (بالله يااهل الهوي-لحن العذاري- حليل الدوام بطراهم-انتصر ياحب-ابتسمي لوتسمحي) وعثمان حسين (ناس لالا--ندامي الراح-اوراق الخريف)..تغني له الكاشف(فراق حبي المولع ناري-اسمر جميل)....تغني له التاج مصطفي(ياعين ياساهرة-ونشيد يااخي يدايدا-)ابان العدوان الثلاثي علي مصر....تغني له عبيد الطيب(ياساير ياماشي النظرة ماشة معاك وقف وقف وسوقني معاك--سلام برده ليك).تغني له الخير عثمان(اهوي الدنيا عام1956) تغني له عثمان الشفيع(ايامنا عام 56-داك الصباح اهو لاح-اسمر اسمر ياسمير-انساني) ..تغني له سيد خليفة(يابانة-الممبو السوداني-كفاك صدود-حبيبي ياساكن البوادي-ارض الكنانة)...تغني له محمد الحويج(مابنساك-يالمسافر-وين ياهناي-يامنايا-ياحبيبي تعال-هوي الفؤاد-راحت ليالي-علي ربي امدرمان)...تغني له حمد الريح(نار البعد والغربة)...وتغني له محمد حسنين(ياسهارا)...وغيرهم كثيرون..
وفي رائعته أنا أم درمان التي غناها العميد أحمد المصطفي سكب فيها حنينه الدفاق لارض الجدود في الجنوب مؤكدا علي ان روح ابن الشمال يضمها قلب ابن الجنوب قال:
أنا السودان تمثل في ربوعي
أنا إبن الشمال سكنت قلبي
علي إبن الجنوب ضميت ضلوعي
شعراء الحقيبة تفاعلوا مع سحر الجنوب بطرق شتي الا ان المبدع سيد عبدالعزيز في رائعته الجمال والحب في بلادي التي اداها الفنان رمضان حسن يؤكد علي روح المنافسة بين الشمال والجنوب والتحدي الذي يبرهن علي قوة ابناء الجنوب رغم ما عنّ بهم من ظلامات لن تقعدهم عن منافسة الشمال وكأنه يستقرئ واقع اليوم عندما قال:
في بـلادنا منــاظر الطبيـعة حـافيـها السحر الحـلال
في الشـرق المينـاء العظيمــة بيـها الثـغر بسم دلال
والغـرب الحـرست مداخـله الهيـبـة حصـون التـلال
وجنوبـها ينـافس الشمـال حيوية وعظمـة وجــلال
الا أن الشاعر ود الرضي في رائعته السايق الفيات عرف اين يرتحل ولعله أول من من اقام طريق شريان الجنوب الذي قطعت عربته الفيات هذه الشسوع الممتدة قبل ان يعرف الناس الفراري وسباق الفورمولا ون وشومخر..
اما الشاعر الفذ محمد عوض الكريم القرشي احد الشرايين التاجية لفن الغناء السوداني الحديث والذي في ذكرياته التي ابدع فيها الفنان عثمان الشفيع صاغ بطريقة السهل الممتنع ما يلامس رامات الذاكرة السودانية الحافلة حتي غدت اغنية الذكريات حاضرة في ملكة الطرب والتطريب المحرك للوجدان السوداني ( انسان بلا ذكريات ..بقايا انسان ) ودالقرشي صاغ قيمة السلام بين الشمال والجنوب في تحية نابعة من قلب صادق كانت وستظل خارطة طريق ومعبر لتجاوز كل الذي تمخضت عنه الحروب والظلامات التي قادتنا الي حالة الانفصال
يا الفي الجنوب حي الشمال
يا الفي الشروق ليك شوقنا طال
يا الفي الغروب هاك لحني قال
الجنوب في شعر الغناء السوداني هو رمزللسحر الذي يعبر عن الثروة والغني والمستقبل البعيد وقهر المستحيل بفعل السحر والذي جسدته أغنية خالدة في وجدان كل سوداني كانت وما تزال رمزا للطرب الاصيل وهي اغنية بنت النيل رائعة الشاعر ابن كسلا الاستاذ المهندس بشير عبدالرحمن والتي صاغها حتي مقطع (من طيب زهر الشمال نسماتوا ) حتي استفز الشاعر احمد محمد الشيخ والشهير بالجاغريو والذي اكمل الاغنية من ( احبو وأحب نوناتو ) الي نهايتها الجميلة وكان الجنوب حاضرا بكل قسماته وهي عبارة ( هندسية ) في شاعرية بشير عبدالرحمن فيها ترميز مفتوح ومعرف هي نسمات الشمال الباردة التي تذهب حرارة ذلك الجسد الجنوبي ..
ليك من سحر الجنوب قسماتو
ومن طيب زهر الشمال نسماتو
من الاغنيات الخالدات التي اصبحت شعار وأهزوجة تعزف كما السلام الجمهوري رسخت في ذهن المستمع السوداني منذ تعلقة براديو ام درمان الذي كان وقتها مدرسة يتزود ويتعلم منها كل السودان وخاصة عندما كان كل افراد الشعب يتطلع ويتحلق الي برنامج في ربوع السودان ومنهم من يكتفي فقط بمقدمته الرائعة التي صاغها شعرا وأداء أحمد عمر الرباطابي
والذي رسخ فينا، عندما يأتي لذكر الجنوب فإنه لا يتردد في إختصاره بالمجال الواسع وهو المستقبل المشرق..
في غربك عروس الرمال ..... وفي شرقك اية جمال
وجنوبك واسع مجال ياحلاة رطبك في الشمال
النشيد الثوري هو الآخر لم يعزل او يقصي الجنوب كما فعلت السياسات الحاكمة فكان الجنوب حاضرا في الثورة وشعراءها . الشاعر الفحل محمد مفتاح الفيتوري في رائعته عرس السودان والتي تبدأ بمطلع ، في زمن الغربة والارتحال استعار اسم ام درمان رمزا للثورة وهي العروس جنوبية الهوي والذي لولا هواها لما اكتملت الزيجة بالنصر:
كان اسمها أم درمان
كان اسمها الثورة
كان العرس عرس الشمال
كان جنوبيّاً هواها
وكانت ساعة النصر
سنوات الحرب اللعينة التي حصدت الارواح وعطلت التنمية تفاعل معها الغناء السوداني الا أن ابرز صورة معبرة ما جاء علي لسان شاعر الشعب محجوب شريف عندما عبر بكلمات بسيطة باسم ميري الجنوبية وعشة أختها في رسالة واضحة للضمير الحي وبطريقة مباشرة وفي غاية التأثير رفضا للحرب منادية بالتنمية للجنوب :
عشة كلمينا
ميري ذكرينا
كل سونكي أحسن
يبقي مسطرينا
احد أبناء جنوب السودان البررة والذي حمل لواء بناء مجتمع الكفاية والعدل والتنمية عبر انضمامه لصفوف الحزب الشيوعي قائدا فذا قدم روحه فداء وهو يستشهد عندما حكم عليه السفاح نميري بالاعدام شنقا بلا محكمة قال عنه الشاعر محمد الواثق مصطفي:
صديقي المثابر جوزيف قرنق
ترامى قبل احتدام الشفق
الى سجن كوبر حيث شنق
فيا رب هل على روحه اقرأ الفاتحه
فقد عدم القبر والنائحه
والحد في التراب كيف اتفق
تناول عدد من فناني الغناء السوداني التفاعل مع الجنوب بمنطلفات متعددة كل الهمه سحر خاص وبيئة جاذبة فجرت ينابيع كلماته والحانه فمن الرواد الاوائل في فن الغناء كان المبدع اسماعيل عبدالمعين وهو صاحب مدرسة خاصة زاوجت بين الثقافة العربية والزنجية في المكون الثقافي للشخصية السودانية حتي أطلق علي اسلوبه الفني في الغناء بفن ( الزنجراب ) وهي مزاوجة بين الثقافة العربية والزنجية والتي شكل من المفردة البسيطة وبترديدها بعدا يحمل لونية متفردة اضفت عليها لهجة عربي جوبا القا خاصا جسدته اغنية ( الكمبة ) يوم بيوم نبيع الكمبة والتي يعدد فيها القبائل الجنوبية و والمدن في الجنوب حتي أصبحت أغنية عالمية أدتها عدد من الفرق الومسيقية والغنائية في أمريكا .
جاء بعد ذلك الفنان الشعبي محمد أحمد عوض ماسورا بمدينة جوبا الساحرة ليدخلها في الوجدان السوداني لتصبح اغنية تراثية استعار اسم المدينة لمخاطبة محبوبته الفاتنة التي ملكت شغاف قلبه .. جوبا مالك عليّ / جوبا شلتي عينيا .
الحب ما يخرجه القلب و يخرج أيضا الافتتان والوله. عندما تستبد العاطفة بالشخص تنهار كل الحواجز وتصبح اللغة مفردة للتعبير عن حالة ما يجيش بالقلب وهكذا ذهب الشيخ الفاتح محمد عظيم ابن طابت وامين الحركة الاسلامية بمحلية الحصاحيصا مغشيا عليه باحدي الجنوبيات التي صاغ فيها شعرا صادقا غناه المبدع الفنان عماد أحمد الطيب:
الخطوط الراسمة في صفحة جبينك
منسوجة زي أحرف أريدك
العيون خلتني أكثر غير ما أشعر أميل واريدك
رائعة زي وحدة بلدنا ويانعة زي خيرات أرضنا
يوم رأيتك حسيت بأني من جديد أنا اتولدت
وفيكي تهتا والدموع تصبح لواعج شوق خفية
شفت في عينيك أصالة الفونج والاماتونج
السامي زي قمة بلدنا ورعشة الايدي المسلمة
وهمسة الشوق الندية
كل هذه المشاعر الصادقة للشاعر تجاه هذه الفتاة الجنوبية التي اسرته لم ينتصر لها ويترك الحركة الاسلامية الحاكمة التي ينتمي اليها وهي تغتال مشاعره الصادقة النبيلة عندما تعجلت بفصل الجنوب وهو يفتخر بروعة محبوبته الجنوبية ويمثل روعتها بوحدة البلد ، حركة كهذه غير جديرة بأن تنتمي اليها مشاعر انسانية صادقة حتي ولو كان أجمل الشعر أكذبه .
الفنان المبدع النور الجيلاني صاغ اجمل الكلمات في حبه للجنوب عبر رائعته يا مسافر جوبا مجسدا هذا الحب في رائعة أخري ( فيفان ) الفاتنة الجنوبية التي دخلت كل البيوت السودانية وتحكرت في قلوب الجميع:
فيفيان ي حبايبي جنوبية
ضوت لينا الخرطوم
في ليلة نوبه وصوفية
فيفيان رشة غيمة صيفية
فيفي الجنوبية
فيفيان غنية ريده زنجيه
كان الجنوب ولا يظل حاضرا في الوجدان السوداني متشكل بكافة الابعاد ولن يظل هذا التفاعل ارثا تاريخيا ينزوي في أضابير المكتبات شأنه شأن ما ارتبط بالانظمة التي سادت ثم بادت .. عبود ياجبل الحديد ..تسلم يا ابعاج أخوي دراج المحن .. عمر ومعمر وحنفوق العالم أجمع ..الجنوب قطعة من الوجدان السوداني لن ينفصل ابدا ولا عاش من يفصلنا