(( وصف نافع على نافع فى لقاء جمعه مع بعض القيادات النسوية من أعضاء حزبه بولاية الخرطوم المظاهرات التى قام بها مواطنو حي البراري الشجعان ضد غلاء المعيشة، وإرتفاع الأسعار بأنه يعرف من ورائها. ثم أردف قائلا بأنه، "شيوعي عنده شوية قروش". نحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن الشيوعيين الذين هم أقدر منى فى الدفاع عن أنفسهم، حيث لديهم حزبهم، ومنابرهم، وكتابهم الذين لا يشق لهم غبار. وبالفعل فقد رد عليه السيد محمد إبراهيم نقد وأبان له طبيعة علاقة الشيوعيين بمظاهرات بري التى مضت، وكذلك تلك القادمة بكل تأكيد فى مقبل الأيام.
لكننا سنكرس هذا المقال لتحليل العقلية التى يفكر بها قادة المؤتمر الوطني، آخذين السيد نافع كأفضل نموذج لها. عرف عن السيد نافع إستخفافه الدائم بأحزاب المعارضة، و إهانته المستمرة لقيادات الشعب السوداني ورموزه الوطنية. ليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل لقد تعداه كثيرا، ووصل درجة من الإسفاف أصبح السيد نافع يستهتر بالشعب السوداني بأجمعه، ويزدريه. وقد إستعمل السيد نافع فى كل ذلك أقذع الألفاظ و أكثرها سوقية. ألفاظ يعف عن ذكرها ’صعاليك‘ الأزقة، و حتى المشردين فى شوارع العاصمة المثلثة، مع إحترامي الشديد لهم!
لقد بنى الإخوان المسلمون تاريخهم الغابر كله من خلال عدائهم السافر للفكر الماركسي و الأحزاب الشيوعية. ولا غرو فى ذلك حيث أنهم حركة سياسية كونتها المخابرات الغربية خصيصا لذلك. و أشهد الله أنهم قد برعوا فى ذلك تماما. المدهش فى هذا الأمر أن ’هؤلاء الناس‘ قد أسسوا برامجهم كلها، وفى مختلف الميادين كترياق مضاد لبرامج الشيوعيين. وبالتالى لم تتوفر لديهم الذهنية النقدية التى تمكنهم من سبر غور الواقع الإجتماعى و الإقتصادي المعقد، ودراسته دراسة وافقية معمقة، وإستنباط الحلول الناجعة لجميع المشاكل التى تحيط به. ونقول، بإختصار شديد، بأنه لو لم تكن هنالك حركة شيوعية فى المنطقتين العربية والإسلامية، لما كانت هنالك حركة للإخوان المسلمين، وبالتالي فإنه لولا برامج الشيوعيين، و إجتهاداتهم المختلفة لمعالجة قضايا المجتمع السوداني، لما كانت هنالك برامج تذكر لهم.
لذلك فإن أكثر ما يميز عقلية الإخوان المسلمين هي العقم الفكري و الكسل الذهني. إن أكبر دليل على صحة ما نقول هو ممارساتهم على مستوى العمل التنظيمي، وهو أقل الميادين التى تتطلب إعمال المنهج و الفكر، على الرغم من أنها تشكل إحدي إفرازاته. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه لولا وجود الإتحاد النسائي، لما كان هنالك تنظيم نسائي للإخوان. ولولا وجود إتحاد الشباب السوداني، لما كان هنالك تنظيم لشباب الإخوان. بل أنه لولا وجود الحزب الشيوعي نفسه، لما كان هنالك وجود لحزب سياسي للإخوان المسلمين، حيث أقر زعيمهم الترابي ب’عضمة‘ لسانه بأن قد إستفاد أيما إستفادة من التجربة التنظيمية للشيوعيين، و تجاوزها فى نهاية المطاف ليكون حزبا جماهيريا إستطاع أن يكون، بفضل ذلك، ثالث أكبر كتلة نيابية فى آخر إنتخابات حرة ونزيهة جرت فى السودان فى عام 1986م.
إن أكثر ما يجسد عقلية العقم الفكري، و الكسل الذهني، هو التصريح الأخير الذى أدلى به السيد نافع حول المظاهرات التى جرت فى منطقة البراري. إن السيد نافع لم يكلف نفسه، أو حتى حزبه، عناء التفكير المتأني، و إجراء الدراسات المعمقة، لتحديد أسباب تلك المظاهرات، و إن كان الأمر لا يتطلب كل ذلك العناء، إلا لمن هو فى موقع المسئولية كالسيد نافع. إن تلخيص أسباب تلك المظاهرات فى وجود "شيوعي مقرش"، كما وصفها السيد نافع يقف دليلا قاطعا على مدى الجدب الفكرى الذى يعيشه ’الجماعة‘، كما يشير الى ظاهرتين جديرتين بالتأمل..........))