(( شاب من دولة عربية شقيقة في مقتبل العمر التقى بصديقى الملازم شرطة وقتها ، احمد ابراهيم الجرّاي وذلك في عام 1983م. الاخ احمد رجل طيب وعفوي وعلى نياتو . يسكن الاخ الجراي في قريته السريفة احدى قرى الدندر.
تقابل صديقي احمد مع هذا الشاب المصري في احدى المقاهي بمدينة ود مدنى . هذا الشاب قال للاخ الملازم أحمد الجراي انا بعمل مدرب لكرة القدم في بلدي ..... ولدى الرغبة ان اعمل في السودان . كان الاخ احمد مكلف من قبل اعضاء نادي قريتهم السريفة للبحث عن مدرب للفريق الرياضي للقرية وعلى طول عرض على ذلك الشاب ان يعمل معهم لتدريب فريق القرية الرياضي . تفاكر الاثنان حول العرض واتفقا عليه كما اتفقا على ان يأتي ذلك الشاب المدرب للقرية بعد اسبوع من ذلك اللقاء .
الملازم احمد ابلغ شباب القرية بالاتفاق مع المدرب المصري وقد فرح الجميع بهذا النبأ وبدأوا يجهزون انفسهم لاستقباله الاسبوع القادم .
اها الراجل ناس الحلة كولهم ، حتى الحريم ، منتظرنو يجي عشان يشوفوا المدرب العالمي دا ، واللعيبة كمان طلبوا كسوة رياضية جديدة لنج والحمد لله اتبرع ليهم بيها احد الخيرين بالقرية . و احتفاء بمجئ المدرب العالمي الناس جهزوا عجل متلاب عشان يضبحوهو كرامة للمدرب الجديد .
طبعا اخونا احمد ابراهيم الجراي ما وصل لاهلو لحدي هسه منتظر يجيب معاهو المدرب العالمي الى الحلة الحجل بالرجل لزوم يحشحش بيهو قدام اهلو وبنات عمو وكدا . وناس الحلال المجاورة كوووووووولها ، بما فيهم ناس البردانة قرية الراوي ، سمعوا ليك بالخبر ومنتظرين يوم حضور المدرب العالمي عشان يجوا يشوفوهو .
طبعا زمان ما كانش في موبايلات عشان الناس تتابع تحركات الضيف من مدنى مرورا بالحاج عبد الله ومدينة ود الحداد وسنار ثم سنجة ومدينة الدندر الى قرية السريفة محطة الاستقبال .
المهم الناس جاهزة ورابطة المتلاب ( العجل) تحت ضل الميمة ورامين ليهو حزمة قصب لزوم العلوق وكدا وفي إنتظار المفاجأة لانو الضيف زمان بتهردب فيك ساى بدون سابق انذار .
اها يا اخوانا اشللة مغربت والناس لموا بهائمهم في الزرائب وحلبوها وولعوا ليها التقّابات لزوم طرد الباعوض منها - الدنيا كانت قمراء بييييييييييضة والشفع مشوا يتجمعوا في الحقاقيب ( الملاعب) لزوم اللعب بشليل وين راح اكلو التمساح والرمة الحباسة دقوها في راسا وام العتينوبة وحرت وكدا . اها في الساعة ديك الشفع سمعوا ليهم صوت برينسة يرفع وينزل في طرف الحلة . النجيض في الاولاد جري متلهما يشوف الحاصل شنو - وفيهم الخواف القام تارس متلهّم امو فاكر ديل القراحين جايين يقرحوهم . الاولاد النجاض ترسوا جهة صوت البرينسة ولقوها متلككة في طين الخور الوراء الحلة وشافوا نفرين واقفين متحيرين جنب البرينسة . الاولاد قربوا منهم وفرزوا عمهم الملازم احمد الجراي وشافوا معاهو زولا اصفر عرفوهو راجل غريب . واحد من الشفع ديل شاطر ونجيض ترس من حينو اتلهم الحلة ويصيح المدرب جاء - المدرب جاء اما بقية الاطفال الراكزين سلموا على عمهم احمد الجراي وسألوهو من الزول المعاهو دا منو ؟ ووراهم بأنه دا المدرب العالمي . الاولاد فرحوا وكل واحد ملص عراقيهو وربطو في صلبو ورايحين يلزوا ليك في البرينسة من الوحل نامن طلعت في صقيعة ناشفة ودورت ، وطوالي اتشعبطوا ليك فيها بوراء وهم يهتفون المدرب جاء المدرب جاء المدرب جاء .
المدرب الدولي إتكامل الحلة والناس منتظرنو كويمات كويمات . الشاهد ان المدرب عزل اسمح لبسة عندو لزوم مقابلة ناس الحلة وكدا ، لكن اللبسة للاسف فحّطت فيها البرينسة في الطين من خلف رشتو بطين بادوب اراضي الدندر وخلتو ليك زى المبرّص .
المدرب اصيب بنوع من الاحباط وقبل يصل الحلة اتلفت على احمد الجراي وقال ليهو ( ميدانكم منجّل؟) احمد قال ليهو ليش هذا السؤال ؟ المدرب قال ليهو ( إزّاي ندرب فريقكم في المطر والطين دا؟) احمد قال ليهو ما تنزعج الايام ما كلها هكذا .
البرينسة وصلت الحلة واحمد وجه السواق عشان يتلهّم بالمدرب خلوة مطرّفة بعيدة من الجماهير لزوم يخرتو الطين منو ويجيبوا ليهو جردل موية وطشت يتبرد زين ويغير ملابسو ويتكامل الناس .
المدرب العالمي استحم واتهندم كويس وطلع للجماهير وكانوا واقفين رقل رقل .
المدرب وصلهم وبدأ يسلم من اول الصف لحدى النهاية . الجماعة طوالي تكوا التور للضبح وشخخخخخخخ ضبحوهو وهم بكبروا . بعد التور هدأ من الفرفسة نادوا المدرب العالمي يفطوا لزوم التبريك والمباركة ولسان حال اهلنا بقول (يدينا خيرك يا المدرب ويكفينا شرك)
المدرب فطّ الكرامة ويتلفّت جاى وجاى ما ناقش اي حاجة من الفطّان دا ذاتو .
بعد داك ساقوهو للراكوبة الوهيطة وجلسوهو في عنقريب قد ( بكسر القاف) مهول بالحيل مفروشة عليهو مرتبة مانعة وفوق للمرتبة برش صارموجة وهو برش مزركش بعدة الوان من التفتة (مادة ملونة) . المدرب جلس في العنقريب وبلامس بأنامله في ضفيرة البرش بالدس . عجبو البرش بالحيل وراح معلق : هذا سجاد حلو أوي إزاي بتصنعوهو؟ رد ليهو واحد من كبار الحلة قال ليهو ( دا برش غالي كمّل قروشنا جت جت؟ جت ؟ جت؟ ايش جت ؟ استفسر المدرب العالمي عن معنى كلمة جت . نط واحد من ناسنا الكبار قال ليهو خليني اجلس حداك عشان ابيّن ليك يا السيد المدرب . حداك ؟ حداك؟ حداك؟ اتلفت المدرب العالمي للملازم شرطة أحمد مستفسرا ايش حداك؟ . يعني محازيا لك او جنبك يا محمد هكذا جاء رد الملازم احمد للسيد المدرب .
من عادات اهلنا لما يضبحوا التور اول حاجة بجيبوها للمزمزة ام فتفت التور النيّة معاها فنيجين عتّي عشان تلحق الضيف سريع . اها دقائق مافي الجماعة جابوا ام فتفت في صحانة صغار وختوا في وسط كل مجموعة من الرجال صحين ام فتفت وفنيجين عتّي ووهطوا صحن مانع امام المدرب العالمي وقالوا ليهو قول بسم الله وأبدأ اكل . لحمة نية؟ لا عفوا انا ما باكلش لحمة زى دي – المهم الناس بتأكل في ام فتفت دي بنهم والمدرب يعاين سااااااااى . الجماعة استعجلوا العشاء للمدرب العالمي وبعد
أكل الكرامة قام مخاطبا الجماهير وكانت الكلمة عصماء ورصينة تخللتها بعض المفردات التي لم يتم استيعابها . طبعا شكر ليكم ناس الحلة رجال ونساء شيب وشباب ووعد بأن يبدأ برنامجه التدريبيي بعمل لقاء تنويري مع فريق القرية الرياضي في صبيحة اليوم التالي والجماعة صفقوا ليهو شديييييييييد وطوالي جلس في العنقريب .
بعد داك الراجل اعتذر للجماعة من عدم مقدرته على السهر اكتر من كدا وطلب من الملازم احمد ان يذهب به الى محل رقاده . ذهب الاثنان الى ديوان حاج الجراي ديوان واسع ومهول يتوسطه سرير مفروش ومعطّر وكاجين ليك فيهو الناموسية من الباعوض وكعادة اهلنا خاتين ليهو كورة نعومة مليانة حليب تحت العنقريب . الراجل إتناول الحليب شرب زيييييين وإتغطى ونام . طبعا الديوان معروش زنكي والزنكي فيهو اخرام مسامير التثبيت .
بعد الناس ناموا قام ليك بريق ( تصغير برق) من قدام عندنا بسموهو البرق القبلي ( بكسر القاف وتسكين الباء - يعني منسوب للقبلة) والمعروف عندنا في الصعيد هناك لو البرق القبلي دا شلع من قدام مطرتو بتكون قبض ايد مضمونة يعني .
البرق شغال وشغال وجاب ليهو سحابة سوداء خاميها من قدام ومتلهّم بيها قرى الدندر . والمدرب نائم يشخر ساى . بعد نص ساعة تسمع الزنك طق طق ( بفتح الطاء وتسكين القاف ) بداية المطرة وبعد شوية الطق طق زادت حجما وإنهمارا و عملت صخب و ضجيج شديييييييييييد ويبدو مع الموية ذاتا في حبات برد عندما تقع في الزنك وكأنو حجر شتروا بيهو الزنكي مما زاد من انزعاج وقلق المدرب العالمي. غزارة صبيب المطرة جعلت سقف الديوان يمتلئ موية وبدأ يصب داخل الديوان . المدرب قام منزعجا من النقيط بتاع الموية على سريره وصار محل ينزوى في الديوان الموية لاحقاهو تنقط فيهو وكمان طلع من الناموسية الباعوض يقرص وينوني ليهو في اضنيهو . المسكين غلبو النوم وظل صاحيا مرهقا وحزينا للصباح .
اها اشللة اصبحت ممطورة مطرة سمحة بعد صبنة ( عطش من عدم المطر) طويييلة وكادت هذه الصبنة ان تحرق كل مزارع الذرة والسمسم التـــي يعتمد عليها المواطنون . اها ناس الحلة استبشروا بالمدرب الدولي خيرا وقالوا كراعو لينة فيها البركة يعني لانو المطرة تزامنت مع قدومو للقرية . كل واحد من ناس الحلة جاء الصباح مبسوط متلهم الديوان النازل فيهو المدرب وشايل شاهيهو او قهوتو معاها شعيرية او قمح مدور. اها المشكلة الكبيرة عند اهلنا هناك اى واحد جاب موجودو للضيف لازم الضيف يضوقو يعني مافي حاجة اسمها اعفوني انا شبعت ، لازم تشرب تشرب عشان الزول الجاب ليك موجودو ما يزعل منك . المدرب تعب تعب شديد من الشواهي والقهاوي والقموح (جمع قمح) واظنكم سمعتوا بالمثل الشائع عند اهلنا هناك البقول أكل القموح وعرس السموح بطول العمر . بعد شوية المدرب العالمي عايز يكب الذوغة من الشواهي والقموحات وقال للملازم احمد وديني الحمام ياخ . احمد ملأ ليهو الابريق موية طاااااب وقال ليهو ارح . المدرب قال ليهو وين ؟ مش قلت عايز الحمام؟ ايوا نعــم . طيب حمامكم وين؟ احمد قال ليهو اتبعني ياخ . المدرب قال ليهو لوين ؟ احمد قال ليهو اوديك الحمام المدرب قال ليهو اوكي اوكي يلا نروح . احمد اتقدم والمدرب ماشي وراهو لحدى طلعوا من الحلة بررررررررة متلهمين اللعوت والكتر القائم طرف الخيران . إزاي ماش بينا بعيد كدا اصبر اصبر قربنا نصل الحمام ، كان ذلك هو رد احمد للمدرب العالمي .الكلام دا كلو حصل قبل تقريبا 25 سنة وهسه السريفة صارت حاجة تانية الحمامات بانيو وكدا .
المهم زولنا تجاوز إمتحانين الاول سهرة ممطرة حملته الى السهر مع الباعوضة حتى الصباح والامتحان الاخير الذى استطاع تجاوزه هو الصنغيرة على الامشاط !!!!!!!
عاد المدرب العالمي مع الملازم الجراي الى الديوان المخصص اليه وهو مشحون بالكثير من المرارات التي لم يجرأ على الافصاح عنها .
إنصرف كل واحد من اهل القرية بمواعين الشاي والقهوة وغيرها وقد إنصرف همهم بعد ذلك الى تجهيز الفطور للمدرب العالمي . صحيح هنالك حراك نسوي في بيت اخينا الملازم احمد لاعداد مائدة خاااااااااااااصة للمدرب العالمي من النواشف وغيرها من المشتقات اللحومية التي ابدعت النساء الغريبات ( طبعا عندنا نخبويون تزوجوا من قبائل اخرى محسيات وشايقيات دنقلاويات وكدا) هذه الشريحة من النساء الغريبات كان كان يناط اليهن صناعة الاكل الافرنجي للضيف مثل الكوفتة والمحشي والقيما والسجوك ووضع البيض بالطريقة الهندسية المعلومة والتي يعملن فيها على إحاطة البيض بنوع من الخضار وكدا وايضا صناعة التحلية بألوان احمر اصفر اخضر زى شفق المغارب .
وفي مثل هذه المناسبات تكلف العمات والخالات بتنظيف عفشة الخروف - الكرشة وعمل المرارة بمهارة غير عادية . صحون صغيرة فيها المرارة (الكبدة والفشفاش والكلى وام فتفتفت ) وبجوارها فنجان من العتي وهذه مهمة لا توكل للنساء الغريبات لانهن لا يملكن احترافية العمات والخالات في إعدادها او ربما ظنهنّ ان هذا ليس من عمل النواعم وإنما عمل ينبغي ان تنفرد به متقدمات العمر .
بعد ان تم تجهيز الفطور في المطبخ تماما قام بعض الشباب بنقله الى الديوان . كانت الصواني الاولى عادية يعني كسرة وحبات رغيف مجدعة باطراف الصينية وصحن دمعة وصحن مرارة يغلب عليه اللون الاحمر (فشفاش يعني) وصحن شعيرية مفلطح !!
بعد قليل حضر شابان يحملان صينية مانعة بالحيل كل منهما عاضى طرف جلابيتو باسنانو وممسك بطرف الصينية ونفسو قائم من حيمولة الصينية . كانت هذه الاخيرة هي المائدة التي تم اعدادها بصورة خاااااصة للمدرب العالمي وقد اختاروا ليشاركه في المائدة بعض وجهاء القرية وغيرهم من الرسميين المعنيين بالرياضة في محلية ريفي الدندر كافة .
تم توهيط مائدة المدرب العالمي في نص السباتـــــة وبأطرافها تباريق ( جمع تبروقة) ليجلس عليها المدرب والذين تم اختيارهم لمشاركته مائدته .
كان صحن المرارة امام المدرب العالمي وقد لاحظ المدرب ان المرارة عبارة عن لحمة نيّة ( غير منجّضة) فلم يمد يده اليها ولكنه لاحظ الاخرين يمدون اياديهم بشراهة ليخمشوا منها الكبدة وام فتفت بس تاركين القليل من الفشفاش . نواصل بعد قليل .....)).