كلمات في تأبين الراحل المقيم التيجانى الطيب بمركز نبته بالقاهرةكشف الدكتور رفعت السعيد، المفكر المعروف، تفاصيل عميقة تتعلق بتاريخ الفترة وعلاقات النضال مع الحركة المصرية للتحرر الوطني، التي ربطت الحزب الشيوعي المصري بالراحل المقيم التيجانى الطيب بابكر، عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، ورئيس تحرير صحيفة الميدان. وذكر أن التيجانى كان من أوائل الذين أتوا إلى مصر في أربعينات القرن الماضي، و استقر بحي الفواله، حيث التقى بالعديد من الرفاق المصريين، مثل عبده دهب وذكى مراد ..الخ، الذين كونوا القسم النوبي الأفريقي بحركة التحرر الوطني، (حدتو)، ثم أسهم في إصدار مجلة الكفاح المشترك (أمدرمان)، كما أنه أسهم في بذر منظومة فكرية حول العلاقة بين المناضلين المصريين والمناضلين السودانيين ، وطرح فكرة أن الحركة المصرية للتحرر الوطني ( حدتو)، والحركة السودانية (حستو) تناضلان ذات النضال، وبالتالي يتم عقد اتفاق على أن من يذهب من أي من الحركتين للدولة الأخرى، يشغل ذات منصبه بالحركة الأم في الحركة الأخرى.
وقال السعيد، أن علاقته الشخصية بالمناضل الراحل المقيم تعود إلى فترة انتقاله لجيرته في حي الهايكتسب، بالقاهرة، والتي تزامنت مع تواجد عبد الخالق محجوب، للعلاج بنفس المنطقة. ولفت السعيد ، إلى شجاعة المناضل السوداني الراحل الذي احتمل فترات السجن في مصر كما هو الحال في السودان، وعلق قائلا: كأنما كتب على التيجانى أن يسجن أينما حل.
كما ذكر العديد من المواقف التي عايشاها معا أثناء فترة تواجدهما بالمجلس العالمي للسلام، بموسكو، ومحاولة طرد السودان منه، وكيف تصدى التيجانى للأمر، دون خوف من العواقب حتى ولو كانت السجن بموسكو أيضا.
وعرج السعيد، على عودة التيجانى، مرة أخرى لمصر في الفترة الأخيرة ، وقال بأنه قد قدم له كل ما يستطاع في مصر، وأضاف: أنه مهما تم فعله من اجل المناضل الراحل فانه اقل مما يستحق، كما ذكر أنه في عودة التيجانى، الأخيرة للعلاج بمصر قال له: انه لم يأت إلى مصر للعلاج فقط بل لوداعهم.
جاء ذلك خلال حفل التأبين الذي أقامه الشيوعيون السودانيين بمصر، أمسية 1ديسمبر2011 بمركز نبته الثقافي بالقاهرة، وقد قدم كلمة عنهم الأستاذ والشاعر على الكامل، عدد فيها نضالات الفقيد، ووصفه بأنه أحد آباء الحزب الشيوعي السوداني، عرفته السجون والمعتقلات وساحات المحاكم التي وقف فيها شجاعا واستطاع أن يحول قضاته لمتهمين. وحافظ على صرامته في الحزب من أجل أن يواصل مسيرته من اجل الحرية والتقدم، وان الذين عرفوه قد وجدوا فيه قلب الأب العامر بالحب والحنان.
ورفضت الأستاذة أمينة النقاش، فكرة التحدث عن التيجانى الطيب، بصيغة الفعل الماضي، وقالت:أنه شخص متسق في سلوكه العام والشخصي، وهى المرة الأولى التي أرى فيها شيوعي عربي لديه كل هذا الاتساق فيما يفعله ويعيشه ويقوله وهذه الاستقامة في السلوك الشخصي.
وقالت بان معرفتها بالتيجانى، تعود لعام 1985، عقب الانتفاضة في السودان، وإنها تعرفت عليه في القاهرة عندما جاء إليها شبه منفى من السودان، حيث لعب دورا كبيرا في تكوين التجمع الوطني الديمقراطي، وحل خلافاته شبه اليومية بقدرته على اكتشاف المشترك، وقناعته بأهمية توحيد الصف. كما وصفته بالأناقة في الملبس والبساطة والتواضع مع الاعتزاز بالنفس، وقالت بان تلك صفات تقدم شخصية الشيوعي النموذج. وعقبت على حديثها بمقولة لمحمد حسنين هيكل حول أن: “المحاربون القدامى لا يموتون إنما هم مسافرون في القلوب،ويتحولون إلى نقطة تتحول إلى نجم يضيء لكل من لهم شوق إلى الحرية والعدل”.
وتخلل كلمة القيادي الاتحادي: على محمود حسنين، الذي شارك في تأبين الفقيد، قوله: بأن التيجانى الطيب من زمرة الذين عاشوا من أجل أفكارهم وأوطانهم، وهؤلاء هم الخالدون. وذكر أن علاقته بالفقيد تعود إلى عام 1960، بدأت على صعيد أسرى، كما أن شقيق الفقيد أحمد الطيب، أحد رموز الحزب الاتحادي، ووصف التيجانى بأنه مناضل واجه بالرفض كل الأنظمة العسكرية في السودان، حيث جمعتهما معا السجون والمعتقلات أثناء هذه المواجهات، وحمل الهم الوطني العام.
ونفى حسنين، تحكم صفة الصرامة التي عرف بها التيجانى الطيب، في مجمل حياته، وقال بأنه لم يكن رجلا جلفا بل كان رقيقا لا يجرح أحدا ولا يسيء لأحد ، وان كان صارما في موقفه الفكري الماركسي الذي لم يكن ليتنازل عنه قيد أنملة،وان كان يدرك حدود الخصومة السياسية، الأمر الذي لم يجعله عدوا لمن يختلفون معه بل يلتقي معهم في كثير من مواقفهم ضد الظلم وقهر الإنسان في كل زمان ومكان بصرامة ودون مجاملة.
وتأسى على فقد هذا الرمز الوطني الذي وصفه بأنه من جيل جميل كرس كل جهده لمصلحة غيره والقضايا الوطنية ، وقال بأنه رمز يحتاج وجود نماذج أخرى مثله لسنوات طويلة مما يعمق الإحساس بفقده.
كما تحدثت الصحفية بجريدة الميدان، الأستاذة عفاف ابوكشوة، فقالت: أن الأستاذ التيجانى الطيب كان بمثابة أب ومعلم ومربي، تعلمت الأجيال منه الكثير، وقد أهتم فيما اهتم بالجانب المتعلق بنظرة المجتمع للمرأة العاملة ودورها في المجتمع، فترك بصمات واضحة على فكرنا ، وأعتبر نفسي إحدى تلميذاته.
وقال: الأستاذ عبد الفتاح محمود: بأن المناضل الراحل ، قد كان يذكر لهم أن الفكرة قد يقل إتباعها، ولكن المهم هو توصيلها والدفاع عنها، ووصف الفقيد بتميزه كشخصية سودانية صميمة وكأكثر الآخرين السودانيين بريقا .
وتحدث أيضا الأستاذ: عاطف إسماعيل، عن صفة متميزة في التيجانى المناضل، وهى اهتمامه بالإلمام بكل تفاصيل أوجه حياة الناس، من شاكلة تفاصيل العلاقات الشخصية وتفاصيل عمل الحزب والوضع السياسي ودور الحزب ..الخ، ومقدرة على المناقشة والتحلي برحابة الصدر.
اشتمل حفل التأبين أيضا على كتابات عن مسيرة حياة المناضل الراحل التيجانى الطيب بابكر، الذي ولد عام 1924 بمدينة شندى ،وتلقى تعليمه بأمد رمان وشندى ولوحة نصفية له، وفاصل أغنيات وطنية قدمه الفنان اباذر حامد .
http://www.hurriyatsudan.com/?p=43722