محمد برقاوى
| موضوع: ما اشبة بوابة خروج الانقاذ ..ببوابة دخولها ..! الأحد 29 يناير 2012 - 15:23 | |
| ما أشبه بوابة خروج الانقاذ .. ببوابة دخولها!
محمد عبد الله برقاوي.. bargawibargawi@yahoo.com
الكل يذكر ذلك الأسلوب المتشدد الذي بدأت به الانقاذ في التعاطي مع المجتمع السوداني، فقفز الكثيرون من المتنطعين الى أجهزة الاعلام والمنابر لتطهيره مما اسموه دنس العادات والممارسات التي كانوا يتصدون لها بعنف اللفظ واطالة الأيد أحيانا بدعوي انهم علماء الخلافة الجديدة المنوط بهم تنقية ذلك المجتمع الذي كان حتي ذلك الوقت متسامحا في ذاته ومكوناته ، لاسيما من حيث عدم الاحتكاكات بين أهل الصوفية المسالمين مع غيرهم ممن يختلفون معهم فيما يسمونه بالبدع ! فلم يشهد السودان طيلة تاريخه قبل الانقاذ ، تعديا من طرف على الآخر بفعل عنيف ، بل كان الجدل بينهم ان هو حدث يكون في اطار الاحترام المتبادل ، ولم يكن أحد يتجاوز حدوده مع الآخر بغرض الافناء أو حتى الاقصاء أو مساس صروحه أو داره! ولكن مع قدوم الانقاذ التي نصبت المشانق وحتي قبل قدومها حينما كانت عناصرالجبهة القومية الاسلامية، قد بسطت سيطرتها في سنوات ترنح نظام مايو والخبل الذي تلبس رئيسه ، فأسلم لهم الخيط والمخيط ، فسدروا يتخلصون من اعدائهم ليس بالجحة والمنطق والدليل من الكتاب والسنة وانما بتسخير المحاكم القاصرة ساحات وقانونا و قضاة لتصفيتهم ، ولعل محاكمة المفكر الاستاذ/ محمود محمد طه كانت نموذجا لذلك النهج ، الذي وسّع بالتالي من بوابة توافد المهوسين الى السودان على اثر انقلاب يونيو 89 وبعد أن تبنت جماعة الترابي ماكان يسمى بالمؤتمر الاسلامي العالمي الذي مثل دعوة لأولئك فتقاطروا من كل حدب وصوب ، وشهد السودان عددا من المأسي التي تجاوزت تهديد تماسك مجتمعه المسالم والمعتدل ، لتصبح مهددا للسلطة نفسها باعتبار أن اولئك المهوسين والمتشددين كانوا يرون فيها تقصيرا ناحية اقامة الخلافة على النسق الذي يعشعش في مخيلتهم المتحجرة عند سالف القرون ، دون الأخذ بحركة الزمان وطبيعة المكان ، وتطور تفسير الأركان للأخذ بما يواكب تقدم الانسان وليس نكوصه ، عملا بروح الاسلام المتجددة ! وهو نهج لا نرى أن الانقاذ جاءت لتطبيقه وفقا لما أثبتته ايامها الكالحة، التي غمست الدين في وحل السياسة وصولا لتحقيق مآرب دنيوية ، عصفت بمقدرات البلاد والعباد ، فلم نطل منها حكما طاهرا ، ولا وطنا موحدا ، ولاحركة تطور مع الزمان!
المهم بالعودة الى ذلك الجحيم الذي فتحته على نفسها وعلى مجتمعنا في بدايات وثوبها الكارثي فوق رقاب الناس ، أن أصبح السودان مرتعا لكل طريد وشريد ، ليعيث ذبحا وتقتيلا ، وكأن السودان كان ينقصه المزيد من المتاعب التي بدأتها الانقاذ بصب الزيت على نار الجنوب وقتها بما سمي بحرب الجهاد! فكانت مجزرة مسجد الجرافة ، ومذبحة مسجد الثورات ، مما دفع النظام السياسي في غمرة هلعه وخوفه على وجوده الى التخلص من تلك الشراذم بابعادهم عن البلاد ! كان ذلك من بوابة بدايات الانقاذ ! وهاهي ..دورة الزمن تدور والانقاذ تشعر بانها تتجه الى بوابة تأشيرة الخروج بلا عودة، فعكفت على تلمس تعطيل رحلتها الأخيرة بالالتفاف على من رضى مشاركتها زحف الكساح نحو تلك البوابة من بعض الفعاليات السياسية، ولكّن ذلك بدأ لها ليس كافيا ، فأطلقت نمطا آخر ممن يدعون الحرص على الدين والشريعة لاستعداء المجتمع من جديد بغرض صرفه عن مشاكله التي فيه وتكفيه وتفيض ، فعادوا الى حجوة التشدد من جديد في لبوس تتبناه السلطة للقيام بدور هي تطلق لهم فيه اليد الطولى ، لاصدار فتاوي التكفير لكل من ينتقد التطبيق الأعرج لقوانين تنسب للشريعة وهي في واقعها وضعية بالدرجة الأولى لانها مصاغة للتنكيل بالناس واخافتهم عن استعداء النظام ، ركوبا على متون الدين وباسمه لعلمهم بان عامةالناس تتجنب الخوض فيما لا تعلم !
ولكّن تلك الفئة من علماء السلطان ومن تبعهم من المخدوعين فيهم وفي قوانين سلطانهم الجائر حينما يعجز حصانهم في سباق مقارعة الحجة بالحجة واللحاق بمن سبقهم في الاجتهاد ، اصاب أم اخطأ لسنا نؤيد رأيه أو نعارضه ، فمن قال لا أعلم فقد افتى ! فتجدهم يتجهون الى كنانة التكفير وليس التفكير ويطلقون منها سهامهم نحو ذلك المجتهد ،ويصدرون فيه حكما مطلقا لا يصد سهامه عنه الا ، الاستتابة من وجهة نظرهم المنحصرة في تفسيرات يرونها هم من وجهة التنطع التي يقفون عندها دون تلمس لطرق التفسيرات الأخري للعلماء المجددين ، باجتهادات لا ينبغي اغلاق الباب في وجهها وتكفيرها فورا وان لم تبلغ بعض الصواب ! طالما أن المجتهد مسلم ينطق بالشهادتين وعلى قدر من العلم والمعرفة ، بل ومؤهل لامامة الناس ووعظهم ، وله من الاتباع من مختلف طبقات المجتمع ، تصاعدا عند أعلى مستوى مثقفيه ، ومرورا بوسطيته ، وليس انتهاء ببسطائه !
ومع اننا نقول ذلك اتقاء لبذر الفتن بين الناس في مجتمعنا ، فهم منقسمون على مختلف الطوائف و القباب والجماعات على تباين درجات مرونتها وتشددها وكل يري انه يتبع ماهو صحيح ! نقول أيضا قد يكون الكل على صواب ، ولكن اختلاف طريقة التعبير عن صحة منطقه وان كان مسنودا بالاسانيد المطلوبة هي التي تحدد درجة قبول الاخرين له أو مصادمته!
بالطبع نحن ندرك أهمية الدين في حياة المسلم المحتاج دوما للاستزادة والتفقه ممن هم أكثر علما منه ، ولئن كان في اتفاق العلماء منفعة للناس ، ففي اختلاف ائمة المذاهب رحمة ، في اقتفاء اثرمن يتبع التخفيف ، الذي فضله النبي صلى الله عليه وسلم ونصح بالأخذ به، عند الاختلاف ، مالم يكن مناقضا لقرآن الرحمن الحكيم أو مخالفا لسنة نبيه العظيم !
وما تعلمناه من خلال نشاتنا في مجتمعنا الذي عاش طويلا متمددا على بساط التسامح الديني بين جماعاته وطوائفه وعلمائه وانسانه العادي البسيط ، والعميق الفطرة في تلمس تكاليفه الدينية ،ان باب الاسلام واسع وصدره رحب ، ولعل اسلوب التضييق في الاجتهاد وتحويله الى خلافات وصراعات ، نحسب أن السلطة تشجعه بغض الطرف عنه في هذا الوقت بالذات الذي تمر به ، مما سيدفع ذلك التضييق وتصعيد توترات الطوائف والجماعات حيال بعضها الى تزاحمها نحوأبواب الخروج افتعالا لخلافات ، تسد دربا جملته اخفاقات الانقاذ ليكون ممرا لخروجها النهائي ، فيعطيها ذلك التزاحم عند البوابة الأخيرة ،فرصة للتفكير لتلمس ممرات العودة الى سالف عهدها ، فسادا وتمكينا وفشلا وتسلطا باسم مراجعة النفس للمزيد من البقاء جاثمة على صدر الوطن ونفسه ، الذي انقطع حبله في دروب الصبر على ابتلاءات ، ليس من منقذ منها الا الدعاء بأكف الاخلاص لله ولدينه الحنيف وللوطن ، ومن ثم الانطلاق في مسيرة ثورة التغيير والصمود في رمضاء دربها وان طال المسير ! والله المعين والمستعان ..وهو من وراء القصد..
| |
|