من أسعد وأجمل الأيام لدي في الصغر " يعني مرحلة المتوسط " وكانت في ذلك الزمن عبارة عن أربع سنوات وبعدها تبدأ مرحلة الثانوي، وهذه المرحلة تعادل حالياً السنوات الثلاث الأخيرة من مرحلة الأساس، جمال وحلاوة يوم الجمعة يتمثل في أنه كان هنالك عرف في عرض الأفلام في سينما الحصاحيصا ففي يوم الأحد يكون الفلم كاوبوي، ويوم الثلاثاء فليم عربي ، ويوم الإثنين فلم أجنبي ، وباقي الأيام لا أذكر ماذا يعرض فيها، أما أهمية يوم الجمعة تكمن أهميتها لأن هذا اليوم مخصص لعرض الأفلام الهندية وليس حبي لهذا اليوم بسبب الأفلام الهندية،ولكن السبب الرئيسي يكمن في أن الأفلام الهندية في ذلك الزمن كان لها جمهور كبير من المشاهدين، وتكون هنالك زحمة شديدة حول السينما وصف التذاكر طويل والقوي يأكل الضعيف برغم وجود شرطة لتنظيم صف تذاكر الدخول.
في ذلك اليوم قبل المغيب بنصف ساعة أخذ من الوالد الله يرحمها واحد جنيه، وهذا الجنيه هو عبارة عن رأس مال لتجارتي في ليلة الفلم الهندي، استلم الجنيه قبل المغرب وألبس جلابيتي أم لياقة " نفس جلابية الختمية الحالية " وأزرر الشِدَه "و الشِدَه نوع من الأحذية في ذلك الزمان الجميل" من صنع باتا التي عمل فيها بعد ذلك الوقت نصر الدين وبدوي.
بعد أن التأكد وتحسس الفلوس في الجيب أنطلق نحو السينما وأقف في الصف في موقع متقدم لأنني حضرت من وقت بدري لأشتري لي 20 تذكرة لدخول السينما وكانت التذكرة لدخول الدرجة الثالثة أو كما يحلو للجميع بتسميتها " الشعب " بمبلغ أربعة قروش ونصف، وبحسبة بسيطة تكلفني العشرون تذكرة مبلغ تسعون قرش، وبعد أن أشتري تذاكري وأخرج من الصف بعد جهد جهيد ويدي التي ممسكة بالعشرين تذكرة مرفوعة إلى أعلي مثل تمثال الحرية، خوفاً من أن تتمزق التذاكر أو تنهب مني وبعد الخروج من هذه الزنقة أتنفس الصعداء على سلامة الخروج ومن هنا يبدأ الجزء الثاني لهذه المغامرة، وهي أن أقوم ببيع التذاكر إلى الأشخاص الذين لا يودون الوقوف في الصف ومجابهة الزحمة ويتم البيع بالمناداة على سعر التذكرة حيث تبدأ بورصة المزاد من ثمانية قروش إلى أن تصل إلى خسمة عشر قروش، بعد أن تطفي السينما أنوارها ويتم عرض المناظر، قبل عرض الفيلم، وفي بعض الأحيان أقوم ببيع المجموعة الأولي من التذاكر لأذهب لأشتري مجموعة أخرى وهكذا في نهاية المطاف أكون قد حصلت في بعض الأحيان إلى مبلغ يصل إلي الثلاث جنهات، وفي الختام أقوم بمكافئة نفسي بباسطة وحليب من ودحميد الذي كان لدية كشك قرب دار الرياضة لهذا الغرض، وأشتري تذكرة بمبلغ أربعة قروش ونصف وأدخل لأحضر الفلم ليس حباً في الفلم بل لأن الدنيا أصبحت ليل ولا يمكن أن أعبر منطقة الرباطين لوحدي، وعند نهاية الفلم يكون هنالك مجموعة كبيرة من شباب الحلة الجديدة وأختلط بهم حتى أصل البيت، لأنعم بنوم هادئ وكيف لا وفي جيبي ثروة لا يستهان بها