مصر.. والسودان ..كم حتة ؟
محمد عبد الله برقاوي..
bargawibargawi@yahoo.com
منذ عدة سنوات دعاني صديق من الأخوة نوبة مصر لزيارة أحد أقربائه في دبي ، وحينما وصلنا المجمع السكني المعين اختلط علينا رقم الشقة وطرقنا بابا بالخطأ، فخرج الينا رجل مصري ، سألناه عن صاحبنا المعني بالزيارة ، فكان رده حاضرا وغريبا ، اذا اشار الى الباب المقابل له في الممر الضيق ببعد متر واحد أو أقل ، قائلا هوّ في واحد اسمر وبيتكلم عربي ساكن في هذه الشقة !
ثم أغلق بابه ، وأنصرف!
فقال لي صديقي النوبي ..شفت العالم دول يابيه ، مش عايزين يعترفوا بوجودنا ابدا كمواطنين مثلهم!
قفزت الى ذهني تلك الحكاية ، وانا أقرا للمرة الثانية ، بعد الثورة المصرية ادعاء . السيد/ توفيق عكاشة. بانه لا يوجد تاريخيا بلد اسمه السودان ككيان قائم بذاته خارج سيادة مصر حتي بعد استقلاله عنها ضمن الحكم الثنائي عام 1956!
والحقيقة ان مثل هذه النبرة قد انخفضت الى درجة التلاشي طيلة هذه السنوات ، منذ الحركة الماكوكية الى السودان شماله وجنوبه التي كان يقوم بها المرحوم صلاح سالم ضمن سعي مصر للترغيب في الوحدة عقب قيام ثورة يوليو 52 سواء في حقبة الراحل محمد نجيب القصيرة أو حتي في ظل قيادة الراحلين جمال عبد الناصر وانور السادات أو الرئيس السابق حسني مبارك ، اللهم الا تلك التمنيات السياسية التي تهتاج مابين الحين والاخر وخلال أيام صفاء الانظمة الحاكمة المتقطع في البلدين عن الوحدة الاندماجية التي باتت سرابا من ماضي ذكريات القومية الآفلة !
ولست أدرى ما دوافع اثارة مثل هذه النعرة الاستعلائية الآن وتحديدا تجاه السودان باعتباره لازال حديقة خلفية بل ومجرد أرض حبلى بالخيرو الماء والغذاء والفائدة غير المستغلة ، دون النظر لانسانه واحترام سيادته الوطنية على بلده ، وكأنه في نظر بعض أخوتنا المصريين من جملة الشعوب التي وصفها اخينا ( سمرا ء وبتتكلم عربي ) وهذا من منطلق تهذيب لغته في وصف تلك الشريحة من الشعب المصري أمامنا فقط ، لانه في مجالسه الخاصة وفي قرارة نفسه ، هم مجموعة بوابين لا يستثنى في نظرهم من تلك الصفة حتى الانسان السوداني مهما بلغ من الثقافة والعلم و استقلالية القرار !
ولعل ذلك أيضا يشيء بان نظرتهم لمنطقة النوبة المصرية اقتصادية بحتة لكونها مصدر ادرار سياحي مهول ، وليس في قيمة انسانها على عراقته الفرعونية !
ولعل السيد عكاشة يثير هذا المنطق الأعوج في حوبة احتياج مصر التي باتت ضعيفة ومفككة ووكالة من غيربواب ومن منظوره القاصر حتما ..الى مزيد من البوابين لضبط حركتها الفوضوية أو جنود هجانة لاستعادة الأمن فيها ، لذا تذكروا من كانوا في خدمة سخرتهم من عينة عم (عبدو) في السينما المصرية القديمة ايام عز الباشوية والبكوية التي كانت تشترى بالمال !
وأظنه قد فات عليهم أن اهل السودان كانوا والى عهد قريب ملاذا كانت تأكل من خيرهم بلا منّ ولا أذى شعوب شتي وتعتاش بكرامة المواطن لا الغريب وكان المدرسون المصريون وأساتذة الجامعات
وموظفو الري المصرى وحتى السفارات والقنصليات يوسوطون الأعيان السودانيين في مصر لانتدابهم للعمل في السودان أو تجديد مدتهم عند انتهائها ! هذا قبل أن ندخل في عهود المهانة والذلة والشتات التى جعلت أكثر من مليون سوداني رجالا ونساء جلهم يتسكع في شوارع القاهرة و المدن الأخرى، يتسولون العيش من خلال مهن حقيرة وسلوكيات ، هي واحدة من نقاط الضعف التي حسبت على انسان السودان فأعتبره بعض الذين ضاق صدرهم به رخيصا ، بالقدر الذي دفعهم للمطالبة باعادته الى حظيرة التبعية !
فهو في تقديرهم الخاطيءلم يبلغ النضج ليستحق درجة الندية، لانه حتي سلوك نظامنا السياسي المتنازل والمخجل تجاه النظام السياسي المصري الأخواني على ربكته وعدم تماسكه زاد من شهية المطالبين
( بمصرنة السودان ) ليكون مواطنه من ركاب العربة الثالثة أو الرابعة في قطار الدولة التي سيحيلها كيزانها ومن شايعهم من المتزمتين بلدا يتقسم أهله الى درجات و مستويات ، هذا ان لم يتشتت هو الى
( ستين حتة ) في ظل عقلية من يشبهون الذين فتتوا بلادنا وجعلوها مهانة ، ينادى الاخرون بفرض الوصاية عليها من جديد!
فعندك الف حق يا سيد عكاشة .. طالما أننا نعيش في عهد صرنا فيه بشرا بلا هوية في حسبان حكامنا بل رعايا مثل البهائم ، مثلما نحن وغيرنا من
( السمر الذين يتكلمون العربي ) في نظركم هكذا ..
قال عربي قال..!
و من الظالم حيثما كان
نستعيذ بالله المستعان..
وهو من وراء القصد..