(1)
ياني من فتِّك بغني ......... غازل الافراح شجن
وشارّي في ليلك نجومي .... حين دروبك ضلَّمن
وفاتح الريد بيت وشارع ... وحِلة الأشواق وطن
(أسامة معاوية الطيب)
أيؤلمك الغياب يا مصطفي ؟
نحن يؤلمنا الحضور
ظللت علي الدوام متيقناً بعودتك بصورةٍ أو بأخري لا كمهدي منتظر بل بأي فكرة أخري تتسلل من خلالها لمسام شعبك وأرض بلادك التي تحب . أحداث كبيرة مرت منذ غيابك الفاجع ربما كان أكبرها وأألمها علي الإطلاق أن صار الوطن وطنين وجيوش تتقاتل هنا وهناك باحثين عن أوطان أخري يقوم الرصاص بأخذ مقاساتها وتفصيل أزيائها الجديدة . حتي لتحس بغربة الأوطان وأنت تتجول في برندات السوق العربي .
إمتلأت البلاد برائحة غير الرائحة التي ألفها الناس ، بالتالي صار الغبن في عيون الناس وفي حركة شفاههم اليابسة بفعل الجفاف لم يعد ما ينبئ علي الإطلاق بأن ثمة إنتصار كان هنا ، ثمة سودانيين صنعوا معجزتين بقامتي أكتوبر وأبريل ، ثمة شعب جميل كان لباسه منازلة المستحيل وقهره ، ثمة نساء فارهات كن أطول قامة من غابات الأبنوس صنعن من نضالاتهن أمجاداً لا تقهر ـ غير أن لؤم الزمان فعل بشعبك الأفاعيل .
يأس ما سيطر علي جنبات البلاد ، ولغة جديدة تورمت وتكورت يحدثك بها الغلابة والكادحين كلما فاجأت سكون لياليهم البائسة بمطر السؤال بأن :
لمتين آ ناس ؟
صمت مطبق يحيل المكان لما يشبه صمت القبور قبل أن يجيبوك واليأس يقتلهم بأن : يعني البديل منو ؟ صرعي نحن يا مصطفي صرعي اليأس والأسئلة الحيري صرعي الإمتهان والإرتهان لمعطيات الواقع دون أن نعمل حتي لتغييره ـ لم نعد مبتكرين لأدوات الصراع ـ صرنا يا رجل مستهلكين لأدوات الغير ولتجارب الآخرين حتي وجدنا أنفسنا في (جُب) الإستلاب .
(2)
لم يسكن الموت هذي الديار لكنا سكنا الموت
الموت عملاق ضخم نتقازم أمام حضوره غير أن كثير من الراحلين يبقون أكثر حضوراً تجف انهار الحياة غير أن مجاديفهم لا تعرف الخنوع ـ هؤلاء الناس هم جملة المشاغبين والمحرضين وأكثر الناس إنغماساً في الحياة بالرغم من رحيلهم الأبدي .
لم يسكن الموت جسد الأوطان غير أن الوطن ظل يلهث ليسكن جسد الموت ، ربما لأنه ما عاد في الأفق ثمة ما يستحق ـ فما جدوي الأغنيات والأشعار الراعفة ؟ ما جدوي الأمنيات والأحلام المؤجلة ؟ ما جدوي الإنتظار في رصيف المحطات إنتظاراً لقطارٍلن يأتي علي الإطلاق ؟ . إستقر شبح اليأس حتي الناس الذين تقابلهم في الشوارع والأزقة ومحطة المواصلات ما هم إلا أجساد فانية ينقصها (كفن من طرف السوق وشبر في المقابر) . أجساد ينقصها التشييع وموارة الثري ، أجساد بلا أحلام بلا أمنيات بلا أغنيات بلا أيتها شئ يذكر .
فقط غابة سيقان تتحرك تشعل الأرض جيئة ً وذهاباً في حضرة اللاشئ ـ يمضون حاملين في دواخلهم صورة وطن مشوه مقطوع الأوصال ـ يحدقون في عالم مليئ بالرصاص ورائحة الدم ـ يتمتمون بكلمات غير مفهومة يطأطئون رؤسهم كلما مروا بحزن . ثم يمضون بذات السيقان محيلين خطاهم ليأس جديد لا أكثر . وأغنياتك تنطلق ـ تنطلق للغرابة ـ تنطلق لتعيد للحياة حياتها وتعيد ترتيب الأشياء في دواخل أبناء وبنات شعبك الذين أحبوك ونصبوك كأجمل قائد مر من هنا . كأوسم قائد ظلت الموسيقي (سلاحه) الوحيد (رصاصه) الوتر و الكلمة ، الكلمة التي ظلت وعلي مر التاريخ أقوي سلاح يمكن للإنسان أن يتسلح به .
فشكراً لحضورك السابع عشر في مسرح لا معقولنا الوطني شكراً للملاحم التي قدمتها نشيداً إثر نشيد شكراً لأنك لم تكتفي بدغدغة أحلامنا بقدرما دغدغت فينا مكامن الإنسان . شكراً لوطن سيظل يذكرك بالخير كأوسم الحضور هازمي الموت بالحضور الجميل . شكراً ود ست الجيل شكراً مصطفي .
(3)
ما دفناك لكن بذرناك
حقولاً من أمنيات
وأغانٍ شاهقات
ما دفناك
لكنا
نثرناك
نشيداً في فضاء الكادحين
قصيداً للسماء
ما بكيناك
لكنا
أدمنا التسكع
في شوارع دندناتك
أغنياتك
للحياة
خضر حسين خليل / سودانيزاولاين
http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=420&msg=1359974224