العنوان يبدو مثيرا من الوهلة الاولى ( زى عناوين جريدة الدار)، الموضوع هو الاعلان عن تاسيس تنظيم سياسى يدعو لعودة الاستعمار ، فى انتظار تعليق الاستاذ / حسن وراق وبقية الاعضاء .
صحيفة الشرق الاوسط : مراسل الصحيفة استطاع اجتياز اسوار مصحة للامراض النفسية فى الخرطوم واجراء حوار طويل مع وجه سودانى اثار ضجة كبيرة فى الاونة الاخيرة .. اللقاء مع الدكتورة/ احلام حسب الرسول وهى استاذة تاريخ فى واحدة من الجامعات السودانية , وهى نفسها التى اعلنت عن تشكيل تنظيم سياسى جديد يطالب بعودة الاستعمار الى بلدها السودان , السلطات السودانية اودعتها فى مصحة للامراض النفسية والعصبية بعد اسابيع قليلة من اعلنها عن حركتها السياسية التى اطلقت عليها اسم حركة (حمد) وهى اختصار ل حركة المطالبة بانتداب دولى
الى مضابط هذا الحوار الجرىء .
* تطالبين يا دكتورة بعودة الاستعمار الى بلادك هل هذا حديث انسان عاقل ؟ .
- وهل ما حدث فى هذا البلد منذ الاستقلال حتى الان هو من فعل انسان عاقل ؟ .. عندما اطالب بوضع بلدى تحت الانتداب الدولى فهذا يعنى خبرات اجنبية تفيد وتستفيد وتصبح تحت اشراف ورقابة محاسبية دولية .. تضع هى الدستور والقوانيين وتشرف على توفير فرص العمل والصحة والتعليم والبنيات التحتية .. اقول لك لا فرق بين حزب الامة والمؤتمر الوطنى والشعبى والاتحادى و17 نوفمبر و25 مايو و30 يونيو ... كلهم واحد وكلهم استفادوا من خيرات هذا الوطن .. يسكنون فى ارقى مناطق الخرطوم وابنائهم تعلموا فى ارقى جامعات الخارج .. لديهم مزارع واراضى وحسابات فى بنوك الخارج .. من اين ؟ .. وبعضهم عاطل تماما عن العمل !!! من اين يصرف فلان وعلان , ما هو مصدر دخلهم .. تجد عندنا الزعيم السياسى يركب عربة ثمنها ربع مليون دولار وهو لم يعمل فى حياته عمل معروف للجميع .. يسافر الزعماء عندنا الى لندن وباريس وواشنطن كل شهر وشهرين من اين ؟ .. انا استاذة جامعية منذ عشر سنوات وانا اعمل واجد صعوبة فى توفير ثمن رحلة علاجية الى القاهرة .. والدى عمل اكثر من اربعين عاما ولم يستطع شراء بيت الا فى حى شعبى .
هذه العصابة يجب ان ترحل فورا .. كلهم , كلهم دون استثناء .. وضع السودان تحت الادارة الاجنبية هو الحل الوحيد لوقف هذا النهب .. لهذا قالوا ان هذه الدكتورة مجنونة .
* عفوا دكتورة هناك اتهام اخر بالعمالة , وسؤال لماذا ظهرت هذه الدكتورة هكذا فجأة ولم تتحدث غير الان .. يعنى انتى لم يكن لديك اى نشاط سياسى معروف وظهرتى دون اى مقدمات وبشكل مثير للجدل .
- صحيح .. لكننى اتابع بدقة ما يدور ومنذ زمن بعيد بحكم اهتمامى بالتوثيق لما حدث ويحدث .. وقد حان اوان الكلام .. اما حكاية العمالة والجنون , فهى تدل على رعب هؤلاء من الفكرة .. صدقنى حركة (حمد) امتدت فى الجامعات والمعاهد العليا بصورة ادهشتنى انا شخصيا .. شعرت العصابة بخطورة ما اطرح ولذلك كان هذا الهجوم ووضعى فى مصحة للامراض النفسية واشعر انهم يريدون تصفيتى جسديا ..احكى لك حكاية طريفة , ذات مرة وانا استعد لتحضير رسالة الماجستير حاولت الكتابة عن واقعة اغتيال الامام (محمد احمد المهدى) على يد خليفته (عبدالله التعايشى) .. هناك اقوال حول هذا الموضوع وحول تسميم (المهدى) بعد ستة اشهر من سقوط الخرطوم .. لن تتخيل حجم المضايقات والتهديد بعدم اجازة الرسالة , عرفت عندها انهم يريدون الاحتفاظ بهذا التاريخ المزور من اجل حاضر هو ايضا زائف وغير حقيقى ..
* عودة الاستعمار يا دكتورة التاريخ هو الحل ؟ .
- لو كان لديك اقتراح او حل اخر انا على استعداد لسماعه .. قلت لك هناك كلمات اخذت عكس معناها واحدة منها كلمة استعمار .. ماذا قدم لنا الانجليز ؟ هم نقلونا الى مشارف القرن العشرين .. قدموا لنا سكك حديد .. قدموا لنا تعليم مدنى راقى .. قدموا لنا افضل جهاز خدمة مدنية فى افريقيا .. ازدهرت فى ظلهم المشاريع الزراعية وفنون الغناء والشعر والصحافة الورقية .. عرفت الاسواق معنى النظام والتسعيرة .. عرف السودانى معنى احترام حقوق الحيوان .. الاستعمار هو الذى خلق السودان الحديث .
انظر للجانب الاخر من الصورة .. ماذا قدمت (المهدية) للسودان ... اهانوا المواطن اهانة يومية ومتعمدة وتعاملوا بعنصرية وعنجهية ضد ابناء الشمال .. حاولوا خلق توازن عرقى فى المركز قصرا بنقل اناس من غرب السودان الى امدرمان بالقوة والعنف (رغم رفضهم!!!)
ادخلوا البلد فى حقبة من الدروشة والغيبيات الدينية والدماء والفقر والجوع واحتقار بدوى ارعن للمرأة السودانية واعتبارها مجرد اداة للمتعة الجنسية .. تخيل انهم ارادوا هزيمة مصر بواسطة جيش جائع مما يدل على غباء عسكرى شنيع وكانت مجزرة يتحملون هم تبعاتها .. لم تقدم (المهدية) اى انجاز على الارض سوى خرافة (السيادة الوطنية) .. لم تقدم غير الصلوات الاجبارية ومن كان يتخلف عن ذلك كان يتم جلده جهارا امام الناس - اى مذلة واى عار هذا - .. هذه هى انجازات الوطنيين فى بلدى .. ومع ذلك مطلوب منى وانا اشاهد كلية غردون التذكارية والسكة حديد ومشروع الجزيرة وشارع النيل والقصر الجمهورى ومبانى كل الوزارات والبنوك ومشاريع الرى المختلفة وتخطيط الخرطوم والخرطوم بحرى وامدرمان - قبل تدميره بواسطة عصابة الاحزاب فيما بعد - والكبارى المختلفة ومجموع القوانيين العلمانية الرائعة التى شرعها المستعمر والتى تحترم حق الانسان والحيوان .. مطلوب منى بعد كل هذا ان اقول للطلبة عندى فى الجامعة ان الانجليز هم مجموعة من اللصوص والاوباش .
افزع لو تخيلت فرضية ان دراويش (المهدية) قد انتصروا فى (كررى) وهزموا الانجليز .. تخيل كيف سيكون الوضع ؟ ونحن نلبس جلابيب مرقعة وسبحة ضخمة تتدلى من اعناقنا ويتم (طهور) اى اجنبى متواجد فى الوطن مثل ما فعلوا مع (سلاطين باشا) ومن يتعاطى التمباك (تبغ شعبى) يتم جلده وسجنه ..
لك ان تتخيل ان فترة السيادة الوطنية فى (المهدية) كان الرجل الاول فيها يتحدث عن ان الله وملائكته لم يكن لهم هم غير الوقوف بجواره فى حروبه الغبية شرقا وشمالا !!! فى الوقت الذى كان العالم يستيقظ فيه نحو النهضة والعقلانية كان غارقا فى خزعبلات ما وراء الطبيعة وهو يغرق البلد فى حمامات دم ويرسل القادة ابناء الشمال للموت حتى يتخلص منهم .. (عبدالله التعايشى) هذا هو اعظم ديكتاتور سودانى وهو الذى وضع اساس التفرقة العنصرية فى السودان .
بعد الاستقلال انعكست الاية واصبح الاقصاء من السلطة يتم بواسطة ابناء الشمال ضد ابناء الغرب والجنوب والشرق .
الشخصيات الوطنية - وهو تعبير مهذب لعدم وطنيتهم الظاهرة - كانت شخصيات عقيمة همها الاول ممارسة لعبة تحالفات الكراسى .. فتحوا الطريق للراسمالية الطفيلية لامتصاص دم الشعب .. كانوا مهرجى سيرك اكثر من كونهم ساسة ناضجين .. اجهضوا مع سبق الاصرار والترصد كل انجازات الاستعمار الوطنى اكثر منهم ... حافظوا بكل همة على امتيازاتهم ولمعانهم السياسى والشخصى .. وسخوا ثوب الخدمة المدنية التى كانت فى انضباط ساعة (بيج بن) الشهيرة فى لندن .. كانت بداية وطنيتهم القذرة بمذبحة عنبر (جودة) .. كان لدينا ايام الاستعمار الانجليزى الراقى والرائع معا قطار ياتى بالدقيقة والثانية والان وبعد كل هذه السنوات من السيادة الوطنية الجوفاء والخرقاء والحمقاء - هذه ثلاثية هجائية - من الممكن ان تنتظر القطار السودانى عشرين ساعة وفى النهاية لا ياتى لك .
عندما اطالب بوضع السودان تحت الاشراف الدولى فهذا يعنى نقل السودان الى مشارف القرن الحادى والعشرين .. ومن اجل مصلحة اجيال المستقبل .
معا من اجل الغاء التوكيل الباطل وغير الشرعى والمزور لوكلاء المافيا الوطنية الذى انتزعوه عنوة واقتدارا منذ 1956 .
* وهل يعنى ذلك يا دكتورة ان الانجليز كانوا يعملون من اجل خاطر عيون السودان فقط ؟.. وانهم قطعوا كل تلك المسافة الطويلة فقط من اجل صناعة سودان رائع ؟ انتى تعرفين معلومات لا احد فى العالم يعرفها ! .
- سوف اتغاضى عن روح السخرية والاستهزاء .. ارجو ان تعاملنى باحترام .. انا اطرح افكار قابلة للنقاش .. ارفض قلة الادب فى الحديث معى .. انا استاذة جامعية تذكر هذا.
* اعتذر بشدة دكتورة .. اعتذر لم اقصد التهكم .. اسف جدا .
- ok لو تابعت حديثى جيدا لما كنت قد طرحت هذا السؤال .. اعلم ان فن السياسة وغابة المصالح الاقتصادية مجال لا علاقة له بالحب والكراهية هذا تفكير شرقى ساذج .. انا مدركة تماما ان الانجليز وصلوا السودان من اجل مصلحتهم هم فى المقام الاول - تذكر ان رسالتى للدكتوراة هى فى تاريخ السودان الحديث - وانا ضد تزوير التاريخ .. ولكن هم فى المقابل قدموا لنا بمعنى ان المنفعة كانت متبادلة tit for tat .. لم يستفيدوا وتركونا فى العراء كما فعلت الحكومات الوطنية عسكرية كانت ام مدنية .. الانجليز حافظوا على البقرة التى تحلب لهم .. الاحزاب والعسكر قالوا انا ومن بعدى الطوفان .
اتحدى اى مؤرخ ان يذكر اسم ادارى انجليزى تربح من منصبه اثناء خدمته فى السودان .
اقول وضع السودان تحت الاشراف والادارة الكاملة الاجنبية وفى المقابل عليهم خلق دولة عصرية وخطوط جوية منضبطة ومستشفى على النمط الغربى الحديث وتعليم حقيقى جاد يرتبط بخطط تنموية وغذاء صحى وفرص عمل وحرية تعبير وتصنيع غير ملوث للبيئة وفى المقابل عليهم الاستفادة ايضا من خيرات وثروات البلد الظاهرة والمخفية .. يعنى باختصار خد وهات
اعتبرنا يا سيدى فريق كرة قدم كبير والسودان هو دار هذا النادى ونحن جلبنا مدير فنى اجنبى ليصنع لنا بطولة بين شعوب الارض وفى المقابل ياخذ هو راتب مجزى - هذا مثل لتوضيح الفكرة - .
* يعنى الصراع بين حزب الامة مثلا والاتحادى الديمقراطى والمؤتمر الوطنى والشعبى والحركة الشعبية هو فقط تمثيلية كبيرة .
- لا .. لا .. هو صراع حقيقى فى لحظات تاريخية معينة .. لكن ليس من اجلنا طبعا بل من اجلهم هم ومن اجل مصالحهم الاقتصادية .