(( الشمس عندنا سخية لحدالإسراف, والهواء ممسك بخيل.
وأنت ياود البخيت ... عليك كل يوم , فى ذات الأحوال , أن تقطع تلك المسافة عشرات المرات بين موقع حفر وخم التراب المرغوب (رقيطة أوسفاية) والمنازل تحت التشييد أومواقع البناء..ماشيا خلف حمارك المحمل...فى طريق قاحل ليس بالقصير....
تغوص قدماك كثيرا فى رمال شديدة التفكك والهشاشة....تشويك...وتملأ حذاءك المتهالك....تقف لتفرغه فيزيد الكى والشواء ...
أنظر لقدميك ..جفاف وشقوق مثل عود حراز منسيّ زمنا..نالت منه الأرضة والسوس وأسباب التعرية الكثير...
عرق يتصبب فوق طبقات عرق قديم...تراب التصق..خالطته ذرات ملح بيضاء على جبهتك..حول أذنيك وتحت العيون...
فبدوت مثل حائط مهدم قديم عبثت بطلائه الدنيا والأطفال وتبول حوله الكبار....
فى صمت تئنان انت وحمارك وتواصلان المسير....لاأنت تأكل حتى تشبع مرة.... ولاحمارك يمكن أن يبقى قشة واحدة من علفه...
ودالبخيت....أنت اسمك حسب الجابو والبخيت إسم أبوك...من المناصير جاء إلى هذه القرية وعمل فى أعمال يومية شتى
فى الزراعة وكسرالحجر والبناء...جهد عضل شديد... وخبز قليل تحت شمس لاترحم
وعندما تجاوز عمرك أنت العاشرة بقليل أحضرك لتحفر لنفسك سبيلا فى هذه الدنيا....
كثيرون فى عمرك...من ذويك ...يعملون كعمال زراعين مع الأسر...يرون بساتينهم...يملأون أزيارهم ....يعلفون دوابهم ...وكل الأعمال المنزلية خارج الدار....جلهم مرتبه الشهرى جنيه ونصف الجنيه...يأتى والده فى أغلب الأحيان لاستلامها...وعراقى وسروال من الدمورية....تجدد بعد البلى وكامل الإهلاك
أه ...الفقر ضيعت النجابة والملاحة وكل الاحتمالات أمام هؤلاء الناس
ودالبخيت أتيت من بيتكم لكسب العيش بقريتنا ...لا خلوة ولا مدرسة....فظلت فيك بكارة فى تعاملك... حديثك بسيط...وطبعك خام...وجود أبيك بجانبك منع عنك السذاجة
هل شعرابوك أوانت بالبخاتة اوالحظ يوما ؟؟؟
شققت الجداول وشذبتها...عملت طلبة بناء ...وفى طلاء البيوت بالزبالة
أزلت الطفيليات من حلفا ونال وعشر من حول أشجارالموالح وزرعت اللوبيا والبرسيم لمن يريد
ضعف بصر أبيك...وصعبت حركته...أصررت عليه أن يستريح...وأشفق عليك هو وواصل حتى انطفأ نور عينيه...
قال لكم الشلاق إنها موية زرقاء ولاحيلة له معها
أعدت أبيك لداركم بالمناصير ... وعدت إلينا
وتحزمت...لاتتوقف حتى يعجزك الظلام ....متعب وضئيل هو ماتكسب...وواصل ياود البخيت
وين البخاتة وين البخت وين الحظ ؟؟؟ استغفر الله كل شئ مقسوم
تأوى فى المساء الى المكان الذى يتجمع به عمال اليومية ....أهلك المناصير ورفاقهم الحسانية.... ارض ورثة ...بور... هاجر أهلها....أتخذتموها سكنا..بعيدة من منازل الأهالى ...حذر من الطرفين... فالحذر لايشترى بقروش
تربطون دوابكم بشجيرات نمت فيها ...
وتحكون لبعضكم عذاب أيامكم...يغنى لكم من له طاقة بسبب عطالة يومه ذاك....
الدنيا فرندقس والزمان دفيس
مرات بتهينك وتوريك
وقل المال يفرقك من بنات واديك
أغانى هى مناحات للذات وحزن دفين ( بلوز) قد لا تقل ... بل قد تزيد حزنا عما غنى فى ألباما والجنوب الأمريكى ولكن لاأحد يهتم ويسمع ويعى...فأنتم عندنا عرب ساكت؟؟
تعدون طعاما بائسا فى مجموعات...يدفعه من يعملون..ياودالبخيت...
تتشايلون...وتنشأ الروابط التحتية بينكم...فى وجه دونية تعاملكم بها القرية
تأكلون طعامكم على ضوء نارالطبخ أوالقمر حين يكون معكم...
تفترشون الأرض...وفى شتائنا الصحرواى القارس الجاف تحفرون حفرا كالقبور وتنامون فيها... فيقل ضرب البرد لكم قليلا.. تسكنون القبور وانتم أحياء قبل الموت....؟؟؟
فى الفجر تغادرون... صوب أعمالكم ...وإن برد الدغش قاسى ومعروف... يجمد قليل دمائكم في العروق...
ولامناص...عطس...وسعال...وأنوف تجرى وتذهبون
قدركم....نصيبكم....اومايسمح به ويقبل به الآخرون
يكثر سكان مستعمرتكم ...عندالقحط الذى يجبرالرحل على الورود إلينا
جوعا وعطشا ... طلبا للعمل والرزق وينشدون الأمان
لاتمرالأيام تلك بسلام ...دائما أنتم متهمون..إن سرق برسيم أوفاكهة أوبلح....
قد يسرق بعضنا.... ولكنكم انتم من نفتدى بكم لصوصنا ...نتحرش بكم ونزيد دنياكم الضيقة ضيقا
ذات شتاء وانتم بحفركم...تشكون لبعضكم شدة البرد... وقلة العمل والعائد وتصبرون بعضكم بعضا ...مربكم رهط منا ...بعد سهرة يترنحون ... سمعوا أصواتكم....
والقريه تحذرك من الأماكن المهجورة...حيث ينمو العشر...وحديث كثير عن أماكن مسكونة بالجن والشياطين
أؤلئك الجماعة منا كانوا يسمعون أصواتكم ولايرونكم...فزعوا ... فأنطلقوا يعدون ويصيحون ....
الجن....الشياطين...وقع بعضهم فى الحفير ...رغم البرد أسرعتم وأخرجتموهم....
الفزع ...ثم الخجل ذهبا بما كان برؤسهم... انكسف أناسنا إذ بان لكم جبنهم وأحرجتهم إغاثتكم لهم
سرب بعضهم وأسر لخاصته خبر واقعتهم وهروبهم...
تدوال أهلنا الواقعة...وسخر بعضنا من أؤلئك الجماعة...
غضب نفر منهم وأصر أن ينزل بكم العقاب...دون تحر اومعرفة من نم وأشاع الخبر ....فانتم انكسرت أمامكم هيبتهم حين ولوا هاربين ...أنتم يسهل النيل منكم تعويضا لشعورهم بالانهزام... فسعى لتعمير تلك الأرض لتخرجوا منها...
وكثيرة تلك الأحوال التى تقع عليكم ... يخطئ قوم ويحل بغيرالمخطئ العقاب...نتنفس إخفاقتنا فيمن تقل حيلته..ونمسح بلل واتساخ أيدينا فى ثياب من نستضعفهم
ذهبتم بعيدا الى المنطقة الجبلية اضطراراً... ونشأ فريق العرب...حدة وقسوة فى كل شئ...جبال ...صعوبة فى الحركة....وبعدا من الماء وسبل الأرزاق .... زادت المسافة كثيرا وزاد رهقكم ومشقتكم
فجرا ....تبدأ أسرابكم..فى النزول تجاه القرية..... مثل الطيور.. فتاح ياعليم رزاق ياكريم...
وزاد شارعك القاحل ياودالبخيت طولا....زاد ضمورك واشتد جوع حمارك...صعبت عليك المواصلة بمنوالك المعهود
تثقل خطاك كل صباح...وتنقص كمية التراب التى تحملها رأفة بحمارك
ويتناقص دخلك القليل إلى اقل وتتابع تحت الشمس فى دربك الطويل
كنغم حزين يوشك ان يتوقف....فمع الطول زاد الطريق .... ضيقا ووعورة
تسد أفقه الجبال...ومن أين لك بطاقة واحتمال للصعود...تلك هى دنياك ولمن يهمه الأمر سلام
انت وقومك ياود البخيت منذ زمان تكسرون الحجر وتنقلونه لأغراض شتى
رصف النيل....بناء الآبار ....شواهد القبور .... لكم القدرة على اختراقه وهاهو قد اعترض سبيلكم ...سد الأفق أماكم...فقد يكون وراء الجبال حال يطيب لكم )).
سيد أحمد العراقي /sudan-forall