الحزن ما بجيب شيء
بتبقى الذكرى سلوى للحبان في الأحيان
أحزنني خبر وفاة عمنا أحمد هجو في العزيبة
وهو توأم عمي الحاج ود الامين
الجامع بينـهما لا يمكن حصره في هذه المساحة
عشان ما نقبضكن بالكلام الكتير
المهم إنـهما آخر إتنين من سفراء النوايا الطيبة
فرايكم شنو لو طفنا بكعبة ومراتع أمكنتـهما إن أمكننا ؟؟
فالحاج توفي قبل سنتين وأحمد هجو آخر الاسبوع الماضي
وأتمنى أن يجعل الله البركة في أبنائه
العزيبة قرية هادئة ووديعة
تقع على الضفة الشرقية من نيلنا الدفاق
"تلاتة كيلو متر شمال شرق الحصاحيصا
تلاتة كيلو متر غرب رفاعة مباشرة
والدبة "الصداقة" بطبيعة الحال بمحازاتـها على الضفة الغربية
يفصل ويجمع بينـها وبين العزيبة النيل
الشرق والهوج
الفاصل بين ضفتي النيل هناك "محملو" ثنائي
ففي المسافة بينـهما جزيرتين
الطينة وهي جزيرة كاملة الدسم بس بسموها الطينة
والجزيرة
ويفصل بين الجزيرتين مجرى فصلي
بتحول لرمال إلا من ترعة تسمى "كُلعلُع"
مستفة موية صيف خريف
ويتجنبـها الناس ولا يقربنـها كائن
قالوا مسكونة الغتس فيـها كلو ما قلع
وبحرين الكبير الرئيس
زمان كنا بنقول الرئيسي أسي قالوا عدلوها !!
المهم الصغير موسمي
والكبير بضمحل وتكاد تعبرو بقفزة في الصيف
"حتى لو مِركِب ليك رُكب صناعية "
موية صافية وطاعمة وباردة تشرب لامن تقول شكراً
والصغير بتحول في الصيف لرمال بيضاء ليلاً ونـهارا
وفي الخريف بلتئم شملـهما بالمياه الفائضةالهادرة
وحينـها يصبحا نيل لا ينال من وحدته نائل
وتشوف الجزيرتين كعبرات في حلق مجراه الخريفي الفائض
يدفق يسقي عطش البيوت الواقفة في عتبات قيفو
التداخل بين الضفتين ممتد منذ القِدم
أفراح وأتراح ولـهو مباح
زاد من عمق الصلات سفراء النوايا الطيبة
ونذكر من جيلـهم على سبيل المثال لا الحصر
عبد الحميد ود بابكر
وعبد الله محمد خير "أمحد خير"
والحاج ود الأمين "عليـهم الرحمة جميعاً
وأحمد هجو بلل وقد توفاه الله الاسبوع الفات"
عليه الرحمة
فقد كانوا سفراء بحق وحقيقة
جمع بينـهم حبـهم للناس
عاشو وماتو محبين ومحبوبين
للفي الهوج والفي الشرق على حد السواء
كنا "زغب حواصل" نتحلق حولـهما شرقاً وغرباً
ومن جيلهم كنا بنجتمع بالحاج وأحمد هجو
ومع ان الحاج ود الأمين توفي قبل سنتين تقريباً
إلا ان يوم وفاة أحمد هجو أعاد لي ذكرى الحاج
ذكريات خالدة خلود النيل نفسو
ذكريات كتيرة لا يسع المجال ولا المقام لسردها
لا يذكر أحدهما دون "طاري" الآخر
جمعت بين الرجلين حلاوة الروح وسماحة المعشر
ووسامة لا تخطئـها عين
فقلب كل منـهما مقسوم على قسمين والروح واحدة
تحلق في سماواتنا كفراشة قزحية الألوان
يجمعان صفات أهل الهوج والشرق تمام وكمال
وبتشابـهو في كل شي
الملاحة والجسارة والإقدام
الهدوء والحس الانساني الحميم
والطرفة الفي طرف لسان كل واحد منهما
حتى طريقة اللبس قل أن تختلف
المولد ومهد الصبا في الهوج
وعمق من إرتباطهما بالشرق الزواج والابناء
فتزوجا من نساء ينحدرن من أسرتين كبيرتين بالعزيبة
عليهن الرحمة
كل واحدة منهن كانت أماً لنا في رحلاتنا شرقاً
الفرح وعقد الزواج في الدبة أو الصداقة ما بتم كلو كلو
إلا يجي الحاج وأحمد هجو من العزيبة
"طبعاً في آخرين من مناطق تانية"
الدافنة في رجاهم
والبودو المستشفى كاضم يلحقو
والبضربو عربية في الطريق يحصلو
البتلد بي فتح بطن يحمدلوا ليـها السلامة
والبتنكسر كراعو في الكورة يطوبو
والبتقرصو نصيبة في الخلا يريقو
والبقع فيهو مِرِق بيت يمرقو
وما يجو إلا ومعاهن أهل العزيبة كلهن مراة على راجل
المابتشيلو المركب يعوم هدومو في راسو
والمقتدر يجي بالبنطون
وفيـها كمان يركب مع أولاد الطيب ود آدم في البوكسي
وأذكر في رمضانن حار "نصت" نـهار
توفي جدنا أحمد ود عبد الكريم عليه الرحمة
ويومـها "ما سمعنا البيت مقفل والمراوح شغالة بي نمرة خمسة"
ووصلنا لبيت البكاء متأخرين
وبالقرب من المكان قابلنا الاستاذ عوض عباس "راجع أهلو"
الله يطراهو بالخير ويديـهو العافية
قمت سألتو "شالوا يا أستاذ ؟؟"
قال لي "قبييييييل ودفنوا"
إستغربت كيف يعني بالسرعة دي "في سري"
قال لي "مالو البأخرنا شنو ؟؟"
"لا عندنا بت أب سم ولا أولاد فرح في المتمة نرجاهن "
"الحاج وأحمد هجو وعبد الوهاب ود عبد الحميد في العزيبة"
"صاح ليهن كلمن حاج قسم السيد..."
وواصل
"كورك ليـهن بالبحر وجوو وحضروا الدافنة "
حاج قسم السيد كان بقضي أوقات طويلة في الزراعة
زراعة الجروف في "الطينة" بتيخ وعجور ولوبا
وفي الخريف
لمن تحصل حاجة بعملو ليهو "كول" وهو في الطينة
وبدوره بحول "الماسج" للعزيبة
والمسألة في الصيف أصعب شوية
إلا الزول يقطع الرملة ويعبر الطينة و"يصيح"
أصلو الصياح والكواريك في الحاجات الكبيرة
زي قالوا ليكن عرس فلان يوم الجمعة
أو "الدوام لله فلان مات قبل شوية
ويومـها ود العوض "سيد المُركب" يوم عيدو
ما كنا بنعرف وقتـها البجمع بين الحاج وأحمد هجو
ودائما في العزيبة وبعد الغدا طوالي
الحاج يقول لينا "أرحكاكن"نمشي ناس أحمد هجو
حكايات عجيبة تنتهي بعد صلاة العشاء
دا يديك لي دا دون ملل
البجي داخل كلو ما يقدر يفوت من حلاوة الحكي
تلقاهن قاعدين بعراريق الساكوبيس الزي ورق السجائر
نضيفين عليهن نضارة أولياء الله الصالحين
وفي بعض الأحيان كنا بنتعشى ونرجع مع الحاج بالليل
المهم كنت بطرب جداً للمشوار دا
و دائماً بقول لعمي الحاج "أرح ناس أحمد هجو"
بيعرف طوالي إني لاحق ثمرة المسكيت
وفي بعض الأحيان "قصب السكر"
وفي أحيان أخرى بجي أحمد هجو عناس الحاج
ونفس البرنامج بس بدون مسكيت
وقليل من قصب السكر بجيبو عبده ود الحاج أو "كرتو"
وقد كانوا جميعاً سفراء للنوايا الطيبة بحق
وحدوا بينا وبين ناس العزيبة بشكل جميل
عدلان ود أحمد عليه السلام مشى العزيبة لعزاء
وكان معروف بسخريته الفكهة
قال صادف صلاة المغرب في العزيبة
وصلى بيـهن الفكي الخير
ما شاء الله تبارك الله
تلاوة مهيبة
ومن القران قرأ لينا سور تريانة
صببنا الماء صبا
ثم شققنا الأرض شقاً
فأنبتنا فيها حباً
وعنباً وقضباً
وزيتوناً ونخلاً
وحدائق غلبا
وفاكهة وأبا
ومع السلام عليكم قبل علي جدنا الامين قال ليـهو
"لا فاكهة لا عنب لا نخيل بس إنا أنزلنا .. إنا أنزلنا .. إنا أنزلنا "
وكان بقصد إمام جامعن هناك
كانوا زي موية النيل الازرق صفاء وعطاء
كانوا في نقاء رمالنا الناصعة
كانوا جٍسور للمحبة
سماحة في الروح
وسمو فارع
طرافة في الكلام
وفي السلام
وعليـهن السلام
ولأبناء عمنا أحمد هجو التعازي في فقدنا
البهيل وصلاح وهجو وعصمت
ولأبناء إخوته عمنا إبراهيم الله يديهو العافية
وأبناء المرحوم الماحي
ولكل أهلنا الطيبين في العزيبة الحبيبة