المحبوب أحمد الأمين
| موضوع: حدود وضوابط الرأي الآخر الأحد 19 أكتوبر 2014 - 6:24 | |
|
وجود أكثر من وجهة نظر حول أية مسألة أمر مفروغ منه, ومع ذلك وجد (الرأي الآخر) مشقة بالغة حتى تمكن من إيجاد مساحة لنفسه في ساحة الحوار، فقد ظل مبعداً بدعاوى ثبت فيما بعد خطلها مثل توحيد رؤية الأمة وعدم تشتيت الجهود, لكن تحول هذا الزعم إلى مدخل للتسلط والطغيان أعاد للرأي الآخر قوته وضرورته, فعادت جل المجتمعات إلى مبدأ تعدد الآراء في إطار المبدأ العام المتمثل في حق حرية التعبير؛ إلا أن بعضاً ممن اكتوى بنار الكبت اندفع في اتجاه تعزيز الرأي الآخر بطريقة فجة, فابتذلوا المبدأ, وقد يلوحون أحياناً بسيف معاداة (سامية) الديمقراطية الشبيه بسيف معاداة السامية المرفوع ضد كل من ينتقد انتهاكات إسرائيل للحقوق الفلسطينية، وعليه لا بد من الإقرار بأن للرأي الآخر حدوداً حتى لا تبتذل ديمقراطية الرأي الآخر فيصبح معيقاً لقرارات اتخذت (بعد) أن وجد الرأي الآخر حظه من النقاش، في ذهني معارك طويلة حول قرارات انحازت لخيار دون آخر مع الإقرار بأن للآخر حججاً, لكن لابد في النهاية من اتخاذ قرار واحد حيث يستحيل تطبيق كل الرؤى في آن واحد، أذكر على سبيل المثال نقل الخدمات الصحية للأطراف وزراعة القطن المحور وتدريب الفريق القومي ومعركة كنانة وشورى القضارف الذي أعاد كرم الله للأضواء, وأمثلة أخرى كثيرة لا يغادر فيها الرأي الآخر موقعه حتى بعد تجاوز مرحلته، الإصرار على إبقاء الرأي الآخر حاضراً حتى بعد اتخاذ القرار هو الذي يفسر طول المعارك في أمور يفترض أن تكون قد حسمت بإجراء بسيط لينصرف القوم لمسائل أخرى من هموم الوطن الكثيرة، ومع طول المعارك يتوهم المواطن وجود معركة حقيقية, ويظن أنه مطالب بتحديد موقف وطني واضح من الفريقين ويعلن إن كان منتمياً إلى حزب تفكيك المستشفى أم إلى حزب (تعيش المستشفى), ويعلن كذلك إن كان من حزب القطن المحور أم حزب القطن طويل التيلة وإن كان في حزب المرضي أم حزب السميح, وفي حزب مازدا أم حزب المدرب الأجنبي، وإذا تعلمنا في أبجديات الاجتماعات ألا نقاش بعد الشروع في التصويت, ومن ثم لا نقاش ولا اعتراض على قرار تمت إجازته، يفترض أن نعي في الحياة العامة ضرورة احترام قرار تمت إجازته ولو كنا معترضين عليه في مرحلة المداولة، ولولا هذا الضابط لاستمر النقاش إلى يوم القيامة بدعوى حرية الرأي وإعطاء الفرصة الكافية للرأي الآخر. ولو ظل أصحاب الرأي الآخر متمسكين برأيهم حتى بعد اتخاذ القرار لما سارت الحياة. فهل يظل المواطن منتظراً دوره في العلاج بلا جدوى لأن أصحاب الرأي الآخر يعيقون قرار نقل الخدمات, وهل يبقى الفريق القومي بلا تشجيع لأن مازدا أشرك صلاح الجزولي ولم يشرك أحمد الباشا. وهل يضرب المزارع عن زراعة القطن المحور لأنه كان يفضل زراعة الفول المصري؟
الفهم الخاطئ للرأي الآخر هو أحد النماذج التي يفترض نقاشها بموضوعية قبل الولوج إلى تجربة الديمقراطية الكاملة في السودان, وأعني بهذه النماذج الأخطاء الخطيرة والممارسات الخاطئة التي لا صلة لها بأداء السلطة الحاكمة الحالية. يمكن أن تنظم جهة أكاديمية أو تنظيم سياسي منتدى للتفريق بين الأخطاء الناتجة عن سياسات خاطئة للنظام القائم وأخرى هي نتاج للذهنية السياسية السودانية حتى لا تعالج قضية السودان بطريقة التعميم السهلة التي يمكن أن تلقي بلا جهد فكرى أو سياسي كل الخطاء على عاتق النظام القائم، قد تظهر هذه الطريقة وما يصحبها من إعلام مكثف حكومة الإنقاذ في صورة قبيحة تشبهها في كثير من ملامحها, لكنها طريقة تبقي المنهج الخاطئ على ما هو عليه, فلا يستطيع (المخلّص) القادم إلا السير على ذات الطريق المعوج.
الرأي الآخر المفترى عليه أوجد لإثراء النقاش وزيادة الخيارات والبدائل (قبل) اتخاذ القرار النهائي, ولم يوجد للإعاقة, بالحضور (بعد) إجازة القرار.
عادل ابراهيم حمد / الراكوبة / العرب
| |
|