قرأت قبل فترة تقريراَ صادراً من مركز البحوث الإجتماعية التابع لوزارة الداخلية المصرية عن أذدياد ظواهر التحرش الجنسي اللفظي والحسي والإغتصاب في مصر ، برغم مظاهر التدين الشكلي البادية علي الشارع المصري من إنتشار الحجاب في الشارع العام ، وأرجع التقرير الظاهرة للأسباب الإقتصادية وإفرازاتها الإجتماعية والأخلاقية من بطالة وفساد وعنوسة .
طالعت هذا التقرير في جريدة الأحداث السودانية الصادرة بتأريخ 14 أغسطس عن زيارة لدار المايقوما ولأهمية الموضوع رأيت نقله هنا :
ورود اطلت على شباك الدنيا لتجد ان الدور الحكومية هى ملاذها، وان الارقام الحسابية هى المرادف لأسماء لم تحظ ابداً بشرف اطلاقها عليها، فقد قرر من جلبوهم الى هنا ان يختفوا ويتركوهم هكذا بلا هوية، حتى يعودوا لممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وكأنهم القوا منديلاً ورقياً دفعوا ثمن استخدامه. اطفال كالورود اليانعة ذهبنا اليهم مثقلي الخطى وحزينين لما حدث ويحدث لهم، فى ظل التغيرات التي اعترت المجتمع السوداني، فوجدناهم للمفارقة يواجهوننا كالمستقبل بضحكات وابتسامات ربما لا تبالي بما هو واقع، ولا تستشعر ما هو آتٍ. "الاحداث" واصلت زياراتها الخاصة الى الدور الحكومية التي تضم بين جنباتها ابناء وبنات وضعتهم اخطاء البعض المدمرة، خارج دفء البيوت وحنان الاسرة، فتلقفتهم ايدي نشهد لها فى هذا الشهر الفضيل بما رأينا فى زيارتنا القصيرة هذه المرة الى دار المايقوما التي ترعى الأطفال من سن يوم حتى "4" سنوات والتي تتبع لوزارة التنمية والرعاية الاجتماعية، ووزارة الصحة بولاية الخرطوم.
الخرطوم: زهرة عكاشة ــ سحر علي ــــ تصوير: إبراهيم حسين:
جولة فى المرافق
بداية جولتنا داخل مرافق الدار كانت بصحبة مديرها مجدي عبد اللطيف الذي قال إن الدار متعاقدة مع شركة نظافة تقوم بنظافتها ثلاث مرات فى اليوم وغسلها بالكامل مرة كل اسبوع، وان هذا التعاقد قلل ان لم يكن قد قضى على العدوى بين الاطفال تماماً، مشيراً الى ان الدار كانت تعتمد قبل ذلك على "4" عمال نظافة للاهتمام بمساحتها التي تبلغ "5" آلاف متر تضم "15" عنبرا و"400" موظف. وفى اطار الاهتمام بمحاربة العدوى ايضاً تم تجهيز مغسلة حديثة "غسيل جاف" لأن المغسلة السابقة كان يتم الاعتماد عليها فى نظافة ملابس كل الاطفال المصابين وغير المصابين مما ساهم فى انتشار العدوى بينهما، والآن يتم غسل ملابس كل غرفة على حده وكيها بالبخار بغرض التعقيم.
زيارة الى غرف الأطفال
تحوى الدار"4" غرف مجهزة لحديثي الولادة، بالاضافة الى غرفة لعزل المصابين واخرى للنقاهة وثالثة للاسهالات والتي يتواجد فيها ضابط تغذية وسستر ويشرف عليها طبيب، وتضم الدار"15" غرفة تحوى كل منها من "10" الى "15" سريرا. ويتم تحويل الطفل من هذه الغرفة للمستشفى فوراً اذا تعرضت حالته للتدهور. وتتم "90%" من حالات الوفاة لدى الاطفال خلال شهر او شهرين من العمر. اما بعد يتعدى هذه السن يكون السبب غالباً وجود عاهة او ثقب فى القلب. وهناك ايضاً غرفة مخصصة لسوء التغذية يتم تحويل الاطفال اليها اذ اكتشف خلال عملية الوزن اليومي ان هناك مشكلة، ويعمل بالدار حوالي "24" ضابط تغذية. وتهتم الدار بخروج الاطفال الى الحديقة فى صباح كل يوم للتعرض الى أشعة الشمس لما لها من أهمية وأثر صحي على الاطفال عامة، وكان مطبخ الدار محطتنا التالية مع مجدي الذي اوضح ان الوجبات تعد وفقاً لسن الاطفال ووزنهم، ويقوم الدار باعداد "3" وجبات رئيسية فى اليوم علاوة على "2" اسناد بالاضافة الى الفواكه و العصير والتحلية، وافاد مدير الدار ان "60%" من ميزانيتها تبرعات و"40%" من وزارتي الصحة والتنمية الاجتماعية، والتبرعات أغلبها من افراد خيرين، واحدهم يلتزم بمبلغ ثابت لانه بالخارج، وآخرين يلبون لنا احتياجاتنا المختلفة لان سياسة الدار لا تقبل الدعم المباشر، مشيراً الى ان هذه السياسة اوجدت ثقة كبيرة بين ادارة الدار والمتبرعين، خلافاً على ما كان في السابق، لان في عهد الادارة القديمة ازدادت شكاوى المتبرعين، وخير مثال على ذلك الصيدلية التي قمنا بإنشائها فقد قدمنا المقترح وبادر احدهم بالسراميك وآخر بالسقف المستعار وثالث بالرفوف ثم تبرع الأخير بالتكييف، واما عن الأدوية فتتبرع شركات الأدوية بجزء كبير منها بينما يقوم الطبيب الصيدلي القائم عليها بجلب البقية عن طريق معارفه وعلاقاته المتعددة ثم تصل للدار ادوية من خيرين آخرين لا تجعلها في حاجة للدواء، واوضح ان اغلب الاحتياجات الدوائية تنحصر في المضادات الحيوية، وعن دور وزارة الصحة ابان انها تهتم بتوفير الطاقم الطبي ودفع مرتباته وحوافذه وكل جوانبه المالية وهو ما ينطبق ايضاً على وزارة التنمية والرعاية الاجتماعية التي تتكفل بالاعباء المالية للطاقم الاداري والامهات والباحثين بجانب الاحتياجات الغذائية والمرافق من مياه وكهرباء.
معمل اللبن
رافقنا مدير الدار الى معمل اللبن فاسترعى انتباهنا وجود وحدتين لفلترة المياه احداهما للمياه الجوفية والاخرى لمياه النيل، وهى عملية ضرورية لضمان حصول المكان على مياه نظيفة تستخدم لغسل "بزازات لبن الاطفال"، ويتم من بعد ذلك غليها لاستخدامها فى لبن الاطفال. ويتم غسل البزازات جيداً ثم اخضاعها للتعقيم فى جهاز" الاتوكليف" تحت درجة حرارة تبلغ "140" درجة. ويتم تحويلها من بعد ذلك لمعمل اللبن الذي يصنع فيه حسب عمر الطفل.
التغذية
يتم إعداد الوجبات فى معمل التغذية بحسب سن الطفل، والمطبخ الذي تعد فيه الوجبات للاطفال ثم تأهيله من قبل الادارة الحالية وتجهيزه. وعند دخولنا اليه وجدناهم يعدون وجبة الساعة السادسة والتي تقدم للاطفال قبل وجبة العشاء، وقائمة الطعام التي يقدمها المعمل تتنوع بتنوع اعمار الاطفال فى الدار، وتختلف باختلاف ايام الاسبوع، والملاحظ ان القائمة غنية وتحتوى على كافة الأصناف.
حيدر ..
في أثناء مرورنا في ردهات الدار دلفنا الى غرفة تضم عدداً من الاطفال نهض احدهم من سريره وتوجه الى الزميل المصور ابراهيم حسين ليطلب منه بإلحاح تصويره ولما كان تصوير الاطفال ممنوعاً فقد كان تحقيق طلبه مستحيلاً وقصة حيدر التي قصها مدير الدار مؤسفة بحد تعبيره اذ اكتشف الطاقم الطبي بعد وصوله الى الدار انه مصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة "الايدز" ويحظى حيدر بعناية استثنائية من الطاقم خشية تعرضه للاصابة بجرح او أي نوع من العدوى، ويصف الطاقم حيدر بأنه طفل مسالم للغاية وودود ورغم ذلك تخصص له باحثة على مدار "24" ساعة.
وتضم الدار مكتباً للمتطوعين و"90%" منهم من طلاب الجامعات الذين ظلوا يواظبون على الحضور وتقديم يد العون حتى اقتنعت الادارة بضرورة توفير مكان ثابت لهم ومنحهم بطاقات تسهل عملهم، ويتمحور نشاطهم فى سد أي نقص من احتياجات الدار عن طريق اتصالهم بالشركات وغيرها، ويقومون منذ رمضان الماضي بالتعاون مع مجموعة "صداقات" وتوزيع حقيبة الصائم، ويوفرون لهذه الدار عبر هذا المشروع "400" كيس، كما نساعد نحن من جانبنا دار الاولاد والبنات والمسنات والناسور باعتبار ان الاعلام غير مسلط عليهم كدارنا، وكثير ما نوجه من يرغبون فى التبرع لشرائح اخرى الى هذه الدور، ويقوم المنظمون بتقديم الافطار طوال شهر رمضان لكل هذه الدور. وتقوم مجموعة المتطوعين ايضاً بتوزيع وجبات الافطار على المستشفيات مثل الشعب والخرطوم وبشائر وابراهيم مالك والاكاديمي ومعمل استاك والذرة والجلدية وجعفر ابن عوف امدرمان ومستشفى بحري، بالاضافة الى مستشفى البلك والنو والسعودي، وكل هذا بدعم ايضاً من مجموعة " صداقات" التي تجلب المواد التموينية اللازمة.
صداقات ..
(صداقات) مجموعة غير مسجلة تعمل فى المجال الطوعي وتعتمد فى عملها على الموارد الذاتية، وتعمل صداقات بالتنسيق مع "12" منظمة أخرى اتفقت على تنسيق جهودها معاً كما يقول لنا ناظم مدير المجموعة ، وبدأت المجموعة عملها قبل "7" أعوام بحقائب رمضانية لعدد"150" اسرة، بعد ذلك توجهت المجموعة لبث روح الانفاق لدى الشباب والعاملين فى المؤسسات كأفراد وليس المؤسسات فى حد ذاتها، ونجحت المجموعة فى العام الماضي فى توزيع "8" آلاف حقيبة واقامة افطار فى "17" موقعا فى ولاية الخرطوم توزعت على "270" مائدة افطار، ووزعت المجموعة قبيل العيد " 7" آلاف قطعة عبر برنامج فرحة العيد كما وزعت "6" آلاف قطعة بعده ذهبت لمستفيدين داخل وخارج العاصمة، وفى هذا العام استمر نشاط المجموعة مدفوعا بالتنسيق مع "12" منطمة طوعية ليصل عدد الموائد الرمضانية الى "1000" مائدة فى اليوم، بعد ما كان العمل يتم بصورة منفردة من قبل المنظمات بشكل يشابه "الجزر المعزولة". ويشرح ناظم ان المجموعة كانت تقوم باعمال التعبئة والاعداد العام الماضي فى منزل يملكه احد الاشخاص وكانت تقدم موائد فى دار تربية الفتيان ببحري وللامهات البديلة هنا، مما دعى الجهتين الى الحرص على المساهمة معنا هذا العام فقمنا بتخزين بعض المواد فى دار تربية الفتيان وطهى الطعام هنا، ويشير الى ان المجموعة والمنظمات المسانده لا تكتفى بالعمل فى رمضان فقط ، بل يستمر نشاطها على مدار العام فى توفير الطعام والاحتياجات المختلفة لجهات متعددة، وتعد المنظمة كذلك ايام ترفيهية فى كل اماكن الرعاية، وتعمل " صداقات" فى دار المايقوما وتقوم بكل اعمال البنى التحتية من صيانة واصلاحات وتقديم كل الاحتياجات الاخرى المطلوبة، وكذلك تقوم المجموعة بدور مهم في التوعية الاجتماعية من اجل إحداث تغيير فى النظرة السالبة للاطفال الذين لا ذنب لهم، علاوة على تعريفهم بكيفية تقديم الدعم والمساعدة لهم.
توعية مستمرة
يقوم مكتب العلاقات العامة بدار المايقوما بجهود مقدرة للتوعية بخطورة ظاهرة الاطفال مجهولي الابوين فى الجامعات والمعاهد والثانويات وداخليات البنات، وحتى " الاساس" كما يشير مدير الدار، الى انها استقبلت حالات من طالبات لازلن فى مرحلة الاساس. لذا الدار تعمل على توعية المجتمع ككل وخصوصاً الاسر وقال مدير الدار مجدي عبد اللطيف انهم ذهبوا من اجل ذلك الى النوادى والمنتديات وغيرها، هذا بالاضافة الى ان الدار تستقبل زيارات من كليات ومدارس فى هذا الصدد بحسب مجدي، كما تخصص الادارة قاعة لهذا النشاط يقدم من خلالها عرضا مخصصاً للتحذير من خطورة الامر، وللتعريف بالمخاطر التي يتعرض لها المجتمع منه، والطفل المولود على وجه التحديد، وتعول الدار على الاعلام كثيراً فى التوعية بهذا الامر والتحذير من التورط فيه، وابدى مجدي أسفه من وجود مثل هذه الظاهرة فى مجتمعنا السوداني المسلم، ولفت الى ان سبب هذه المشكلة عدم وجود الرقابة الاسرية على البنات، والتفكك الاسري والفضائيات والانترنت والعمالة الوافدة والبطالة وغلاء المهور. وقال مجدي ان ما يدور حلقة مفرغة لان هنالك جانب مسئولية يقع على الدولة وآخر على المجتمع وان لم يقم كل بما يليه سيحدث مثل الخلل الحادث الآن. لأن حل تخفيف المهور مثلا لن يجدى فى حال عدم وجود وظائف وعمل للشباب، وهذا من جانب الحكومة. ومن جانب المجتمع فعليه ان يساعد فى عودتهم اليه من غير وصمة او اساءة، فالآن الاولاد والبنات يخافون من تعرضهم للاساءة، رغم انهم لم يختاروا ان يكونوا فى الوضع الذي هم فيه، لذلك ننتظر من الاعلام دوراً ايجابياً للوضع الذى يعيش فيه الاطفال.