الاستاذ الرشيد نهارك سعيد
أعتقد بأنو المسألة فيـها خلط غير مبرر
وبغض النظر عن الرأي في البحصل في مصر على المستوى السياسي
وبغض النظر عن المبررات غير الأمينة الجات في تبرير القرار
كمان حقو ما نخلط بين الاسلام وبين مناهج التدريس
وفي بالي ما يحصل عندنا
ونطلع شوية من الموضوع
وأعتقد بأن المسألة ماشة لكتير في ظل الحاصل اليوم
فشوف الزول دا بقول في شنو ؟؟
لأن كل الأشياء تُذكّرنا بالجنس!
تقول النكتة، إن مذيعة مصرية كانت تعد لحلقة جديدة من برنامجها، موضوعها حقوق الإنسان، فكرت أن تأخذ مشطًا وتنزل به إلى الشارع، لسؤال الناس عن المساواة، وكوننا جميعًا كأسنان المشط الواحد.
نزلت وقابلت رجلًا مُسنًا، مسكت المشط وسألته: قولي يا حاج، المشط ده بيفكرك بإيه؟!.
رد : بالجنس.
صدمتها الإجابة، فسألت (بتردد من إجابة إباحية محتملة): ليه بيفكرك بالجنس؟
رد الرجل: أبدًا يا بنتي.. أنا كل حاجة بتفكرني بالجنس.
هذه أعتبرها أفضل نكتة سمعتها في حياتي عن الشعب المصري، أجمل، وأعمق، وأصدق نكتة.. وإليك التفاصيل..
(١)
هذه الأيام، أصبحت أدخل على الإنترنت للبحث عن نوعين من المواد، نكات وفتاوى. أصبحت لدي قناعة أن نكاتنا والفتاوى التي نتداولها تفضح طبيعة الأمور التي تشغل بالنا.
وكما توقعت، فالفتاوى والنكات هذه الأيام بينهما أمور مشتركة كثيرة.. كلاهما مضحك، وبعضهما بايخ، وأغلبهما متعلق بالجنس.
أصلاً، أنا مشغول بكيفية إنتاج النكتة الكوميدية والفتوى الدينية. النكات والفتاوى بحاجة إلى قدر كبير من الخيال.
خيال مؤلف النكتة يجعله يفكر في مسائل غير مطروقة ولا مألوفة، يؤلف سيناريو خاصًّا، يبتكر، وبينما يفعل ذلك يكشف دون قصد طبيعتنا وأفكارنا وسلوكياتنا كمجتمع. والفتوى تستخدم ذات المسألة، لكن ما يميز الفتوى عن النكتة (فضلًا عن كون الفتوى تتعلق بالدين) أن الخيال في الفتوى مشترك بين سائل ومسؤول.
أفكر كثيرًا في طبيعة الشخص الذي أرسل سؤالاً عن جواز رؤية المرأة التي يرغب في خطبتها وهي تستحم ضمن ما يعتقد أن اسمه «رؤية شرعية»، ما هذا الخيال؟، أي شيطان هذا الذي عبث بدماغك أخي الكريم بحيث تطرح سؤالاً كهذا، أي نوع جيد (أو سيئ) من المخدرات أشعل أفكارك بحيث تبتكر هذه العلاقة الجامحة.. ثم تأتي الإجابة من ما يُطلق عليه «شيخ»، فقال: نعم أخي الكريم، يمكنك مشاهدة المرأة التي ترغب في خطبتها وهي تستحم، لتعاين وتطالع وتتأكد من اختيارك.
نفس الشيخ - أصلاً - ينتمي للمدرسة الفقهية التي تعتبر صوت المرأة عورة. ربما نسي الشيخ الجليل (هكذا يصفون كل الشيوخ بأنهم أجلاء) بأن ينبه السائل الكريم (أيضاً أي سائل صفته الكرم)، بأن يكتفي بالمشاهدة خلال الاستحمام وألا يطلب منها الكلام، صوتها عورة لكن رؤيتها تستحم حلال حلال...
(٢)
إذن، فكل الأشياء تُذكرنا بالجنس، تأمل هذه الكلمة جيدًا «تذكرنا»، وفي اللغة، فالتذكير مرتبط بالنسيان، وهل نسينا الجنس أصلاً بحيث نكون في حاجة إلى من يُذكرنا به؟!.
يقول صديقي الملتزم، الذي لم تكن لديه أي أزمة مع الفتوى (التي يفترض أنها دينية)، إنه غير معجب بما يُبث حاليًا على الشاشات الفضائية المصرية.. وعندما قلت له: اطمئن.. قريبًا جدًا سينتهي الكلام في السياسة.. رد متهكماً: وعندما ينتهي الكلام في السياسة، عن ماذا نتكلم؟ عن الجنس؟..
ولأني أشاغب أصدقائي المحافظين بشكل عام، قلت: ربما يتوقف الكلام «عن» الجنس، لنفعل ما يفعله العالم كله ونتكلم «في» الجنس!. حيث إن الكلام في الموضوع أفضل دون شك من الكلام عن الموضوع.
والجنس، إن لم تكن فهمتني حتى هذه السطور، مقصود به هي تلك العملية التي تحدث بين رجل وامرأة. ويقولون عليها بالإنجليزية «SEX»، ونترجمها بالعربي «سكس»، وهي ذاتها الكلمة الأعلى استخداماً في محركات البحث على الإنترنت في مصر. أنت تعرف هذا، أرجوك لا تخبرني أنني صدمتك بهذه المعلومة..
(٣)
والجنس في حياتنا، قصة بائسة لأقصى درجة..
قبل شهور، نشرت بعض المواقع الإخبارية في مصر ما اعتبرته سبقًا صحفيًا كبيرًا. العنوان تسبقه كلمة «بالفيديو»، وهو عبارة عن لقطات نادرة وحصرية (هكذا تم وصفها)، تم الحصول عليها من تفريغ كاميرا المراقبة في نفق مشاة بالهرم.. تُرى ما المدهش والمثير الذي حدث في هذا النفق؟.. تهريب أسلحة؟.. تجارة مخدرات؟.. أبدًا أبدًا. نفق الهرم مختلف عن أنفاق غزة..
في التسريبات المدهشة، ترى شابًا يسير بجوار فتاة داخل النفق، حتى إذا اطمأن أن الطريق خالٍ، لا أحد قادم من الأمام أو الخلف، اقترب من فتاته بسرعة ومنحها ما يبدو وكأنها قبلة خاطفة. آه والله..
تكرر الأمر بين شاب آخر وفتاة أخرى، ثم شاب ثالث وفتاة ثالثة، يا للهول، لقد تحولت المسألة إلى ظاهرة. شاب وفتاة في نفق، وبينهما بوسة. أستغفر الله العظيم.
ثم إنك لو شاهدت هذا الفيديو الانفرادي ستلاحظ دون شك ابتسامات الرضا على وجوه الشباب والفتيات نتيجة قبلة استمرت ثلاث ثوانٍ كحد أقصى. بوسة غالية جدًا. بوسة مهربة عبر النفق، تماماً كالأسلحة والمخدرات والبنزين والكهرباء.. بوسة أقرب لعملية انتحارية.. بوسة بائسة..
لحظة واحدة، سأقولها أنا قبل أن تتعب نفسك معي وتتركها في تعليق، «أترضاه لأختك؟».. السؤال المعجزة.. لكن، لماذا لم تلتقط من الموقف سوى هذا السؤال، هل تعرف أصلاً مناسبة قوله؟ هل تعرف قائله؟..
أبدأ الحكاية من بدايتها، شاب يرغب في ممارسة الجنس ولم يجد في الأمر أي حرج بحيث يذهب إلى الرسول، رئيس الدولة، ويسأله أريد أن أمارس الجنس، الآن، والآن لا تعني غدًا، ماذا أفعل؟..
لا قال له النبي اذهب ومارس الجنس، ولا قال له عيب خليك محترم. دفعه للتأمل في سؤال واسع جدًا.. أترضاه لأختك؟..
في مصر، وصلنا السؤال فقط، لم نستوعب ربما حتى الآن الجزء الأول من القصة. شاب يرغب في ممارسة الجنس، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
الآن، يتحول الأمر إلى أزمة، رغبة شخص في ممارسة الجنس جريمة. ودور المجتمع أن يصنع الحواجز ويبتكر العقبات والسدود، بما يحول بين هذا الشخص وبين رغبته المجرمة في ممارسة الجنس..
يستهجن المجتمع الفكرة بالأساس. الجنس عيب مطلق، للأبد، لكل الأعمار، يُحفظ بعيدًا عن متناول الصغار والكبار، الرجال والنساء، يحفظ بعيدًا عن متناول الجميع، فقط نحكي عنه النكات، وننتج حوله الفتاوى.
(٤)
بالعودة إلى الوراء، ومراجعة النصوص الدينية الإسلامية، قرآن وحديث وكتب تفسير، ستجدها جميعها خالية من كلمات نستخدمها في حياتنا اليومية باعتبارها من المعلوم عن الدين بالضرورة.. كلمة مفزعة مثل «الاختلاط»، تكتشف أن لا وجود لها في قرآن أو سنة أو حديث أو أي شيء. بل هي بما تحمله من معانٍ ودلالات، كلمة حديثة جدًا.. بنت إمبارح..
ترى، من هو ذلك الشخص الذي استيقظ صباحًا وقرر ابتكار هذه الكلمة؟ من أفتى فجأة بأن ما يحدث في شوارعنا ومدارسنا ونوادينا ومكاتبنا اسمه اختلاط؟ وأنه حرام حرام؟..
أيًّا كان اسمه، أنا شخصيًا لا أعرفه، لكن ما أنا متأكد منه أنه شخص مهووس بالجنس، مهووس للدرجة التي يرى بها أي اقتراب بين رجل وامرأة عملية جنسية كاملة، يجب منعها على الفور.
ولأن ابتكار كلمة جديدة سيتبعه إنتاج كلمات جديدة أخرى، ظهرت بعد قليل من ابتكار الكلمة الأولى كلمة أكثر شهرة، اسمها «تحرش». هذه أيضًا من الكلمات التي عرفناها مؤخرًا.. واعتقادي الشخصي أننا لو لم نعرف الكلمة الأولى، فلن نعرف دون شك الثانية.
فجأة، قرر المجتمع فصل الجنسين عن بعضهما، فصل ولاد وفصل بنات، وأبعدوا الفصول عن بعضها لأقصى درجة. لا تضعوا البنزين بجانب أعواد الكبريت. مع أنه علميًا، وجود البنزين بجوار الكبريت لن يؤدي إلى أي شيء، الخوف فقط من البنزين بجوار نيران مشتعلة تبحث عما يُطفئها..
فجأة، تحولت العلاقة الطبيعية بين الجنسين إلى علاقة بين مواد ملتهبة. تخيل شاب يسير في الشارع وهو يعتقد أنه بنزين، وتخيل فتاة تنزل من بيتها وهي كبريت، طبيعي أن يتحرش البنزين بالكبريت أو العكس، طبيعي أن تتشوه العلاقة، فلا الشاب بنزين ولا الفتاة كبريت، لسنا أساسًا من منتجات البترول حيث البلاد التي جاءت منها هذه الأفكار، خلقنا الله بشرًا، منحنا عقلًا، ومنحنا أيضاً رغبة في ممارسة الجنس، ومنحنا مجتمعًا، كان من المفترض أن يخاطب فينا العقل، بحيث ينظم المسألة ويرتبها، على أساس كونها علاقة طبيعية، فقط لا غير..
المجتمع الطبيعي يمارس الجنس، لا يكتفي بالحديث عنه بالنكات والفتاوى، يعرف أشكالًا طبيعية من العلاقات.. لا يتلصص على القبلات في الأنفاق.. يسهل العلاقات.. ييسر الزواج، يعرف أن منع الاختلاط أسطورة.. اخترعها أحدهم، اشتغالة لا أكثر.
(٥)
تظهر باستمرار على الشاشة سيدة، دكتورة متخصصة، في شيء ما له علاقة بالجنس. (رغم أن الأسئلة في معظمها متعلق بالعادة السرية!)..
أرسل شاب سؤالًا للبرنامج، قال فيه: فرحي بعد ١٠ أيام، وبصراحة لا أعرف الطريقة التي سأبلغ بها زوجتي أنني أرغب في معاشرتها(!!) ماذا أفعل؟!.
سكتت الدكتورة قليلاً، ارتبكت، ظهر شبح ابتسامة على وجهها.. نظرت لأسفل خجلاً، ثم قالت: بص، عروستك غالبًا عندها فكرة إنك عايز تعاشرها!!.. انتهى الرد.
هذا بؤس، بؤس كامل، السؤال بائس والإجابة مضحكة. مقطع الفيديو للسؤال والإجابة منتشر حاليًا على مواقع الإنترنت.. هذه الفيديوهات تجلب المزيد من الزيارات.. كل الأمور ذات العلاقة بالجنس مهمة، بل هي الأهم على الإطلاق.
لو أنني مكان الدكتورة لبكيت وسألت الشاب صاحب السؤال: ولماذا ستتزوج أصلًا؟ ومن تلك التي ستتزوجها؟ عرفتها في أي ظروف وبأي طريقة؟ كم عمرك؟ وكيف عشت حياتك السابقة؟.. ألم تجد إجابة لسؤالك في أي مكان حولك؟ بيتك، المسجد أو الكنيسة المجاورة؟ كتب المكتبة، مواقع الإنترنت؟ أصدقائك الأكبر سنًا.. أي حتة؟..
مؤخرًا، بدأنا نعرف أشكالًا جديدة من الصحافة المكتوبة، تهتم بإعطاء معلومات ونصائح يحتاجها القارئ بشكل مباشر. واحد من هذه الموضوعات عنوانه «نصائح مهمة عند شراء حمالة صدر جديدة».. بعض القراء كانت لديهم مشكلة مع هذا الموضوع، كتب أحدهم «لماذا أصبحتم تكتبون عن هذه الموضوعات الإباحية؟!».. حمالة الصدر، العادية الطبيعية البدهية، أصبحت فجأة إباحية.. ألا يشكل هذا تعريفًا واضحًا للهوس؟!..
(٦)
طبيعي، في ظل هذه الظروف، أن يتربط الحديث عن «الحرية» بالجنس. فحين تتحدث عن الحريات (بشكل عام ومجرد) تجد الرد: أتقصد الحريات الجنسية؟!.. وتدريجيًا، أصبح كل مطالب بالحريات الخاصة والعامة بأشكالها وأنواعها المختلفة هو مجرد مروّج لما يُسمى بـ«الحرية الجنسية»، هذا على اعتبار أن حرية الإنسان في ممارسة الجنس مسألة لا تزال قيد البحث والمناقشة!.
ولعلك تذكر أن أول تهمة نالها ميدان التحرير في أيام الثورة الأولى كانت عبر صرخات تليفزيونية من ممثلين ونجوم مجتمع يقولون: إلحقونا.. هناك علاقات جنسية كاملة في الميدان.
وكأن ملايين البشر نزلوا للميدان فقط لممارسة الجنس!.. وهذا بالطبع لأن كل الأشياء تُذكّرنا بالجنس!.
براء أشرف / جريدة المصري اليوم / 2014/10/16