قصة قصيرة:
إستقراد
ـــ عثمان عبدالله ــــ
قبل بضع وعشرون عاما كان (حمد النيل) طفلاّ يحبو علي اربع, تماما مثل الكلب المنزلي الاليف الذي كان يعيش معهم في ذات المنزل المتواضع..
ذات صيف سقطت قرادة صغيرة بحجم (الحبة السوداء)، وواصلت سعيها ــ دون ان يلاحظها احد ــ حتي إلتحمت بين إليتي الطفل, واتخذت منهما ملاذا أمناّ ودافئاّ, ورويدا رويدا استقرت داخل إليته اليمنى بيت البشرة وطبقة الادمة, ثم كبرت واستكبرت.. ثم (تمكنت) !!
منذ ذلك الالتحام المؤلم، دخل الطفل في موجه من البكاء الهستيري المستمر بلا انقطاع.. كل الاهل والاقارب والجيران ساهموا ــ بما أوتوا من معرفة ــ في توصيف العلاج وشرح الوصفات الدوائية، العشبية والروحية والمضادات التي تفسد مفعول (العين) و(الكتابة) و(الكجور) !!
لم يترك الام والاب بابا للاستشفاء لم يطرقوه وبلا جدوي.. ولا وصفة الا جربوها، ولا يزال البكاء مستمرا!!
بداءّ من (ودالليث) المساعد الطبي القدير بالقرية, وحتى اكبر اخصائي الاطفال في المدينة..
البعض قال انها ألام (التسنين) واخرين اكتفوا (بالمسكنات) دون تشخيص المرض لان (الفحوصات نضيفة).. ولا يزال البكاء مستمرا!!
كثيرا من الجيران باعوا منازلهم وغادروها هروباً من ضجيج البكاء المستمر ليلاً ونهاراً متذرعين بأن أولادهم دخلوا الجامعات، ولا طاقة لهم بمصروفات الجامعة والاعاشة . ولا يزال البكاء مستمرا!!
وبما ان(سيد الرايحة يفتح خشم البقرة) اتجه أهل الطفل للمشايخ و(الفقرا)، لم يتركوا باب (مسيد) الا ودخلوه، من الشيخ (الطيني) وحتي الفكي (الصيني) ..ولا يزال البكاء مستمراً!!
مرت الايام والشهور والأعوام والطفل الذي أصبح صبياّ مختل النمو في ذات الحالة.. ولا يزال البكاء مستمراً!!
بجهد مقدر من(فاعلى الخير) تحصلوا علي نفقات علاج بالخارج, فسافروا به الى الأردن, وعادوا باوراق وصور مقطعية تساوي وزن (مقررات الشهادة السودانية بمذكراتها).. ولا يزال البكاء مستمراً!!
انطلاقا من مبدأ (يضع سرو في اضعف خلقو) وجههم احد الأصدقاء لطبيب(مقمور) له عيادة بائسة في حي شعبي, لا يرتادها إلا قليل من المرضي، الفقراء المعدمين .
قال الطبيب مخاطباً الأم بعد معاينة الصبي:
يوجد جسم غريب داخل جسم الصبي, تضخم (الطفيل) نتيجة امتصاص الدم والغذاء منه, ثم امتزجت أنسجه الجسم الغريب بأنسجة الصبي, وصار اكبر منه بمعنى ان هذا الجسم الغريب (الطفيل) اصبح هو (العائل) الاساسي، والصبي لاصق به!!
بعد فترة وجيزة بل بداءت بالفعل الصفات الوراثية التي تحملها (كروموزمات) الطفيل، تطغي علي الصفات الوراثية (البشرية/الانسانية) التي يحملها الصبي !!
قالت الأم:
ـــ وما هو هذا (الطفيل) و اين موقعه الان في جسم ابني ؟؟
ـــ انه (قرادة) كانت موجودة في موضع ما داخل جسم الطفل، اما الان فهي متخللة لكل انسجة الجسم وعلي (الشيوع) !!
ـــ طيب يا دكتور ماهو العلاج ؟؟
ـــ عليكم من الان التعامل مع الحالة كما هي، بمعني انكم امام حالة طفل (إستقرد) تماماّ، ووسائل مكافحة ومقاومة (القراد) معروفة !!
قالت الأم وهي تغادر عيادة الطبيب:
ـــ (الزول لما يقول كلام حقو يقول كلام يخش الرأس)
.. ولا يزال البكاء مستمراً!!
الحصاحيصا
اخرنوفمبر2014