كتب الدكتور أحمد عبد المعطي حجازي (( نعم نحتاج لثورة دينية ! )).
المصدر : جريدة حريات بتاريخ 2015/03/23
نعم نحن فى أشد الحاجة إلى الثورة الدينية التى طالب بها رئيس الجمهورية فى احتفاله مع علماء الدين بالمولد النبوى يوم الخميس الأسبق. وقد استخدم السيد الرئيس فى حديثه مع هؤلاء السادة لغة قوية منذرة عبر فيها عن خطورة ما نحن فيه، وخطورة ما نحتاج إليه، وأعتبر الثورة الدينية مطلبا عاجلا ملحا نكون به، ولا نكون بغيره فى الدنيا، ويحاسبنا الله على موقفنا منه واستجابتنا له أو عدم استجابتنا يوم الحساب. هكذا وجه خطابه للدكتور أحمد الطيب، ولمن معه من رجال الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية فقال لهم: والله لأحاججكم يوم القيامة، فقد أبرأت ذمتى أمام الله ـ أى أشكوكم له وأقارعكم أمامه الحجة بالحجة ـ لأنه لا يمكن أن يكون هناك دين يتصادم مع الدنيا كلها. ونحن نرى أن رئيس الجمهورية لم يبالغ، فيما قال، ولم يستخدم كلمة زائدة، ولم يضع كلمة فى غير محلها، فالإسلام، كما يقدمه الذين يزعمون أنهم يدعون إليه ويجاهدون فى سبيله يتصادم الآن مع الدنيا كلها، يتصادم معنا، ومع غيرنا، مع الشرق والغرب، مع الأمة ومع الدولة، ومع السياسة والاقتصاد، ومع الأدب والفن، ومع المرأة والرجل.
الإسلام كما يقدمه هؤلاء، أو أكثرهم، وكما يلقنونه طلابهم ويرفعون به أصواتهم فى المساجد والزوايا، وحتى فى الصحف القومية يتعارض مع المبادئ الدستورية، ومع المواثيق الدولية، ومع ثوابت العلم، ومع حقائق التاريخ، ومع حقوق الإنسان. ولننظر فى الكتب المقررة على طلاب الأزهر، ولننظر فى هذه الحرب التترية المعلنة علينا من كل الجهات فى الداخل والخارج، من الإخوان فى مصر وغزة وليبيا وقطر وتركيا إلى داعش فى سوريا والعراق، ومن بوكو حرام فى نيجيريا والكاميرون إلى طالبان والقاعدة فى أفغانستان وباكستان.وفى مواجهة هؤلاء جميعا خرج ملايين المصريين فى الثلاثين من يونيو يسقطون دولة الإخوان الإرهابيين ويعلنون أن الاسلام دين لا دولة، لأن الدين لله، والدولة للجميع. وهو مصحف لا سيف ولا خنجر ولا قنبلة ولا صاروخ.
هذه الملايين التى أنقذت مصر مما كان يراد بها أنقذت العالم كله، وأنقذت الإسلام، لأنها رفضت أن يكون الإسلام اغتصابا للسلطة وانفرادا بها، ورفضت أن يكون استعبادا للمسلمين واضطهادا للمسيحيين، ورفضت أن يكون صداما مع العصر والعقل ومأوى للجهل والخرافة وسندا للعبودية والطغيان، وإذن فالملايين التى خرجت فى الثلاثين من يونيو تطالب باسلام آخر غير إسلام الإخوان والقاعدة وداعش وبوكو حرام إسلام استفتت فيه قلبها، وعرفته بفطرتها النقية، وتلقته من مصادره دون وسيط ـ هذه الملايين هى التى بدأت الثورة الدينية، وهى التى يجب أن نتعلم الاسلام منها، فحيث تكون الفطرة النقية يكون الاسلام، وحيث تكون الديمقراطية يكون الإسلام، وحيث تتحقق المصلحة العامة يتحقق الاسلام الذى آن له أن يتحرر من قبضة المتاجرين المنتفعين به، ويعود لقلوب المؤمنين، وتلك هى الثورة الدينية التى دعا لها عبد الفتاح السيسى باســــــــــــــــــــم الثورة التى انحاز لها ووقف إلى جانبها فى الثلاثين من يونيو، فانتصرت وحملته إلى رئاسة الجمهوريـــة.
ولقد بدأ السيسى، فتبنى الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى، لكنه أدرك أخيرا أن ما نحتاج إليه ليس مجرد خطاب جديد، وإنما نحتاج لأصول جديدة نعرفها بالعقل قبل النقل ونقيمها على أساس من المقاصد والغايات، ونحترم فيها قانون التطور، ونلبى فيها مطالب البشر التى تتغير من مكان لآخر ومن زمان لزمان. أى نحتاج لثورة نخلص فيها الاسلام مما الحقته به قرون التخلف وعصور الطغيان وأساطير الأولين والآخرين.
ولقد يخلط البعض بين تجديد الخطاب الدينى والثورة الدينية، ويظن أن الثورة ليست إلا مرادفا للخطاب الدينى الجديد، فمن واجبنا أن نتوقف أمامهما، ونعرف الفرق بينهما لنعرف ما الذى يجب أن نثور عليه فى فهمنا للدين، وما يجب أن تجتهد فيه ونضيفه ونتمسك به. ونحن نعرف أن الإسلام لا توجد فيه سلطة دينية ـ نظريا على الأقل! ـ وأن الاجتهاد فى فهمه ليس احتكارا لفئة أو جماعة، وإنما هو حق لكل مسلم وساحة مفتوحة لاصحاب الرأى جميعا لا يمنع فيها أحد من التعبير عن رأيه، ولا يدعى أحد لنفسه امتيازا يعطيه الحق فى أن يفرض رأيه على غيره، لكنى نظرت، فيما علق به بعض رجال الأزهر على كلام رئيس الجمهورية، فوجدت رغبة صريحة فى تحويل الثورة الدينية المطلوبة إلى تكليف رسمى ينهضون به وحدهم، فيشكلون اللجان، ويعقدون الاجتماعات، ويدلون بالتصريحات، وتمر الشهور والسنوات، ونصاب بالملل، وننسى ما نحتاج إليه، ونيأس من تحقيقه، ثم لا نستطيع أن نحاسبهم، لأننا وقد سلمنا بأنهم وحدهم المختصون المؤهلون للكلام باسم الإسلام نعطيهم الحصانة التى تجعلهم فوق النقد والمساءلة، فضلا عن أن علاقة الازهر التاريخية بالسلطة تعطيه، وتعطى رجاله هذه الحصانة.
ولا يستطيع أحد أن يجادل فى الدور التاريخى الذى أداه الأزهر فى احتضان الثقافة العربية الاسلامية والدفاع عنها. ولا يستطيع أحد أن يجادل فى أننا نحتاج لمرجع دينى نثق فيه ونطمئن إليه، ولاشك فى أننا ننتظر من رجال الازهر أن يكونوا هذا المرجع المأمول، وأن يكون لهم الدور الأول فى هذه الثورة الدينية، التى أصبحت بالنسبة لنا مسألة حياة أو موت، وأن ينهضوا بما لم ينهضوا به من قبل رغم أنهم كانوا مؤهلين بالأمس، كما هم مؤهلون اليوم، لكننا لا نتحدث عن حاجتنا لدروس أو فتاوى، وإنما نتحدث عن ثورة دينية، وعن أئمة مفكرين مجتهدين يواصلون السير فى طريق محمد عبده ويصلون بنا إلى غايتها، فليس يكفى أن يكونوا مختصين فى علوم الدين، بل لابد أيضا أن يكون لهم اتصال بعلوم الدنيا ومعرفة بحقائق العصر ومطالب أهله التى هى مطالب كل البشر لا يختلف فى حاجتهم إليها المسلمون عن غير المسلمين، ولأن الثورة الدينية هى مطلب الجميع، فلابد أن يشارك فيها الجميع.
ولقد رأينا أن ما قدمه غير المختصين فى الثقافة الإسلامية، وفى الدعوة للاجتهاد لا يقل عما قدمه المختصون، محمد فريد وجدى الذى لم يتعلم فى الأزهر قدم الكثير للإسلام وللفكر الإسلامى، وكذلك عبد الرزاق السنهورى، ونصر حامد أبو زيد، ومحمد سعيد العشماوى، وحسين أحمد أمين، وطه إبراهيم، ورشاد سلام، ولو قارنا بين ما قدمه هؤلاء فى نقد الخطاب الدينى والدعوة للثورة، وما قدمه رجال الأزهر لرجحت كفة هؤلاء.
وسوف أواصل.
…………………………