إستاربكس
هامش:
* للقراء والأعضاء من الخرطوم وضواحيها:
إستاربكس = اسم سلسلة مقاهي غربية، تٌدرج مع الشركات اليهودية أيام هيجات المقاطعة العربية للبضائع الأمريكية
إستاربكس:
وأنا طالع من صالة المغادرة بمطار دبي الساعة واحدة صباحا بعد وداع صديق مسافر لندن، قلت أطلع صالة القدوم أشرب لي فرابتشينو كراميل من إستاربكس. مع الشفطة الأخيرة وقبل ألحس الكريمة لمحت لي زول آخر مرة شفتو كان قبل تلاتين سنة، عرفتو من مشيتو، إنتظرتو عند المخرج، إزيك يا دكتور عبد المنعم محمد حمد؟ عاين لي بدون إندهاش وقال لي: كويس الله يبارك فيك، ما عرفتك!
- أنا مجدي سفسفة صديق محجوب أخوك الصغير الكارثة، كنا جيرانكم زمان بدباغة مدني جنب قبة ود كنان.
قلدني "ونزلت منو دمعة " وقال لي متجنبا النظر لي مباشرة: أديني تلفونك يا مجدي، أنا مرهق جدا وماشي الفندق بتصل بيك بُكرة بعد بُكرة نتونس ونجتر شوية من شقاوة الماضي بتاعتك ومحجوب ورونق ماضي الدباغة.
فجاءة خلعت جلابية مراكبية دبي ولبست عراقي دراويش ود كنان وقلت ليهو بتركيز شديد: تمشي معاي، ما بزعجك، ساكن براي على بعد حداشر دقيقة من المطار وبوفر ليك إقامة مريحة جدا وكنت في هذه الأثناء قد سحبت شنطتو الصغيرة وتقدمت خطوة نحو بوابة الخروج.
إبتسم وردد: حداشر دقيقة! جنّك ذاتو!
رجّعت ليهو مقعد العربية الأمامي لوضع الاستلقاء، لاحظت الحزن المخلوط بالإرهاق على ملامحه، قررت بيني وبين نفسي الهروب للماضي مباشرة دون السؤال عن تداعيات الزمان عليه خلال التلاتين سنة الماضية.
رأيك شنو يا دكتور، نزيد للحداشر دقيقة ساعة تاني؟ أعزمك فوقها شيّة بقهوة الفنانين في الهواء الطلق، المميز في الشيّة دي، انو الفنانين ديل، عندهم صحانا يتم تسخينها للحفاظ على صوت طقطقة الشواء المحبب والصوت (أزيز على قول جيجي صديقتي) دا، بكون مستمر أثناء تناولنا ليها، ودا، واحد من تلاتة برامج لو ما عملتهم لضيوفي بدبي بكون قطع شك مستضيفم مجاملة ساكت. هزّ راسو بالموافقة وأضفت والليلة تخلي النقّة كاملة لي وإتّا تستمع، كرر الهزّة.
اخترنا مكان خافت الإضاءة ومكشوف للاستمتاع بنسايم نوفمبر اللطيفة والشيّة أم صوت، بعد كتابة الطلب، قلت ليهو: يوم قبلوك بالدفعة الأولى بكلية الطب جامعة الجزيرة (79)، اليوم داك، أُمي قالت لأبوي بعد صلاة المغرب: الليلة، بيوت الدباغة كلهن فرحانات بود محمد حمد غفير التلفزيون القبلوهو بالجامعة، ردّ عليها بفرح: بستاهل؛ هو وأبوهو مبروكين.
تاني يوم ونحن راجعين من المدرسة المتوسطة وفي نص ميدان التلفزيون، محجوب أخوك حاول يقشر بيك عليّ، طوالي قبضتو من شنطة الدمورية وقلت ليهو: أسمع هوي، نعّوم دا، حقنا كلنا...
أول خميس ليك وإتّا عائد من الكلية الإعدادية لبيتكم، لقيتنا قاعدين نلعب بلي في ضلكم، قلت لينا أسمعوا إتوا الاتنين ديل، أوعة ألقاكم تاني قاعدين متفنين عند بت المنى تضربوا في البليلة العدسية بسلطة الروب، دا أكل غير صحي... سكتنا وأضمرنا عدم الطاعة وبعد إتّا دخلت البيت، محجوب علق ساخراً: يكون الاسبوع دا، ادوهم محاضرة عن البكتريا بالإنجليزي!! وواصل متحديا: البليلة والنيفة ديل، لو جاء عميدك سكن معانا هنا ما بنسيبن.
مرّة ونحنا متفنين مع البليلة، محجوب لمحك من بعيد وقال لي: الزول البمشي زي السمبرية داك، نعوم أخوي قوم كُب الجاز نمشي البحر. بعد السباحة مشينا إنتظرنا النيافة يفتحوها؛ نشتري لينا واحد باسم. أثناء الإنتظار قلت لمحجوب: إتّا يا فردة، السمبرية بتمشي كيف؟ قال لي ما عارف، لكن أخوي دا، مشيتو فيها حاجة مميزة ما عارفها شنو! قلت ليهو: إذاً نختصر الموضوع ونسميهو سمبر، قعقع وقال لي حقو الزول الليلة يخليك تضرب لسان الباسم براك يا بجعة.
ونحن راجعين البيت نام في العربية وبمجرد دخول البيت؛ قطّ في سابع نومة، صحى العصر وبعد الأكل والقهوة التركية ابتسم وقال لي: جلسة الفنانين غيرت مزاجي ويبدو أنو الصدفة دي، زي المحسوبة!! قلت ليهو: آخر عهدي بيك خريج جديد وعينوك بمستشفى مدني وفي نفس السنة ديك، أنا ومحجوب سافرنا للدراسة وناس بيتنا رحلوا من مدني، اعتقد محجوب سافر يوغسلافيا، يا أخي، الزول الجميل دا، كان مُعجب بيك إعجاب شديد.
رجع ضهرو لورا وقال لي: محجوب دا، أجمل أخو ممكن تختارو وهو يتبع قلبو دائما، في واحدة من منعطفات حياتي جربت اسلوبو وكان سبب سعادتي.
وواصل:
بعد سنة في المستشفى أخدوني بالجامعة، في مرّة راجع البيت بعربيتي الموريس، جنب كبري حاجة عشة، العربية سخنت وطلعت دخاخين، وقفتها وأقرب باب دقيتو وطلبت من البت الفتحت الباب مويه للعربية، جابت المويه وأنا متحرك أفتح الكبوت، مسكتني من كتفي بحركة سريعة شرطت معاها طرف التوب بباب الزنكي وقالت لي إنتظرها تبرد. في لحظات الانتظار جابت لي شاي بنعناع.
بعد دورت العربية قالت لي: الراديتر داير تسليك ونطقت الراديتر بإنجليزية سليمة، نزلت من العربية وقلت ليها: بتزوجيني؟
ردّت: محتاجة أعرفك أول
قلت: عشان تعرفيني، محتاجة عُمر بحالو
الخميس البعدو، بت المنى ما باعت سلطة الروب، وناس العشير اليوم داك ما طبخوا، وأبو عركي غنى لينا: عن حبيبتي بقول لكم وبدل الحمامات الحزينة قامت أدتا برتكانة غيرها لي قامت أدتا من حنانا ورفض يشيل قروش وحتى عرقي العازفين جابوهو أصحاب محجوب هدية.
بعد ستة شهور من العرس توفى عمك محمد حمد أو المناضل كما يحلو لمحجوب منداته، إتّا طبعا عارف انو الحاجة إنتقلت بالتيتانس وهي بتضع محجوب.
بعد أربعين يوم تانية جاتني بعثة دراسية بإستلفونيا (يوغسلافيا)، سافرنا أنا وسهام وخلينا خالتي سكينة الربتنا مع اهل سهام. الأقدار المقصودة وقعتني مع محجوب في مدينة واحدة.
سنة 89 الجامعة وقفت البعثة، ومحجوب إتزوج صديقته وصديقتنا الجميلة إيليزابيتّا الإستلفونية وهو على أعتاب التخريج.
سنة 90 إنهار الجدار وأصبحنا مُستكين، قربت أنهار وأدمنت الفودكا،
نسيت أقول ليك: جابو لي محجوب الصغير سنة سبعة وتمانين ،وإيليزابيتّا الصغيرة يوم تمانية وعشرين رمضان سنة 90.
يتبع..
باقي بس حكاية سهام التي أصبحت تتحدث بالإضافة للعربية والنوباوية، عدّة لغات بطلاقة زي بتاعة اللديتر!
* الحكاية دي كتبتها قبل سنتين بسودانيات
وهسع بنقل فوقها مع تعديلات بسيطة لزوم ناس الخواض النقاد!!
أبوبكر عباس / سودانيزاونلاين