"يا قادة المعارضة لن تقودوا الشعب حتى تتقدموا صفوفه فى الكريهة "
كاتب الموضوع
رسالة
المحبوب أحمد الأمين
موضوع: "يا قادة المعارضة لن تقودوا الشعب حتى تتقدموا صفوفه فى الكريهة " الخميس 31 ديسمبر 2015 - 10:26
(( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون " ما كان رسول الله يقدمنا لكريهة قط ويتأخر عنها". لقد وضع النبى الكريم، عليه صلوات الله وسلامه، بهذا التصرف أساس القيادة، وأرسى لبنة العلاقة بين القائد والمقود. ولعل هذا السلوك المتفرد هو الذى يفسر تعلق الأصحاب الشديد بالنبى، عليه صلوات الله وسلامه، ومحبته وطاعته والسير فى نصرة دعوته الى النهاية، حتى قالت العرب مارأينا كحب اصحاب محمد لمحمد. وقد عرفت نظريات الادارة الحديثة القيادة بطرق عديدة ولكنها اتفقت كلها على أن جوهر القيادة يتمثل فى قدرة القائد على التأثير فيمن حوله وتحفيزهم لخدمة غرض مشترك والقيام بالوظائف الضرورية للعمل الجماعى الناجح. ويرتبط السلوك القيادى الناجح بالكريزما التى تجعل بعض الأفراد يتمتعون بصفات غير طبيعية تحفز الاخرين لاتباعهم.
لقد صنف الباحثون عددا من المزايا الشخصية التى يجب أن تتوفر فى القائد ومنها ايمانه بقدرته على تحقيق النجاح فى مهمته، وامتلاكه لملكات التواصل مع الاخرين، والفهم العميق للتركيبة النفسية لاتباعه، والعمل والمثابرة لبناء مشروعه بصورة واضحة للاخرين. وتتمثل أهم مزايا القيادة فى قدرة القائد على اصدار القرارات الحكيمة التى تعتمد عليها استمرارية القيادة. فالتفاعل العاطفى العشوائي الانفعالى مع المواقف المستجدة لا يمثل أساسا قويا لاستدامة القيادة. وترتبط بهذه الميزة القيادية ميزة أخرى تتعلق بالقدرة على ادارة ثقة المقودين فى قيادته والتى تتطلب وضوح الموقف، وتجنب المرواغة فيه، بغرض تفخيم الذات بصورة انتهازية. وبالرغم من أن المقودين قد يختلفوا مع قايدهم فى موضوع معين ولكنهم يحتاجون لمعرفة امكانية الاعتماد عليه فى العمل بصورة عقلانية متماسكة ومتناسقة تنتظم كل تصرفاته. ولعل اللحمة التى تربط كل تلك المزايا فى كل متناسق هى قدرة القائد على ادارة نفسه ومعرفة نقاط قوته ونقاط ضعفه والتصرف على أساس هذه المعرفة. فهو يجب أن يكون قدوة فى العمل فلا يطلب من تابعيه أن يقوموا بعمل لا يقوم به هو، امرا للناس بالبر وناسيا نفسه مصداقا لقوله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ).
ولا أكون مجافيا للحقيقة كثيرا اذا ما قلت أن قيادات المعارضة الحالية، والحكومة على قدم سواء، يفتقرون تماما للمزايا القيادية التى تجعل الناس تثق فى قيادتهم وتتبعهم وتنصر مشروعهم. وفشل الحكومة الذريع فى تنفيذ مشروعها الحضارى لا يحتاج شرحه لدرس عصر. ومن جانب اخر لا نجد قيادات المعارضة فى وضع أحسن فهم لا يؤمنون بقدرتهم على انجاح ما يريدون عمله، وليست لديهم قدرات التواصل مع شعبهم لأنهم بعيدون عنه وعن قضاياه بفكرهم وأسلوب حياتهم النخبوى، ويفتقرون الى وضوح مشروعهم، والالتزام به فى أنفسهم قبل فرضه على الاخرين، ولا يملكون قدرات التواصل مع شعبهم لتوضيح مشروعهم لتابعيهم، بل أنهم فى الواقع لا يملكون مشروعا سياسيا واضحا. ولعل أبرز مناقص قيادات المعارضة، فى هذا الشأن، التفاعل العشوائى مع مستجدات الأمور التى تظهر فى تضارب تصريحاتهم ومواقفهم، مما جعلهم عاجزين عن كسب ثقة الشعب فيهم، والتى زاد فى اضعافها تبنيهم لمواقف يقصد منها تضخيم الذات والبحث عن المصالح الخاصة والمناصب.
ولعل هذا هو السبب الأساسى الذى يفسر سلبية المواطن السودانى وعدم رغبته فى التحرك بانتفاضة شعبية لتغير النظام، وهو قد كان أول الشعوب العربية والأفريقية ثورة على ظلم حكامه، رغم توفر كل شروط هذه الاتنفاضة من غلاء، وقمع، وفساد وحروب وإذلال. فالمعارضة تحرض الناس بالشعارات والهتافات للخروج للشارع لتغير النظام الفاسد، ولكنهم ليسوا مستعدين هم للخروج لقيادتهم فيها، فكأن أبناء الشعب خلقوا ليكونوا شهداء، ليصبحوا هم وزراء. وقد ظهر هذا الموقف جليا فى إنتفاضة سبتمبر التى غابت عنها قيادات المعارضة تماما، بل أن بعضهم تخاذل عن نصرة المتظاهرين حينما حاولوا رفعهم على الأكتاف لقيادة المظاهرات. هذا السلوك الانتهازى الذى يقدم فيه الشعب للكريهة وتوفر فيه نفوس القيادات، قد تعلمه الشعب من تجاربه فى الثورات السابقة، حيث كان الشعب يقدم الشهداء وتظهر القيادات بعد نجاح الثورة كرؤساء و وزراء. وإذا لم يتغير هذا السلوك الانتهازى فإن المسافة بين المعارضة والشعب ستزداد اتساعا، ويظل هو فى وادى والمعارضة فى وادى اخر، ولعل الله يرحم هذا الشعب ويخرج له قيادة جديدة لنج، تقوده فى دروب التحرر والحرية. ولنا فى الأستاذ محمود محمد طه خير نموذج للقيادة التى تقدم نفسها فى وقت الكريهة، وتعف عند المغنم.
لقد كان الأستاذ محمود نموذجا فريدا فى قيادته لأبنائه الجمهوريين، حيث لم يقدم أبنائه الجمهوريين لكريهة قط ويتأخر عنها. فكان اخر من يأكل، واخر من يشرب، ولا يطلب من أبنائه عملا ثم يتقاصر عنه بدعوى أنه قيادى ومهم لإستمرارية التنظيم والتخطيط. فحينما سجن مع أبنائه فى فترة ما قبل التنفيذ، وقررت الجهات الأمنية اطلاق صراحه اولا قبل أبنائه المعتقلين، رفض قرار الإفراج، وأحتج بأنه المسئؤل عن كل الحركة الجمهورية والأولى أن يطلق سراح أبنائه أولا قبل أن يطلق سراحه هو. واصر ألا يغادر معتقله حتى يفرج عن جميع أبنائه ويحضرونهم له فى معتقله ليخرج معهم من المعتقل. وفى أول سابقة من نوعها، قام جهاز الأمن بنقل جميع الاخوان الجمهوريين من معتقلهم فى كوبر فى بصات الى بيت بونا منوال حيث كان الأستاذ محمود معتقلا. وبعد خروجه من المعتقل لم يلذ بالصمت خوفا، كما فعل اخرون وفلسفوا خوارهم كذكاء لم يسعف الأستاذ، وأصدر الجمهوريين منشورهم المشهور "هذا أو الطوفان"، وكانت كلمته الوجيزة فى محاكمته الغادرة الشرارة التى أطلقت حماس الشعب من عقاله فخرج هادرا حتى انهار النظام. لقد حضرت أنا شخصيا أول اجتماعات التجمع الوطنى انذاك فى نادى اتحاد طلبة جامعة الخرطوم، بعد أن إستأذنت الأستاذ محمود فى ذلك، وأرسل لى وريقة وطلب منى قراتها على المجتمعين، الذين تجمعوا لمعارضة الحكم عليه بالإعدام. وكانت الوريقة تقول للمجتمعين ما معناه (إذا اجتمعتم لتقولوا لنميرى أطلق سراح محمود فلا تقولوا له... جردوا القضية وقولوا أن الفكر ليس مكانه المحاكم). وقد ألهب هذا الموقف المتجرد حماس المجتمعين وكانت زوجة المرحوم عبد الخالق محجوب الأستاذة نعمات مالك قمة فى ذلك الجو الحماسي. لقد هزت كلمة الأستاذ محمود هيبة النظام و لم تكن إنتفاضة أبريل 1984 لتقوم لولا النموذج القيادى الفذ الذى قدمه الأستاذ محمود محمد طه لشعبه بتقدمه له فى يوم الكريهة ذاك. وهذا هو السر، لمن لا يدرى، لمحبة الجمهوريين للاستاذ محمود وثقتهم فيه بل وتقديسه.)).
برفيسور احمد مصطفى الحسين / الراكوبة
"يا قادة المعارضة لن تقودوا الشعب حتى تتقدموا صفوفه فى الكريهة "