المقالات
السياسة
مكتبة كتاب المقالات والأعمدة
حسن وراق
الحزب الشيوعي ، ثم ماذا بعد؟ (1)+(2)
الحزب الشيوعي ، ثم ماذا بعد؟ (1)+(2)
02-18-2016 11:08 AM
@ مخطئ من يظن أن موجة العداء للحزب الشيوعي السوداني انتهت او قلت حدتها أو ستنتهي في يوم من الأيام . كل المؤشرات تؤكد بان اعداء الحزب يبيتون النوايا في كل مرة لضربة أكبر big catch بعد أن خرج الحزب الي العلنية لأن معظم العناصر التي تتصدي للحزب من المأجورين و الخونة الموعودون بعالي جنان رضوان ، يعملون لحسابات آخرين يقبضون الثمن عمالة وارتزاق . بعد يوليو1971 تعرض الحزب لأكبر تصفية دموية لقياداته و اعتقالات طالت غالبية عضويته ورغم عن كل ذلك خرج من تلك المحنة اكثر قوة و إصرارا و تنظيما خذل كل الذين قبضوا الثمن أضعاف مضاعفة علي حد اعتقادهم , أن الحزب مات وشبع موت ولن تقوم له قائمة .
@ بصمات الحزب في الديمقراطية الثالثة كانت واضحة رغم تمثيله البرلماني الذي لم يتعد 3 نواب إلا أنهم كانوا يشكلون غالبية رأي القوي الوطنية والديمقراطية بمعارضة لها وزن قومي ، استطاعوا تشكيل الرأي العام بمواقفهم و اراءهم ودفاعهم عن القضايا الوطنية والشعبية وقطع الطريق امام الطفيلية الاسلاموية الناهضة من الغفلة المايوية المتحالفة مع القوي المعادية للحزب الشيوعي لتوجيه ضربة أخري عبر الانقلاب علي الديمقراطية التي كان يخشي منها ان تعجل ببناء حزب شيوعي مرة أخري أقوي من ذي قبل و ما يؤكد علي ذلك أن خبرانقلاب العميد عمر حسن احمد البشير لم يك سرا مكنونا وكانت كل تحركات الجبهة القومية الاسلامية مكشوفة بزيارات قياداتها المكوكية لواشنطون والاتصالات وسط الجيش و داخل جامعة افريقيا العالمية التي كانت مركز التخطيط للانقلابين عبر الكورسات (الوهمية) للضباط الانقلابيين وكانت خطة نجاح الانقلاب الاساسية تقوم علي تحديد (العدو) و هو الحزب الشيوعي مصدر الخطر الوحيد علي نجاح الانقلاب .
@ الهدف الرئيسي لقيام انقلاب الانقاذ لا علاقة له بشرع الله ولا تطبيق احكامه بقدر ما هو تكملة مشروع العمالة والارتزاق بتوجيه ضربة قاضية للحزب الذي يتداولونه في أدبياتهم بوصف ايقونة نضال و ضمير هذه الامة و مفجر وعيها وخط الدفاع الاول عن قضاياها و يعلم الإنقلابيون بأن الشيوعيين مبدئيون ، يؤمنون ايمانا قاطعا بحتمية التغيير ولأنهم لم يطرحوا في برنامجهم الوصول للحكم والسعي اليه حاليا هدف جوهري و اساسي لعلمهم بضرورة بناء الوعي و الاستنارة وخلق بيئة لتقبل افكارهم وهذا قد يكون نصف الطريق للوصول الي الحكم ولهذا لجأ معارضيهم الي تسخير الخطاب الديني من أجل وقف انتشارهم الجماهيري ، الذي يشكل خطر حقيقي لعملاء رأس المال الاجنبي(الإمبرياليون الجدد) الذين إستخدموا الاسلام السياسي واجهة يحكموا من ورائها ، اختيرت له بعناية فائقة الطفيلية الاسلاموية المتخلقة من رحم الجبهة القومية الاسلامية التنظيم السياسي للمرجعية الاسلامية الحاكمة الآن .
@ يتواصل مسلسل العداء للحزب الشيوعي وهذه المرة استخدمت فيه اساليب دخيلة علي العمل السياسي بإدخال تجربة الحرس الثوري الايراني في التعامل مع المعارضة الايرانية وتم تدريب بعض كوادر الحركة الاسلامية علي أيدي خبراء ايرانيين كانت أول ثمارها ، استخدام التعذيب كوسيلة اذلال وانتزاع المعلومة وكسر شوكة المعارضين وإرهابهم و ترويعهم بالإقلاع عن ممارسة أي عمل معارض بتخصيص بيوت سيئة السمعة عرفت ببيوت الاشباح التي (صنعت ) خصيصا للشيوعيين وحلفائهم من ديمقراطيين ووطنيين ، حزبيين و نقابيين ، كانوا ضحايا تعذيب عنيف انتهي بموت اعداد منهم و انتحار البعض جراء الضغوط النفسية و الا إنسانية غير الذين خرجوا بعاهات مستديمة وكل ذلك مدون و موثق في أضابير لجان حقوق الانسان ولجان عالمية لمكافحة التعذيب غير مصادرة الحريات بالاعتقال الغير قانوني الي جانب الحرمان من حق العمل بإحالة الآلاف الي الصالح العام .
@ كل ذلك تحمله الشيوعيون وأصدقاءهم و حلفاءهم ببسالة وشجاعة و بصبر و جلد يشهد عليهم جلاديهم ، لم يمتن هؤلاء المناضلون علي شعبهم بنضالهم ذلك ولم و لن يطالبوا بالثمن كما فعل آخرون لأنه من صميم ايمان الشيوعي الحق المتمسك بمبادئ حزبه و تعاليمه التي لم تخرج من الاصالة السودانية . ما تزال القوي المعادية للحزب تري أنه و مهما فعلت من اساليب و وسائل للقضاء علي الحزب الشيوعي مصيرها الفشل و الاحباط بيد أن الحزب باق في مكانه لأنه متغلغل في الذات الانسانية و قد يمر بمراحل ضعف و وهن ولكنه بطل و البطل لا يموت . مؤخرا بدأ التركيز علي اتباع سياسة اشعال الخلاف بتعميق الصراعات وافتعال بعضها واستخدام كافة الاساليب الامنية والاستخباراتية الخبيثة في تضخيم الاحداث و اطلاق الشائعات التي تعتمد بشكل اساسي علي الإعلام الذي أصبح في يد القوي المعادية التي تسمم الجو بنشر (فايروسات) من أجل (اشغل أعدائي بأنفسهم ). الشيوعيون بمختلف مواقعهم من الحزب يدركون هذا المخطط ولكنهم اختلفوا في مجابهته كما سنري لاحقا .
الحزب الشيوعي ، ثم ماذا بعد ؟ (2)
@ لم تقتصر محاولات إضعاف الحزب و عزله عن الجماهير و إبعاده عن القضايا التي تشكل محور النضال اليومي الدؤوب ، فقط علي أعداء الحزب وحدهم ، هنالك مواقع بعينها تسببت فيها القيادة والعضوية بقصد أو بدونه ولكنها قاتلة لجهة أن غلطة الشاطر بغلطتين.الحزب الشيوعي السوداني وعلي لسان قائده الفذ الراحل محمد ابراهيم نقد قالها بوضوح وعلي الملأ بان ،الحزب الشيوعي حزب صغير ، ليس معصوما من الخطأ و مستهدف بالاختراق كبقية الاحزاب . القاسم المشترك الاعظم لمهددات ضرب الحزب و إضعافه تتمثل في الاختراقات والانقسامات التي تنتشر و تزدهر في ظل الحكومات الديكتاتورية متخذة من العداء للحزب الشيوعي هدفا استراتيجي ارتبط بمصالح اجنبية في المقام الاول . الانظمة الديكتاتورية المختلفة مهما كانت درجة عدائها للإمبريالية الامريكية إلا أنهم متفقون في عدائهم للحزب الشيوعي .
@ قيادة الحزب ألفت نفسها في معادلة صعبة لا تحسد عليها بين تأمين جسد الحزب من الاختراقات و الانقسامات وفي ذات الوقت الاضطلاع بالدور المناط بالتصدي للقضايا الحزبية التنظيمية و السياسية وقضايا البناء والإثراء الثقافي والتوثيق و إدارة الصراع الفكري تجاه قضايا مصيرية داخلية وخارجية في ظل ظروف السرية او شبه العلنية التي تلعب دور كبير في تجسيم وتصعيد اختلاف وجهات النظر التي قد تصل الي حدود عدم الالتزام بالديمقراطية المركزية و الخضوع الشكلي لرأي الاغلبية في الوقت الذي لا توجد قناعات بموضوعية الرأي الآخر لتبدأ قبل ذلك او بعده عملية استقطاب (تكتلات)وسط مجموعات تتفق في وجهات النظر او تجمع بينها علاقات خارج الاطر الحزبية . بغض النظر عن الإتفاق او الاختلاف في القضايا موضع الجدال، تظل الذاتية والشخصنة منطلق اساسي في الصراع (الممسوك) بخميرة العكننة و تبني مواقف في شكلها العام ضد القيادة او أي طرف مناوئ لها وكلا الموقفين يصبان في إضعاف وحدة الحزب و سلامته التي لا تهم بقدر الاهتمام بالانتصار للذات .
@ قضية الاختراقات المثارة الآن تناولتها الصحف و كأنها الاحرص علي سلامة الحزب أكثر من عضويته و أكثر إشفاقا عليه من أصدقائه و حلفائه ، التطرق لهذا الموضوع بذلك الشكل المبتذل قصد منه تصوير الحزب كأنه فشل في حماية جسده بالإضافة الي بث الاحباط وعدم الثقة في عضويته وفي اصدقائه والقوي المتحالفة معه في اشارة خبيثة للابتعاد عن أي شكل من اشكال التنسيق لعزل الحزب . هنالك سؤال منطقي يفرض نفسه ، ما الذي يخفيه الحزب الشيوعي و قيادته حتى يستدعي اختراقه ،سيما وان الحزب يملك دور علنية وهو الحزب الوحيد الذي يملك صحيفة و كوادر جماهيرية وقيادة منتخبة في مؤتمر عام وبرنامج واضح يمكن الاطلاع عليه لا يوجد فيه أي شكل من أشكال الضبابية والغموض او انتهاج العمل المسلح .لدي قيادة الحزب وعضويته الكثير من الاساليب المجربة لمحاصرة الاختراقات و معرفة الكائنات المخترقة و تعطيلها . إثارة موضوع الاختراق علي نحو ساذج يستهدف بعض القياديين القصد منه تخمير بطون القيادة وعضوية الحزب بعضهم من بعض وصرف الانظار عن القضايا المفصلية والمفتاحية التي تمثل اهتمام و حرص الحزب وجبهة عمل عضويته .
@ الانقسامات الكبيرة التي حدثت في تاريخ الحزب بدأً بإنقسام عوض عبدالرازق ويوسف عبدالمجيد مرورا بانقسام معاوية سورج و احمد سليمان في 1970 والانقسام الاخير بخروج الخاتم عدلان والحاج وراق ، لم تكن كلها انقسامات فكرية بقدر ما هي انقسامات دوافعها شخصية موغلة في الذاتية تتخذ من الاختلاف حول التكتيك بينما الاستراتيجية لا خلاف حولها . بحكم تجارب الانقسامات في الاحزاب العقائدية خاصة الشيوعية ، أن أي جماعة تنقسم لتشكل حزب موازي ، لن يكتب لها النجاح في الاستمرارية و سرعان ما تنتهي بانقسامات اميبية داخلية و تصير الي زوال . هذه الحقيقة المجربة التي تدركها قيادة الحزب الشيوعي شكلت مبرر كاف بان تنكفئ علي ذاتها غير حريصة علي الممارسة الديمقراطية والشفافية و ترك الابواب موصدة لممارسة النقد والنقد الذاتي و اصطراع الافكار والرؤى ودائما ما يكون المبرر هو التأمين الذي أضر بالممارسة الحزبية أكثر من حمايتها ، يكفي فقط أن تجربة الانقسامات في الحزب لم تطرح كقضية فكرية تشكل محور صراع يتطلب اعادة النظر في تصحيح الخطأ و هو مبدأ أصيل و من صميم مناهج العمل الحزبي . قضية الانقسامات شملت عضوية عريضة و مؤثرة فقدها الحزب بسبب في ظاهره الاتهام بالانقسامية وفي باطنه منطلقات شخصية لا علاقة لها بالخلافات الفكرية ورغم عن ذلك لم تتخذ قيادة الحزب قرار يتسم بالشجاعة حتي الآن لمراجعة وتقييم الانقسامات وإصلاح الخطأ وإنصاف الذين ظلموا .هذه الخسارة الحقيقة التي لحقت بالحزب جراء تجاهل القيادة واستنكافها و إصرارها المضي في طريق يحتاج لإعادة النظر في الكثير من القضايا التي سنتناولها في لاحقا...