حديث المدينة
دولة.. محاسن الصدف..!!
عثمان ميرغني
من محسان الأوضاع الجديدة التي ستنشأ بعد الانتخابات أنّ والي الولاية لا يمكن عزله أو إقالته بواسطة السلطة التنفيذية.. لا رئيس الجمهورية ولا من هم أدنى لهم سلطة على والي الولاية.. فالوالي منتخب من الشعب مباشرة.. وخرج تماماً من وصاية الجهاز التنفيذي.. الطريقة الوحيدة لعزل الوالي أن تحجب عنه الثقة بثلاثة أرباع المجلس التشريعي.. وعندها لا يمكن تعيين والٍ جديد.. بل تتم الدعوة لانتخابات مبكرة (خلال ستين يوماً) لانتخاب والٍ جديد. ويمكن بالطبع للوالي المعزول أن يخوض الانتخابات مرة أخرى فإذا فاز فإنّ المجلس التشريعي الذي حجب عنه الثقة يصبح محلولاً.. لأنّ ذلك يعني أنّ الشعب اختار الوالي وأطاح بالمجلس التشريعي.. هذا النسق رائع – جداً – لأنّه يمنح الولايات فرصة الاستقلال عن القبضة المركزية للخرطوم.. ويجعل من الحكم الفيدرالي وسيلة لمنفعة أهل الولاية.. بدلاً عن الوضع السائد الآن.. فالوالي حالياً يعلم أنّ رب نعمته هو الجهاز التنفيذي المركزي في الخرطوم.. فيخلص للخرطوم أكثر من إخلاصه لولايته.. فتنشأ العلة التي نسميها حكم اتحادي.. وضربت لكم مثلاً في السابق .. قلت لكم .. لماذا لا تنافس الولايات الخرطوم في فرص الاستثمار والتسويق والتجارة والاقتصاد.. السبب أنّ حكومة الولاية تدرك أنّ منافسة الخرطوم تعني منافسة السلطة المركزية.. والمنافسة (حرام) في شرع القابض على السلطة أياً كان.. فيطاح بالوالي قبل أن يرتد إليه طرفه.. بالوضع الجديد بعد الانتخابات.. يمكن .. مثلاً.. لولاية الجزيرة أن تنافس الخرطوم بكل قوة.. تقدم الاغراءات للاستثمار للهروب إليها.. فيصبح ممكناً مثلاً الحصول على قطعة أرض وإعفاء من الضرائب ومزايا أخرى لكل من يخرج مسافة (متر واحد) خلف (تفتيش سوبا).. فيصبح مغرياً للغاية لكل أصحاب الأعمال أن يعملوا في الجزيرة .. ويناموا ليلهم في الخرطوم.. حتى ترخيص السيارات.. تشيد ولاية الجزيرة مواقع للترخيص مباشرة على حدود ولاية الخرطوم فتحصل على رسوم ترخيص سيارات سكان الخرطوم.. وتطلق قناة فضائية وبث أرضي يستهدف سكان العاصمة حتى ينافس التلفزيون القومي في الحصول على نصيب من سوق الإعلان.. وهكذا.. على عكس الوضع القائم الآن.. فوالي أي ولاية يحاول منافسة الخرطوم.. سينال جزاءه المحتوم.. لكن مع ذلك تظل هناك مشكلة كبرى.. القبضة الحزبية المركزية.. فالولاة – من أي حزب جاؤوا- تمسك بتلابيبهم حبال الأحزاب.. وما لم ينصلح حال الأحزاب (كلها..!) ستظلّ المشكلة قائمة.. لهذا السبب ظلننا دائماً نقول إنّ إصلاح البلاد.. أول خطوة فيه الإصلاح السياسي الشامل.. وأول خطوة في الإصلاح السياسي.. إعادة هيكلة الأحزاب.. إذا لم تتحول الأحزاب إلى ممتلكات وأصول (عامة!!!).. قومية يملكها الشعب السوداني بالشيوع.. سنظل دولة فقيرة تديرها (محاسن الصدف)..!!