هذه القصة منقولة من صحيفة كفر ووتر الالكترونية
تلميذة سودانية تدرس في الصف الرابع الابتدائي بإحدى مدارس مدينة الرياض بالسعودية ، وصلت على غير عادتها متأخرة عن موعد الحضور بنصف ساعة ،وهي غارقة في البكاء .. أجلستها المدرسة بهدوء إلى جوارها دون أن تطرح عليها أي سؤال ، عن أسباب التأخير أو دواعي البكاء . وقد ظلت التلميذة الصغيرة تحدق في زميلاتها ، وتبكي بنحيب ، وعندما انتهت الحصة ، اصطحبت المعلمة التلميذة معها الى المكتب ، وأجلستها بعد أن طلبت منها أن تغسل وجهها البري ، وسألتها بهدوء تربوي .." الحلوه بتبكي ليه" ؟!.. وبدلا من إجابة انفجرت الصغيرة مرة أخرى في نوبة بكاء، وبعد محاولات "صبورة" عرفت الأستاذة سبب التأخير والبكاء والنحيب .. فبكت المعلمة أيضا ، وتحولت القصة إلى مشرفة المدرسة والأخصائية الاجتماعية والمديرة .. صبرا سنتعرف على أسباب موجة البكاء التي انتابت صغيرتنا السودانية ومعلماتها السعوديات .
خلال جلوس التلميذة مع مدرستها ن وقبل ان تنضم إليهما المشرفة والمديرة والأخصائية الاجتماعية ، حدثت " ربكة " أخرى في فناء المدرسة عندما أقبلت والدة التلميذة وهي مشحونة بموجة حزن ، وهو الأمر الذي جعل التلميذات الصغار ، وخاصة السودانيات في حالة حزن ، لم تتبين ملامحه !، فهن فقط حزينات لمجرد حزن صديقتهن وزميلتهن التي عُرفت من قبل بالمرح الطفولي الجميل.
حاولت مديرة المدرسة أن تسيطر على الوضع ، فأمرت بإدخال التلميذات إلى فصولهن قبل أن يكملن " فسحة" الفطور ،لتضييق مساحة الحزن ، ووقف سيل التساؤلات والتعجب؟! .. صديقات التلميذة أصبحن "شاردات الفكر " وهن يعشن لحظات عصيبة ، نتيجة بكاء وتشنجات صديقتهن الوديعة ، ومن ثم وصول والدتها إلى المدرسة وهي في حالة يرثى لها !!
..أخيرا كشفت التلميذة ، وهي في حالة انكسار لايشبه الصغار .. أن والدها "طلق" والدتها بعد سلسلة خلافات طويلة ، و"اختفى" ، وان والدتها تستعد إلى السفر إلى السودان ،دون مرافقة الوالد ، بل حتى قبل إكمال الامتحانات التي تبقت لها أيام معدودة ، وهي تبكي فراق والدها ، وتبكي عدم مصاحبة صديقاتها ، وتبكي معلماتها ، وتبكي كل ذكرياتها الصغيرة ، فهي ولدت وتربت هنا في السعودية ، ولم تزر السودان إلا ثلاث مرات في إجازات سريعة لم تترك الفرصة حتى تتعرف على واقعها السوداني .. بكت الصغيرة ووالدتها كما بكت معلماتها ، وهن يسترجعن سنوات تميز وتفوق تلميذتهن .. وطوت الصغيرة صفحة جميلة من حياتها ، وفتحت أخرى جديدة لاتعرف ملامحها، بعيدا عن دفء الوالد.
..ويتحدث عدد من جيران السوداني الذي طلق زوجته عن أن ظروفا مادية قاسية هي التي دفعت به إلى الطلاق و"الاختفاء" بعد أن توقف عن العمل منذ نحو عام ..أما المستقبل المجهول الذي ينتظر الأسرة الصغيرة التي تتألف من بنتين ووالد وهو الأصغر ، فهم سيصلون الى السودان دون ان يكون في انتظارهم منزل، يريحهم بعد سنوات طويلة في الغربة ، أو عائد مادي يتدبرون به أمورهم .
وتبقى هذه واحدة من قضايا وملفات صعبة ، تحدث لعدد كبير من السودانيين في ديار الاغتراب ، وبطبيعة الحال فان القضية تحتاج لوقفة الدولة ، بدراسة مثل هذا الواقع المؤلم وإيجاد حلول عاجلة ، فالقضية ليست حالة طلاق عابرة ،أو تلميذة أبكت معلماتها ، وإنما هذه حالة صغيرة لقصص تحتاج لمجلدات لروايتها.