في بيت الجده بخيته، وعند الروضه الرحبه، الكل كأن في بيته، لا خوف ولا رهبه. القرد تسلق غصناً، وتأبط منه الغصن الذيل، والبعض توسد رجليها، ولأجلهموا رقَّ الليل، وفي الطبق شيءٌ حلو، لا هو عسلٌ ولا هو هيل. وبنات الناس على الحضن الدببه، والحِبُ خالط حِبه، لا حزن هنا لا سببه، لا حبه هنا لا قبه. والعنب أتاهم بالثمر الطازج، والظبيه جادتهم بحليب، والمحافظ المأمور، كأم العروس، خارج داخل، داخل خارج. ما ينقصكم يا سادتنا لـ "أجيب"؟ قالت بغله، عثرت سهواً أمس بجزع النخله، وهم في وادي الرمله، فكادت تحطم نمله، شكوتك لله. والدمع بحور، المأمور ينوح يقول: سامحيني سيدتي. كيف ألاقي ربي، ترهقني هذي الذله؟. قالوا: ينقصنا لبن العصفور، ومنقار الفيل، وريش الثور. حالاً فوراًً يا صنديد. إن لم تفعل، مددنا حكمك عاماً، بلا جمعه وليس العيد. خرج المسكين يدور، ملأ التقصير ضميره. هتفوا قالوا، "حكمَ الشعبُ أميرُه"، لا "حكمْ الشعبْ أميرْه". يرضينا نرضيه، نرضيه يرضينا. إن قلنا هات، قال حاضر، وإن قال هبوا، لبينا.
عدل سابقا من قبل عمر الفاروق في الإثنين 7 يونيو 2010 - 21:39 عدل 1 مرات
قالت غيمه: حجيتكم.. ما بجيتكم. قالوا: حاج.. باج. قالت: بيتٌ في المُقرن، لا يدخله إلا مرهون النيه. حزبيّ مكسورُ القرن، أو عسكري ببدله بنيه. قالت البنات: بيت إبليس. قالت: كلا. قال التيس: بيت الجزار. ضحكوا. قالت: كلا. كلا..
قالت حبوبه بخيته: يا أولادي، حجيتكم.. ما بجيتكم. قالوا: حاج.. باج. قالت: كان يا ما كان، في قديم الزمان، في السماء جنه، هي عروس الجنان. حباها الله بكل الخيرات. ما بين النهر والنهر، روضه. وبين الروضه والروضه، نهر. إن مرت بها الجنان، لها الجنان غنت، وإن تمنت، كان لها ما تمنت، ومثل ما تمنت. في يوم، قالت، ما أحلى العسل!.. في الصباح، كان لها نهر منه. وفي يوم، كانت تحدث نفسها. قالت، "هذه الأزهار، والعصافير، والفراشات، لونها...! ". فكان للأزهار، والعصافير، والفراشات، لون نور. وكفى الله أهلها الغل، والطمع، والجشع، والحسد. في يوم عيد الإيثار، جلسوا من الصباح إلى المساء لا يأكلون. يطوف عليهم الطعام يترجاهم فيعتذرون. لا أحد منهم يريد أن يبدأ الأكل قبل الآخرين. كل منهم يؤثر الآخرين على نفسه. حتى جاءهم ضيف. واحتفالاً بيوم حب لأخيك، كما تحب لنفسك، جاد الزهر عليهم بالأريج، ولم يبق لنفسه إلا ما يسد الرمق. وكان لقوس قزح لونٌ واحد. فرّقه عليهم، فأثابه الله بكل هذه الألوان. واحتفالاً بيوم التسامح، زارت قطرات المطر الشجر. قالت، المسامحه. سامحني، إن كنت أُوجعت أوراقك. قال، وسامحيني، إن كنت أوجعت نداك.
وفي يوم عيد الحوار، كان بين الهدهد والقط خصام. تواعدا والتقيا في منتصف الطريق عند بيت الأسد يختصمان. قال الأسد، أهلاً بسادتنا العظام كبار القوم. أهلاً بالعقول الراجحة النيرة. أهلاً بمن يعرفون عيب الشوم، أهلاً بزينة الشباب. قال الهدهد للأسد، هو يأكل عليّ الحبوب، وينقل الأخبار، ويشرب الماء مثلي.. ويتهمني بأكل اللحم، وسرقة أعواد الأراك لتنظيف أسناني.. وأنا لا أكل اللحم، ولا لي أسنان لأنظفها. وقال القط، هو يأكل عليّ اللحم، ومثلي يشرب الماء.. ويسرق من بيتي أعواد الأراك لينظف بها أسنانه.. ويتهمني بأكل الحبوب، ونقل الأخبار.. وأنا لا آكل الحبوب، ولا أنقل الأخبار. قال الأسد، يا عزيزي القط، أنت سيد العارفين، ومشهود لأسلافك بالحكمة، ولم نر منك إلا كل خير. يا صديقي العزيز، الهدهد لا يأكل اللحم، وليست له أسنان. أما أنت يا صديقي الوفي، يا هدهد، فأنتم العقلاء، وأنتم المقدمون، وتعلمنا منكم التسامح، وطيب المعشر. يا عزيزي الهدهد، القط لا يأكل الحبوب، ولا ينقل الأخبار. أما الماء، فهو مشاع للجميع، وكلنا شركاء فيه. فعلم القط أن الهدهد لا يأكل اللحم، ولا يسرق عليه الأراك. وعلم الهدهد أن القط لا يأكل الحبوب، ولا ينقل الأخبار. وعلما، أن الماء حقٌ للجميع، فجعلاه مشاعاً بينهما. فزال الخلاف، وتسامحا، وعمّ الوئام، وصارا صديقين حميمين.
وفي يوم عيد الحوار، كان بين الهدهد والقط خصام. تواعدا والتقيا في منتصف الطريق عند بيت الأسد يختصمان. قال الأسد، أهلاً بسادتنا العظام كبار القوم. أهلاً بالعقول الراجحة النيرة. أهلاً بمن يعرفون عيب الشوم، أهلاً بزينة الشباب. قال الهدهد للأسد، هو يأكل عليّ الحبوب، وينقل الأخبار، ويشرب الماء مثلي.. ويتهمني بأكل اللحم، وسرقة أعواد الأراك لتنظيف أسناني.. وأنا لا أكل اللحم، ولا لي أسنان لأنظفها. وقال القط، هو يأكل عليّ اللحم، ومثلي يشرب الماء.. ويسرق من بيتي أعواد الأراك لينظف بها أسنانه.. ويتهمني بأكل الحبوب، ونقل الأخبار.. وأنا لا آكل الحبوب، ولا أنقل الأخبار. قال الأسد، يا عزيزي القط، أنت سيد العارفين، ومشهود لأسلافك بالحكمة، ولم نر منك إلا كل خير. يا صديقي العزيز، الهدهد لا يأكل اللحم، وليست له أسنان. أما أنت يا صديقي الوفي، يا هدهد، فأنتم العقلاء، وأنتم المقدمون، وتعلمنا منكم التسامح، وطيب المعشر. يا عزيزي الهدهد، القط لا يأكل الحبوب، ولا ينقل الأخبار. أما الماء، فهو مشاع للجميع، وكلنا شركاء فيه. فعلم القط أن الهدهد لا يأكل اللحم، ولا يسرق عليه الأراك. وعلم الهدهد أن القط لا يأكل الحبوب، ولا ينقل الأخبار. وعلما، أن الماء حقٌ للجميع، فجعلاه مشاعاً بينهما. فزال الخلاف، وتسامحا، وعمّ الوئام، وصارا صديقين حميمين.
فأصاب الغرور هذه الجنه، وتفاخرت على الجنان، وتكبرت. والله لا يحب المتكبرين. الله لا يحب المتكبرين. في يوم، زارت جنة النعيم. قالت، "يخس.. يخس"، هل هذا نسيم، يا نعيم؟!.. هذه "كتاحه". وفي يوم، زارتها جنة الفردوس، وكان الأطفال في الفردوس يلعبون. قالت: سبحان الله... الله يخلق، والملائكة يبدلون... من أين جئت بهؤلاء الأباليس الملاعين يا فردوس؟ أغضبت الجنان فدعت الجنان عليها، والله لا يرد دعوة الصالحين. الله لا يرد دعوة الصالحين. قلن لها، لا بارك الله لك في عيالك، ولا أنعامك، ولا زرعك، ولا أنهارك الجميلة هذه، يا مفتريه، يا جميله. وغضب الرب عليها، والله لا يحب المتكبرين. الله لا يحب المتكبرين. أنزلها من السماء إلى الأرض. وقال لأهلها، انزلوا بعضكم لبعض عدوا. ولم يحرمهم الأنهار، ولا الأنعام، ولا الرياض. ولكنه نزع البركه عنها. قال المولى لهم ولها، سأرضى عنكم، وتعودون إلى سيرتكم الأولى كما كنتم، إن أصلحتم نفوسكم، وتطهرتم من الكبر، والجشع، والطمع، وسوء الخلق، وفساد الفطره.
في الأرض، عاش فيها رجل غني، وله أولاد تسعه. لا يعرف اسم هذا الرجل إلا رجلٌ واحد في مدينتنا. كبر أولاده، تزوجوا، وخلفوا عيال وبنات. ولكن أولادهم أصابتهم لعنة من الله. أنهارهم، إن امتلأت فاضت. فأهلكت الضرع، وأغرقت الزرع. ورياضهم إن أثمرت، لا يجدون من يشتري منهم. وأنعامهم، كأنها ليست لهم. إنها لعنة الله. وأرادوا كلهم أن يكونوا حُكاماً. إن كان أحدهم جائعاً، وقلت له تمنى، قال، رئيس. وإن كان خائفاً، وقلت له تمنى، قال، وزير. في يوم، كان أحدهم يسير عارياً، لا يجد ما يلبس. جاءوه بثياب. قال، أريد حقيبه وزاريه، ونظاره، ورتبه عسكريه. وابتلاهم الله بحكام سوء، كأنهم ليسوا منهم. يحكم العسكري، فيخرّب. ويحكم الحزب، فيخّرب. وإن تعسكر الحزب وحكم، خرّب. وإن تحزّب العسكري وحكم، خرّب. وكانوا لئاماً. إن قلت لهم السلام عليكم، قالوا،"السلموا قبلك لقوا شنو". أو،"سلة عين بعمود فندق". وإن قلت لهم، كيف حالكم يا جماعه، قالوا،"زي الزفت". عندما مات أبوهم، وجاء الناس لدفنه، أخفوا "الحفار". وأثاروا الفتن. تحاربوا فيما بينهم، ومع الآخرين. حاربوا جيرانهم التسعه، وكل الناس. لم يسلم منهم القريب ولا البعيد. فكرههم الناس، وتكالبت عليهم الأُمم. إن قال رئيسهم، السلام عليكم يا ناس. قالوا لم َتسبنا؟.. وإن خرج أحدهم من البيت، قالوا إرهابي.
في مره، كان أحدهم يعمل عند الجيران. حبسوه عامين بتهمة تصنيع مواد كيميائيه، لأنهم وجدوا عنده "سفه". وتغمستهم روح الشر. بعضهم يسرق بعضه، ويسب الجار جاره دون سبب، ويتهم الأخ أخاه دون ذنب، وتحالف بعضهم مع الغرباء ضد إخوانه. ونزع الله من نفوسهم المروءة، وحب الخير، والرحمة، والتكافل، وحسن الجوار. يفطر أحدهم بخروف، ويتغدى بآخر، ويتعشى بثالث. وإن فتح جاره الجائع الشباك، قال، "ياخي اقفل الشباك. كمّلتَ علينا ريحة الشيه". فتخربت بلدهم، وتحولت إلى جحيم، وكادت تضيع منهم.
فإذا برجل منهم، يقال له عبد الله. هذا الرجل الصالح، قال لهم نبدأ بالجهاد الأكبر. والجهاد ألأكبر جهاد النفس. جمعهم ووحدهم، وشفى نفوسهم، وأصلح بينهم، وأصلح بينهم وبين الناس. إن نفعوا، نفعوا. وإن لم ينفعوا، لم يضروا. قال بعضهم، هذا رجل سفيه. قال، سلاما. لنا أعمالنا ولكم أعمالكم. لا نبتغي الجاهلين. فكانت البركه. انتصروا على نفوسهم. ما عادوا طماعين، ولا حاسدين، ولا جشعين، ولا يحبون السُّلطه. إن قلت للرئيس تمنى. قال، مواطن. وإن قلت للوزير، يا وزير، وزاره، أم حماره؟.. قال، أعوذ بالله من الوزاره. أُريد حماره. كان أحدهم يثير المشاكل، ويؤذي الناس. حبسوه بلا فائده، جلدوه بلا فائده، غرموه مالاً كثيراً بلا فائده. قال له القاضي موبخاً متوعداً، إن عدت، عيناك وزيراً. فتاب.
هطلت الأمطار غزيره. يأتيهم السحاب الماطر من كل مكان. وسالت الأنهار، والأنهار أنجبت أنهار. وأثمرت الرياض، والرياض أنجبت رياض. وعمّ الرخاء، والرخاء أنجب الرخاء. النهر سال فسقى، والحقول والحدائق، أثمرت وازدهرت قمحاً، ووعداً، وتمنّي، وبيعت الثمار. والأنعام تسابق الناس لشرائها. إن أردت منهم خروفاً سواكنياً، قالوا، الخراف محجوزه لعامين. والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي. البترول، الغاز، الذهب، اليورانيوم. فرضي المولى عنهم، وتنزلت عليهم البركات. الأطفال والعصافير أصدقاء. يلعبون ويغنون. إن غنوا للسحابه تدلت، وإن غنوا للغابه، جاءتهم وعن الشوك تخلت. في يوم، غنوا لطير الرهو،"أبو الرهيو أديني بيضتبن". فأعطى كل من البنات والأولاد بيضتين، وزادهم بيضتين. والورد، تعلم لغة الغمام. إن تأخر عليه الفراش، قال، يا غمام، جفاني حبيب. والقط إن لم يزره الفأر ليومين، سأل عنه، وزاره في بيته، وجاءه بطبيب. والذئب يمشي بين الغنم لا يتعداها، وإن قالت له، غننا يا ذئب، غناها.
فتحولت بلدهم بفضل الله، وفضل هذا الرجل الصالح إلى جنه. ولكنها اشتبهت عليهم بالجنان، وكادت تختلط بها فتضيع عليهم. إن رأيت زهرةً لم تعجبك، وسألت، قالوا، ضللت الطريق. أنت في الفردوس. وإن تحدثت إلى غيمه لم تفهمك، فأنت في النعيم. وإن تمنيت "ويكاب، أو كمونيه، أو كول"، ولم يأتِ إليك مهرولاً يترجاك، فأنت في جنات عدن. وإن غنيت ولم يشيلوا معك، ولم يطربك الخرير، ولا أشجاك الهديل، فأنت في جنة الرضوان. في مره، غالطتها الجنان على عيالها. نادتهم. قالت، هذه الأميره ميرم تاجه، وهذه الأميره ربيكا، وهذه الأميره تاجوج، وهذه الأميره مهيره بت عبود... وهذا الأمير محمد صالح، وهذا الأمير أبكر، وهذا الأمير دينق، وهذا الأمير أدروب. إن أبنائي سُمر، طوال، وعيونهم سُود. من أين لأبنائكن هذا الجمال، يا مفتريات؟!... فأفحمتهن. وفي مره، غالطهم أهل الجنان علي جنتهم. قالوا لهم، هذا منبع الفراديس، وهذا أزوم، وهذا القاش، وهذا الجور... وهذه يا حله تنوري، وهذه يا مسافر جوبا، وهذه جنة العشاق، وهذا أبو دكنه مسكين ما سكنه، وهذه كبّ دمعي، وهذه أم ضواً بان، وهذه عد الفرسان، وهذه أبيى، وهذه الخوي. من أين لجنناكم هذا الجمال يا مفترين؟
... فأفحموهم. في المساء، جلسوا للسمر. بين خضره وماء، والجوه ضوء قمر. قالت: يا أولادي، شغلوكم، شغلوني. سموني. قال الياسمين: نسميك... نسميك الفردوس. قالت: الفردوس ليس فيها جبل مره، ولا حباب الضيف، ولا نوم في الحوش برا، ولا القيف يعاين القيف. قالت نسمه: نسميك... جنة الرضوان. قال الأولاد: الرضوان ليس فيها كبوشيه، ولا حلوين زي ديل، ولا مراره نيه، ولا سمر بالليل. قالت غيمه: نسميك... نسميك جنات عدن. قالوا: جنات عدن ليس فيها نيل، ولا واو ماج، ولا حفلات بالليل. قال الأولاد: نسميك... جنة النعيم. قالت البنات: النعيم ليس فيها عنقريب هباب، ولا دلوكه، ولا دلكه، ولا مثلكم أحباب، يا أحباب. قالت: اعملوا نفيرْ، زي حفر البير، وابنوا اسمْ جميلْ وكبير.ْ قال الزراف: لكم مني الألف. فهي كعنقي طويله. قالوا: شوبش. من ليس له أخٌ مثلك، يا ويله. قالت شجره: ولكم مني اللام. فهي كأغصاني ملويه. قالوا: شوبش. كريمه وأصيله. يا رب، أرضك دوماً مرويه. قال التمساح: ولكم مني السين. فهي كأسناني مسننه. قالوا: شوبش. لحنّناك، لولا أن يديك محننه. قال الثعلب: ولكم مني الواو. فهي كذيلي مقوسه. قالوا: شوبش. عهدناك وفيا، رغم السمعه الملوثه. قال السلحفاء: ولكم مني الدال. فهي كظهري محدودبه. قالوا: شوبش. سبقت كل من يطير، وكل من حبا. قالت النعامه: ولكم مني الألف الأُخرى. فهي كساقي جميله. قالوا: شوبش. وأنتِ الأجمل والأحلى، يا أخت الريله. قالت البنات: ولكم منا النون. فهي كعين السمكه، والسمكه صديقتنا الوفيه. قالوا: ختام المسك، يا أغلى ذريه. فجمعوا الألف، اللام، السين، الواو، الدال، الألف، النون. فكان السودان الوطن الواحد، ما قد كان وما سيكون، الوطن الحر، مرفوع الشان.
فغنوا جميعاُ بنين وبنات: "حريه بلا دوريه ولا تفتيش، ولا حد ينداس. ديمقراطيه بنين وبنات، نغني ونحلم باطمئنان، بحكم الشعب صمود وثبات". قال لهم المولى: الآن رضيت عنكم. إن شئتم العوده إلى جنة السماء عدتم. قالوا: الحمد لله، والشكر لله. ما لنا والجنه!.. فأهل الجنه سودانيون لهم سودان، ونحن السودانيون، ولنا السودان. فعاشوا في ثبات ونبات، وخلفوا صبيان وبنات. قال السُّمّار: رحمه الله وأحسن إليه، بقدر ما أحسن إلى آله وذويه. إنه رجل طيب. والله لو علمنا ضريحه، لزرناه وترحمنا عليه. قال الفيل: سأحملكم إليه، ولو بالليل. قال الهدهد: سآتيكم منه بنبأ، وإن كان في يمن سبأ. قال الأولاد: ولكم منا الزاد. والتقوى خير الزاد. قالت حبوبه بخيته: بل قولوا، أطال الله عمره. فهو حيٌ يرزق. قالوا: من هو؟.. أرينا بيته، يا حبوبه بخيته؟ قالت: تماسكوا، وأغمضوا أعينكم، وسأقودكم إليه.. فأمسك الأولاد بأجنحة العصافير، والفئران بخرطوم الفيل، والريحان بالفراشات، والغمام بأعناق الزرافات. وأغمضوا أعينهم. ولبست عباءتها القديمه، وعبرت بهم المدينه. وعند النهر، غطتهم. وبعد البخور،"رطنتهم". فالأولاد لهم أجنحه، والفراشات أزهرت، والغمام له ريش حمام، والورد من رقة النسيم، كاد ينام.
قالت: افتحوا أعينكم. فصاحوا جميعاً: إنه منزل جدنا عبد الله إسحق. قالت حبوبه بخيته: هو ذاك. طرقوا الباب، فإذا الباب مفتوح. عبروا الباب، وكان الطيب يفوح. وإذا بصوت يقول لهم،" اتفضلوا، حبابكم عشره، بلا كشره". فتبعوا الصوت. فإذا برجل بهي، يشع نوراً يتوهج، يجلس على أريكةٍ تتأرجح. وأمامه خلق كثير، وهو يحدثهم، كيف أُمور الدنيا تسير. قال: اتقوا الله، واستقيموا. وما وافق الفطره خذوه، وما خالفها اتركوه. قالوا: يا جدنا عبد الله، فضلك الله علينا درجات. ونِعمَ الدرجات. بالنيه والإيمان، والعمل الصالح، وكل الحاجات. ولكنا نراك حزينا، والكل لحزن الجد حزين. قال: أنتم تزرعون، وترعون، وتصنعون، وأنا شيخٌ كهل. وهذا لا يرضيني. هل هذا أمرٌ سهل؟ قالوا: أنت؟!.. أنت الخير والبركه، ومن كان له جدٌ مثلك ربي رزقه. انظر إلى حالنا، وحال البلاد. ألا نرضيك؟... هذا من بعد فضل الله، فضل يديك. أنت النبته، ونحن الثمر. أنت النيه، ونحن العمل. وهل من ثمر بلا نبته؟.. وما جدوى العمل بلا نيه؟.. وأنت أبو المفهوميه. قال: أزلتم حرجي يا أولادي. ولكم مني عيديه. فتمنوا ما شئتم. أي هديه، أي هديه.
قالوا: لك طول العمر، وللوطن الصون. قال: سأُجرى لكم، ما بين نهر الورد ونهر العسل، نهراً، من اغتسل منه، صار له جمال الحور، وسحر النور. ومن شرب منه، انشرح صدره، وفارقه الغم والهم، وما عرف الطمع، والجشع، والحسد، والحقد، إليه طريقا، وبات محباً محبوبا. قالت ترقصُ فرحاً شابه: حديد... .يا جد عبد الله حديد... يا ويلك مني يا ود يا نبيل. سأشرب منه الصبح، وأسبح فيه الليل. بل اِشرب، أسبح، طول الصبح وطول الليل. سألوها: يا بنت، أنت أميره، ونراك جميله. فما سبب هذي الحيره؟! قالت: لنا ابنٌ للجيران أحبه. أهديناه طاقيه ومنديل، ما قال لنا حتى.. حتى.. شكراً يا شابه. سأُريه الويل، وسهر الليل. سأحرق قلبه. إن قال لنا، آه يا جميل، صرفنا نظراً عنه، وقلنا، "شمنا قدحه"، وعليه تدللنا حبه. قالوا: يا بنت يا أسما، قليل الذوق، أدّيه بالجزمه. وأهدتهم نسمه، وكلام مفيد. ولعم عبد الله أهدت بسمه، تعيش يا حديد. وانسلت بين الزحمه، بوجه جديد. قالوا، "صحيح الريد قسمه، بس برضو الود نضارته حديد".
أسدٌ جداً، جداً، مهموم. البلد قيري، والنهر أزوم. " لا يشرب الماء، ولا يأكل مع الناس قوت. ما قوته إلا زبيبه، تعتقه لا يموت". قال: سأشرب منه سبعه براميل. فمنذ رأيت الوفد، عراني شر، وأصبح دمي تقيل. قال فرس البحر لصاحبه الفيل: يا عمي الفيل!... أترانا لو نشرب من نهر الجد عبد الله، نطيرْ، ويبقى الجلد حريرْ؟ قال الفيل: طبعاً.. طبعاً.. "دا الجد عبد الله". ويكون لنا ريش الطاؤوس، وعين البقره، ولون الورد، وعرف الديك. قال الديك: ومن نسميكم؟!.. ريش البقره، أم ورد الديك:؟ من ذاك اليوم وحتىا اليوم، ولينا ، أنهارٌ سته. نهرٌ من ماءٍ غير آسن، ونهرٌ من لبنٍ لم يتغير طعمه، ونهرٌ من خمرٍ لذّةً للشاربين، ونهرٌ من عسلٍ مصفى، ونهر أريج الورد، ونهر الحكمه. من زار نيالا، ولم يغتسل من هذه الأنهار، ولم يشرب منها، فهو إما مبيوعٌ أو مرهون. . فهذه الأنهار، لا تبدو إلا لأربعه. رجلٌ من أهل نيالا الجنه، ورجلٌ من أهل الجنه، ورجلٌ بحب نيالا مسكون، ورجلٌ مثلي. وذاك لأني.. من أهل نيالا الجنه، وأهل نيالا موعدهم جنه، أيضاً ولأني.. ورغم البحر الجداً جداً مالح، ورغم الـحكم الجداً جداً طالح.. جداً جداً.. بحب نيالا
من زار نيالا، ولم يغتسل من هذه الأنهار، ولم يشرب منها، فهو إما مبيوعٌ أو مرهون. . فهذه الأنهار، لا تبدو إلا لأربعه. رجلٌ من أهل نيالا الجنه، ورجلٌ من أهل الجنه، ورجلٌ بحب نيالا مسكون، ورجلٌ مثلي. وذاك لأني.. من أهل نيالا الجنه، وأهل نيالا موعدهم جنه، أيضاً ولأني.. ورغم البحر الجداً جداً مالح، ورغم الـحكم الجداً جداً طالح.. جداً جداً.. بحب نيالا
ود الفاروق سلمت يداك على هذا السرد الرائع .... نرجو ان تتحفنا اكثر بمعرفة صاحب هذه الحروف الجميلة والحب الخالد لمدينة نيالا ....