مقصادي آه ما أجسما .. ولي نية في سفر السما "صالة المغادرين"

حضرنا إلى صالة المغادرين في التاسعة والنصف صباحاً ، قلنا نبعد من الشِبك والمحن والملاوزات بتاعة صالات المغادرة ، بصعوبة وصلت لمرحلة متقدمة في صف المسافرين ، الصف كان يسير بإنتظام بفضل الحواجز المخصصة لمنع الاختناقات ، إلا ان الصف مع إنتظامه فقد ظل يسير ببطء شديد وكلما إقترب موعد الإقلاع إزدادت وتيرة البطء لدرجة مقلقة ، وبالضرورة فقد إزدادت حرارة الأنفاس وعلت الأصوات وبأسرع مما هو متصور.

وفي غمرة هذا الجو الخانق ، فقد سافرت بعيدا ، هناك ، حيث " المطرة شغالة ليـها تلاتة يوم وغلبت السكات " حسبما ذكر محدثي عبر الهاتف في إحدى مكالماتي الإستباقية ، حيث أضاف " تصدق بالله الغدا دا بقى بالفول شدة الجو ما سمح" وحتى أفسد عليه بـهجته فقد داعبته " ما ياهو عماركن مع المبتكرين ، يعني شنو يصلح الجو تقوموا تتفننوا في تصليح الفول أسي أكان سويتو ليكم حاجة تستفيد منـها البشرية ما كان أحسن " " ها ها ها بشرية شنو يا عمك ؟ نحن مالنا ومال البشرية ، نحن لينا بي رقبتنا والنفس أولى من الصاحب " وأضاف " اسي طيارتكن متين عشان نجهز لينا بوكسي ونجيك في المطار ؟ " وكان ردي سريعاً " بوكسي شنو يازول شوف ليك قندراني راس ومقطورة " وقد أدهشته الفكرة وقال مستغرباً " شنو غيرتو رايكن وجايين بالبحر ولا شنو ؟؟ ما قلتو جايين بالطيارة شنو البخليكن في الرطوبة دي تدقشوا بي سواكن و بورسودان ؟؟ ".

وقبل أن أجيب ، سمعت أحد المسافرين كان يقف خلفي "يابن العم ماتزح شوية خليني الندخل عفشي دا" ، فإستدرت ناحيته ، إلا أنني لم أستطع رؤيته بسبب جبل الاماتونج المتحرك أمامه ، وحمدت الله كثيراً لمثل هذه الحواجز الطبيعية التي تفصل بين المسافرين ، والتي عادة ما تقف حائلاً دون الصراعات العفشية داخل صالات المغادرة.

بقدرة قادر أحد فقد وصلت للميزان حيث يُكرم ناس وناس تـُهان ، سلمت التذاكر وجوازات السفر لإحدي الموظفات ، وقالت لي " شنو ديل كت عاطنن في موية ولا شنو ؟؟ " ، " يابت أخوي الرطوبة فوق التمانين والحرارة فوق الأربعين والله تاني الواحد إلا يجي شايل الجوازات والتذاكر في حلة ساخن بارد عشان نديكن ليهن حارات وجافات " ، وضحكت ضحكة لذيذة ، كشفت عن ملاحة عالية العذوبة ، وبيني وبينكم غمست نظراتي في سحر لا ليهو اول ولا ليهو آخــــــــــر

" لونو ...
سحرو الفي عيونو..
ترحل في كونو ..
من حسنو ولطافتو انا شفت الملاك .

الراقي في وسامتو ..
مرسومة إبتسامتو ..
تفوق البدر صورتو ..
وآية الحسن هامتو .."

وبدون تردد سألتني " إت بتقول في شنو ؟"
" أبداً يا بت أخوي إتذكرت لي غنية حقت حقيبة ، والحقيبة دي غنا ناس جدودك الوصوكن تبقوا عشرة على البلد وأولاد البلد الزيي كدي" .
" لو عايزني أستوصى بيك خير تقول لي بتاعين شنطة الحقيبة ديل قالوا شنو؟ "
" ما اسما شنطة الحقيبة إسما حقيبة الفن"

ورددت لـها بصوت خفيت بعضاً من عيون لحقيبة ..

" لونو ...
سحرو الفي عيونو..
ترحل في كونو ..
من حسنو ولطافتو انا شفت الملاك .

الراقي في وسامتو ..
مرسومة إبتسامتو ..
تفوق البدر صورتو ..
وآية الحسن هامتو .."

" وتاني .." قالتـها وعلى يبدو فقد راقت لـها الفكرة ، وتأكدت عندها بأنني قد إصطدت وزناً ثقيلاً " يعني عفشي مرق" ، "والله يابت أخوي أنا ما حافظ غنا الحقيبة كلو لكن في واحدة متذكر منـها جزء بقول" :

حقايبي تحسد عفشي ولي حكمك منتظرين
شماري تاخدو الغيرة إذا وزنت سمين
في الوزن ما معاي ولا الستة من ستين
عندي التلت من وزني وعندك التلتين
شي عجيب في ميزانكن ياناس صالة المغادرين "

" يا خينا هويا البتتحكحك دا ..الطيارة باقي ليـها ساعة وربع ..ونحن وزنا دا كتير ..إتا بتقول ليـها في شنو ؟؟ وزن هو ولا إنترفيو ..إتحرك شوية والله بالطريقة الطيارة دي حا تفوتنا".
" ياخي ما تتكلم براحة إتا قايل رقبتك وين ؟؟ .. ولو مستعجل ياخي سوي ليك طيارة تنزلك في خشم بيتك .. ولا أقول ليك جدع الكرور الشايلوا دا وأمش دايركتلي لناس الأميقريشين والباسبورت والحق الطيارة .. طيرك بلا يخمك عامل كريشتك " ، والأخيرة قلتـها بصوت لا يمكن أن يسمعه ولو بقى زرقاء النعامة تحسباً لأي عراك ، وخوفاً من زيارة أحمد شرفي بي بُنية حلات لقلق.. المهم...

إستعدلت أماني الخطيب في جلستا "الاسم مكتوب في ديباجة معلقة في صدرها ، والصدر بس نيل ازرق في اغسطس 1988 لو بتذكروا ، وحسمت النقاش وقالت لي "خلاص نزل العفش في الميزان ، وما أن أكملت الشنطة 16 إلا وكان مؤشر الميزان يتهادي بين الرقمين 1969 و 1989 ، وإستقر المؤشر أخيرا وبعد خراج الروح على الرقم 1964 "طيب عندك 9 تذاكر كل تذكرة حا نديـها 32 كيلو ، يعني عندك 288 كيلو ، وما بقدر أفوت ليك غير 10 أو 12 كيلو "

" طيب يابت أخوي الكيلو الزيادة بي كم؟" " الكيلو الزياده بيييييييييي 74 ، يعني عندك زيادة 1676 كيلو ضرب 74 يساوييييي 124.024.00 " وضحك رجل الشرطة الذي كان يقف بالقرب من الميزان وقال لي " يازول إتا شايل ليك برادو ؟؟ " وقد أغضبتني عبارته المتـهكمة وكان ردي سريعاً " لا شايل لي بنطون.. ياخي إت أسي الدخلك شنو .. إت واقف تحفظ النظام .. ولا واقف تتفكر في عفش الناس .. قهرناك بالله والرسول عاين دا بالله .. يا عين يا عنية .. ياكافرة يا نصرانية .. ياعين يا حرامية .. ملاريا وستمائة بطانية ..عين العسكري توديك المقابر جري .. وعين ...." وقبل أن أكمل خاطبتني بت الخطيب وقالت " ياخوي اسحب ليك 12 شنطة بسرعة لأن الطيارة قربت ، وأنا حا أقفل الميزان " وما أن سمعـها المصطفون خلفي إلا وصاحوا " يا جماعة نحن ذنبنا شنو ؟؟ يا ابن العم عليك النبي ما تشيل عفشك وتوديهو عن طريق الأمم المتحدة ولا ناس اليونوميد ويسلموك ليهو في نيالا رايك شنو ؟ ".

" نيالا في عينك يا قليل الأدب يا ما مربى .. كلامك دا تحريش ليس إلا إتا قايلني شايل لي إغاثة .. " ، ولم أكمل حديثي ، فناداني رجل الشرطة وبلغة غاية في التهذيب " يازول بتسحب الشنط دي ولا نحيلك لقسم البلاغات يا خي دا إزعاج ما بعدو " " يا جنابو إزعاج شنو ات ما شايف ألفاظن الزي الزفت دي ؟؟ " " والله ناسك ديل طولوا ليك بالن شديد " "طيب وكان ما طولوا لي بالن بكونوا ناسي كيفن ؟ " .

بيني وبينكم خفت أتبهدل ، حراسات وشرطة ، والناس هناك تحمر وتقمر في الشية وأنا بي هنا في السجن ؟ وبسبب عفش ؟؟ لا لا لا فقمت على الفور بسحب الشنط المعباة بالشعيرية ، والعدس ، والسكسكانية ومرق الماجي ، وعلب الظهرة ، والملايات ، والستاير ، وعلب البوهية ، وأسلاك التوصيلات الكهربائية ، برطمانيات التانك ، البطاطين ، إسبيرات العربية المقرشة ، علب الساردين ، السجادات ، وبرطمانيات المربى ، باغات الزيت ، وعصاير الكولا فاميلي سايز ، الحنفيات النحاسية ، صاجات العواسة ، حلل التيفال ، طقوم العشاء ، وطقوم الشاي ، صابون الحمام ، صابون البدرة ، علب النيدو ، صناديق التايد ، قزاز الشبابيك ، طبلون العداد بتاع الكهرباء ، كوالين الأبواب ، وكراتين البامبرز ، وفي أثناء سحب الشنط تقدم بقية المسافرين ولم تستغرق إجراءآتـهم 20 دقيقة ، ولما عدت وجدت الميزان مقفول ، وتأكدت حينـها بأنني على موعد مع السفرية القدمة لا محالة ، وناديت على أماني " يا بت أخوي شنط غنا الحقيبة خليتا ليك لي الله"