هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه"

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
المحبوب أحمد الأمين

المحبوب أحمد الأمين



بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Empty
مُساهمةموضوع: بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه"   بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Icon_minitime1الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 8:26


الدراسة أعدها الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه ، وقام بنشرها في صحيفة سودانايل الالكترونية ، وقد تم النشر على ثلاثة أجزاء ، ولتعميم الفائدة فسوف أقوم بإعادة نشرها هنا دون أي إضافة أو تعديل "بالضرورة" ، وليتقبل الدكتور فيصل جزيل الشكر والتقدير لرفد المتابعين للتطورات السياسية بأبعادها الدستورية والقانونية بمثل هذه الدراسة وفي هذا الوقت بالذات.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المحبوب أحمد الأمين

المحبوب أحمد الأمين



بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه"   بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Icon_minitime1الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 8:33

بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Faisal


الجزء الاول

في 9 يناير 2005 وقعت حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان على اتفاقية السلام الشامل. وضُمن بروتوكول ماشاكوس الموقع في 20 يوليو 2002 كفصل أول في الاتفاقية. وغني عن القول فقد نص البروتوكول على حق شعب جنوب السودان في تقرير المصير عبر استفتاء لتحديد وضعهم المستقبلي. كما نص على أنه عند نهاية الفترة الانتقالية المحددة بستة أعوام يُجرى استفتاء لشعب جنوب السودان لكي يؤكد وحدة السودان أو يصوت للانفصال.
ويلاحظ أنه قد وقع على الاتفاقية كشهود رؤساء دول ووزراء خارجية وممثل للأمين العام للأمم المتحدة والأمين العامة لجامعة الدول العربية ورئيس مفوضية الاتحاد الافريقي وممثل لمنتدى شركاء الإيقاد وممثل للاتحاد الأوربي وغيرهم.
ويجدر بنا أن ننوه إلى أن توقيعات هؤلاء ليس لها أي قيمة من الوجهة القانونية، ولا تجعل من دولهم أو المؤسسات التي يمثلونها ضامنة لتنفيذ الاتفاقية. فالقاعدة الأصولية تقضي بأن الاتفاقيات لا تفرض التزامات أو ترتب حقوقاً إلا لأطرافها.
حصلت اتفاقية السلام الشامل على ضمان دستوري بموجب المادة 225 من دستور السودان الانتقالي لعام 2009. وحصل حق تقرير المصير على ذات الضمان وفقاً للمادة 219 وكذلك المادة 222 التي نصت على إجراء الإستفتاء قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية. كما نصت على أن يصوت مواطنو الجنوب لتأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام والدستور، أو اختيار الانفصال.

إذا اختار شعب الجنوب الانفصال فإن ذلك سيفضي إلى تطبيق فرع القانون الدولي المسمى خلافة الدول State Succession . يعالج هذا الفرع النتائج التي يرتبها حدوث تغيير في السيادة على إقليم ما. فخلافة الدول تعني حلول دولة محل دولة أخرى في المسؤولية عن العلاقات الدولية لإقليم من الأقاليم. ويعتبر تاريخ الحلول هذا هو تاريخ الخلافة. وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً نقول إنه عند حدوث خلافة دول، فإن السيادة على إقليم جنوب السودان ستنتقل إلى الدولة الجديدة التي ستؤسس فيه وتعرف بالدولة الخلف Successor State. أما الدولة القائمة في الشمال فستعرف بالدولة السلف Predecessor State. وعندئذ ستنتهي مسؤوليتها عن العلاقات الدولية لإقليم جنوب السودان. وفي تاريخ الخلافة ستتحول حدود عام 1956 المتفق عليها من حدود داخلية أو إدارية إلى حدود دولية يحميها القانون الدولي. ففي رأيها رقم (3) أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوغسلافيا بأن الحدود الداخلية بين كرواتيا وصربيا وبين البوسنة والهرسك وصربيا قد أصبحت حدوداً يحميها القانون الدولي. واستندت المفوضية في فتواها إلى مبدأ احترام الوضع الإقليمي الراهن Territorial Status Quo ومبدأ «لكل ما في حوزته» Uti Possidetis.
إن هناك صوراً مختلفة لنشوء حالات خلافة الدول. فقد تحدث الخلافة عندما تندمج دولتان مثل اندماج جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية في مايو 1990 مع جمهورية اليمن لتكّونا معاً دولة واحدة. وقد تحدث عندما تفقد دولة ما جزءً من إقليمها لينضم إلى دولة أخرى أو ليكّون دولة جديدة. وقد تحدث خلافة دولة عند فناء دولة أو زوالها وتحل محلها دولة أو دول أخرى جديدة. وقد شهد التاريخ حالات خلافة عديدة بعد الحرب العالمية الأولى وإبان فترة تصفية الاستعمار في ستينيات القرن الماضي. وخلال العقدين الماضيين اكتسبت مسائل خلافة الدول أهمية قصوى عندما نشأت دول جديدة في شرق ووسط أوربا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا وفناء جمهورية يوغسلافيا الإتحادية الاشتراكية.

وإذا انعقد اختيار شعب جنوب السودان على الانفصال فإنها بلا ريب لن تكون حالة الإنفصال الوحيدة التي سجلها التاريخ المعاصر. إذ انفصلت باكستان عن الهند في عام 1947، وسنغافورة عن ماليزيا في عام 1965، وبنغلاديش عن باكستان في عام 1971، وتيمور الشرقية عن اندونيسيا في 2002. ولكنها ستكون حالة الإنفصال الأولى في افريقيا بامتياز رغم أنها ذات طابع رضائي. وربما يرى البعض أن انفصال إرتيريا عن اثيوبيا في عام 1993 هو السابقة الأولى. غير ان الراجح هو أن حالة إرتيريا كانت إستقلالاً وليست إنفصالاً. فإرتيريا لم تكن أبداً جزءً من اثيوبيا.
ونعيد إلى الاذهان أن الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية قد تعهدوا في عام 1964 باحترام الحدود القائمة وقت الإستقلال ورفضوا الإعتراف بمحاولة بيافرا الإنفصال عن نيجيريا في عام 1967 كممارسة لحق تقرير المصير. ولكن قرار غرفة محكمة العدل الدولية في نزاع الحدود بين بوركينا فاسو ومالي قد ألقى بظلال من الشك حول العلاقة بين مبدأ حق تقرير المصير ومبدأ احترام الحدود القائمة أو الموروثة من الحقبة الاستعمارية. وبالرغم من أن غرفة المحكمة تحدثت عن وجود تعارض ظاهري فقط بين المبدأين، إلا أن بعض الفقهاء يعتقد أن غرفة المحكمة قد أخطأت عندما قررت أن المبدأين غير متعارضين وأنه يمكن التوفيق بينهما. وذهب أحد الشراح إلى أن المبدأين ليس بوسعهما التعايش إلا إذا أفسح حق تقرير المصير الطريق أمام الحاجة السياسية لاحترام الحدود القائمة.

قانون خلافة الدول

إن انفصال الجنوب سيثير مسائل قانونية شائكة وبالغة التعقيد. ومن هذه المسائل خلافة الدول في الجنسية والمعاهدات والممتلكات والمحفوظات والديون وعضوية المنظمات الدولية والحقوق الخاصة والمكتسبة. سنعرض لبعض هذه المسائل من بعد وسنتوخى التبسيط حتى لا نرهق القارئ غير المتخصص بدقائق مادة قانونية أجمع فقاؤها على صعوبتها.

معلوم أنه لم تستقر بعد قواعد عرفية عامة واجبة التطبيق على كافة المسائل التي تثيرها خلافة الدول. ويعزى ذلك إلى عدة أسباب نذكر منها ما يلي:

أولاً:
تنوع الحالات والظروف التي تنشأ فيها الخلافة. فقد سبق لنا القول إن الخلافة ربما تنشأ بسبب انحلال الدولة، أو انفصال جزء أو أجزاء من إقليمها، أو بسبب تنازل دولة عن إقليم أو توحيد دول.

ثانياً:
إن اختلافات وتنوع ممارسات الدول في تسوية المسائل التي تثيرها خلافة الدول قد أدى إلى عدم استقرار اعراف دولية عامة.

ثالثاً:
إن محاولات تدوين أو تطوير قواعد دولية عامة في مجال خلافة الدول لم تتكلل بالنجاح. فاتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978 دخلت حيز النفاذ في نوفمبر 1996 وأطرافها 22 دولة فقط، واتفاقية فيينا لخلافة الدول في ممتلكات الدولة ومحفوظاتها وديونها لعام 1983 لم تدخل بعد في حيز النفاذ . ولكن ينبغي التنويه إلى أن بعض أحكام هاتين الإتفاقيتين تعكس القانون الدولي العرفي وأن الدول تسترشد بهاتين الاتفاقيتين عند تسوية مسائل الخلافة المتصلة بهما.

نخلص مما تقدم إلى أن أول مبدأ واجب التطبيق هو أن تتفاوض الدولة السلف والدولة الخلف بشأن كل المسائل المتصلة بالخلافة. ففي الرأي رقم (9) دعت مفوضية التحكيم الدول الخلف ليوغسلافيا لتسوية كل جوانب الخلافة بالإتفاق، وأن تسعى للوصول لتحقيق حل منصف وذلك بالاستهداء بالمبادئ الواردة في اتفاقيتي 1978 و 1983، وحيث يكون ملائماً بالقانون الدولي العرفي.

1. الخلافة بالنسبة لجنسية الأشخاص الطبيعيين

الجنسية هي الرابطة القانونية بين الفرد ودولة ما وهي التي توفر للفرد الحماية الدبلوماسية لتلك الدولة. وتخضع الجنسية أساساً للقانون الداخلي في إطار ما يضعه القانون الدولي من حدود.

تعتبر الجنسية من المسائل ذات الأهمية القصوى عند حدوث خلافة دول وذلك لارتباطها الوثيق بحقوق الانسان وحرياته. فالمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على حق كل فرد التمتع بجنسية ما. وتعترف المادة 24 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والمادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 على حق كل طفل في اكتساب جنسية. وفي الرأي رقم (2) أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوغسلافيا بأن حق كل فرد في اختيار الإنتماء الى الجماعة الإثنية أو الدينية أو اللغوية التي يرغب فيها مستمد من حق تقرير المصير المضمن في المادة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية لعام 1966.

خلافاً لمسائل خلافة الدول المتعلقة بالمعاهدات والديون والممتلكات والمحفوظات، فإن مسألة الخلافة بالنسبة لجنسية الأشخاص الطبيعيين لم تُدون أو تُقنن بعد في شكل اتفاقية. ولكن يمكن الاسترشاد في هذا الصدد بالمعاهدة الأوروبية بشأن الجنسية لعام 1997 وإعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 كانون الأول/ديسمبر 2000 (A/RES/55/153).
دعت المعاهدة الأوربية للجنسية لعام 1997 في المادة 4 الدول الاطراف لتأسيس قواعد الجنسية على عدة مبادئ كان بضمنها حق كل فرد التمتع بجنسية، وتجنب إنعدام الجنسية Statelessness، وحظر الحرمان من الجنسية تعسفياً. وتناولت المادة 18 (2) من المعاهدة الاعتبارات التي يتعين على الدول الأطراف مراعاتها عند منح أو الإبقاء على الجنسية في حالات خلافة الدول، وقد كانت:

(أ) الرابطة الحقيقية الفعالة Genuine and Effective Link بين الشخص المعني والدولة.

(ب) مكان الإقامة الإعتيادية Habitual Residence للشخص المعني وقت خلافة الدول.

(ج) إرادة الشخص المعني.

(د) الأصل الإقليمي Territorial Origin للشخص المعني.

يُلاحظ أن الاتفاقية الأوروبية لم تعرض لمسألة الجنسية في إطار الحالات المختلفة التي قد تنشأ فيها خلافة دول. بل اكتفت بالنص في المادة 19 بإلزام الدول المعنية بأن تسعى في حالات خلافة الدول، لتنظيم المسائل المتعلقة بالجنسية بالإتفاق بينها مع مراعاة المبادئ والقواعد الواردة في فصل الاتفاقية المخصص لخلافة الدول والجنسية.

إن إعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر 2000 هو في واقع الأمر عبارة عن مشروع مواد أعدتها لجنة القانون الدولي. وقد رأت الجمعية العامة أن هذه المواد تشكل دليل ممارسة نافعاً يسترشد به في معالجة مسألة جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول. ولعلم القارئ فإن لجنة القانون الدولي قد أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 للنظر في التدوين والتقدم المطرد للقانون الدولي.

تناول الباب الأول للإعلان أحكاماً عامة مهمة نذكر منها ما يلي:

حق الفرد الذي كان في تاريخ الخلافة يتمتع بجنسية الدولة السلف بصرف النظر عن طريق اكتسابها، أن يحصل على جنسية دولة واحدة على الأقل من الدول المعنية (المادة 1). من الجلي أن هذا الحكم يعترف بالحق في جنسية في سياق خلافة الدول.

الحيلولة دون أن يصبح الأشخاص الذين كانوا في تاريخ خلافة الدول يتمتعون بجنسية الدول السلف عديمي جنسية Stateless بسبب هذه الخلافة (المادة 4). نورد هنا أن معاهدة خفض حالات انعدام الجنسية لعام 1961 لم تعرض بشكل مباشر لمسألة الجنسية في سياق خلافة الدول.

إفتراض إكتســــاب الأشخاص الذين يقيمون بصفة اعتيادية Habitual Residence في الإقليم المتأثر بخلافة الدول جنسية الدولة الخلف في تاريخ حدوث الخلافة (المادة 5). قُصد بهذا الحكم عدم حدوث فجوة بين تاريخ الخلافة وتاريخ صدور أي اتفاق بين الدول المعنية أو تشريع مانح للجنسية.

حظر تجريد الأشخاص المعنيين تجريداً تعسفياً من جنسية الدولة السلف أو حرمانهم تعسفياً من حق اكتساب جنسية الدولة الخلف، أو من الحق في الخيار، إذا كانت هذه الحقوق مكفولة في حالة خلافة الدول (المادة 16)،
أُفرد الباب الثاني من إعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول لبيان أحكام تتصل بفئات محددة من خلافة الدول وهي نقل جزء أو أجزاء من الإقليم، وتوحيد الدول، وانحلال الدولة. ولكن محل اهتمامنا هنا هو انفصال جزء أو أجزاء من الإقليم والتي تحكمها المواد 24 و25 و26 من مواد الإعلان.

وضع مشروع المادة 24 (أ) القاعدة الأساس التي تقضي بأنه على الدولة الخلف (أي دولة الجنوب) أن تعطي جنسيتها إلى الأشخاص المعنيين الذين يقيمون فيها بصفة اعتيادية مالم يتبين غير ذلك عند ممارسة حق الخيار. تؤيد هذه القاعدة ممارسة دولية تمتد من حالات الخلافة التي حدثت بعد الحرب العالمية الأولى إلى تفكك الإتحاد السوفيتي. فمثلاً عند انفصال بنغلاديش عن باكستان في مارس 1971، إعتبرت تلك الدولة الإقامة في إقليمها المعيار الأساس لمنح جنسية بنغلاديش بصرف النظر عن أي مواصـــــــــفات أخرى.

ولكن السكان من غير البنغال خيروا بين الاحتفاظ بالجنسية الباكستانية أو أن يدلوا بإقرار بسيط لأجل أن يعترف بهم كمواطنين في دولة بنغلاديش.

أجاز مشروع المادة 25 (1) للدولة السلف (أي دولة الشمال) أن تسحب جنسيتها من الأشخاص المعنيين الذين يكونون أهلاً لاكتساب جنسية الدولة الخلف (أي دولة الجنوب) ولكن لا يجوز لها أن تفعل ذلك قبل أن يكتسب هؤلاء الأشخاص جنسية الدولة الخلف.

وتقضي المادة 25 (2) بأنه لا يجوز للدولة السلف (دولة الشمال) أن تسحب جنسيتها من الأشخاص المشار إليهم في الفقرة 25 (1) الذين يقيمون بصفة اعتيادية في إقليمها ما لم يتبين خلاف ذلك عند ممارسة حق الخيار.

بقي أن نذكر أن المادة 26 من الإعلان تلزم الدولة السلف والدولة الخلف (أي دولة الجنوب والشمال) بمنح حق الخيار للأشخاص المشمولين بأحكام المادة 24 والمادة 25 (2) الذين يكونون مؤهلين لاكتساب جنسية كل من الدولة السلف والدولة الخلف.

وأن نذكر أيضاً أن المادة 3 من الإعلان تنص على أن مواده لا تنطبق إلا على آثار خلافة الدول التي تحدث طبقاً للقانون الدولي وبوجه خاص طبقاً لمبادئ القانون الدولي المجسدة في ميثاق الأمم المتحدة.

إن مسألتي الجنسية المزدوجة والمعاملة التفضيلية لرعايا الشمال والجنوب المقيمين في الدولة الخلف والدولة السلف تحفهما اعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية ونفسية بالغة التعقيد. فلربما إذا انعقد الرأي على ذلك، أن تُترك المسألتان ليبت فيهما القانون الداخلي لكل من الدولتين قبولاً أو رفضاً. وحري بالذكر أن لجنة القانون الدولي قد قالت في أحد تعليقاتها على مشروع المادة 26 بشأن قيام الدولة السلف والدولة الخلف بمنح حق الخيار للأشخاص المعنيين، إنها لا ترمي بذلك إلى استبعاد الجنسية المتعددة أو المزدوجة وأن القرار في ذلك متروك لكل دولة على حــــــــــــــــــدة.

على كل حال إذا توافر قبول للمسألتين من حيث المبدأ على أساس تبادلي، فإنه من الأصوب أن يصار إلى التفاوض حولهما بعد فترة زمنية معقولة من حلول تاريخ خلافة الدول، واستقرار الأوضاع المتصلة بالجنسية والإقامة في كل من الدولتين. فهناك من يعتقد أن الجنسية المزدوجة والمعاملة التفضيلية لمن يستحقها، ويستوفي شروطها ستكون السبيل الوحيد الباقي للتأسيس لوحدة قد تأتي يوماً ما طوعاً لا جذباً إلى بيت شمالي حسن الترتيب والإدارة.

نواصل

التعديل لاضافة الصورة نقلا عن الاحداث


عدل سابقا من قبل المحبوب أحمد الأمين في الأربعاء 3 نوفمبر 2010 - 9:02 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المحبوب أحمد الأمين

المحبوب أحمد الأمين



بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه"   بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Icon_minitime1الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 8:40



الجزء الثاني

ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال أن انفصال الجنوب سيثير مسائل صعبة. ومن هذه المسائل خلافة الدول في الجنسية والممتلكات والمحفوظات والديون والمعاهدات وعضوية المنظمات الدولية والحقوق الخاصة والمكتسبة. وقد عرضنا في الجزء الأول لمسألة الجنسية. وسنبدأ في مستهل هذا الفصل بتناول مسائل الخلافة في ممتلكات الدولة السلف Property ومحفوظاتها Archives ودينها العام Debt .State وفي هذا السياق نعيد ما سبق أن قلناه من أن الأساس في مسائل خلافة الدول هو التفاوض بين الدول المعنية بالخلافة للوصول إلى تسوية منصفة للمسائل التي تطرحها مسائل الخلافة. ولها أن تستصحب في ذلك ممارسات الدول والمنظمات الدولية والقانون الدولي العرفي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

2- الخلافة في ممتلكات Property الدولة السلف (دولة الشمال)

بموجب المادة 8 من اتفاقية عام 1983 بشأن خلافة الدول في الممتلكات والمحفوظات والديون (من بعد اتفاقية عام 1983)، فإن ممتلكات الدولة السلف تعني الممتلكات والحقوق Rights والمنافع Interests التي تكون في تاريخ خلافة الدول ووفقاً للقانون الداخلي للدولة السلف، ملكاً لتلك الدولة.
أهم ما يُلاحظ في هذه المادة أنها أحالت للقانون الداخلي للدولة السلف (دولة الشمال) تحديد ما يعتبر ملكاً لها. وفي تعليقها على مشروع المادة 8 قالت لجنة القانون الدولي إن التعبير «ممتلكات وحقوق ومنافع» يعني الحقوق والمنافع ذات الطبيعة القانونية فقط.

ومن الأحكام العامة التي وردت في الاتفاقية أن انتقال ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب) يكون بلا تعويض إلا إذا اتُفق على خلاف ذلك (المادة 11». كما أن الاتفاقية تلزم الدولة السلف (دولة الشمال) بأن تتخذ كافة الإجراءات لمنع التلف أو الضرر للممتلكات التي تنتقل إلى الدولة الخلف (المادة 13).

طبقاً للمادة (a) 1/17 من الاتفاقية فإن الممتلكات غير المنقولة property immovable للدولة السلف (دولة الشمال) وموجودة في إقليم الدولة الخلف (دولة الجنوب) تنتقل إلى تلك الدولة (أي دولة الجنوب). ويعتبر حكم هذه المادة تدويناً لعرف دولي ثابت. في الرأي رقم (14) أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوغسلافيا السابقة بأن الممتلكات غير المنقولة الموجودة في إقليم الدولة الخلف تنتقل حصرياً إلى تلك الدولة بغض النظر عن مصدر تمويل تلك الممتلكات أو أي قروض أو مساهمات قدمت من أجلها.
أما الممتلكات المنقولة فقد نصت المادة (b) 1/17 على أنه ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، فإن ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) المنقولة Property Movable المرتبطة بنشاط الدولة السلف في الإقليم موضوع الخلافة تنقل إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب). ولكن الفقرة (c) 1 من نفس المادة نصت على أن ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) التي لم تذكر في الفقرة الفرعية (b) تنتقل إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب) بنسبة منصفة. يفهم من هذا أن ممتلكات الدولة السلف المنقوله (دولة الشمال) غير المرتبطة بنشاط الدولة السلف في الإقليم محل الخلافة - كأن تكون خارج الإقليم محل الخلافة مثلاً - تنقل بنسبة منصفة إلى الدولة الخلف. وقد اعتبرت هذه الفقرة الفرعية مثيره للجدل لأنها عدلت مبدأ الإقليمية Principle Territorial السائد في الخلافة في ممتلكات الدول.

لم يرد في اتفاقية عام 1983 نص يحكم ممتلكات الدولة السلف (دولة الشمال) غير المنقولة الموجودة خارج إقليم الدولتين السلف والخلف. يبدو أن الممارسة تفترض أن هذه الممتلكات تظل مع الدولة السلف. ولكن الأمر يختلف في حالة تفكك الدولة السلف أو زوالها. فقد نصت المادة (b) 1/18 على أن مثل هذه الممتلكات تؤول للدول الخلف بنسب منصفة وقد حدث هذا في حالة تفكك يوغسلافيا السابقة. فبمقتضى المادة 2 من الملحق B لاتفاقية مسائل الخلافة المتعلقة بيوغسلافيا السابقة المبرمة في 29 يونيو 2001 أُتفق في إطار ترتيبات معينة على توزيع المقار الديبلوماسية والقنصلية ليوغسلافيا السابقة في الخارج بين الدول الخمس الخلف.

3- الخلافة في محفوظات Archives الدولة السلف (دولة الشمال)

عرّفت اتفاقية عام 1983 في المادة 20 محفوظات الدولة السلف بأنها كل الوثائق من أي نوع أو تاريخ التي انتجتها الدولة السلف أو تلقتها في ممارستها لمهامها وتكون في تاريخ خلافة الدول مملوكة لها بموجب قانونها الداخلي ومحفوظة من قبلها مباشرة أو تحت سيطرتها كمحفوظات لأي غرض كان. ويكون انتقال المحفوظات للدولة الخلف بلا تعويض، إلا اذا اتفقت الدول المعنية على خلاف ذلك أو قررته هيئة دولية مناسبة (المادة 23). والدولة السلف (دولة الشمال) ملزمة بأن تتخد كافة الاجراءات لمنع الضرر أو التلف للمحفوظات المنقولة للدولة الخلف (المادة 26) ويترتب على انتقال المحفوظات إنقضاء حقوق الدولة السلف فيها ونشوء حقوق الدولة الخلف (المادة 21).

تشمل المحفوظات التي تنتقل من الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب)، ضمن أمور أخرى ما يلي:
- ذلك الجزء من محفوظات الدولة السلف الذي يجب أن يكون تحت تصرف الدولة الخلف (دولة الجنوب) لغرض الإدارة العادية للإقليم موضوع الخلافة.
- ذلك الجزء من محفوظات الدولة السلف الذي يخص حصرياً أو بصفة رئيسة الإقليم موضوع الخلافة.
- المحفوظات التي توفر للدولة الخلف (دولة الجنوب) أفضل الأدلة المتاحة التي تتصل بسند حقها title في الإقليم المنقول وحدوده.
- أي نسخ مناسبة من المحفوظات المرتبطة بمصالح الإقليم المنقول التي تطلبها الدولة الخلف ويكون ذلك على نفقتها (المادة 27).

4- الخلافة في الديــن الــعـــام Debt State للدولـــة الـــسلف (دولة الشمال)

يعني دين الدولة وفقاً للمادة 33 من اتفاقية عام 1983 أي التزام مالي لدولة سلف ينشأ وفقاً للقانون الدولي تجاه دولة أخرى أو منظمة دولية أو أي شخص آخر من أشخاص القانون الدولي. وبمقتضى المادة 36 فإن خلافة الدول لا تؤثر على حقوق والتزامات الدائنين.

يقسم القانون الدولي الديون إلى ثلاث فئات وهي: دين تقترضه الحكومة الوطنية أو المركزيـــة للدولة للصـــالح العـام ويــعرف بالـــدين الوطني Debt National، ودين تقترضه الحكومة الوطنية لمشروع محدد في منطقة جغـرافـية معينة ويعرف بالـديـن الإقليـمي Debt Territorial أو Debt Localized، ودين تقترضه سلطة محلية أو كيان محلي يتمتع باستقلال مالي ويعرف بالدين المحلي Debt Local. وفقاً للقانون الدولي العرفي وتطبيقاً لمبدأ الإقليمية Principle Territorial، فإن الدينين الإقليمي والمحلي ينتقلان إلى الدولة الخلف.

بمطالعة ممارسة البنك الدولي في خلافة الدول في حالتي انفصال، نجد أنه قد فـرق بــين الدين الوطـني Debt National والديــن الإقليـــمـي Debt Territorial. فعند انفصال سنغافورة من اتحاد ماليزيا في عام 1965، تحملت سنغافورة التزامات ناشئة من اتفاقية ضمان أبرمها اتحاد ماليزيا مع البنك الدولي بشأن قرض تمويل مشروع مياه في سنغافوره. وبذلك أُخليت ماليزيا من أي التزامات بمقتضى اتفاقية الضمان.

وعندما انفصلت بنغلاديش عن باكستان في عام 1971، أقنع البنك الدولي بنغلاديش بتحمل التزامات قروض لتمويل مشاريع واقعة كلية في إقليم بنغلاديش. ولكن البنك لم يوفق في اقناع بنغلاديش بقبول حسابه لحصة باكستان المنصفة في الدين الوطني لفترة ما قبل الانفصال. لذلك ابلغ البنك باكستان بأنه سيستمر في اعتبارها مسؤولة عن كل الدين الوطني. وقد قبلت باكستان هذا الترتيب.

وحتى يكون القارئ على بينة من الأمر، نورد هنا أنه وفقاً لتقرير أعدته لجنة ثلاثية من بنك السودان ووزارة المالية وصندوق النقد الدولي، فإن دين السودان الخارجي قد بلغ حتى 31 ديسمبر 2009م: 35 مليار و 687 مليون دولار أمريكي. علماً بأن أصل الدين هو 15 مليار و 407 مليون دولار وأما باقي المبلغ فهو عبارة عن فوائد وجزاءات. ويعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المقرضين الأساسيين للسودان ضمن المقرضين الدوليين.

أفردت اتفاقية عام 1983 المادة 40 لمسألة الخلافة في ديون الدولة في حالة الانفصال. فقد نصت على أنه عندما ينفصل جزء من إقليم دولة ويكوّن دولة، فإنه ومالم يتفق الطرفان المعنيان على خلاف ذلك، ينتقل دين الدولة السلف إلى الدولة الخلف بنسبة منصفة مع الأخذ في الاعتبار بوجه خاص الممتلكات والحقوق والمنافع التي تنتقل إلى الدولة الخلف بالنسبة لدين الدولة.

نلاحظ في هذه المادة أنه لحساب النسبه المنصفة من الدين التي تنتقل للدولة الخلف (دولة الجنوب) هناك تركيز على التناسب بين دين الدولة السلف والأصول Assets التي تنقل إلى الدولة الخلف. ونجد توضيحاً للطريقة التي صيغت بها المادة 40 في تعليق لجنة القانون الدولي على مشروع المادة 35 (2) المشابهة للمادة 40 وتتعلق بانتقال الديون في حالة انتقال جزء من إقليم دولة إلى دولة أخرى. فقد قالت اللجنة إن المادة 35 قد صيغت بطريقة تغطي كل ديون الدولة سواء كانت عامة أو إقليمية Localized. وأضافت أنه يمكن أن يُرى بيسر في الفقرة 2 أن الديون الإقليمية Localized ستنتقل إلى الدولة الخلف بنسبة منصفة مع الأخذ في الإعتبار «الممتلكات والحقوق والمنافع» التي تنقل إلى الدولة الخلف بالنسبة لديون الدولة الإقليمية.

5- الخلافة في عضوية المنظمات الدولية في حالة الانفصال

إن العضوية في المنظمات الدولية لا يمكن اكتسابها بالخلافة في حالة الانفصال مادامت الدولة السلف (دولة الشمال) لا تزال قائمة وتتمتع بشخصيتها الدولية. لذا فإنه يتعين على الإقليم المنفصل - الجنوب مثلاً إذا تم الانفصال - أن يتقدم بطلب عضوية للمنظمة المعنية. وقد حددت الأمم المتحدة موقفها من هذه المسألة منذ عام1947 عندما رفضت إدعاء باكستان بأنها خلف مشارك Co-Successor للهند وتستحق عضوية الأمم التحدة تلقائياً، وقررت أن باكستان دولة جديدة وينبغي عليها التقدم بطلب عضوية.

إبان الأزمنة اليوغسلافية ثار جدل حول ما إذا كان قد حدث يعد انفصالاً أو تفككاً. إذ ادعت جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) أن الجمهوريات التي أعلنت استقلالها قد انفصلت عن الاتحاد، وأنها هي - أي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية - الدولة الخلف لاتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية. ولكن مفوضية التحكيم أفتت في الرأي رقم (1) بأن الاتحاد يمر بمرحلة تفكك. وفي الرأي رقم (Cool أفتت بأن عملية التفكك قد اكتملت وأن اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية الاشتراكية لم تعد له شخصية قانونية الأمر الذي يرتب نتائج خطيرة في القانون الدولي. وأفتت في الرأي رقم (10) بأن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية دولة جديدة وليست مواصلة ليوغسلافيا السابقة.

وبالقرار رقم 777 بتاريخ 19 سبتمبر 1992 قرر مجلس الأمن أن جمهورية يوغسلافيا الاتحادية (صربيا والجبل الأسود) لا يمكن أن تواصل بطريقة تلقائية عضوية يوغسلافيا السابقة في الأمم المتحدة. وأوصى المجلس بأن تقرر الجمعية العامة أنه علي جمهورية يوغسلافيا الاتحادية أن تتقدم بطلب للعضوية في الأمم المتحدة وألا تشارك في أعمال الجمعية العامة.
إذن فإن الدولة التي قد تنشأ في إقليم جنوب السودان ستعتبر دولة جديدة. وبهذه الصفة يتعين عليها أن تتقدم بطلب عضوية.

ويبدو من ممارسات البنك الدولي أن الدولة التي تفقد جزءً من اقليمها بالانفصال لا تفقد عضويتها في البنك أو حقها في الحصص التي اكتتبت فيها. وبالمقابل فإن على الإقليم المنفصل أن يتقدم بطلب عضوية، وعند قبوله يكتتب في حصص البنك غير المخصصة. حدث هذا في حالة انفصال باكستان وسنغافورة وبنغلاديش. وتجري نفس الممارسة في صندوق النقد الدولي.
في ضوء ما تقدم فإن عضوية السودان في البنك وفي الصندوق وكذلك اكتتاباته لن تتأثر بانفصال الجنوب. وسيكون بمقدور الجنوب الحصول على عضوية البنك الدولي والصندوق عبر الاجراءات العادية ويكتتب في حصص المؤسستين غير المخصصة.

6- الخلافة في معاهدات الدولة السلف

(1) إن مفاوضات شريكي نيفاشا بشأن الخلافة في المعاهدات التي أبرمتها الدولة السلف (دولة الشمال) لابد لها أن تسترشد باتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978، وما استقر من قواعد القانون الدولي العرفي، وممارسات دول شرق ووسط أوربا خلال العقدين السابقين.

(2) إن معاهدة عام 1978 لم تدخل حيز النفاذ إلا في عام 1996 ولعدد قليل من الدول، ولن تكون واجبة التطبيق إلا على خلافة الدول التي تنشأ بعد بدء نفاذها.

(3) إن معاهدة عام 1978 لا تعكس القانون الدولي العرفي. فغالب أحكامها يندرج تحت باب التطوير المطــرد للقانــــون الـــــدولي Development Progressive. فهي لا تجسد القانون الدولي العرفي إلا في حالات محددة أهمها حالة الخلافة في نظم الحدود (المادة 11) والنظم الإقليمية الأخرى مثل حقوق المياه والملاحة في الأنهار (المادة 12). ومعلوم أن هذه النظم تدمغ الإقليم بوضع دائم لا يتأثر بالتغييرات التي تطرأ على شخصية الدولية التي تمارس السيادة على الإقليم.

(4) أخذت اتفاقية عام 1978 بمبدأ الصحيفة البيضاء Slate Clean في حالة الدولة التي استقلت حديثاً وعرّفتها بأنها دولة خلف كان إقليمها قبل تاريخ الخلافة مباشرة إقليماً تابعاً تتولى الدولة السلف مسؤولية علاقاته الدولية. ومؤدى نظرية الصحيفة البيضاء أن الدولة حديثة الاستقلال (الدولة الخلف) غير ملزمة بالمعاهدات التي أبرمتها الدولة السلف. ولم تستثن معاهدة عام 1978 من ذلك سوى معاهدات الحدود والمعاهدات المنشئة لنظم إقليمية أخرى كما سبقت الإشارة. وحري بالذكر أن سنغافورة عندما انفصلت من اتحاد ماليزيا في عام 1965 اختارت أن تتصرف كدولة حديثة الاستقلال مع أنها لم تكن كذلك. إذ أعلنت أنها غير ملزمة بالإلتزامات التعاهدية للدولة السلف إلا إذا وافقت هي عليها.

(5) إن قاعدة الخلافة التلقائية Succession Automatic ليست من قواعد القانون الدولي العرفي. ولم تقطع محكمة العدل الدولية برأي حول هذا الموضوع في قضيتين نظرتهما مؤخراً. غير أن المادة 34 من اتفاقية عام 1978 أخذت بقاعدة الخلافة التلقائية في حالة انفصال أجزاء من دولة وظلت الدولة السلف قائمة. بموجب هذه المادة فإن معاهدات الدولة السلف تظل تلقائياً نافذة على الدولة الخلف إلا إذا اتفقت الدول المعنية على غير ذلك، أو ظهر من المعاهدة بأن تطبيقها على الدولة الخلف يتنافى مع موضوع المعاهدة وغرضها، أو يحدث تغييراً جذرياً في ظروف تنفيذها.

(6) إن الدولة الخلف (دولة الجنوب) ستكون ملزمة بالإتفاقيات والصكوك التي تحدد نطاق إقليمها. ولكنها لن تكون ملزمة بالإتفاقيات الشخصية أو السياسية التي أبرمتها دولة الشمال وهي الاتفاقيات التي يكون موضوعها مرتبطاً ارتباط وثيقاً بعلاقات الدولة السلف (دولة الشمال) بدولة أو دول أخرى. ومن أمثلة ذلك اتفاقيات الصداقة أو التحالف أو الدفاع.

(7) في حالة الإتفاقيات الثنائية نرى أنه من الأصوب أن تبرم الدولتان الســلـف والخلـــف (الشـــمال والجنــوب) اتفاقيــة ايلولـــة Agreement Devolution لنقل الحقوق والالتزامات المنصوص عليها في هذه الاتفاقيات من الدولة السلف (دولة الشمال) إلى الدولة الخلف (دولة الجنوب). وهذه الاتفاقية لا تلزم الدول الاخرى أي الأطراف الثالثة في الاتفاقيات مع الدولة السلف (دولة الشمال). ولكن تكمن أهميتها في أنها تبرز التوجه العام للدولة الخلف (دولة الجنوب) إزاء اتفاقيات الدولة السلف. بعد ذلك يكون من الميسور للدولة الخلف (دولة الجنوب) أن تدخل في ترتيبات خلافة معاهدات مع الاطراف الثالثة.

(Cool لا توجد خلافة تلقائية في المعاهدات متعددة الأطراف، فالدولة الخلف مثل دولة الجنوب تستطيع الانضمام لها بإشعارات تُقدم وفقاً للأصول المرعية للمنظمة أو الدولة الوديع للإتفاقية أو الاتفاقيات. ولكن هناك نفر من الشراح يرى أن الخلافة تكون تلقائية في حالة الاتفاقيات الشارعة مثل اتفاقيات حقوق الانسان واتفاقيات القانون الدولي الانساني. بينما يرى نفر آخر أن إلزامية الحقوق والحريات التي كفلتها هذه الاتفاقيات يعود إلى أن أحكامها قد أصبحت عرفاً دولياً، أو حقوقاً مكتسبة لسكان الاقليم محل الخلافة وليس إلى خلافة تلقائية في المعاهدات.

في الجزء الثالث والأخير من هذه الحلقات سنتناول مسألة الخلافة في اتفاقيتي مياه النيل لعامي 1929 و1959 ونبدي بعض الملاحظات الختامية.


عدل سابقا من قبل المحبوب أحمد الأمين في الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 9:00 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المحبوب أحمد الأمين

المحبوب أحمد الأمين



بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه"   بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Icon_minitime1الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 8:59

الجزء الثالث

الخلافة في اتفاقيتي مياه النيل لعامي 1929 و 1959

1 - مدخل

نود في مستهل هذا المقال أن نؤكد على حقيقتين أولهما: أن قسماً كبيراً من حوض النيل يجري في إقليم جنوب السودان. فبعد نيل فكتوريا ونيل ألبرت وابتداء من نيمولي يطلق على النهر اسم بحر الجبل. شمالي منقلا يدخل بحر الجبل مستنقعات تعرف بمنطقة السدود. وفي حوالي منتصف هذه المنطقة يتفرع بحر الزراف عن بحر الجبل ويتخذ مساراً مستقلاً إلى أن يلتقي بالنيل الأبيض. حري بالذكر أن بحر الجبل يفقد نصف إيراده السنوي في منطقة السدود. ويجري كذلك في إقليم الجنوب حوض بحر الغزال الذي يتغذى من الأنهار الصغيرة التي تنبع في مرتفعات الكونغو وافريقيا الوسطى ومن الروافد الجنوبية لبحر العرب. يلتقي بحر الغزال مع بحر الجبل عند بحيرة نو ويتكون منهما النيل الأبيض. وجنوبي ملكال يلتقي النيل الأبيض بنهر سوباط القادم من الهضبة الإستوائية.

أما الحقيقة الثانية التي ينبغي أن نفهمها جيداً فهي أن كل مشاريع استرداد المياه الضائعة ذات الجدوى التي يمكن القيام بها مستقبلاً موجودة في إقليم جنوب السودان. فكميات كبيره من المياه تضيع في مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال ونهر سوباط عن طريق التبخر والنتح والتسرب والانتشار. وقد ورد في خطة وزارة الري الرئيسة للعام 1979م أن حوالي 42 مليار متر مكعب من المياه تفقد سنوياً في إقليم جنوب السودان. فحوالي 14 مليار تضيع في مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف. وتضيع في حوض بحر الغزال حوالي 12 مليار متر مكعب. وتقدر كمية الفاقد في حوض السوباط ومستنقعات مشار بحوالي 19 مليار متر مكعب.

2- إتفاقية عام 1929

إن لاتفاقية عام 1929 تاريخ طويل. يكفي أن نذكر هنا أنها قد أبرمت في إطار مصالحة سياسية بين مصر وبريطانيا بعد أحداث ثورة 1924 في السودان ومقتل سيرلي استاك حاكم السودان العام وسردار الجيش المصري في القاهرة في 19 نوفمبر 1924. بسبب هذه الأحداث وجه المندوب السامي البريطاني في مصر اللنبي في 22 و23 نوفمبر 1924 إنذاراً إلى رئيس وزراء مصر سعد زغلول تضمن بنداً بأن الحكومة البريطانية قد أصدرت تعليمات إلى حكومة السودان بأن لها مطلق الحرية في زيادة مساحات الأراضي المروية في الجزيرة من 000.300 فدان إلى مقدار غير محدد وفقاً للحاجة. وكان اللنبي قد تعهد في سنة 1920 للحكومة المصرية بأن مساحة الأراضي المروية في الجزيرة لن تزيد عن 000.300 فدان.
على كل حال، بعد عودة العلاقات الودية بين مصر وبريطانيا، طلب رئيس وزراء مصر في 25 يناير 1925 من الحكومة البريطانية إعادة النظر في تعليماتها إلى حكومة السودان بشأن توسيع نطاق الري في الجزيرة حتى لا يلحق أضراراً بالري في مصر. وإثباتاً لحسن نواياها ومراعاة منها لحقوق مصر التاريخية والطبيعية في مياه النيل، أبدت الحكومة البريطانية في 26 يناير 1925 استعدادها لإصدار تعليمات جديدة إلى حكومة السودان بألا تنفذ ما سبق إرساله إليها من تعليمات بشأن توسيع نطاق الري في الجزيرة توسيعاً لا حد له، على أن تشكل لجنة من ثلاثة خبراء لتدرس وتقترح القواعد التي يمكن إجراء الري بموجبها مع مراعاة مصالح مصر ومن غير الإضرار بمالها من الحقوق الطبيعية والتاريخية. أصبحت تلك اللجنة تعرف بلجنة مياه النيل لعام 1925. قدمت اللجنة تقريرها في 21 مارس 1926، ويعتبر هذا التقرير جزءاً لا ينفصل عن الاتفاق بين مصر وبريطانيا بشأن استخدام مياه النيل لأغراض الري. وقد ضُمن هذا الإتفاق في المذكرات التي تبودلت في 7 مايو 1929 بين محمد محمود رئيس وزراء مصر والمندوب السامي البريطاني لويد.

اعترف محمد محمود في مذكرته بأن تعمير السودان يحتاج إلى مقدار من المياه أعظم من المقدار الذي كان يستخدمه آنذاك وأبدى استعداده لزيادة ذلك المقدار «بحيث لا تضر تلك الزيادة بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في مياه النيل، ولا بما تحتاج إليه مصر في توسعها الزراعي». وفي مذكرة الرد أكد لويد لمحمد محمود بأن الحكومة البريطانية تعتبر المحافظة على حقوق مصر الطبيعية والتاريخية في مياه النيل مبدأ أساسياً من مبادئ السياسة البريطانية.

واتفق الطرفان على «ألا تقام بغير اتفاق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى، ولا تتخذ إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية يكون من شأنها إنقاص مقدار الماء الذي يصل إلى مصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر».

كفل إتفاق سنة 1929 لمصر حق الرقابة على النيل في السودان وفي البلدان الواقعة تحت النفوذ البريطاني. فقد نص بين أمور أخرى على الآتي:

(أ) إن المفتش العام لمصلحة الري المصرية في السودان أو معاونيه أو أي موظف آخر يعينه وزير الأشغال تكون لهم الحرية الكاملة في التعاون مع المهندس المقيم لخزان سنار لقياس التصرفات والأرصاد كي تتحقق الحكومة المصرية من أن توزيع المياه وموازنات الخزان جارية طبقاً لما تم الاتفاق عليه.

(ب) تلقى الحكومة المصرية كل التسهيلات اللازمة للقيام بدراسة ورصد الأبحاث المائية (هيدرلوجيا) لنهر النيل في السودان دراسة ورصداً وافيين.

(ج) إذا قررت الحكومة المصرية إقامة أعمال في السودان على النيل أو فروعه أو إتخاذ أي إجراء لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر تتفق مقدماً مع السلطات المحلية على ما يجب إتخاذه من الإجراءات للمحافظة على المصالح المحلية. ويكون إنشاء هذه الأعمال وصيانتها وإدارتها من شأن الحكومة المصرية وتحت رقابتها رأساً.

(د) تستعمل حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى وشمال ايرلندا وساطتها لدى حكومات المناطق التي تحت نفوذها لكل تسهل للحكومة المصرية عمل المساحات والمقاييس والدراسات والأعمال من قبيل ما هو مبين في الفقرتين السابقتين.

وتشتمل ترتيبات اتفاق سنة 1929 على قواعد تفصيلية بشأن التخزين والسحب من مياه النيل. ويمكن إجمال بعض ما ترتب على هذه القواعد فيما يلي:

(أ) يحفظ لمصر حق الانتفاع بجميع مياه النيل وفروعه في الفترة من 19 يناير إلى 15 يوليو (بتاريخ سنار) باستثناء ما تستهلكه طلمبات الري في السودان.

(ب) يحق للسودان رفع منسوب التخزين بخزان سنار بحيث يسمح بري ترعة الجزيرة في ظرف 10 أيام إبتداء من 16 يوليو بشرط أن يكون متوسط مجموع تصرف المياه في ملكال والروصيرص قد بلغ 160 مليون متر مكعب يومياً وذلك خلال الأيام الخمسة السابقة لهذا التاريخ مع مراعاة فترة انتقال من ملكال قدرها 10 أيام. ويعرف هذا بالملء الأول.

(ج) يحق للسودان ملء خزان سنار في المدة من 27 أكتوبر إلى 30 نوفمبر. ويعرف هذا بالملء الثاني.

3- السودان يرفض في عام 1958 اتفاقية عام 1929

ابان الفترة الإنتقالية التي سبقت الاستقلال أجريت مفاوضات مصرية - سودانية بشأن مياه النيل لا مجال هنا لتفصيلها. يكفي أن نذكر أنها انتهت إلى فشل تام وأزمة سياسية بين مصر وحكومة الحزب الوطني الاتحادي التي كانت على سدة الحكم آنذاك.

وتسببت مياه النيل في أزمة سودانية - مصرية في عهد آخر حكومة ديمقراطية قبيل انقلاب 17 نوفمبر 1958. كان يرأس تلك الحكومة التي كانت ائتلافية بين حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي، عبدالله خليل. وكان وزير الري فيها ميرغني حمزة.

ففي 2 يوليو 1958 بدأت سلطات الري في السودان في حجز المياه عند خزان سنار لملء القناة الرئيسية للامتداد الجديد لمشروع الجزيرة - أي امتداد المناقل. وكان ذلك قبل التاريخ المحدد في اتفاقية سنة 1929 وهو 16 يوليو من كل عام. وفي 9 يوليو بعثت الحكومة المصرية بمذكرة احتجاج لحكومة السودان على الاجراء الذي قامت به سلطات الري السودانية. جاء في المذكرة المصرية أن تغيير مواعيد الحجز عند خزان سنار يعد خرقاً لاتفاقية عام 1929 وطالبت بالايقاف الفوري له. وجاء فيها أيضاً أن التوسع في امتداد المناقل سيؤدي إلى سحب كميات من النهر تؤثر في ملء خزان اسوان وحرمان ربع مليون فدان من الزراعة الصيفية وتشريد مليون وربع من الأنفس. وذلك فضلاً عن تعذر ملء سبعمائة ألف فدان من أراضي الحياض وما سيترتب على ذلك من نتائج اجتماعية واقتصادية.

ردت حكومة السودان على الحكومة المصرية بمذكرة بتاريخ 15 يوليو 1958. جاء في المذكرة السودانية أن رفع مستوى الماء في خزان سنار مسألة فنية كان ينبغي أن تترك لتعالج بين الدوائر الفنية في البلدين بنفس روح التعاون والثقة المتبادلة التي استقرت منذ استقلال السودان. وأبدت حكومة السودان أسفها لأن حكومة الجمهورية العربية المتحدة لم تترك هذه المسألة الفنية لتعالج في الإطار الفني، بل آثرت تحويلها إلى نقاش حول ما يسمى باتفاق 1929 الذي لم يكن السودان طرفاً فيه.

وإزاء اتفاق 1929 ذكرت حكومة السودان أنها لم تعترف في أي وقت بأنها ملزمة بهذا الإتفاق، وأن الاتفاق قد أبرم بين الحكومتين المصرية والبريطانية كجزء من تسوية سياسة عامة بدون اعتبار لمصالح السودان. ثم أشارت المذكرة إلى أنه عند إعلان استقلال السودان طلبت دولتا الحكم الثنائي من حكومة السودان أن تبدي ما إذا كانت راغبة في إعطاء الأثر الكامل للاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها دولتا الحكم الثنائي نيابة عن السودان أو طبقتها عليه. عندئذ طلبت حكومة السودان من دولتي الحكم الثنائي أن تحددا تلك الاتفاقيات والمعاهدات لتنظر فيها. وبما أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة لم تقدم اتفاق 1929 كواحد من تلك الاتفاقيات فينبغي ألا تتوقع أن تعطي حكومة السودان أي اعتبار لذلك الاتفاق.

وفي فقرة تالية من المذكرة، أكدت حكومة السودان أنها لن تقبل أحكام إتفاق 1929 كأساس لما ينبغي أن تقوم به أو تمتنع عن القيام به. وبالمثل فإن أي اتهام بخرق اتفاق دولي لن يكون مقبولاً. وقد ظلت حكومة السودان على موقفها هذا إزاء اتفاق 1929 حتى وقوع الإنقلاب العسكري في 17 نوفمبر 1958.

4 - موقف دول شرق أفريقيا الثلاث من اتفاقية عام 1929

رفضت تنجانيقا عند استقلاها أن توقع مع المملكة المتحدة على اتفاقية أيلوله. وأصدر الرئيس نايريري في الجمعية الوطنية في 30 نوفمبر 1961 إعلاناً حدد فيه موقف تنجانيقا من المعاهدات التي أبرمتها المملكة المتحدة نيابة عن تنجانيقا أو التي طبقتها عليها. وأصبح ذلك الإعلان يعرف فيما بعد بمبدأ نايريري. أبلغ نايريري الأمين العام للأمم المتحدة بالإعلان بمذكرة بتاريخ 9 ديسمبر 1961. ورد في المذكرة أن تنجانيقا ستستمر لمدة عامين، وعلى أساس المعاملة بالمثل، في تطبيق المعاهدات الثنائية التي أبرمتها المملكة المتحدة نيابة عن تنجانيقا أو التي طبقتها عليها. وورد في المذكرة أيضاً أن تنجانيقا تأمل أن تتمكن خلال فترة العامين وعبر المفاوضات من الوصول إلى اتفاق مرضٍ مع الدول المعنية بشأن احتمال استمرار أو تعديل مثل هذه المعاهدات. أما بعد انتهاء فترة العامين، فإن تنجانيقا ستقرر أن المعاهدات التي لا يمكن اعتبارها باقية بتطبيق قواعد القانون الدولي العرفي، قد انقضت.

وفي 4 يوليو 1962 أبلغت تنجانيقا السودان ومصر والسلطات الحاكمة في كينيا وأوغندا بمذكرات متماثلة بأن أحكام اتفاقية عام 1929 والتي تنص على أنها تنطبق على البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية لا تلزم تنجانيقا بعد استقلالها.

ويبدو أنه كان من رأي تنجانيقا أن الاتفاقية التي ترمي إلى إلزام تنجانيقا دائماً بالحصول على موافقة الحكومة المصرية قبل القيام بأي أعمال ري أو توليد طاقة أو أي إجراءات أخرى مماثلة في بحيرة فكتوريا، أو في مستجمع مياهها، لا تنسجم مع مركز تنجانيقا كدولة مستقلة ذات سيادة.

وبعد استقلالهما في عامي 1962 و 1963 على التوالي، إتبعت أوغندا وكينيا نهج تنجانيفا إزاء الاتفاقيات التي أبرمتها بريطانيا نيابة عن كل منهما أو التي طبقتهما عليهما. وقد تكرست مواقف هذه الدول الثلاث إزاء اتفاقية عام 1929 بعد التوقيع في مايو 2010 على اتفاقية بشأن الإطار التعاوني لحوض نهر النيل.

5- تقييم الموقفين السوداني والافريقي

سبق لنا القول إن الاتفاقيات التي ترتب حقوق مياه أو ملاحة في نهر ما تعتبر اتفاقيات إقليمية لأنها ترتب حقوقاً على الإقليم نفسه فتدمغه بوضع دائم لا يتأثر بالتغيرات التي تطرأ على شخصية الدولة التي تمارس السيادة على الإقليم، وحلول دولة محل أخرى في السيادة على الإقليم. فهذا النوع من الحقوق لا يتأثر بحدوث حالة خلافة. وقد دونت لجنة القانون الدولي هذه القاعدة في المادة 12 من اتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978 التي تنص على عدم تأثر النظم الإقليمية بخلافة الدول.

وقد طبقت محكمة العدل الدولية محتوى المادة 12 من اتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978 في قضية مشروع غابتشيكوفو - ناغيماروس بين هنغاريا وتشيكوسولوفاكيا. نشأت وقائع هذه القضية من معاهدة أبرمت في عام 1977 بين هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا بغرض الدخول في استثمار مشترك لاستغلال قطاع معين من نهر الدانوب. ولكن في 31 ديسمبر 1992 انتهى وجود تشيكوسلوفاكيا ككيان قانوني وظهرت جمهوريتا سلوفاكيا والتشيك. على هذا الأساس دفعت هنغاريا بأن سريان معاهدة 1977 قد توقف بعد 31 ديسمبر 1992. ولكن محكمة العدل الدولية إستنتجت أن محتوى معاهدة 1977 يشير إلى وجوب اعتبارها بمثابة تأسيس لنظام إقليمي في إطار معنى المادة 12 من اتفاقية فيينا لسنة 1978. فقد خلقت حقوقاً وواجبات مرتبطة بأجزاء نهر الدانوب المتعلقة بها، وبالتالي لا تتأثر المعاهدة نفسها بخلافة الدول. واعتبر المحكمة المادة 12 من اتفاقية فيينا عاكسة لقاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي.

6- اتفاقية 8 نوفمبر عام 1959

(1) تراجعت حكومة ابراهيم عبود العسكرية عن الموقف الذي اتخذته الحكومة الديمقراطية التي سبقتها بشأن اتفاقية عام 1929. إذ اعترف السودان في ديباجة الاتفاقية وفي الفقرتين 1 و2 من البند (أولاً) باستمرار سريان اتفاقية عام 1929 وبالحقوق المكتسبة للبلدين بموجبها. وكان مقدار تلك الحقوق 48 ملياراً من الأمتار المكعبة لمصر وبالنسبة للسودان 4 مليارات مقدرة عن أسوان سنوياً.

(2) بموجد البند (ثانياً) من الاتفاقية أصبح ضبط النهر يتم في السد العالي داخل الأراضي المصرية. قُدر متوسط إيراد النهر في أسوان بنحو 84 مليار سنوياً، وقدر فاقد التخزين بالتبخر في السد العالي بحوالي 10 مليارات وهو من أعلى المعدلات عالمياً. بعد خصم الحقوق المكتسبة للطرفين وفاقد التخزين في السد العالي (84 ـ 52 ـ 10) أصبح صافي فائدة السد العالي 22 ملياراً خصص منها للسودان 2/114 مليار وأصبح نصيبه بعد إضافة الحق المكتسب 2/118 مليار (2/114 + 4) وخصص لمصر 2/71 مليار وأصبح نصيبها بعد اضافة الحقوق المكتسبة 2/551 مليار (2/71 + 48).

(3) تناول البند (ثالثاً) من الاتفاقية مسألة استغلال المياه الضائعة في حوض النيل. إذ نصت الفقرة (1) من هذا البند على أن يتولى السودان بالاتفاق مع مصر إنشاء مشروعات زيادة إيراد النيل لمنع الضائع من مياهه في مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض. ويكون صافي فائدة هذه المشروعات من نصيب الدولتين بحث يوزع بينهما مناصفة ويساهم كل منهما في جملة التكاليف بهذه النسبة أيضاً.

من المهم نذكر هنا أنه قد بدأ في منتصف عام 1978 العمل في تنفيذ واحد من مشروعات استرداد المياه الضائعة وهو المرحلة الأولى من قناة جونقلي. شملت هذه المرحلة حفر قناة من بور في بحر الجبل إلى نهر سوباط بطول يبلغ حوالي 360 كيلومتراً. ستتفادى القناة السدود وتحول جزءً من تصريف بحر الجبل مباشرة إلى نهر سوباط. وقد ثم تنفيذ اكثر من ثلتي المشروع وكان من المقرر أن ينتهي العمل فيه في عام 1985 ولكن الحرب الأهلية حالت دون ذلك. وإذا قدر للمشروع أن يكتمل فإنه كان سيرفد إيراد النيل بحوالي 4.75 مليار متر مكعب عند ملكال وتقدر بنحو 3.85 مليار في أسوان.

نعيد إلى الأذهان أن الحكومة الإقليمية لجنوب السودان التي كان يرأسها ابيل الير قد وافقت على مشروع قناة جونقلي. ولكن دوائر جنوبية أخرى من بينها الحركة الشعبية رفضته لاسباب مختلفة سياسية واقتصادية وبيئية. وقد كان من أبرزها أن المشروع سيدمر بيئة المنطقة ويغير أنماط حياة السكان المحليين.

(4) أنشأ البند (رابعاً) من اتفاقية عام 1959 هيئة فنية مشتركة تتكون من عدد متساوٍ من كل طرف. وقد أُسندت إلى الهيئة عدة اختصاصات من بينها رسم الخطوط الرئيسة للمشروعات التي تهدف إلى زيادة إيراد النيل والإشراف على البحوث اللازمة وعلى تنفيذ المشروعات التي تقرها الحكومتان.

(5) إعترفت الفقرة 2 من البند (خامساً) بحق الدول الأخرى المشاطئة للنيل في حصص من مياهه. تنص هذه الفقرة علي أن يبحث السودان ومصر معاً مطالب الدول الواقعة على النيل بنصيب من مياهه، ويتفقان على رأي موحد بشأن هذه المطالب، وإذا أسفر البحث عن تخصيص أي قدر من إيراد النهر لأي من هذه الدول، فإن هذا القدر يقتطع مناصفة من حصة الدولتين.

(6) إن اتفاقية مياه النيل لعام 1959 اتفاقية ثنائية ولا تلزم غير اطرافها أي مصر والسودان. ولكن فيما يتعلق بحقوق المياه التي نُص عليها، فإن اتفاقية عام 1959 وقبلها اتفاقية عام 1929 قد أنشأتا نظاماً اقليمياً وفقاً للقانون الدولي العرفي الذي دونته المادة 12 من اتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام 1978. وستكون الدولة التي ربما تقام في الجنوب إذا رجح خيار الانفصال، ملزمة بهذا النظام. يترتب على ذلك أن هذه الدولة تستحق حصة في مياه النيل خصماً على حصة السودان بموجب اتفاقية عام 1959. ولكن هذه الدولة لن تكون ملزمة ببنود الاتفاقية المتعلقة بتنفيذ مشروعات استرداد الضائع من مياه النيل في اقليم جنوب السودان. ولا مجال لعضوية تلقائية لدولة الجنوب في الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل. ففي واقع الأمر إن الهيئة عبارة عن حلف مائي ثنائي مغلق. إذ لا يوجد في اتفاقية عام 1959 نص يسمح باستيعاب إقليم جنوب السودان وأي دولة أخرى من دول حوض النيل في الهيئة إلا إذا عُدلت الإتفاقية. فانفصال الجنوب وإنشاء مبادرة حوض النيل لم يكنا في الحسبان عندما أُبرمت اتفاقية عام 1959.

في الختام نعيد القول بأن هناك التزام على طرفي اتفاقية السلام بالتفاوض بحسن نية لتسوية كافة مسائل الخلافة. ولهما أن يسترشدا في ذلك بالاتفاقيات التي سقنا أطرافاً منها. غير أن الأساس يبقى دائماً اتفاق الطرفين. ومن الحكمة الاستعانة بالخبرة القانونية التي عملت في مجال خلافة الدول في العقدين الماضيين. وكذلك بالبنك الدولي وصندوق النقد في الشأن المتصل بالدين الخارجي. وإذا أخفق الطرفان في التوصل إلى تسوية عبر التفاوض، فلن يكون أمامها سوى استدعاء وسائل التسوية عن طريق طرف ثالث. وقد يكون ذلك بعرض الخلاف على التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مدثر عثمان الجاهوري

مدثر عثمان الجاهوري



بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه"   بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه" Icon_minitime1الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 10:51

الاستاذ المحبوب مشكور على هذا الموضوع ..
الدول يقاس تحضرها بمدى التزامها بالقوانين ..
ودول مثل السودان تضرب بالقوانين عرض الحائط وتعمل وفق ما يثبت حكامها ...
الموضوع هو شروط واملاءات ولجماعة ينفذون ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بعض الجوانب القانونية لإنفصال الجنوب " الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» منقول:المردود الإيجابى لإنفصال الجنوب
» المجلس التشريعي لجنوب السودان يجيز الدستور الانتقالي لدولة الجنوب وتم إنزال علم السودان ورفرف علم الجنوب بديلاً
» فلسفة اعجبتنى تستحق الوقوف عليها
» اعتقال الصحفى / فيصل محمد صالح
» الأستاذ فيصل محمد صالح فخر السودان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتدى الحصاحيصا العام-
انتقل الى: