بقلم : عمــر عبدالبــاري
إعلامي مقيم بالسعودية
قرأت كثيراً من المقالات المشفقة و الحزينة و الدامعة حين بدات عملية الاستفتاء من اجل حسم خيار الوحدة او الانفصال و كانت كل هذه المقالات تتحسر على ذهاب الجنوب و انفصاله لأن كتاب هذه المقالات افترضوا أن النتيجة الحتمية و المرجحة هي الانفصال ، و اسال الله صادقاً ان يتم الانفصال ، ولكن بسلامة و سلاسة من غير تشويش ولا ضوضاء، لا تندهش عزيزي القارئ فمثل ما كان للجنوبي الحق في التصويت على الاستفتاء و ترجيح خيار الانفصال لي الحق كشمالي ان اتمنى و ادعو للانفصال ، ولما لا أفعل فمنذ ان كنت طالباً في الثانوية درست على نفقتي و كان طلاب الجنوب في المدرسة معنا يدرسون و يتقاضون مصاريف السكن و الترحيل و الاعاشة على نفقة الدولة ، بل كنت اري بام عيني كيف يدللهم مدير المدرسة الثانوية اتقاءاً لشرهم و هوجهم و ادعائهم الظلم و التهميش ، رايت كيف ان الكنيسة تصرف عليهم و المدرسة و مكتب التعليم بالمحافظة ، رايت داخليتهم و السفرة و ميدان الباسكت حقهم منفصلاً و حياتهم في الداخلية تجري على احسن حال بخلاف كل ابناء بقاع السودان الذين كانوا يدرسون معنا، الطالب الجنوبي في الجامعة كان معفياً من كل شي و من كل التزام ، وكنا نحن ندرس ونسكن و نترحل على نفقة اهلنا و بعد داك الجامعات تتوقف بسبب الحرب في الجنوب و نتعطل عن الدراسة التي يصرف عليها اهلنا من حر مالهم، بربكم هل شاهدتم طالب جنوبي دخل معنا معسكرات الدفاع الشعبي التي كانت اجبارية قبل دخول الجامعات ، هل شاهدتم جنوبي يؤدي الخدمة الوطنية ، و مع ذلك هل طمر فيهم هذا الدلال و هذا الاهتمام بل قادهم الي ان يرفعوا سقف مطالبهم و يستحدثوا المشكلات مرة تلو الاخري.
عملية حسابية :
كم مساهمة جنوب السودان في الدخل و الناتج القومي منذ خمسون عاماً و حتي اليوم، بما في ذلك عائدات النفط التي لم يكن الجنوب بقادرٍ على استخراج برميل واحدٍ منه ، اطرح منها ما انفقته الحكومة المركزية على الجنوب في المدارس و التنمية و الاتصالات و المنشات و الطرق و الكباري حتي اخر مليم صرف على منشأت الدورة المدرسية الملغاة بقرار نذير الشؤم باقان، تجد أن الحكومة المركزية انفقت على الجنوب عشرة اضعاف مساهماته في الدخل القومي ، ثم ماهي النتيجة جحود و نكران و تمشدق و اتهامات، لو انفقت الحكومة معشار هذه الاموال الهائلة على الشرق و الغرب و الشمال مجتمعين من غير تركيزٍ على اقليم منهم لكانت النتيجة واضحة و ملموسة و ذات مردود ايجابي و نفسي ممتاز و لكانت نتيجة هذه النفقة بنية تحتية ذات اثر واضح على جذب الاستثمار الخارجي و تعزيز الاستقرار و الانتاج و التنمية الاقتصادية الواضحة للعلن كما اسلفت.
المغتربين الشماليين بالخارج مساهماتهم اكثر من كل الجنوب بساكنيه و نازحيه و مغتربيه ، هل قابلتم مغترب جنوبي يدفع الضرائب و المساهمة الوطنية ولو كان ذلك موجود كم عدد الجنوبيين المغتربين اصلاً بالمقارنة مع الشماليين ،المغترب الشمالي ظل يدفع المساهمة الوطنية و الزكاة و الضرائب و التحويل الالزامي و دعم القناة الفضائية و دعم المجهود الحربي و دعم الجامعات هذا غير الكشوفات و الحملات لبناء و صيانة المدارس و المستشفيات و الطرق و الكباري بولاياتنا و قرانا و فرقاننا ، وذلك كله لتغطية الفراغ الذي حدث من توجه الدولة و انشغالها نحو الجنوب فاهملت مناطقنا التي اضططرنا لإعمارها بالعون الذاتي و دفعنا دم قلبنا مرات و مرات.
الجنوبيون في الخرطوم كانوا و مازالوا معززين و مكرمين ، يسكنون احياءاً طرفية قصداً و عنية فتأتي الدولة تخططها لهم و تدخل فيها الخدمات، و عندما يبداء بعضهم بالبيع و الرحيل الي عشوائيات جديدة و تبداء تركيبة السكان في الحي تتغير نتاج الشراء من من باع بيته من الجنوبيون تجدهم يتزمرون و يبداؤن في اختلاق المشاكل مع السكان الجدد ، ثم ما يلبثوا ان يتحولوا الي عشوائي جديد بعد ما باعوا السكن المخطط بملايين الجنيهات و تكسبوا بانتهازية من عبط الدولة ويفلحوا من جديد في إجبار الحكومة على ادخال الخدمات و التخطيط للحي العشوائي الجديد باستعمالهم لضغوط المنظمات و حجج التهميش، لقد افلح الجنوبيون بذكاءٍ بالغ في استغلال عقدة الدونية عندهم لاستنزاف الشمال، في حين ان هناك قري ممتدة في الخرطوم ووسط السودان و شرقه و غربه و شماله تعاني نقص الخدمات التعليمية و الصحية و تنقطع بها السبل حين الخريف و تحتاج لبئر ماء لا يكلف حفره كثيراً لأن الماء في السودان الذي يرقد على اكبر حوض جوفي للمياه في العالم قريبة من سطح الارض .
أسئلة مهمة:
ظللنا نصرف علي الجنوب خمس و اربعين عاماً قبل بتروله فمتي و كيف صرف الجنوب على الشمال و الغرب و الشرق ، ظللنا نتحمل الاتهامات الخارجية بحجج الاسلمة القسرية و عدم رعاية حقوق الانسان و غيرها من التهم فماذا كسبنا من الجنوب ؟؟؟ ظل الجيش و قوافل المجاهدين و منظمات العمل الخيري تـنفق علي الجنوب مئات الملايين من الدولارات وتبني المدارس الموقتة و الثابتة و تفتح المستشفيات و تشغل الابار المتعطلة و تفتح الصيدليات و المعامل للفحوصات في مدن الجنوب، فما هو المردود من ذلك؟؟ غير تهم و اساءات نشط الجنوبيون مع المنظمات الكنسية في دمغنا بها و الاساءة لكل العمل الخيري الذي فعلناه ، بالامس القريب حكومة ولاية النيل الابيض و ديوان الزكاة و منظمة الدعوة توزع لهم المواد الغذائية و المعونات للعالقين في كوستي و نذير الشؤم باقان من جوبا يتحدث أن الحكومة الشمالية تسعي لتخريب الاستفتاء و عرقلة العملية السياسية، بالله عليكم اليس هذا اسواء من جزاء سنمار ؟؟؟
الي كل الذين كتبوا يذرفون الدموع على الجنوب اقول ، ان هناك كثير من الشماليين سوف لن يزرفوا دمعة علي انفصاله إلا من باب الفرح خلاصاً من هذه التركة الثقيلة و الحمل الذي كاد يهلك السودان كله ، لن تنفق الجزيرة و المناقل على الجنوب من بعد اليوم ولن نشحن للجنوب معونات و اغذية بالمجان بعد اليوم و لن يتهمنا احد بالعالم اننا دعاة اسلمة قسرية ولا منتهكين لحقوق الانسان بعد اليوم ، اذا اراد الجنوب غذاءا أو دواءاً يدفع حقه و فاتورته زائداً عليها رسوم الشحن و الجمارك ، نعم الجمارك يا حبايب وهو دخل اضافي للسودان آليس هذا مردوداً ايجابياً ، يملك السودان الان مصانع الادوية و الاسمنت و البوهيات و الحديد و الزيوت و الاغذية و الالبان و السكر و هناك مائة تسعة و عشرون سلعة ننقلها كل صباح لجنوب السودان بالمجان و لكن بعد 9 يناير سنبيعها بيعاً وبالسعر العالمي كمان و معاها حق الشحن و الجمارك، هذه غير المعاهد العلمية و الجامعات و التدريب لمن اراد منهم ان يتدرب وان يتعلم عندنا لكن بالقروش و كل شي بثمنه، كذلك يمكن للشمال ان يؤجر للجنوب ميناء علي البحر الاحمر مثلما ما فعلنا مع تشاد و اريتريا و نتقاضي رسوم عبور لكل السيارات التي تعبر جنوباً ، مثلما ما هو متعارف عليه بين الدول.
*قريبا باذن الله نكتب عن المردود الايجابي للانفصال فيما يخص توجيه طاقات الشباب للاعمار و التنمية بدل التجييش و الحرب .