الشيطان عندما اعتنق الإسلام .. يصلي ويعذّب .. ويسرق أولادكم !
سالم أحمد سالم / سودانيزاولاين "قمْ للمعلم وفّه التبجيلا ... كاد المعلّم أن يكون رسولا"كل تلاميذ أو تلميذة، طالب أو طالبة درس في السودان يحفظ هذا البيت من الشعر! حتى الآباء يحفظونه والأمهات يحفظنه .. كلنا وإلى اليوم نوقر أساتذتنا الذين درّسونا في مختلف المراحل الدراسية. التلاميذ والطلاب والطالبات في السودان كانوا يضعون المدرّس والمدرّسة في مقام رفيع داخل المدرسة أو خارجها .. بدون "كاد" التي في بيت الشعر! فقد كانوا يجدون فيهم وفيهن القدوة المجسدة في تفاني المدرّسين ومعارفهم المتنوعة وسلوكهم التربوي التعليمي وفي تأنقهم ونظافتهم وحسن هندامهم .. لكن سوف نرى أن الجبهة الإسلاموية السياسية قد استغلت تلك العلاقة الروحية العلمية التربوية بين المدرّس وبين الطالب أبشع استغلال ودنّستها تدنيسا ...
وقبل أن أتوغل في موضوعنا الأساسي، لابد لي، ولعلكم أيضا، من إشارتين صغيرتين عن المدرسين. الأولى أن المدرسين كانوا، آنذاك، على قدر عال من التأهيل لأداء أخطر مهمة وطنية، فمعظمهم من خريجي معاهد التربية، بخت الرضا، شندي، الدلنج وغيرها، فقد خبرت فيهم التفاني منذ طفولتي في المدرسة وفي بيت أسرتي عندما كان الأستاذ الراحل محمد أحمد سالم يسهر على تصحيح الكراسات وتحضير جداول العمل و"الوسائل" في وقته الخاص، كدأب غالبية ذلك الرعيل من المدرسين والمدرسات. والنقطة الثانية هي أن الدكتاتوريات والمذهبيات استهدفت فئة المدرسين فدمرتها تدميرا، ومعها تدمر الهيكل التعليمي القائم أساسا على العنصر البشري، فانهار العمود الفقري للاقتصاد وسقطت هياكله التقليدية والنامية. وفي حضيض المستوى التعليمي الراهن الدليل القاطع على التحطيم المتعمد للتعليم. حتى الأقطار المجاورة التي كانت تبعث أبناءها للدراسة في السودان مثل السعودية وأقطار الخليج لم تعد اليوم تعترف بالشهادات السودانية .. لن تقوم للسودان قائمة قبل نهوض قطاعات المدرسين أولا ..
التعذيب ثم الصلاة :أما كيف استغلت الجبهة الإسلاموية السياسية تلك العلاقة الروحية العلمية التربوية بين المدرّس وبين الطالب أبشع استغلال، فلأبدأ من ظاهرة غير طبيعية شدت انتباهي وردت في معظم قصص الفظائع التي رواها ضحايا التعذيب في بيوت الأشباح والسجون التي فتحتها الجبهة الإسلاموية السياسية. فقد لاحظ معظم ضحايا التعذيب أن أعضاء فرق الموت والتعذيب بمجرد سماعهم الآذان يهرعون إلى الوضوء وأداء الصلاة في جماعة. وبعد الصلاة والتسبيح ينهضون إلى مواصلة عملياتهم الوحشية في تعذيب الضحايا! .. وفي بعض القصص أن أعضاء فرق الموت والتعذيب بين كل "فاصل" تعذيب وآخر يجلسون في استرخاء ودعّة يتسامرون ويضحكون، يحتسون أكواب الشاي ويتبادلون حكايات "بطولاتهم" مع الأسرى ويتشاورون حول أصناف الطعام التي سوف يلتهمونها بشهية وتلذذ في وجبة العشاء! .. هذه السلوكيات تشكل مجتمعة واحدة من أغرب أنماط السلوك ولا أقول البشري ولا الحيواني. إذ لابد لأي إنسان سوي أن يتساءل كيف يتنقّل هؤلاء بسهولة وفي غضون دقائق جيئة وذهابا بين تعذيب البشر وامتهان آدميتهم وبين الوقوف بين يدي الله في الصلاة دون أن يطرف لهم ضمير أو تتحرك فيهم عضلة من إنسانية؟ .. كيف لمخلوق أو كائن أن ينتقل في نفس المكان والزمان من انتزاع أظافر بشر مثله وضربهم بالسياط والخراطيش وتعليقهم من المعاصم وإطفاء السجائر على حدق العيون ودق المسامير في الرؤوس واغتيال الأسرى إلى القهقهة وشراب الشاي والتحضير للعشاء؟ أنها حقا ظواهر سلوكية جديرة بالدراسة المعملية لعلنا نفك طلاسمها لنعرف على الأقل كيف يفكر أعضاء فرق التعذيب ودوافع السلوك عندهم، وهل هم هكذا بالميلاد ثم النشأة، أم أن هنالك مؤثرات دخلت على حياتهم؟ أم هما الميلاد والنشأة مضافا إليهما المؤثرات؟ ولنبدأ بحزمة من الافتراضات. لكن قبل الفرضيات، نثبت حقيقتين عن موقف القوانين الجنائية الوضعية والتشريعات السماوية من جريمة التعذيب:
جريمة في نظر قوانين الأرض والسماءأولا: التعذيب جريمة في نظر القوانين الجنائية كافة، وعقوبته رادعة لأن الألم مقصود لذاته عن عمد وإصرار. زد على ذلك أن التعذيب غالبا ما يكون أسوأ من الموت بالنسبة للضحية. فجريمة القتل برغم أنها تزهق حياة الإنسان بلا رجعة، إلا أنها غالبا ما تكون أقل وأقصر ألما للضحية. أما التعذيب فإنه يجعل الضحية يتردى في الآم أفظع من الموت ولمدة طويلة قد تمتد لسنوات من العذاب المقيم. وبسبب بشاعة الآم التعذيب، يقدم بعض ضحايا التعذيب على الانتحار مفضلين الموت كوسيلة "مريحة ورحمة" تضع حدا لآلامهم وعذاباتهم. فالموت في بعض الحالات قد يغدو رحمة، وأوروبا تشهد منذ فترة حوارات ومحاكمات حول موضوع "الموت الرحيم" الذي يطلبه بعض المرضى وأسرهم لوضع حد لآلامهم.
ثانيا: أما بالنسبة للتشريعات السماوية، لمن آمن بها، فإن التعذيب جريمة قد تصل عقوبتها القتل الحدي متى ما توخى الناس العدالة في التشريع. فقد ورد في محكم التنزيل، والخطاب لبني إسرائيل، "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" فالآية الكريمة تنص صراحة على مبدأ العقاب من جنس الفعل العمد. فالقتل يحتمل العمد والخطأ "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ" إلى آخر الآية الكريمة، " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" أما التعذيب فكله فعل عمد نسبة لتكراره المؤكد للفعل العمد. فإذا أخذنا جزئية الآية الكريمة "وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ" نستطيع أن نتبحر في معاني كلمة الْجُرُوحَ. فالجرح ليس القطع النازف فقط، خاصة وأن فرق التعذيب والموت قد أتقنت أساليب تعذيب فظيعة ووسائل قتل لا تنزف ولا تخلف أثرا. فهناك انتزاع الأظافر وإطفاء السجائر وإتلاف الأعضاء الحساسة للضحايا والجروح النفسية الغائرة والصعق بالكهرباء وبعض الأجهزة الجديدة التي تؤلم ولا تترك أثرا، وهذه كلها وغيرها تقع في باب الجروح. وفد ورد في الأثر الاقتصاص بالصفع. وإذا أخذنا مبدأ العقوبة من جنس الفعل، فذلك يعني تعذيب من يعذب بمثل ما عذب به ضحاياه. مثلا تعذيب من قام بتعذيب الدكتور علي فضل بنفس الطريقة والدرجة من التعذيب المفضي للموت ما لم ندرأ الحد بشبهة صعوبات الإثبات وصعوبة تحديد الفاعل أو الآمر بالفعل، فهم فيه شركاء. ومن ذات الوجهة الدينية لمن آمن، فإن العقوبة الدنيوية لا تلغي عقوبة الآخرة بسبب إنكار الجاني وبالتالي عدم توافر شروط التوبة النصوح، مفتاح المغفرة، وأهم شروطها إعادة الحقوق إلى أصحابها. والقوانين الجزائية الوضعية بدورها تواجه إشكالية صعوبات إثبات جريمة التعذيب. فجرائم التعذيب من الجرائم المخفية لأن مرتكبيها يعلمون تمام العلم أن جرائمهم مخالفة للقوانين الوضعية والسماوية والأخلاق والأعراف كافة، لذلك يرتكبون جرائهم من خلف جدر ظاهرها عادي وباطنها من قبله العذاب والتعذيب. وعليه فإن إخفاء التعذيب في حد ذاته دليل على الجرم واعتراف به! لذلك تقوم الدنيا ولا تقعد متى انكشف أمر التعذيب مثلما حدث بعد انكشاف تعذيب أميريكا للأسرى في سجن أبو غريب في العراق، وافتضاح تعذيب حكومة الجبهة السياسية الإسلاموية للأسرى في سجونها وبيوت أشباحها ..
ومن حيث أن حكومة الجبهة السياسية الإسلاموية تزعم أنها تحكم بما أنزل الله، فقد أردت من هاتين النقطتين، خاصة النقطة الثانية، التأكيد أن الله قد حرم التعذيب. فالله الذي كتب على نفسه الرحمة لا يقبل التعذيب، وتكاد الآيات القرآنية أن تنص صراحة على إيقاظ الحدود على مرتكبي جرائم التعذيب، والرسول الكريم وصحبه عاملوا الأسرى من الكفار أفضل معاملة وأطعموهم أفضل من إطعامهم لأنفسهم ووضعوهم على مرأى من الناس يفادون أنفسهم بتعليم المسلمين. والإسلام يدين ويعاقب في تعذيب الحيوان، والحديث الشريف "دخلت امرأة النار في هرّة ... " وفي السنّة المطهرة هناك شروط واضحة تمنع تعذيب الذبيح من بهيمة الأنعام مثل ضرورة حدّ الشفرة وإخفاؤها عن الذبيح وسرعة عملية الذبح وموضع الذبح .. فما بالك بالإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه؟ زد على ذلك أن القتل العمد الذي يستوجب القصاص شرعا ووضعا هو رديف للتعذيب لأن التعذيب يفضي إلى القتل العمد وليس العكس. نقول ذلك حتى لا يأتينا من يظن أن الله أمر أو يقبل تعذيب الحيوان أو الإنسان حتى لو كان كافرا بالله، أو من يقول أنه يعذب الناس جهادا في سبيل الله، أو من يقول أنه يعذب الناس طاعة لمرؤوسيه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا طاعة لمخلوق في معصية مكارم الأخلاق "لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ" "وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" " وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا" " قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ" إذن التعذيب، من الوجهة الدينية البحتة هو جريمة نكراء فاعلها مجرم له عقاب في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد حيث اختص الله نفسه دون غيره بتعذيب الطغاة والمجرمين، والآيات القرآنية تشير إلى هذا الاختصاص. ونختم هذا المفصل بالسؤال: هل يدري حسن الترابي وأشياعه داخل وخارج السودان هذه البديهيات عن تحريم التعذيب أم أنهم لا يعلمون؟
أما بالنسبة لموقف شبكة الإسلام السياسي العالمية التي تحكم السودان من وراء حجاب الجبهة الاسلاموية، فإنها ترى السودانيين "عبيد يقتل بعضهم بعضا ويعذّب بعضهم بعضا" فلا مانع من التعذيب طالما أنه يبقي السودان تحت الحكم والسيطرة، حسب فقه الضرورة الذي يفصلون منه للسودان ما يشاءون من مقامع الحديد والظلم والعذاب والتجويع وتحليل التعذيب. أعلم أن قولي هذا عن شبكة الإسلام السياسي العالمية قد يكون صادما للبعض، لكنها الحقيقة المرّة التي سوف أتناولها تفصيلا في الجزء الأخير من هذا السياق، ويكفي دليلا أن هذه الشبكة صدّرت التعذيب للسودان عن طريق وكيلها الجبهة الإسلامية ودربتهم في بلدانها على أقسى أنواع التعذيب وبعثت بمدربين وخبراء تعذيب وأجهزة تعذيب للسودان. فالسودان لم يعرف التعذيب كوسيلة للحكم عدا بعض التجاوزات الفردية والنادرة التي لا تستحق الذكر هنا. لذلك ظل التعذيب دخيلا وغريبا على الأعراف والأخلاق السودانية.
وأما عن موقف الإدارة الأميريكية وأوروبا فهو: ترك السودان وشعبه ضيعة ومرتعا ليس لحكومة الجبهة الإسلاموية الوكيل تحديدا، بل ضيعة للشبكة الإسلامية العالمية مقابل صفقة نتحدث عنها لاحقا وعن كيف أفلتت السعودية وأقطار الخليج والجزائر من قبضة الشبكة الإسلامية العالمية وكيف سقط السودان. فكل ما يطفح عن أميريكا وأوروبا عن محاربتها لحكومة الشبكة الإسلامية العالمية في السودان لا يخرج عن التمويه .. وما كان لحكومة الشبكة الإسلامية العالمية أن تعمر في السودان لولا الدعم الاستخباري الأميريكي والغربي وسند بعض أقطار الجوار ضمن الصفقة التي بانت نتائجها في تقسيم السودان .. وهذا هو أحد أهم مقاصدي من السياق .. فصبرا !