موضوع: حنية ..حبوبة..وماما..أمريكا.. الخميس 18 نوفمبر 2010 - 10:38
...حنية... حبوبة...وماما..أمريكا.. محمد عبد الله برقاوي.. bargawibargawi@yahoo.com
في ثقافتنا نحن أهل السودان..وربما في كثير من انحاء عالمنا العربي والاسلامي الي حد ما..يجد كبار السن منا كل توقير واحترام علي خلاف البلاد الغربية التي لا يستحي الواحد منهم في ارسال والديه وهم في سن الشيخوخة الي دور رعاية وايواء العجزة..لاعتبارات كثيرة بالطبع ..اهمها عدم التفرغ لرعايتهم بالبيت في ظل سرعة استدارة عجلة الحياة التي طحنت كثيرا من القيم في سكة اللهث المادي والمعيشي...ونحن هنا ودون سائر الشعوب نقدر ايضا ( النسيبة ) التي يسميها الاخرون الحماة ويتندرون بالنكات التي تستخف بها الي درجة السخرية..وتخشي تدخلاتها بقوات ردعها التحريضية ضد حماها الي درجة التطير..فيما كنا نحن الي عهد قريب نجعل الحلف بالنسيبة موازيا لقسم الطلاق .. كأن تحرج صديق اذا ما تعزز عليك في قبول دعوة غداء مثلا فتستحلفه قائلا.....(. نسيبتك..لو ما جيت )..فيطأطي راسه حرجا و..يبتسم مهمما بالاذعان قائلا .. والله انت يأخي ما في حد بقدر عليك... . كانت حبوبتي انسانة بسيطة ... وكان العالم في نظرها لايبدو ابعد من تنظيف الحوش وتعبئة الأزيار .. من البيارة التي يشمخ صهريجها ..أمام قريتنا كأعلي وابرز معلم حضاري قبل ان تنتصب مئذئة الجامع لتسحب بساط الهيبة المتفردة عنه.. لم تكن حبوبتي تعلم ان هناك حربا باردة ولم تسمع بالاتحاد السوفيتي ولا حتي ماما امريكا .. كان القوتان العظميان في نظرها ..هما شيخا الحلة .. الحاج قرشي .. والحاج عبد الرحمن ..وحينما نشتجر نحن في ذلك الوقت من طفولتنا التي لم تعرف التلفاز ولا الأنترنيت ولا البلي استشن ..ويكون سبب العراك ( كرة أم بوالة ) أو قلابة طير ..او حزمة بلي زجاج.. وربما قبورة ملونة ..ويستعصي فك الأشتباك علي قوات الساحة الذاتية وسط شماتة المحرشاتية .. ونلجأ لحبوبة باكين .. فانها دون ان تستأذن مجلس امن العائلة .. تجر ثوبها صوب الشيخ عبد الرحمن لقربه جغرافيا من ميدان المعركة شاكية .و.مطالبة اياه بضرورة توفير قوات محايدة ومرابطة عند فسحة القرية لضمان عدم تكرار التفلتا ت الهجومية التي تقوم بها الحركات المسلحة بالطوب والمتسللة من الفريق الوراني..وحينما تشعر بان شيخ عبدالرحمن استخف بطلبها ..فانها تلوي بوزها حتي تكاد شلوخها تتفجر دما ..وتقول له .. ليس فيك فايدة ساذهب الي الشيخ قرشي ..لينصفني..ولايملك الشيخ عبد الرحمن الا الضحك حتي تسيل منه الدموع.. فهو متعود علي غضبها الظريف ..
الان أذهب الي القرية فلا أجد حبوبتي التي مضت في رحاب الله ومنذ ربع قرن ..ومات الشيخ قرشي واصبح شيخ عبد الرحمن هرما لايقوي علي الحركة وتقلصت صلاحيات الشياخة حيال تمدد سلطات اللجان الشعبية واللجان الزراعية في الجزيرة ..وانتشار نقاط الشرطة في القري اذ لم يعد الناس في حوجة لتسليم من يرتكب جرما الي شيخ الحلة ..لحمايته من فتك المتضررين ثم للابلاغ عنه وانتظار السلطات لاستلامه وربما يستغرق ذلك اياما في زماننا ذاك..
ذهبت جدتي ولحق بها الشيخ قرشي ..وظل الشيخ عبد الرجمن امد الله في ايامه يقضي سحابة يومه تحت ظل بيته وهو يراغب المارة ويسترجع ماضي الذكريات مع سلطة الشياخة الآفلة ويترحم في صدق وحزن دفين علي زميله الشيخ قرشي طيب الله ثراه...علي عكس ماما امريكا التي اسعدها الحظ بموت عدوها اللدود..الاتحاد السوفيتي الراحل الذي انتقل الي ذمة التاريخ حيث خلا لها الجو للبرطعة في العالم الذي اصبح في قبضتها يبدو اصغر من ساحة قريتنا التي شهدت معارك لطالما تدخلت فيها حبوبتي بسلاح حنيتها علينا دون أن تأخذ لنا حقا مسلوبا باياديها وانما كانت تتنقل بين محكمتي العدل.. والجنايات القروية للبحث عن حل عادل لقضيتها..وذهبت من حسن حظها قبل ان تشهد زمانا آلت فيه حضانتنا كدولة قاصرة في نظر ماما امريكا التي اصبحت شيح حلة العالم الأوحد ..ويا بخت حبوبتي الحنينة انها لم تعش اياما لم يعترف فيه حكامنا وأوليا امورنا الجدد باننا شعب شب فوق طوق الوصاية ..وأخذوا يطبقون فينا صنوفا من تجارب مطبخهم السياسي فطير العجين ونيىء الطبيخ ..حتي احترقت الطنجرة وانفجرت في ارجاء الدار ..واستوجب الامر ان تتدخل مطافيء ماما امريكا ..لاحتواء الحرايق .. فيتمدد خرطوم غرايشن ناحية الغرب ..فيما كيري يسحب خرطوش العلاقات الخارجية التي بتنا شأنا داخيا لديها ..ناحية حريق الجنوب .. وحكماء افريقيا يهيلون حفنات من التراب علي جمرات هنا وهناك.. وعربنا ألأشاوس كالعادة يهتفون بالمشورة وهم يسعلون من شدة الدخان ولكن من بعيد لبعيد حفاظا علي عباءاتهم وبذلاتهم الأنيقة من السنة اللهب..
دار الزمن وفقدنا حنية حبوبة ..ولم نعد نحلف بالنسيبة .. لاننا تعلمنا من أصل ديننا وقبل ان يعلمنا حكامنا بان نحلف بالله أو نصمت .. وحلفنا بالله ولكن علي الا نصمت ..ونحن نراهم ينهون عن جزئيات في اداب السلوك ليس الا ..ووقعوا..هم.. في معصية عبادة السلطة والثروة والجاه .. والاستمتاع بالمثني الي مافوق الرباع .. مرورا بما ملكت الايمان..واقتسام البلد وتوزيعها وفق عطاء من لايملك لمن لا يستحق..فتفرقت ارجاؤها ايد سبأ..وطفقنا نذرف الدمع علي زمان القوتين العظميين .. واقتسامهما لعالم قريتنا الصغير وسيطرتهما علي ساحة اللعب فيها بالحكمة الأبوية .. المعطونة في ضحكة الصفاء علي انفعالات حبوبتي الحنينة.. وحمدا لله ياحبوبة..انك غادرتي دنيا بلاد يصر حكامها مع سبق الحقد علينا..فيستحلفون الهم...قائلين له..(.نسيبتك تخلينا نحكم شوية ) وتجلس علي انفاس رعيتنا.. لانهم يعلمون انهم لو استحلفوه بالله فقد لا يستجيب رحمة بنا ..مخافة من الله ..فحتي الهم فيه شيء من الحنية ..ولكنها لاترقي الي حنية حبوبتي ...التي ما احوجتنا ابدا الي حنان ماما امريكا..استجارة من قسوة بني جلدتنا.(.. عدنا مع العيد وكل عام والجميع والوطن ..بخير...وسامحونا .).والله من وراء القصد
ودعيسي
موضوع: رد: حنية ..حبوبة..وماما..أمريكا.. الخميس 18 نوفمبر 2010 - 11:40
يابرقاوي بركة المرقته من جحرك. كل وانت ترفل في ثوب السعادة والحبور
محمد فارس
موضوع: رد: حنية ..حبوبة..وماما..أمريكا.. الخميس 18 نوفمبر 2010 - 13:48
التحيه ليك برقاوي وانت تزكرنا باالزمن الجميل النقي حيث الحنيه والطيبه والبساطه هي الحكم والان صار النفاق والارهاب والمحاباه والتجاره باسم الدين هي السائده.
محمد برقاوى
موضوع: رد: حنية ..حبوبة..وماما..أمريكا.. الجمعة 19 نوفمبر 2010 - 4:15
شكرا.. لسؤالك الدائم..ود عيسى...وهذا من طيب أصلك..وهذا هو قدرنا ..اذ ان الترحال مكتوب علينا هما ابديا ..كما.. يبدو..ولكن دائما في البال..ويا محمد فارس..شكرا لك يا فارس الوعي المتقدم.. مروركما.. نزل كالطل علي خاطري..