(( وصفت الهيئة النقابية في بيان تلقت (حريات) نسخة منه وتنشر نصه كاملا اليوم، خصخصة الامدادات الطبية بأنها تعد (أم الكبائر وانها خطأ كبير). واتهمت من اسمتهم بـ (تجار الادوية والمنتفعين) بأنهم وراء القرار القاضي بخصخصة الامدادات (وزينوا للسلطة خصخصتها) مؤكدة انها ظلت توفر ما عجز عنه القطاع الخاص، من ادوية اساسية منقذة للحياة لكافة المستشفيات، وتدعم الفقراء والمساكين، وابدت بالغ اسفها لتشريد حوالي (449) عاملا وموظفا جراء القرار.
وهو نفس ما ذهب إليه الدكتور عبد الرحمن الرشيد المدير الأسبق للإمدادات والصيدلي المخضرم الذي طالته من قبل يد الصالح العام، والذي عبر لـ(حريات) عن أن قرار الخصخصة قد ادهش كل الصيادلة والعاملين في الحقل الطبي وقال (لقد خضّنا هذا القرار)، وعبر عن نيتهم بمقاومته بكافة الوسائل الممكنة.
وأضاف الدكتور عبد الرحمن الرشيد المدير الأسبق للإمدادات الطبية في فترة الديمقراطية الثالثة، قائلا بأن هذه مسألة باعثة على الاندهاش بشكل لا يتصور، وقال إن الاختصاصيين في المجال فوجئوا بالحديث حول الخصخصة وبدأ حراك كبير في رفض الفكرة في الصحف والمؤتمرات ولقاءات بمختلف الجهات، ولكن كما قال (علمنا بكل أسف أن القرار اتخذ بالفعل فليس مجرد فكرة ولم يتبق سوى تنفيذ ذلك القرار الجائر) وقال إنهم سوف يعملون بكل قوة لوقف تنفيذ هذا القرار والتراجع عنه مؤكدا: سوف نقوم بحراك قوي وواسع ونعتقد أن أية جهة إعلامية أو صحيفة لا تشارك في هذا الأمر (فإننا لا نعفيها)، ولكنه أردف: هل ستستمع الدولة لنداءاتنا هذه؟ واذا لم تستمع ماذا نعمل؟ هذه أسئلة مطروحة، وسنرى ماذا يمكننا القيام به.
وردا على سؤال (حريات) حول مدى خطورة قرار الخصخصة قال إن الامدادات الطبية ليست مؤسسة عادية بل هي مسئولة عن الأمن الدوائي في البلد وقال: أنا أشبهها عادة بالقوات السلحة في البلد التي تحمي الناس والإمدادات الطبية تحميهم من المرض ولا يمكن معاملتها كاي دكان او شركة أو مبنى ويقرر خصخصته، ولا يمكن ان تخصص الإمدادات لأنها مسئولة عن توفير الدواء للإنسان السوداني في كل الحالات. وأعقب موضحا: لنفترض أنه حصل وباء في البلد فإن أي شركة مهما بلغت هل ستقوم بدور حماية المواطنين من وباء السحائي مثلا؟ فالإمدادات مسئولة عن الإمداد بكل أدوية التحصين في البلاد، وكذلك جميع مستشفيات الدولة تستعمل مخدرات، والإمدادات تستجلب كذلك الأمصال المنقذة للحياة بغض النظر عن استخدامها أم لا وتساءل: كيف تقوم شركة خاصة بشراء أمصال لتوفيرها لدى الحاجة وتستحمل أن “تبوظ” بعد ذلك. وأردف: المسئولية الملقاة على عاتق الإمدادات الطبية هي مسئولية دولة لا يمكن أن تتنازل عنها لشركة خاصة.
وقال الرشيد إن قرار الخصخصة تم بدون النظر لما يترتب عليه من فجائع، ووصفه بأنه قرار خطير جدا وكل الناس يجب أن تتكلم فيه، وقال: (لا يجوز ولا يعقل أن الناس تفكر بخصخصة الإمدادات الطبية، وفي ندوة الأمس وصفه البعض بالجريمة) في إشارة للندوة التي عقدت بصحيفة الخرطوم.
ولدى سؤال (حريات) حول الجهة من وراء القرار قال إن هذا القرار لا نعلم من وراءه، لا أحد يعلم من هم الذين يريدون الخصخصة ومن الذي استشاروهم لاتخاذ القرار، وقد صرح وزير الصحة أول أمس أنه ليس لديه خبر بهذا الموضوع، وأضاف: اللهم إلا جهات لديها مصلحة في ذلك! وتساءل مستنكرا: كيف يتخذ قرار خطير كهذا بدون أن يستشار فيه الأطباء والصيادلة في شكل مؤتمر أو غيره من أشكال التداول، لا يمكن اتخاذ قرارات بهذا الشكل الجزافي. وقال إن القرار نسب للجنة خصخصة برئاسة المسئول عن الخصخصة، والتبرير أن الإمدادات خسرانة ثم أضاف: الإمدادات لا يمكن أن تخسر لأن الدواء يدفع المواطن قيمته في شكل ضرائب وزكاة وأتوات ويجب أن تردها الدولة في خدمة الدواء فكيف تبيع الدواء؟ وأردف: وهي تبيعه وبرغم ذلك تقول إنها خاسرة.. هذا موضوع غير مفهوم.
الجدير بالذكر أن الهيئة العامة للامدادات الطبية هي هيئة عريقة تأسست عام 1937م كوحدة حكومية تابعة لوزارة الصحة لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية وتوسعت بعد ذلك لتشمل المعدات الطبية و نجحت لعقود من الزمان في أداء مهامها ووفرت حدا معقولا من التمويل الدوائي للمؤسسات الصحية العامة و كانت هذه الأدوية هي ما يتلقاه المريض مجانا. و قد كانت الهيئة تقوم بشراء الأدوية من الداخل أو الخارج وفق نظم متفق عليها لا يرقي إليها الشك في أمر جودة الدواء ويقوم المعمل المركزي معمل استاك بفحص العينات بواسطة صيادلة أكفاء ولا يتم الاستيراد أو الشراء إلا بعد الموافقة عليه. و نجحت الهيئة تماما في توفير مخزون دوائي جيد وفق نظم صارمة.
وفي عام 1992م ألغت (الإنقاذ) مجانية العلاج بسبب اطلاق سياسة التحرير الاقتصادي و تبع ذلك تحويل الهيئة لهيئة مستقلة عن وزارة الصحة و تم الاستغناء عن عدد كبير من العاملين بالهيئة عن طريق الفصل للصالح العام. وتحولت الهيئة العامة للامدادات الطبية بعد ذلك لسياسات بيع الدواء للمؤسسات الصحية عن طريق الدفع المباشر و قامت هذه المؤسسات بدورها ببيع الدواء للمريض.
وتفيد مصادر (حريات) بأن صيدليات المستشفيات العامة و صيدليات المجتمع تبيع الدواء للمريض أصلا بهامش ربح عال جدا وأي دواء يستورد من الخارج يدفع المستورد 2% من قيمته، إضافة لـ 10% جمارك استيراد، 5% أرباح اعمال، 2,1% رسوم طيران مدني، 1% دمغة جريح، 1% رسوم لإدارة الصيدلة، مبلغ 15 ج دمغة أعمال لكل فاتورة، 5ج دمغة ، 27ج خدمات كمبوتر، 25 ج ملء اورنيك، 2ج دمغة سياسات، و2,5% من سعر الدواء دمغات اخري؛ فيكون المجموع الكلي للزيادات 21% من سعر الجملة للصيدلية، وبعد ذلك يباع للمستهلك بإضافة 20% ربح صيدلية زائدا 15% ربح الوكيل. وكمثال علي هذا التضخم الربحي فإن دواءا يصل البلاد بسعر 325ج يصل إلي المخزن الدوائي بسعر 386ج ثم ليد المستهلك ب 533ج!! و يعني ذلك 64% من سعره الأصلي! فحتي لو تركت الدولة دعم الدواء لا يبرر ذلك هذه الزيادة و الربح الفاحش.
ويقول الاختصاصيون إن الخطوة الأخيرة المعلنة بالخصخصة الكاملة للإمدادات الطبية ستكون آخر مسمار في نعش توفير الخدمات الصحية للمواطنين، لأن أي جهة غير الدولة تتحكم في هذه الأدوية سوف لن تتكفل أو تلتزم بالسعر المعقول للدواء و لن تتبني استيراد الأدوية المخدرة ولا المنقذة للحياة وسيصبح كل هذا الشأن وفق هوى هذه الجهة غير الحكومية ومعلوم أنه لا يمكن لسلعة مثل الدواء أن تخضع للقطاع الخاص هذا إلي جانب تشريد كل العاملين، وقد أجمع المختصون على أنه بالرغم من انحراف الهيئة عن مسارها و خروجها عن طورها إلا أن معالجة هذه المشكلة تكون في إرجاعها سيرتها الأولى والقضاء على الفساد، والمضي قدما في دعم الدواء وترقية الخدمات الصحية للمواطنين.)). حريات