تأليف/رضا الهجرسى
حلقات من الدخان
..........................
مط شفتيه نافثا دخان سيجارته فى حلقات مستديرة..
ترتفع..تتسع..تتلاشى ..
نفث أربع نفثات متعاقبة بأربع حلقات متتالية ..مع إبتسامة مريرة
محدثا ذاته التائهة..
- أربع سنوات تلاشت كحلقات من الدخان فى فضاء العدم اللامتناهى..
تنبه من نومه وكوابيسه على صراخ صديقه وزميل دراسته وعمله مقتحما عليه غرفته ..فى غضب مختلط بالمزاح ..
- أأنت نائم هنا ..والدنيا كلها تبحث عنك ..عن فرعون النوبة ..
- فرعون النوبة ..
- هذا ما أطلقته عليك الجريدة الحكومية ..مع صورة لك مع أهل النوبة الذين عادوا إلى أرض الجدود بعد تعميرها وزراعتها ..
أنت الآن مَثل ..بل بطل يحتذى به شباب مصر كلها ..
- لك الله يا مصر ..كم من سنوات لشبابك تلاشت كحلقات من الدخان فى فضاء العدم اللامتناهى ..
- ما هذا اليأس يا صديقى ..أبعد أن رأيت بأم عينك ثمرة تعبك وكدك ..لأربع سنوات ..واصلت فيها الليل بالنهار ..حتى أخضرت الأرض وطرحت قمحا ..وبنيت دور للنوبيين على
أرض جدودهم ..والرئيس بنفسه سلمهم أياها ..وتُوج تعبك
بمصافحة السادات وتهنئته وشكره لك ..و حديثك المذاع فى
التلفاز وفخرك بما أنجزته ..
- نعم ..نعم ..كل هذا حدث ..ولم يكن فى الأرض كلها أسعد منى ..
وأنا أرى النوبى مع زوجته وأولاده يدخلون دورهم مع بهائمهم..
والأولاد يقفون يحييون العلم فى مدرستهم بمرايلهم الصفراء ..
و بشرتهم التى تشبة لون طمى البحيرة خلف السد ..
- أذن ما تفعله الآن لا يتفق مع منطق ولا عقل ..يأس ..أنعزال ..
- إصمت ..وإنصت لما أقوله ولا تقاطعنى ..دعنى أزيح هذا
الكابوس الرابض على صدرى لتحمله معى قبل أن يقضى على
- أنتهت الزيارة يا صديقى..وغادرت طائرة السادات والسادة الوزراء..بعد أن منحوا كل العاملين بالموقع شهرين مكافأة..
- كل هذا أعلمه..وما ذكرته الآن يجعلك فخورا بما أنجزت..
سعيدا لا مكتئبا ..
- بعد أنتهاء الزيارة ..أكاد أطير فرحا بما أنجزت ..
أنشقت الصحراء عن صف طويل من العربات ..
خرج كل نوبى ومعه زوجته وأولاده وبهائمه ..
غادرت العربات عائدة بهم إلى قراهم أمام السد ..
ألتفت حولى فى ذهول وأنا أرى القرية خالية من سكانها ..
القمح على أمتداد البصر ..قد أصفرت عيدانه ..
تلاشت أربع سنوات من عمرى فى فضاء العدم اللامتناهى ..
ك حلقات من الدخان ..
( النهاية )